تواصل معنا عبر الفيسبوك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كلمة حقّ في ذكراه العطرة
الأستاذ شوقي حبيب زيتونة من كرم بلدي عبلّين
بقلم : سمير فوزي حاجّ
أيقونة علم عبلّينية متلألئة في لوحة فسيفسائية جميلة ، مربّ ومعلّم في زمن قلّ فيه المعلّمون ، حين كانت حناجر الطلاب تصدح بصدق ملء السّماء " قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولا "
رسول علم وسفير بلدته عبلّين الماضي الجميل ، في كلية تيراسنطا القدس الانتدابية ، التي عاش فيها وتخرّج منها ، ثمّ واكب تعليمه في الكلية الرشيدية ، لكن نكبة شعبه الفلسطينيّ حالت دون متابعة دراسته فيها.
حدث هذا زمن الحصيرة والفانوس وشظف العيش ، حين كانت عبلين أشبه بجزيرة ، مقطوعة عن العالم ، لا مواصلات ولا اتصالات ، وقبل وصول لامبة أديسن إلى قرانا .
حدث ذلك ، عندما كان سفر التلامذة القرويين خارج بلدانهم ، يعتبر نضالا وتحديا ، إذ كانت الأمية سائدة وكلمة العلم صعبة المنال ، لا بل مشطوبة من القاموس الفلسطينيّ .
حدث ذلك ، حين كان الظلام والفقر والخوف يطغى، وحين كانت الغربة كاوية وقاسية ، مثل مغامرة سندبادية أو يوليسية محفوفة بالمخاطر والشقاء.
وكان صباح وكان مساء ، وتابع خرّيج تيراسنطا القدس ، دراسته الأكاديمية العلمية في معهد التخنيون ،ليكون رائدا ومميّزا وسبّاقا بين أبناء شعبه في النجاح والتخرّج ،إبّان فترة الحكم العسكريّ والطوق ، عام 1956 بشهادة B.Sc في الهندسة الكيماوية ، والتي منع العمل فيها بسبب هويته القومية.
في تلك الفترة ، بعد النكبة والقطيعة ، وضرورة تعلّم لغة جديدة ، كان الالتحاق بالتخنيون ، معهد الهندسة التطبيقية ، لشاب قرويّ عبلينيّ ، يعدّ أسطورة . وها قد مضى على هذه المفخرة والإنجاز الكبيرين ، زهاء سبعين عاما، نسأل بغصّة وحسرة واختبار ذاتيّ واستفزاز إيجابيّ : كم عبلينيّ تخرّج من التخنيون في هذه الحقبة ؟ بعد أن أصبح السفر إليه على جناح عصفورة ، والدراسة وإتقان اللغة أسهل ؟
أليست هذه صفحة مضيئة في سفر قريتنا السبّاقة في العلم والأدب برعيلها الأوّل ، و مفخرة عبلّينية يجب أن تنقش بماء الذهب على جذع زيتونة روميّة في مدخل القرية أو وسط البلدة ، لتكون محفزّا لأجيالنا الصاعدة على صعود سلّم العلم والارتقاء والبناء ؟ لنأخذ قليلا من هذه الخميرة ،لأنّه بلا خميرة لا يصبح العجين خبزا .
الأستاذ شوقي عاشق للشعر والأدب حتى النّخاع عاقر ربة الشّعر ردحا ، وكتب القطعة النثيرة والشّعيرة
الموزونة ،وكان من المرتادين الدائمين في " النّادي الجورجي" محجّة الشعر ومحرابه ، دارة شاعرنا طيّب الذكر أستاذنا جورج نجيب خليل ، التي كانت منتدى أدبيا وثقافيا عامرا بالأدباء والشعراء عقودا من الزمن .
كيف لا يعشق المهندس شوقي حبيب ربة الشّعر ولغة الضاد ، وهو تلميذ الأستاذ الموسوعيّ العلّامة الجهبذ في اللغة العربية والبحث الأدبيّ ، روكس العزيزيّ (1903-2004) ،الذي درّسه اللغة العربية في تيراسنطا القدس ، فعشقه وبقي يردّد اسمه بتيه وإعجاب في كل محفل ، وقد زاره في دارته الجميلة الشميساني (عمّان) قبل وفاته ، وفد حدّثني كثيرا عن ألق هذه الزيارة وعطر اللقاء.
الأستاذ شوقي كما يحلو لنا أن نناديه، عاشق الأرض وكروم الزيتون وحقول الخيار ، فلّاح نشط وناجح ، مسكون بحبّ الأرض والانتماء إليها ،عزقها وشذّب أشجارها وزيتونها ، وقطف ثمارها الطيّبة بفخر واعتزاز .
رحل المعلّم الغيّور المتفاني مربّي الأجيال وصاقلها ، وباني مداميك الغد الآتي لتلامذة سمت وشمخت في ظلاله.
في مسيرته العريضة الطويلة سلاسل ناصعة من الإنجازات في مفازات العلم . هذا العبلينيّ الناجح ، انعكف على التأليف والترجمة للكتب العلمية خاصة الكيمياء ، في زمن ولا أقسى، لجذب الطلاب إلى دروب ومشارب وموضوعات جديدة وصعبة ،ولتذليل الصعوبات والصخور المعترضة.
الأستاذ شوقي حامل اليراع والطبشورة فوّاحي شذا العلم والمعرفة ، كان خزانة ثقافة ومعرفة ، ورجل مجتمع بامتياز .شق طريقه بين الصخور ووعور الأيام ، وبنجاحه العلميّ المميز والرائد رفع اسم قريته عبلين إلى مشارف النجوم ، كما كرّس سنينا من عمره في خدمة الوقف الأورثوذكسيّ بنجاح باهر وتفان وأمانة لا مثيل لها.
في حياة رجل كبير كأبي يوسف ، مسيرة شعب وسيرة مجتمع كامل وهوية بلد ومرايا لحياة قاسية، لكنّها عذبة وحلوة .
هذه كنوزنا الباقية ، وهذا زيتنا الأصيل وهذه جرار شهدنا الحرّ ، ما أحوجنا إليها في أيامنا ..لتكون بوصلة علم وقدوة كفاح عذب الثمار .
لتبق ذكراه الطيّبة تتضوّع بخورا ولبانا ومسكا في فضاءات العلم ، وبين الإشراقات العلمية والمعاهد التربوية.