لذكرى الرفيق العزيز الراحل محمد جبر قسوم (ابو الجبر ) وابو الكفاح 

"أراك ... ما زلت معي... إلى جانبي"

يوسف حيدر

عندما اكتب لك ومن اجلك اشعر انني اكتب حسابا لنفسي ولك انت وأتساءل في زمن التمزق والتشظي والعهر والتآمر والخبز الحافي ...
هل كنا اشخاصا عاشوا في الصراع وعانوا منه؟
 الذي لا ينتهي وكان بودنا نحن البسطاء ان نقرب في نهايته كما كنا نحلم ونرنو الى تحقيقه.
اضحك احيانا وأقول "عقلاء حائرين"  نظروا الى ذاتِ الإنسان واستشفوا أغوارهُ وأدركوا انّ الإنسان مكتوبٌ عليه أن يخوض معارك لا تنتهي ضد كلّ شيء حتى ضدّ ذاته وضدّ "شيطانه".
وإنّ هناك في داخلنا عنصرًا غريبًا مجبولًا  بالتحدي والتصميم يحملنا على التمرّد  ولكن لا يمنعهُ ابدًا من الخلود الى السكينة أو التوقف عن النضال، بل يخلق فيهِ قوّة جديدة وحافزًا لمواصلة الكفاح بعنفٍ أشد وتصميمٍ أقوى، مُسمّرًا ناظريهِ وإرادتهِ على شيء واحد هو ألّا تسحقهُ صخرة (سيزيف).  وكان الإدراك الواعي لمأساةِ الإنسان فينا  هو الذي يحولنا الى  شخصيات تحمل فكرا نيرا يخلق لنا  المواقف الحكيمة الجريئة التي لم نخف يوما ان نعلنها على الملأ وندافع عنها بجرأة واعتزاز.  واتساءل احيانا هل هذا وعي شخصيات غريبة وحائرة وليس من  هذا الزمان ينتابها القرف من الرياء البشري وفوضى الكون، وتنقم على عالم الخطاة والمقهورين وعالم الأقوياء الطغاة.
هل نحن رجال مضحكون وينعتوننا بالجنون؟ 
ومن شأن هذا النعت أن يكونَ رفعًا من قدرنا وقيمتنا.
 لو أنّهم تراجعوا قليلا عن اعتبارنا مضحكين كما فعلوا في السابق. حينما استهزؤوا بحماة الوطن الاولين حين وقفوا مع  الناس كل الناس وقاوموا التشريد والترحيل وآثروا مع من اقتنع بهذا الموقف البقاء في الوطن وعدم تصديق وعود القيادات والزعامات المتآمرة على شعوبها "وبايعه" القضية والطين بفلوس الغزاة الجدد. لكنني بعد اليوم وبناء على وصيتك ومحبتك لهذه الجماهير  لن  أغضبَ عليهم فجميعُهم لطفاء بالنسبة لي حتى وهم يهزؤون بنا ولعلهم يصبحون اكثر لطفا حين يفعلون ذلك. ولو لم أكن شديد الحزن من جهلهم الحقيقة التي كنا نعتقد اننا وحدنا كنا نعرفها فما اصعب الامر على من يعرف الحقيقة وحده. وكنا نعتقد انهم لن يفهموا ذلك ونؤكد لا ...  لا لن يفهموا. كنا وحدنا انا وإياك نعرف الحقيقة عن اناس يحشون افواههم بأنبل الكلمات لإيهامنا بان قلبهم يتدفق عطفا وما هم إلا منافقون. كم كنا مؤمنين حقيقيين نريد ان نخلِّص الانسان من جحيمه الارضي وعذاباته التي صنعها له اله صغار ارضيون. وقاومنا المضللين اننا لا نقبلُ العالم على نحوِ ما خلقهُ ألله  ولا نستطيع الموافقة على قبولهِ رغمَ علمنا بوجوده. لسنا نرفض الله افهمني جيدًا...
 ايها الراحل الغائب الحاضر وإنما أنا أرفضُ العالمَ الذي خلقهُ ولا أستطيعُ الموافقةَ على قَبوله.. ومصيبتي ايضا انني لست ضد الله بل ضد الذين خلقهم الله وجعلوا من انفسهم وسطاءه "وعاملين حالهن الله".
إنني أومن إيمانًا كبيرا بأن آلامَ هذا العالم سَتخِفُّ شيئَا فشيئا  وستزولُ . وأن هذه المهزلة السيزيفية  مهزلةُ وفرية البقاء للأقوى ستتبدّدُ تبددَ سرابٍ باطل زائل لان التناقضات وتراكماتها وعولمة الثورة ستحطم نزعات الاستغلال والاحتلال والظلم  والحروب والاستعباد.  ألم يراودك مزاجك يوما وحدثتني في لحظة يأس انساني بسيط وعادي وقلت "انني رجل تعيس ولا اخاف على إنسانيتي". 
حالة اقتنعتُ بها بشكلٍ راسخٍ وثابت أن لا شيء في هذهِ الحياة يستحق الاهتمام وكان الأمر عندك في تلك اللحظة  مجرّد شكٍّ لكنني اقتنعت بعد ذلك قناعةً كاملة وأيقنت فجأةً بذلك يقينًا لا محيد عنه. بغتةً شعرت أنني لست معنيًا سواء وجدَ هذا العالم أم لم يوجد. وبدأتُ أشعر وأحس بكل جوارحي أن لا شيء قد وجِدَ أثناء وجودي أنا.. في البداية كان قد تراءى لي أن أشياءَ جمّة قد وجدت من قبل ثم أدركت أن لا شيء من قبل قد وجد أيضًا ولكن لسبب ما تراءى لي ذلك الوجود وشيئًا فشيئًا أيقنت أن لا شيءَ أبدًا سيكون.
وعند ذلك أصبحت فجأةً لا أغضب من الناس بل ما عدت ألاحظ وجودهم وهم تعيسون يائسون. كنا نتحدث ونتحدث وما اكثر ما استطابت نفوسنا الحديث لأننا كنا نجد انفسنا قد توافقت وتواءمت وبات لها مشتركات كثيرة... لا يجد الانسان كل يوم ذاتًا تشبهه أو تكون قريبة منه تنظر إلى العالم مثله بعين الفضول والريبة والقلق والاستكناه وتحاول أن تفهم وتعي قدر المستطاع مكانها في هذا العالم.... ولكن يبدو أن نفوسنا ذاتها التي خرجت إلينا بهذا التقارب بدأت تدرك أن اجتماعنا ذلك لم يكن له حظ من الاتفاق إلا في تلك الكلمات التي تداولناها وزالت بعد انتهاء اللقاء.
حين أنظر إلى الماضي إلى السنوات التي عشناها في ميادين النضال والكفاح وعمل النملة اليومي بلا كلل او ملل ... ينبض  قلبي فرحا انني كنت اعتبر الحياة   هبة..  غالية وبإمكاننا ان نحوِّل كل دقيقة بها الى سعادة غامرة للجميع.
 فقط لو يعرف الأحياء هذا الآن... وما اعني وأقول 
 ستتغيّر حياتنا  الآن
 ونبدأ من جديد...
حين انظر الى الماضي الى السنوات التي لم تضع عبثا ينبض  قلبي لها فرحا 
اننا كنا نفتخر بعظمتنا البسيطة وببساطة العظمة عندنا نحن اصحاب الخيالات الغريبة صناع سعادة البشر...
 هل انكسرنا لا 
الآن نبدأ من جديد...
رفيقي الغائب والحاضر فينا دائما 
 أراك...
 واقفا في الصف الامامي في المظاهرة وأحيانا تتغافل وتبقى بعيدا في آخرها
وأراك متسمِّرا في مكانك في تظاهرات رفع الشعارات ماسكا زمام الحقيقة في الشعارات التي كنت تحملها وتحميها بجسدك وفكرك وكان نادينا دائما ساحات وميادين الجماهير وبيوت وحدائق العمال والمقهورين كما كنت تسميهم. 
وأراك مبتسما ومعتزا في مخيمات الشبيبة الشيوعية التي ابيت إلا ان يكون اسمها على اسم الرفيق جيفارا رمز الكفاح والثورة وحبيب الشباب والأطفال .. وكنت مثل الاطفال لا تقبل إلا ان تفرح مثلهم وتلعب مثلهم وتلاطفهم وتقلب الدنيا رأسا على عقب في عبلين لتجند لهم التبرعات والدعم من اجل فرحتهم وسعادتهم في المخيم.
وأراك تلبي الآن الآن وليس غدا نداءات الاستغاثة لشعبنا الصامد والمحاصر تحت الاحتلال فلا تنام الليل إلا ان تطمئن على اننا جمعنا من المعونة والمواد الغذائية لنرسلها بأسرع ما يمكن.
وأراك لا تفوِّت مناسبة وطنية إلا وتجند لها وتتصل بالجميع قبل ان تشارك فيها من إحياء ذكرى يوم الارض الخالد ومجزرة كفر قاسم ودير ياسين والأول من ايار عيد العمال الاحرار ويوم المساواة وذكرى شهداء اكتوبر في يوم القدس والأقصى وغيرها وغيرها من المناسبات الوطنية والشعبية.وأراك اليوم تعرِّج نحوي لنذهب معا في مشوار حماية جريد الشعب الاتحاد بجمع الاشتراكات والتبرعات لضمان استمرارية صدورها اليومي. وحمايتها لتبقى شوكة في حلق الحاقدين والحاسدين والظالمين.
وأراك تستل سيفك السياسي ودرعك التنظيمي بحماسة من اجل انجاح حزبنا وجبهتنا في حملاتها الانتخابية المحلية للمجلس المحلي  والقطرية للكنيست والهستدروت  ولا تنام لتوصل الليل بالنهار وتزور الناس كل الناس وتدعوهم لدعم حزب وجبهة الناس كل الناس.
وأراك كل يوم صباحا تتأبط جريدة الاتحاد وتوصلها للمشتركين قبل ان تبرد قهوتهم الصباحية وتعرِّج بقلمك الذي لا يفارق جيبك على حل الكلمات المتقاطعة وتمشي وتمشي وتنساك قدماك لكنك بفطنة حدسك الحاد  كنت تتحايد مطبات الشوارع كما كنت تتحايد وتتحايل على مطبات السياسة اللئيمة بحنكة وشطارة ولباقة الثوريين.
وأراك وأراك عندما كنت أسبقك في مشيي فتشكو لي بخفة دمك اللطيفة وتقول لي "ول شوي شوي شو مفكرني مرتك" مستهزئا على حالة العربي مطأطئ الرأس يسير ويمشي لا جانب زوجته إلا امامها وبأمتار عديدة.
وأراك يوميا طيفا يسير معي يوميا من بيتي الى حارتكم عندما اعرِّج نحوك لاتكئ على ارادتك الصلبة وخبرتك السياسية ومعا نقتحم المصاعب والمتاعب من اجل ان نبقى موحدين فكريا وتنظيميا وسياسيا.
وأراك ما زلت معي يا رفيقي ... الى جانبي تسير معي نتبادل اطراف الحديث والتحليلات ونتبادل النكات والحكايات ونقلب السياسات ونغذي انسانيتنا باسمى المواقف والشجاعات..  نمشي ونمشي ونسير ونسير حتما لنهاية مجدية .. معي دائما .. باقٍ الى الابد...