X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
17/11/2011 - 07:13:22 am
صباحكم أجمل/ بيت لحم حب وإبداع الحلقة الثالثة بقلم: زياد جيوسي
موقع الغزال

العراقة والتراث في مباني بيت لحم التراثية وعدسة زياد جيوسي

   حين غادرت بيت لحم عائداً إلى المحبوبة الأولى ومعشوقة الروح وذاكرة الطفولة رام الله، في وقت متأخر يوم 26/5/20011 شعرت أن هناك مزقاً من قلبي بقيت فيها، وقد تركت دعوة مؤسسة الباب الأدبية لي والأحبة الذين التقيت بهم هناك، أثراً كبيرا في الروح ومشاعر متأججة، وبقيت أشعر بعطش لتذوق جمال بيت لحم وعبق تاريخها مرة أخرى، وعلى الرغم من أنني زرت أطراف المدينة مرتين بدعوة من أصدقاء يسكنون القلب والروح إلى منتجع مراد في مدخل بلدة (دار صلاح)، إلا أن هذه الزيارات بقيت منقوصة، فهي لم تشبع روحي بزيارة بيت لحم المدينة والتجول في أرجائها، حتى اتصل بي الصديق الغالي خالد الصيفي أكثر من مرة لدعوتي لزيارة بيت لحم بدعوة من مؤسسة إبداع التي يديرها، ووافقت على الدعوة تاركاً تلبيتها لظروف برنامجي لتحديد الوقت المناسب، ولكني تأخرت بتلبية الدعوة حتى خاطبني ذات مرة على متصفحي علناً: "متى ستفك قيودك وتتحرر من رام الله وتزورنا؟"، فأجبته: قريباً يا صديقي سأرتب أموري وأزوركم فهي رغبتي أولاً، ولكني سأتعبك معي بالتجوال فأنا لا أهدأ حين أعانق المكان والتراث، فكيف حين أن أعانق بيت لحم والشوق إليها يشتعل في الروح والقلب؟! 

 

   صبيحة السبت  كنت على موعد مع بيت لحم حيث الحب والتاريخ، ورسول السلام والقديسين الذين تركوا أثرهم في تاريخنا، وذاكرة كنعان جدنا الأول الذي بدأ الحضارة في رحاب أرض قدسها الله سبحانه وتعالى وعشقها البشر، فغادرت رام الله مبكراً بحافلة عامة مروراً  بواد النار الذي أصبح أصلح حالاً بعد زيادة عرضه وإنارته بوساطة الطاقة الشمسية وإعادة تعبيده، فسهل الكثير على المواطنين بعد أن أغلق الاحتلال طريق القدس بوجه أبناء البلد وأصبح حراماً على بلابله الدوح، ولكن تبقى الغصة في قلوب أبناء الأرض قائمة، ولا يمكن أن تزول قبل أن يزول الاحتلال، وترجع القدس إلى أبنائها، وتعود الطريق من قيامة المسيح إلى مهده، ومن الأقصى حتى الحرم الإبراهيمي مفتوحة عبر القدس لأبناء الوطن.
إبداع وعدسة زياد جيوسي

   في التاسعة صباحاً كنت في محطة الوصول في بيت لحم، وبالكاد بدأت باحتساء فنجان قهوة من بائع اتخذ مدخل الموقف للبيع والرزق حتى كان صديقي خالد الصيفي قد حضر، وبعد اللقاء الحار بدأنا الجولة بزيارة (مركز إبداع) في مخيم الدهيشة، وأعترف أن معلوماتي عن المركز كانت منقوصة كثيراً، فلم يكن في ذهني أكثر من مركز يهتم بالفن وإبداع الطفل، ولم أتوقع أن أجد مؤسسة متكاملة النشاطات في خدمة المخيم وأبناؤه والمجتمع المحلي، ومن قبل وصولنا إلى المبنى الأول وأثناء مرورنا بأزقة المخيم لفت نظري أن الجدران مغطاة باللوحات المرسومة على الجدران، فمن لوحات لرسومات ناجي العلي، إلى لوحات لفنانين آخرين كلها تحمل البعد الوطني والبيئي والمجتمعي، بحيث أحالت أزقة المخيم التي مررت بها إلى قرية فنية بشكل مختلف تماماً عن كل المخيمات التي تجولت بها وزرتها سابقا، بحكم عملي السابق في شؤون اللاجئين أو كما كنا نسميها في الخارج (شؤون العائدين)، وحين انتبه خالد الصيفي إلى دهشتي سألته عن هذه الفكرة وهذا الإبداع، ففوجئت أن معظم ما أراه هو من أنشطة مركز إبداع وطلابه، فصمتّ إجلالاً لهذه الجهود وهمست بداخلي: إن كانت هذه البداية فما الذي سأراه أمامي؟
لوحة موقعة من أبناء المخيمات في مركز ابداع وعدسة زياد جيوسي

   وصلنا مركز إبداع فوجدته من عدة طبقات، وبدأنا التجوال في المركز لأجد عيادة لمرضى السكري، وعيادة أخرى لعلاج النظر وفحصه، عالجت المئات ووزعت النظارات بأسعار رمزية، ما أثار ضجة من الذين يبيعون بأسعار عالية دون إحساس بظروف أبناء المخيم والوطن، لأنتقل إلى دار حضانة وروضة أطفال ومكتبة أطفال وحديقة مزودة بالألعاب للأطفال، ومشغل تطريز للتراث الفلسطيني وقسم للمنتجات التقليدية، وقسم لتعليم الحاسوب وقاعات تعليمية أخرى، وتنقلنا من طابق إلى طابق لأجد في كل دور مفاجئة جديدة، ولعل مشروع قسم الإعلام تحت التجهيز كان من المفاجئات الكبيرة لي، ومن زاوية إلى زاوية ومن طابق إلى طابق وفي كل زاوية مفاجئة وروعة وإبداع، حتى صعدنا إلى سطح المبنى، فبدأت التقاط الصور لأزقة المخيم والتلال المحيطة به، فعدستي لم تهدأ عن التقاط الصور وتوثيق ذاكرة اللحظة من لحظة دخولي المبنى.

مخيم الدهيشة وعدسة زياد جيوسي

   سألني صديقي خالد الصيفي بعد إنهاء زيارة المبنى الأول لمؤسسة إبداع وقبل زيارة المبنى الثاني: كيف تريد أن يبدأ برنامج في بيت لحم؟ فهمست له: بعد أن نزور المبنى الثاني لمؤسسة إبداع أريد أن أجول دروب البلدة القديمة كاملة سيراً على الأقدام ومن ثم أزور كنيسة مغارة الحليب وبعدها المؤسسة الدولية، وبعد الغداء سنكمل البرنامج، واتجهنا إلى المبنى الثاني لمؤسسة إبداع لأجد مفاجئات أخرى سيكون لها حديث آخر، ومن هناك اتجهنا إلى البلدة القديمة وتركنا السيارة في شارع بعيد وصعدنا درجاً يؤدي للسوق الشعبي، وبدأنا التجوال في أزقة ودروب بيت لحم القديمة، وفي كل زاوية كانت هناك حجارة تروي حكايات وقصص، فهمست لي: كيف حفر الأجداد الصخور بأظافرهم وبنوا المدينة عبر الأجيال، بدأها أبناء كنعان وواصل الأحفاد المسيرة جيلاً إثر جيل، أسرت لي بقصص عشق الجدات والأجداد، وكيف قاوم الرجال أحفاد كنعان الغزاة عبر التاريخ، وروت لي الدروب والأزقة كيف كان أبناء كنعان وأحفاده يد واحدة عبر التاريخ لا يفرقهم دين ولا محتل، وهمست لي عن قصص الرهبان وتفرغهم للعبادة وعن فرح المدينة باستقبال سيدتنا مريم العذراء ليكون ميلاد سيدنا المسيح فيها ولتكون المدينة مهده، ومن زقاق إلى زقاق ومن درب إلى آخر، كانت قدماي تجول وروحي تحلق وعدستي لا تتوقف عن التقاط زاويا الصور، فقد كنت في حالة من التحليق الروحي أقرب إلى التصوف من حالة زائر عابر، فمن يجول دروب بيت لحم وبلدتها التراثية والقديمة لا يستطيع التوقف عن الدهشة، ولا تتوقف عيناه عن تأمل الجمال وروعة ما تركه الأجداد لنا، ومن شارع إلى شارع، ومن زقاق إلى زقاق، كنت أحلق بعالم آخر من الجمال، فسحر بيت لحم لا يقاوم، وقدسيتها تملأ الروح سكينة وسلام، وعبقها كأنه عبق الياسمين ينسكب شلالات عطر قادمة من أعماق التاريخ.

مغارة الحليب وعدسة زياد جيوسي

   وصلنا ساحة كنيسة المهد وهمست: عليك السلام يا سيدنا عيسى المسيح يا رسول السلام، ومن جوار المهد كنا نتجه لكنيسة مغارة الحليب، وما أن وصلناها حتى وقفت بدهشة أمام بوابتها المتميزة بنقشها، وأتأمل اللوحات والأيقونات التي نقشها الفنانون المحليون في القرن التاسع عشر حيث نقشوا صوراً لحكاية سيدتنا العذراء وطفلها المسيح عليه السلام على الحجارة المثبتة على مدخل المغارة، ونزلت درج المغارة لأجد نفسي في عبق القدسية والتاريخ، أجول زواياها متأملاً من ناحية وفرحاً من ناحية أخرى، فهل هناك فرح كما الفرح أن تقف وتجول حيث كان المسيح عليه السلام طفلا يرضع؟ ومن داخل القاعة في المغارة تنقلت إلى قاعات أخرى تستخدم للصلاة، ومن ثم إلى الحديقة الخلفية والمقبرة التي تضم رفات الذين سبقونا ورحلوا، وهذه الكنيسة محاذية لكنيسة المهد وهي عبارة عن عدة مغر متصلة، ولاسمها قصة تقول إن سيدتنا مريم العذراء أثناء هربها إلى مصر مع سيدنا عيسى المسيح عليه السلام وهو طفل، التجأت للمغارة، وأنه أثناء ترضيعها الحليب لسيدنا عيسى تساقطت بعض من قطرات الحليب على أرض المغارة، فابيضت جدران المغارة وحجارتها جميعاً، والمغارة من الحجر الجيري الأبيض، وبسبب هذه القصة أصبحت المغارة مزاراً وخصوصاً ضمن الاعتقاد أن حجارتها بسبب حليب السيدة مريم العذراء أصبح لها قدرات على الشفاء، فيزورها المرضى ويأخذون من ترابها ويشربونه بعد إذابته وغليه مع الماء لشفاء المرض، ومن كثر إضاءة الشموع فيها امتص سقفها دخان الشموع وأصبح لونه يميل للسواد، والكنيسة الأولى في الموقع بنيت في فترة الاحتلال الصليبي لوطننا، ولكنها دمرت لاحقاً وبنيت كنيسة أخرى يعود تاريخها إلى العام 1838حسبما تشير اللوحة المنقوشة على مدخلها، والكنيسة والمغارة والدير فوقها يشرف عليها الآباء الفرنسيسكان.


كنيسة مغارة الحليب وعدسة زياد جيوسي

   ومن كنيسة مغارة الحليب تحركنا إلى أحياء جديدة في بيت لحم التراثية والسوق الشعبي، وجلت أزقة ودروب جديدة كلها تروي حكايات وحكايات، وقد لفت نظري يافطة على بوابة مبنى فدخلته فوجدت فيه مطرزات ومواد تراثية معروضة للبيع، ولكن السيدة العجوز في المكان رفضت أن أصور وأوثق ما رأيت، فاحترمت موقفها واكتفيت بالنظر والتأمل، وهمست لنفسي: ربما ظنت السيدة العجوز أني سأسرق من خلال الصور نقشات التطريز المستخدمة، علماً بأن رأيت مثلها وإبداعاً أكثر في العديد من الأمكنة والأماكن وفي الكتب المتخصصة بذلك، فشكرتها بعد الجولة وخرجت ومضيفي خالد الصيفي باتجاه (دار الندوة الدولية) وحديث آت في الحلقة الرابعة القادمة من عبق تراث وتاريخ بيت لحم، وحكايات الجدود والجدات وهمس المكان، منذ ضربة المعول الأولى لجدنا كنعان لبناء حضارة وتاريخ وذاكرة لن تضيع أبداً على الرغم من كل قهر الاحتلال ومحاولاته لشطب ذاكرة لن تشطب أبداً.

دروب بيت لحم التراثية تروي الحكايات وعدسة زياد جيوسي

   هي رام الله أجولها في الصباح الباكر أعانق ياسميناتها وارقب نموها والجمال، أرقب أوراق الخريف التي تساقطت عن الأشجار فكست الأرض بذهب تشرين، وأهمس لها: منذ فترة لم أعانقك وأكتب صباحك أجمل يا رام الله، ولكنك بالتأكيد تعذريني وأنا أعانق شقيقاتك الحوريات الكنعانيات، وأعود إلى صومعتي لأعد نفسي ليوم عمل جديد بنشاط وهمة على الرغم من كل تعب الأمس والذي كان تعباً ممتعاً في التجوال في بيت لحم، فأقف لنافذتي أحتسي القهوة وأستعيد كشريط سينمائي رحلتي لبيت لحم، وأشعر بأنفاس طيفي المشاكس تحيطني وتهمس لي من البعيد، فنستمع معاَ لفيروز تشدو: (لملت ذكرى لقاء الأمس بالهدب ورحت أحضرها في الخافق التعب، أيدي تلوح من غيب وتغمرني بالدفء والضوء بالأقمار بالشهب).
  فأهمس: صباحكم أجمل أحبتي، صباحك أجمل يا وطني، صباحك أجمل يا بيت لحم، فزيارتي لك نقشت في حنايا القلب قصة عشق جديدة، فلا بد من لقاء جديد آمل أن لا يطول، كي أعانقك مرة أخرى وعبق التاريخ والذاكرة.
(رام الله الأحد 23/10/2011)
  

Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت