اكتظّت قاعة مدرسة القدّيس يوسف في الناصرة، مساء الجمعة 27.12، بجمهورٍ غفير توافد من كلّ مكان ليعيش أجواءً من الفنّ والرّقيّ والخلق والإبداع، التي تجلّت في عرض فنّيّ بعنوان "معلومات مش أكيدة"، أحيته أوركسترا الكونسرفتوار البلديّ كاترين – ترشيحا، بقيادة د. تيسير حدّاد. ولم يكن هذا العمل الضخم أوّل ما يبتكره الدكتور حدّاد، فقد عوّدتنا أنامله دومًا على كلِّ جديد، وعلى إحياء التراث والروائع في قالبٍ فنيّ خاصّ، يتآلف فيه الأصل مع الجديد، والشرقيّ مع الغربيّ، في تنويعات خلاّقة، وتوزيعاتٍ موسيقيّة خلاّبة.. هذه المرّة، كان اختيار د. حدّاد أن يُحيي روائع الفنّان العالمي زياد الرحباني إيمانًا منه بما قدّمه هذا الفنّان للعالَم العربيّ ولعالَم الفنّ والإبداع، فتجلّت الروائع الاجتماعيّة الناقدة والروحانيّة والغزليّة الرقيقة، يتخلّلها صوت الناي منفردًا يشدّنا نحو حنينٍ لماضٍ جميلٍ، وعزفٌ على الكمان يسحبنا مع الأوتار نحو العلا.

هذا إلى جانب الأصوات الشبابيّة الصاعدة والواعدة والملتزمة، أصوات الفنانين: هيتم خلايلة، شادي دكور، رلى عازر، ونانسي حوّا، تتآلف معها أصوات الفلوت والكمان والناي والعود والقانون والبزق والجيتار وغيرها من الآلات في بدائع الفنّان الكبير زياد الرحبانيّ التي أعيد سكبها في قوالب جميلة وفي قلوب المستمعين.

شهدت الناصرة ليلة دافئة وسط صقيع العالَم بسياسته وتفجيراته، فجاءت الأغاني ثوابت لا تزعزعها عوامل الدين والجنس والقطر والانتماء. وقد تولّى د. مسعود حمدان تقديم الحفل، فكانت كلماته عن زياد الرحبانيّ تكملةً للصورة الجميلة التي ارتسمت في القاعة، يزيّنها هذا الجمهور المؤازر الرائع الذي شجّع وطرب وتفاعل مع كلّ حدثٍ وحركة وصوتٍ.

وقد انتهى الحفل بهديّة من المايسترو د. تيسير حدّاد للعظيميْن فيروز وزياد، فقدّم للناس أغنية "شادي" تأليف د. راوية بربارة، غناء "شادي دكور" تلحين وتوزيع تيسير حدّاد، وقد حظيت بإعجاب الجميع، لأنّها أحيت أغنية "أنا وشادي" وبثّت فيها الأمل، فالكثير من الأسماء تمرّ في الحياة دون أن تترك صدًى، حتّى تمرّ أغنيةٌ تحمل اسمًا يُصبحُ هو نجم الزمان ودليل المكان، يصبح الاسمُ نقرَ العود والكمان، ويصبح الاسمُ صدى لبوحِ حنين الماضي وفوح الحاضر لتتواصل الأجيال الصاعدة مع ماضيها وتنطلق نحو المستقبل.