من آذار ونيسان لأيار 2020

الحب في زمن الكورونا

(9)

"فلكلورونيا "

بقلم – يوسف حيدر

تغير عالمنا..

واكتسبنا من هذا التغيير عادات جديدة تحولت الى فلكلور خاص بالفترة الحرجة في العالم..سترافق حياتنا مدة طويلة..

أول هذه التغييرات الكلمة العربية " الجائحة" بدل " الفيروس" او الوباء والتي انتشرت في ادبيات الكورونا الحديثة.. وبعد "بحبشتي"عن معناها في بطون القواميس العربية جاء فيها ما يلي: جائحة [مفرد] ج جائحات وجوائحُ: 1-داهية، مصيبة تحلُّ بالرَّجل في ماله فتجتاحه كلَّه "أصابته جائحةٌ هذا العام"| رفْع الحوائج أشدُّ من نزول الجوائح-سنة جائحة: جَدْبة، غبراء، قاحلة.2-ما أذهب الثَّمرَ أو بعضَه من آفة سماويّة "أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ [حديث]: نهى عن أخذ صدقة ممّا تبقّى من المحصول المصاب بآفة سماويّة". اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي يمكن ان تقدم لك المعنى بأكثر من صورة نظرا الي تغير التأثير الدلالي لحروفها وهذا ما وجد في الفرق بين كلمة جائحة وكلمة وباء في اللغة العربية، وهذا دليل قاطع على ان اللغة العربية هي ام اللغات وان اللغة العربية هي من يمكن ان تكون اللغة الاولى على هذا الكوكب. في اللغة العربية وفي معجم الوسيط وفي معجم العين للخليل بن احمد الفراهيدي هناك فرق واضح بين كلمة وباء وبين كلمة جائحة ليس في المعنى بل في الدلالة، لان كلمة وباء تدلل على مرض له تأثير كبير يهدد منطقة او دولة او قارة معينة وهذا هو المعنى الذي تنقله كلمة جائحة ولكن ليس بنفس الدرجة والتأثير بحيث كلمة جائحة تدلل على مرض خطير يهدد البشرية اجمع وليس فقط قارة او دولة بعينها. يذكر بان "فايروس كورونا" المحدث تم تصنيفه الان من قبل منظمة الصحة العالمية على انه جائحة، اي تخطى هذا المرض مرحلة وتوصيف وباء، لهذا الان يجب على الجميع ان يتعامل مع اسباب السلامة من هذا المرض واسباب الوقاية حتى نتمكن نحن البشر من التغلب على هذا الوباء الذي أصبح يحصد في ارواح البشر بصورة غير مسبوقة من قبل".

اما قبل..

يسأل السؤال المهم..ماذا تغير ايضا في عاداتنا اليومية حتى اليوم بسبب الجائحة المجتاحة لعالمنا كله..وما هي العادات التي توقفنا عن ممارستها نزولا عند الالتزام بالتعليمات العامة والعالمية التي اوصت بها منظمة الصحة العالمية..لتجنب انتشار المرض وهل ستلازمنا مستقبلا ام ستغدو بعد زوال خطورة الوباء واكتشاف اللقاح من لحظات الماضي والتراث نحكي عنها لأحفادنا فيندهشوا عند سماعها. وإذا بقيت الجائحة الى الابد.. نكون حولناها الى عادات "وعبادات" جديدة من اجل ان ننجو بحياتنا قبل مماتنا العادي.

هل سنبقى بسلوكنا القاتل هذا.. نحيي بعضنا بالإشارة والايماء بالراس والانحناء.. بدون اليد الملامسة. والاحتكاك.. والقبل.. وحرارة اللقاء. وقوة المودة..الى جانب الغاء " اللمة" عندما كنا نجتمع مع العائلة والأصدقاء.. ونستأنس ببعضنا.. ونتسلى بما بقي من نور شمس او ضياء قمر.. سامرين ساهرين عامرين بالحنان والألفة والصداقات.. انستبدلها "باللمة" عن بعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. هذا المصطلح الذي دخل أيضا حياة طلابنا الذين كان لزاما عليهم الذهاب يوميا الى المدرسة للتعلم والدراسة. فاستبدلوا التعليم المباشر والتلقيني على ايدي المعلمين..فيصبح الذهاب الى المدارس فولكلورا نحن اليه.. ويغدو التعلم عن بعد او " اون لاين"هو الموضة الجديدة بعد ان طغت على حياتنا "التكنولوجيا" او التقنية وفرضت نفسها على المعمورة وكضرورة حاسمة لاستمرار بقائنا فوق كوكب الأرض. وغير أيضا هذا "الاون لاين" علاقات العمل وشكل العمل.. فابعد العامل عن مكان عمله او مكتبه وسيغدو العامل الحرفي القادم يعمل من بيته.. مسلحا بخبرة ومهنية استعمال " التكنولوجيا" الحديثة او تكنولوجيا "الجيل الخامس" كما يسمونها واستعمال وسائل عالية التقنية..من اجل إنتاجية كبيرة ودقيقة.هل ستبقى متوقفة أفراحنا واعراسنا..ونتوقف عن الزواج..ويباد الجنس البشري. التزاما بالتعليمات ام ستكون اعراسنا وافراحنا واحتفالاتنا وامسياتنا الثقافية ومهرجاناتنا غير شكل مستقبلا. مليئة بالبعد والتوجس والخوف من المرض..فتقل لقاءاتنا واجتماعاتنا..ونغدو آلات مسيّرة ضمن التعاون المشترك بين الأقوياء المسلحين "بتكنولوجيا" او تقنية " البغ داتا".

حتى التعازي أصبحت "اثيرية" استبدلنا المواساة برسائل المجاملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدل ان نواسي وجها لوجه من ابتلي بفقد غال او حبيب على قلبه.. او شخصيات اجتماعية او علمية او سياسية ومهمة ..او أي انسان غادرنا الى عدمه.فيا خوفي ان استمرت الجائحة المجتاحة لحياتنا.. قائمة..تصبح حياتنا كلها محاصرة بحجر قسري مستديم..ويغدو " الاون لاين" و " التيك اوي" عادتنا القادمة في التسوق والشراء.. ولزوم "الزوم" لعقد ندواتنا ومحاضراتنا العلمية والسياسية والثقافية.

هذا بعض من كل "الفلكلورونيا" والآتي أعظم..

واما بعد..

والجدير بالذكر في مختتم مقالتي هذه وقبل الأخيرة ان اذكركم انطلاقا من حبي الكبير للغتي العربية..التي ينطق بها مليار وثلاثمئة مليون شخص في العالم.. وفي جميع ارجاء المعمورة وهي لغة القرآن الكريم ..راج بمضامينها أيضا النحت اللغوي فيها ومعناه الاشتقاق..وكما جاء في المصادر "بأنه أخذُ شيءٍ من شيءٍ آخر أو أخذُ شقِّه، ومعنى اشتقاق الكلام أي أخذه شمالًا ويمينًا، أمَّا في اصطلاح اللغة فيعرَّف الاشتقاق بأنَّه اقتطاعُ فرعٍ من أصلٍ ما تدورُ في تصاريفه حروف الأصل، أو أخذ كلمة من كلمة أخرى مع بعض الإجراءات وفق ما يناسب المعنى، أو انتزاع لفظٍ من لفظٍ آخر على أن يكونا متناسبين في المعنى والتركيب ويختلفان في الصياغة، ويُسمّى أيضًا علم مقاييس اللغة ولكنَّ علم الاشتقاق هو الاسم الأشهر في كتب النحويين، ويعدُّ ابنُ دريد أوَّل من أفرد له تصنيف خاص يحتوي على معظم أصوله وابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة وهناك محاولات للفراهيدي قبلهما، ويقابل علم التأثير علم الاشتقاق في بقية اللغات الأخرى، ويعدُّ النحت في اللغة العربية أحد أنواع الاشتقاق".واهم اغراضه هي:تسهيلُ التعبير عن معنى معين عن طريق اختصار الكلام الكثير في كلمة واحدة. وسيلةٌ لتطوير اللغة العربية وتنميتها. إكثار مفردات اللغة العربية واثراؤها.

لذا ولدت في معجمي كلمة " فلكلورونيا" أي فلكلور الكورونا.. الجديد المجتاح لحياتنا.. بأداته الجائحة التاجية..كوفيد 19.

هل سنحب ونحضن هذه العادات الجديدة.. ام سنلزمها مكرهين لحين..ففي زمننا الكوروني..اصبحت المعرفة حق..واعادة الحرية لحياتنا..على بعد وعود من العلماء لإيجاد الدواء واللقاح لنتطعم به..ونشفى ونتحصن..ونعود لحياتنا.. الطبيعية..حيث فيه الحب طبيعي.. مليء بالقبل والضم والشم واللمس والعناق الحار..والنجوى واللقاء عن قرب بعيدا عن الضنى والهجران والتواصل" الديغيتالي" الجاف..

والى لقاء.. مع الحب أيضا في زمن الكورونا في الحلقة الأخيرة.. والعاشرة.

سائلين السلامة لجميع البشر قاطبة.