X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
17/01/2021 - 12:53:37 pm
الشاعر فوزي البكري… صُعْلوك القدس القديمة بقلم : د.سمير حاج

الشاعر فوزي البكري… صُعْلوك القدس القديمة

حين يمتطي الشاعر صهوة حصان جموح، صهيله «لا، ولن» وحين يسكن القصيدة الغاضبة، مُحرّضًا ومُشاكسًا الواقع، من أجل صعاليك ومُهَمّشين وجائعين، تتحوّل القصيدة، في حالة انكسار مرايا الشاعر، إلى صدمة ويأس، تحمل صاحبها إلى الصمت والقطيعة مع ربة الشعر، وتتحوّل مدينته التخييلية، إلى (ديستوبيا) فاسدة، فتُهْزمُ أنا الشاعر، لكنّ شعر الصعلوك المقدسيّ يبقى عصيًا على الانحناء، لأنّ حروفه صلدة منحوتة من حجارة سور القدس. القدس مدينة الشاعر الأثيرة فيزيقيًا، يحملها جمرات في أشعاره وخريطةً في جسده، وهي تشكّل فضاءه التخييليّ، بأطفالها وصعاليكها ونسائها وسورها ومقدّساتها، ودرب آلامها، وكما يصرّح الشاعر: «كل طفولتي قضيتها هنا في القدس القديمة، القدس هي الجغرافيا الوحيدة التي احتوت كل تجربتنا الإنسانية، إذا أردنا أن نتعرف على جغرافية أي منطقة نفتح الأطلس، ولكن إذا أردنا أن نتلمّس جغرافيا القدس نتأمل جلدنا، إنّها محفورة في جلدنا، ومغروسة في المسامات، إنّها الجغرافيا الوحيدة التي لم نرها على الورق، بل عشناها بالتفاصيل عبر سهولها وجبالها وشوارعها وأزقتها وكنائسها ومساجدها، هي علاقة استثنائية» (فوزي البكري..قيثارة تحت نافذة القدس). عناوين قصائد فوزي البكري، تحمل ثنائية الفرح والحزن، والابتهاج والحِداد، وسيميائية الضدّيّة، فهي حينًا «وردة وعصفور» و«نجمة مسحورة» و«زغاريد في عُرس الزنابق» و«قناديل على سور المدينة» وهي أحيانًا «كابوس» و«رسائل بلا عُنوان» و«آهات.. لا تحمل معنى الحسرة» كما أنّ موسيقى قصائده، تتوزّع بين الصاخبة والهادئة، تناغمًا والمناخ.

شاعر بيكارسكي.. يحتفي بالمُهمّشين والصعاليك

هذا الشاعر مُختال بلقبه «الصعلوك المقدسي» وبأجداده الصعاليك في الجاهلية أمثال الشّنفرى الأزديّ وعُروة بن الورد، وتأبّطَ شرًّا، ومتماهٍ مع الأيقونة المقدسية الثقافية.
«مقهى الصعاليك» الذي افتتحه عيسى ميشيل الطبة، مختار طائفة الروم الأورثوذكس في القدس عام 1918، وبفضل الأديب والمُربّي الفلسطينيّ خليل السكاكيني (1878 -1953) استقطب كوكبة من رجالات الأدب والفنّ والفكر من فلسطين، ومن البلدان العربية، وقد نعت السكاكيني روّاده بـ«جماعة الصعاليك». فوزي البكري يتغنّى بصعلكته، ويهتف للفقراء في قصيدة «قناديل على سور المدينة» ويصبغهم بالقداسة: «يا أنبياء الفقر والصمود/ في البلدة القديمة/ يا أصدق الزنود / في الصبر والنضال والعزيمة». كما أنّه يختالُ بفقره الماديّ، وغناه الروحيّ، كما في قصيدة «إلّا أنّني شاعر» المُترعة بمجموعة لاءات: أنا يا حُلوتي لا شيءَ/ إلا أنّني شاعرْ/ رصيدي في بنوك الأرض/ عاطفتي/ وإحساسي/ وقلبي الرافض الثائر/ أنا يا حُلوتي/ لا مال/ لا أطيان/ لا أملاك / لا ماض.. ولا حاضرْ/ ولكنْ/ مَنْ تُرى يدري/ لعلَّ غدًا / قُرُنْفُلَةٌ تُناغيني بلابلُها/ فأمرَح في حواشيها/ وفوقَ أصيصها طائرْ/ أنا يا حُلْوَتي لا شيْءَ/ إلّا أنّني شاعرْ. وهو لا يملك ثمن خمرة أبي نوّاس، التي تُنْسيه فقره «كُنّا طفارى والكؤوسُ كفيلةٌ / أن تجعل الطفرانَ يَنْسى ما نسي» لكنّهُ لا يستطيع شراءها، كما يصف في قصيدة «المازة ترمس»: لا عاش قرش والخمور دفينةٌ/ خلف الزجاج وقد عقدنا المجلسا» فيتغنّي بالبيرا بديلًا لها: هات اسقنا البيرة فإنّ مذاقها/ في الحرّ يفتح للصدور تنفّسا/جلست على نضد كأنّ حُبابها/ يأبى لخفة دمّه أن يجلسا» وهو على غرار صعاليك الجاهلية الغاضبين، يترنّم بالفقر والحرمان، مُشتهيًّا شراب وطعام المُترفين «فلسوف أقضي الحالتين على الهوى/ متصعلكًا في الماجنين ومُفْلسا/ لا بد من ويسكي ترن كؤوسه/ لا بد من لحم وإن طال الكسا».

 

الشعر انفجار بتوصيف نزار قباني، «أكتب../ كي أفجر الأشياء، والكتابة انفجار/ أكتب../ كي ينتصر الضوء على العتمة/ والقصيدة انتصار» (لماذا أكتب) لكنّه في عالم فوزي البكريّ اشتباك ومشاكسة الواقع، فقصائده مُحَمّلة بكم هائل من الغضب، ومشحونة بالتمرّد والاغتراب، وهي في حركية وتسارع لا تعرف الاستكانة، والشّاعر لا ينزل من علياء الصعلكة، ويرفض الانصهار في بُوتقة الكورس، بل يشتم المغنّين داخل السرب، بأسلوب الجواهريّ ومظفر النواب وحسين مردان، وعالمُهُ الشعريّ مسكون بسطوة «الأنا» الشاكية تغييبها وإقصاءَها. يفتتح الشاعر قصيدته «صُعلوك من القدس القديمة» التي تحمل عنوان ديوانه الأوّل، الصادر عام 1985، عن دار الصوت في الناصرة، والمُترعة بوجع التغييب والإقصاء والرفض، فهو الاستثناءُ للقاعدةِ الشاذة، وضحية العالم القامع: «ترفضني تأباني كلُّ مشاريع العالم/ في أي مكان لا أجد مكان/ قتلوا فيّ الإنسانية والإنسان» ويسترسل مناديًا كلّ الصعاليك «يا فُقراء الأرض المُحْتلة/ تعالَوْا نتمرّد/ ما عُدْنا نملكُ شيْئًا / فعلامَ نخاف/ لا فرشَ يحضننا في الليل/ ولا يُدْفئن/يونيو 1967.

فوزي البكري.. قيثارة تحت نافذة القدس

في عام 2018، أصدر مركز يبوس الثقافيّ في القدس، كتابًا تكريميًا للشاعر حمل عُنوان «فوزي البكري.. قيثارة تحت نافذة القدس».
ضمّ الكتاب مقالات وكلمات في الشّاعر وشعره وإضمامة من أشعاره. فوزي البكري شاعر الرفض والحُزن الفلسطينيّ، يغَنّي وحيدًا في العتمة، بعيدًا عن الأضواء، وهو من الأصوات الشعرية الفلسطينية المميّزة في ثمانينيات القرن العشرين، حين كان الشعر فاعلًا ومُشاركًا، في التوعية السياسية وصقل الهوية. شيّد قصيدتَه في خريطة الشعر الفلسطينيّ على فوّهة بُركان، فسكنها الرفض والغضبُ والقلق والشتم، كما حمل فيها وبازدهاء القدس الفاضلة (اليوتوبيا) بأطفالها وحاراتها وأسماء بواباتها، كما يقول في قصيدة، من ديوانه «قناديل على السور الحزين»1997، مُخْتزلا الوطن بإضمامة نعناعة، وطفلة تلمّع المرايا، في باب السرايا في القدس العتيقة: «لَوْ تعلمون/ أنّ «ضُمّة « من النَعناعْ / تُداسُ في بوّابة العمود، لا تُباع / هي الوطنْ/ لو تعلمون/ أنّ طفلةً جائعةً في عقبة السّرايا، تُلمّعُ المرايا، لزفّةِ الشّبابِ والصبايا، هي الوطنْ» هذه الصور اليومية المنثورة في بوابات القدس، المُنتصرة للْمُهَمّشين، تشكّل هوية لشعر الصعلوك المقدسيّ المُلتزم بالهمّ الجماعيّ.

المرأة حاضرةٌ روحًا وجسدًا

الشاعر في قصائد حبّه يكسر تابو الجنس، فهو يكتب ويرسم الجسد مقرونًا بالروح، بجرأة وبلا رتوش، معلّلًا أنّ الثابت قد تغيّر، فيقول بانسيابية في «تعاليْ..على غير مهْل» « تعالَيْ إليَّ على غير مَهْلٍ/ وَهَل يَصْدُقُ الوَعْدُ / إنْ جاءَ مَهْلًا؟/ تعالَيْ إليّ ـ إذا جٍئْتٍ / بَرْقًا / لئلا تضيعُ الثّواني.. لئلا/ تعالَيْ لأروي البساتينَ/ ماءً / وأزرعُ بينَ الحشائشِ/ طِفْلًا/ أريدُكِ ثَوْرَةَ حُبٍّ جديدٍ / فعهدُ التقاليد عَهْدٌ تَوَلّى». هذه الجرأة الإيروتيكية تمزج الجسدَ بالروح، فالمرأة عنده فكرٌ ووعيٌ وعقلٌ وجسدٌ، يحتفي بوعيها النيّر وحُضورها الشّهيّ : «أريدك كالنّورِ / فِكْرًا وعَقْلا/ لَئِنْ كانَ طَيْفُكِ في النّفسِ/حُلْوًا /فإنّ حُضورَكِ في العَيْنِ /أحْلَى». وتكبر المرأةُ في عينيه روحًا وفكرًا في قصيدة «عُنْواني» المُتماهية مع قاموس نزار قباني «أنا ما لَثَمْتُكِ لا خدّا ولا شفَةً / وَكَمْ حَضَنْتُكِ في روحي ووجداني/ يا غادَتي إنّني طَيْرٌ بلا فَنَنٍ/ لكنْ وَجَدْتُ على نَهدَيْكِ عُنْواني». الشاعرُ ثوريٌ وعلمانيٌ ينتصرُ للمرأة الحاضرة وَعْيًا وروحًا، ويرى بتحرّرها معيارًا لتحرّر المجتمع. والمرأة في قاموسه هي الأكثرُ حُضورًا وتأثيرًا: «وأشرب من كأس خمري/ فأصحو…/ وأشربُ من كأس عينيكِ / أسكرْ».

كاتب فلسطينيّ

الشاعر فوزي البكري


د.سمير حاج


Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت