X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
30/10/2021 - 08:13:20 am
الى الوزير الصهيوني بامتياز عيساوي فريج.. بقلم:دخيل حامد 

الى الوزير الصهيوني بامتياز عيساوي فريج..

بقلم:دخيل حامد 

عندما سمعت صراخك البهيمي ورأيت "بوزك" وفرحة بن چڤير تذكرت خيمة "الوليمة" الصلحة التي أقامتها الحكومة على دم الضحايا في كفرقاسم والكشف البطولي للمجزرة الذي قام به رفيقنا الشيوعي، نعم الشيوعي بامتياز توفيق طوبي ورفيقه الشيوعي بامتياز ماير ڤلنر وقول شاعرنا ايضًا الشيوعي بامتياز سميح القاسم "والذي في القلب في القلب ومن جيلٍ لجيل، نملأُ الدنيا هتافًا، كفرقاسم دمك المسفوح ما زال وما زلنا نقاوم"!!
***
[في الذكرى السنوية الـ 45 لمجزرة كفرقاسم
القائد الشيوعي توفيق طوبي خص "الصنارة" بلقاء تحدث فيه لأول مرة عن ملابسات الكشف عن المجزرة] وقال:
طالما أن السياسة نفسها لا تزال مستمرة فإن الخطر سيظل قائماً بتكرار المجزرة

*ما قمنا به كان واجباً. فمثل هذه القضية لا توضع في ميزان السلب والإيجاب. كل من عرف بالأمر، كان واجبه الإنساني أن يعمم وينشر الخبر . واجبنا تجاه جماهيرنا وتجاه المجتمع الإسرائيلي وتجاه الضمير الإنساني فرض علينا أن ننشر حقائق الجريمة والمجزرة بهذه المذكرة، عندما كان التعتيم هو السائد في البلاد.
* مجزرة كفرقاسم كررت نفسها وإن كان ذلك بأشكال مختلفة. مجزرة يوم الأرض ومجزرة أكتوبر وهذا الأمر ممكن أن يتكرر مرة أخرى..  ونتائج المجزرة تثبت أنها كانت مخططة سلفاً..

*أهلنا في كفرقاسم أفشلوا المجزرة بثبوتهم في وطنهم وبقائهم وثبوت جماهيرنا في المثلث وفي الجليل، هذه الحقيقة والنتيجة كانت مغايرة لحسابات الذين خططوا لكفرقاسم، ولم يترك الوطن، كنتيجة لهذه المجزرة أي مواطن عربي. الكل تشبث بأرضه ووطنه، وهذا كان الرد الذي تفتخر وتعتز به جماهيرنا.

*إن بذور شجرة السم التي أنبتت مجزرة كفرقاسم لا تزال قائمة. وأخطار التشريد والترحيل التي ينطق بإسمها وزراء في حكومة إسرائيل، هذه البذور والسموم الداعية للتشريد والترحيل لا تزال قائمة الى اليوم. ولذلك كفرقاسم تنادي،  الى التشبث بالأرض والوطن، والى متابعة التمسك به ومقاومة الذين يحيكون لنا جرائم التشريد.

* الرجل والذكرى
في كل سنة تحيي جماهير شعبنا ذكرى مجزرة كفرقاسم، التي ارتكبها منفذوها ومخططوها بهدف زرع الهلع والفزع بين من بقي من أبناء الشعب العربي الفلسطيني في وطنه، فيهبوا كما هبّ إخوتهم ويتركوا أرضهم وزرعهم ويتشردوا كما تشرد السابقون أيدي عرب.
لكن العتمة هذه المرة لم تكن على قد يد الحرامي، وهذه الحسابات انقلبت رأساً على عقب، فتشبث أهلنا في كفرقاسم بأرضهم وترابهم وعَضوّا على الجراح وكانوا مثلاً لشعب قرر أن لا تتكرر مأساته الكبرى وأن لا ينتكب بنكبة أخرى. لكن السياسة التي أنجبت المجزرة ومن قبلها النكبة ظَلّت ولا تزال هي السياسة نفسها وان تغيرت أحياناً أيدي الفاعلين المنفذين وإن تغير الإيقاع قليلاً.
وفي إحيائنا لذكرى المجزرة لا ننسى الشهداء والجرحى، ولا ننسى مَن كان له الفضل الأول في الكشف عن خبايا وأسرار الفعلة التي ارتكبت بدم بارد وأمر عسكري واحد"..أحصدوهم".
كان الراحل توفيق طوبي، عضو كنيست شاباً آنذاك، اخترق جدار الصمت هو وزملاؤه من الكتلة الشيوعية في أروقة الكنيست... لكن آنذاك لم يكن التلفزيون يصور وينقل الصورة حية مباشرة ولم تكن الفضائيات كذلك... فلم يره أحد ولم يسمع صوته أحد... فقرر وزميله ماير ڤلنر اختراق الحصار وهتك ستر الحواجز السلكية العسكرية واللاسلكية المفروضة على القرية، وزاراها في وضح النهار والتقيا بمن رأى وسمع وكان شاهداً على إحدى أفظع جرائم العصر ومَن كان جريحاً ونجا... وكان أن عمم توفيق طوبي على العالم مذكرته التي احتوت تفاصيل ما كان... حتى لا يكون هذا فصلاً أول تتبعه فصول...
مطلع الأسبوع الثالث من شهر تشرين الاول اكتوبر 2001 ، اتصلنا به عارضين عليه فكرة إجراء هذا اللقاء، فرحب قائلاً " بس عن كفرقاسم... وعلشان كفرقاسم .." فاحترمنا رغبته... وجلس محدثاً لنا انا والزميل زكريا حسن عن تلك المرحلة ودروسها وعبرها الممتدة الى اليوم حتى لا تتكرر هذه المجزرة... ورغم المرض والشيخوخة التي كان يجاهدها بعنفوان وكبرياء كان صوته معبّراً وحاول أن يكون مجلجلاً كما عهدناه على المنصات والمنابر وميادين الكفاح...
تمنينا  لأبي الياس مديد العمر والصحة على أمل أن نلتقيه في لقاء أو لقاءات أخرى يقدم لنا جميعاً من معينه الذي لا ينضب زاداً تاريخياً ونضالياً عن مسيرة شعب كان هو أحد راسميها وقائديها القلائل...
رحل توفيق طوبي يوم 11 آذار 2011 ونعته بلدية كفرقاسم واللجنة الشعبية لإحياء ذكرى مجزرة كفرقاسم . وجاء في النعي :" لقد ارتبط اسم توفيق طوبي بكفر قاسم ارتباطا عضويا لا ينفصم اذ كان له ولرفيقه المناضل المرحوم  ماير فلنر الدور الاساسي في فضح الجريمة النكراء بحق اهالي كفر قاسم عندما قام جنود حرس الحدود الاسرائيلي بقتل 49 شهيدا وشهيدة من ابناء قريتنا  وسقوط عشرات الجرحى. وما زالت الوثيقة التاريخية التي تحتوي على تفاصيل المجزرة، والتي تعرف بوثيقة توفيق طوبي، مرجعا اساسيا لحيثيات وقوع المجزرة البشعة."
و"الصنارة" إذ تعيد لقرائها خاصة الجيل الجديد نشر هذه المقابلة انما تضع بين ايديهم وثيقة تاريخية تشرح حيثيات ما جرى وتكون زادًا تاريخياً ونضالياً عن مسيرة شعب كانت كفرقاسم المجزرة والصمود حكاية من حكايات صموده .. 

حسين سويطي 

الصنارة: نُفذت مجزرة كفرقاسم في  29.10.1956، وأنت وصلت الى القرية يوم 20.11.1956 أي بعد حوالي ثلاثة أسابيع. ماذا حصل خلال هذه الفترة وكيف عرفتم بها؟
طوبي: قام منفذو المجزرة بالتستر وفرض التعتيم الكامل على ما حصل فترة من الزمن. منعوا أي نشر عنها. كذلك منعوا تسريب أي خبر يدل على أن شيئاً ما حصل في القرية. وظلت القرية واقعة تحت حصار أمني شديد وبذلك منعوا أياً من السكان من أن يبوح بما حصل. ولم يعلم بها طوال هذه المدة سوى مَن نفّذها والمسؤولون عنهم. ظل جنود ورجال شرطة " حرس الحدود"  في منطقة القرية يحاصرونها ويفرضون "الأمن"  والحراسة في محيط البلدة.لدرجة أنهم حافظوا على النظام وقت دفن الضحايا وكأن شيئاً لم يكن. أرادوا خنق الخبر. ونجحوا في ذلك مدة أسبوع أو عشرة أيام لا أكثر.  بعدها عرفت من زميلي عضو الكنيست يوسف خميس ممثل المبام.  جاء إليّ هنا في البيت وقال:"لم أعد قادراً على الصبر والصمت. أريد أن أفرّغ كل ما في صدري. فلدينا في الحزب (أي حزب مبام) يعلمون بما جرى. لكنهم جزء من الحكومة ولا يريدون أن يخرج هذا الخبر وينتشر. لكنني لست قادراً بعد على التحمل والصمود أمام ما حصل. وها أنا آتٍ إليك. ولا أستطيع أن أصل لأبعد منك. فتصرف كيفما تريد في الموضوع".
هكذا وصلني خبر حدوث المجزرة. وحتى لم يبلغني ولم يفصح لي يوسف خميس ببشاعة ما حصل. أي لم أعرف أنه قتل عدد من الأشخاص. بعدما علمنا بالحدث قمت على الفور بإبلاغ قيادة الحزب(الشيوعي) وقررنا على الفور طرح الموضوع في الكنيست.
الصنارة: كيف كان ردّ فعل الكنيست، هل تجاوبت رئاسة الكنيست مثلاً لطلبكم طرح الموضوع؟
طوبي: الكنيست ضليعة برئاستها مع المتسترين على الجريمة. ورئاسة الكنيست رفضت طرح الموضوع على جدول الأعمال. لكننا لم نسكت. وخلال عدة أيام قمنا باستغلال دورنا وأثناء أبحاث الكنيست ونقاشاتها في مواضيع مختلفة طالبنا ببحث الأمر، وطرح موضوع مجزرة كفرقاسم. وكنا نقول بمقاطعاتنا  "مجزرة كفرقاسم يجب أن تبحث هذه الجريمة هنا ." وكانوا يشطبون كل مقاطعاتنا ومطالبنا التي كنا نطرحها من كل بروتوكولات الجلسات في تلك الأيام.
في هذه الفترة قدم رئيس الحكومة ووزير الأمن آنذاك، داڤيد بن وريون بياناً الى الكنيست عن "الإساءات والملاحقات التي يتعرض لها يهود مصر من قبل الحكومة المصرية.. "فقمت بمقاطعته أكثر من مرة وطالبته بالكشف عن المجزرة وقلت له لماذا تتحدث عن مصر، ماذا تقول عن المقتولين في كفرقاسم؟ فكان جوابه:"أُسكت.. أُسكت". وشطبوا كل كلمة كان يطلقها النواب الشيوعيون في الكنيست عن كفرقاسم. واستمر هذا التعتيم والتستير عدة أيام. والصحف لم تتحدث عن الأمر أيضاً. فالجميع مشغولون بالحرب العدوانية على مصر.
الصنارة: وكيف وصلت الى كفرقاسم وقمت بالكشف عن تفاصيل المجزرة؟
طوبي: بعد محاولاتنا في الكنيست أيقنا أنه يجب أن نعمل شيئاً ما فقررنا خرق الحصار وكشف الستار عما حصل. كنا نعلم أن القرية لا تزال محاصرة. فتوجهنا يوم 20.11 الى القرية بسيارة خاصة أنا والرفيق ماير ڤلنر. وصلنا الى حدود القرية واستطعنا عبور الحصار. كانت القرية كأنها مقبرة. الأهالي خائفون. لا يتجولون في القرية إلا لقضاء حاجاتهم الأساسية فقط. وعندما اقتربنا ممن رأيناهم في الشوارع شعرنا أن الناس خائفون جداً أن يتكلموا أو يفصحوا بشيء. سألنا عدة أشخاص عمَا حصل. لكن الخوف لجم لسانهم. عرّفناهم عن أنفسنا فتجرأ البعض أن يطلق لسانه من عقاله وبدأوا يتحدثون لنا وسجلت شهادات بعض الجرحى ممن وجدناهم في بيوتهم وكذلك شهادات بعض الناجين. وخلال عدة ساعات قضيناها في القرية استطعنا جمع المعلومات من الأهالي ممن تجرأ وأباح لنا بما حصل. وسجلت أسماء الشهداء وأسماء الجرحى وتفاصيل ارتكاب المجزرة كما رووها لي.
الصنارة: وماذا فعلت بكل هذه المعلومات؟
طوبي:  في 23.11 أي بعد ثلاثة أيام من الزيارة الى كفرقاسم، أصدرت المذكرة المشهورة باللغات العربية والعبرية والإنكليزية، وتحتوي على شهادات الذين استنطقناهم ممن عرفوا ومروا بجوار مكان المجزرة وتجاوزوها. مَن كان ضحية وأصيب. ومَن كان شاهد عيان واستطاع الهروب. وأرسلنا هذه المذكرة بواسطة البريد الى مئات العناوين في البلاد والخارج لشخصيات يهودية وعربية والى الأمم المتحدة والسفارات الأجنبية هنا. فكانوا مضطرين أن يقولوا شيئاً ما.
كان أول ما قيل هو بيان مقتضب لبن غوريون ثم قام بتوسيع بيانه في 12.12 أمام الكنيست وكان هذا البيان عبارة عن تستر على الجريمة مع اعتراف بارتكاب الذنب وإلقائه على "حرس الحدود." لكن الخبر انتشر وبدأت القضية تتفاعل.
الصنارة: وماذا كان تأثير ذلك على الرأي العام؟
طوبي: وصلتني آنذاك عدة رسائل رداً على المذكرة. البعض يسب ويشتم ويقول إن هذا مجرد افتراء وفرية على الدولة. والبعض يستنكر ما حصل. وبدأت الصحف تنشر الأمر تدريجياً. وأخذ الضغط على الحكومة يتزايد لتعمل شيئاً ما. فكانت اللجنة المختصرة التي شكلوها للتحقيق الداخلي.وقرروا أن تجري صلحة مع الأهالي ودفع تعويض 1000 ليرة لكل عائلة تضررت.. لكننا لم نسكت واستمرت مطالبتنا بالكشف الكامل عن تفاصيل المجزرة والإعتراف بها وبتقديم المسؤولين عنها للقضاء . بدأت الضمائر تتحرك بفعل المذكرة التي أرسلتها. وتحت الضغط ومطالبة الرأي العام ومطالبتنا رضخت حكومة بن غوريون وشكلت لجنة قضائية عسكرية برئاسة القاضي بنيامين هليڤي. بدأت هذه المحكمة عملها في 15.1.57 وأنهت أعمالها بإصدار قراراتها في 16.10.58 وشجبت المجزرة بدون تحفظ وأدانت أوامر القتل ووصفتها بأنها أوامر غير قانونية وغير إنسانية وحكمت على بعض منفذي المجزرة بالسجن الفعلي أقصاها 17 سنة، لكنه لم يقضِ هذه المدة في السجن فأطلق سراحه بعد ثلاث سنوات. أما الضابط المسؤول عن إعطاء الأوامر، يسسخار شدمي فقد صدر الحكم بحقه من محكمة عسكرية أخرى برئاسة مردخاي كينت. وأصدرت هذه المحكمة قرارها في   26.2.59  وحكمت على شدمي بدفع غرامة مالية قدرها قرش واحد... (10 برووطات..). وعرف هذا القرار في تاريخ الحكم الإسرائيلي ب"محكمة قرش شدمي".
الصنارة: بعد 45 سنة من المجزرة كيف تقيّمون الخطوة التي قمتم بها؟
طوبي: ما قمنا به كان واجباً. فمثل هذه القضية لا توضع في ميزان السلب والإيجاب. كل من عرف بالأمر، كان واجبه الإنساني أن يعمم وينشر الخبر . واجبنا تجاه جماهيرنا وتجاه المجتمع الإسرائيلي وتجاه الضمير الإنساني فرض علينا أن ننشر حقائق الجريمة والمجزرة بهذه المذكرة، عندما كان التعتيم هو السائد في البلاد.
الصنارة: ردّ الفعل الجماهيري في حينه بماذا تميّز، هل كانت هناك مظاهرات واحتجاجات وتحركات شعبية؟
طوبي: كانت هناك احتجاجات ومطالبة بالتحقيق للكشف عن حقيقة المسؤولين عن هذه المجزرة. وأنتم وأبناء جيلكم لا تعرفون حقيقة ما كان في تلك الفترة. أعلن الحزب الشيوعي، في الذكرى السنوية الأولى لوقوع المجزرة الإضراب العام للجماهير العربية. إذ لم تكن هناك أي قوى سياسية أخرى على الساحة. وكل النشاطات الإحتجاجية كان ينظمها الحزب وأصحاب الضمائر.
والمحكمة التي نظمت كانت نتيجة للنشاط والضغط الجماهيري الذي نظمناه. ولا أذكر أنه نظمت مظاهرات في تلك الفترة. لكن كان عملاً شجاعاً أن نعمم وننشر أخبار الجريمة التي ارتكبت وأن ننظم اجتماعات شعبية ونحرك وسائل الإعلام والصحف. وهذه الفعاليات أوصلت الى تشكيل المحكمة العسكرية. الحكومة لم تكن تريد هذه المحكمة. والنشاط الشعبي فرض هذه المحكمة وحتى الآن لم تقم لجنة تحقيق رسمية لتحقق في خفايا القضية وتكشفها. فلجنة التحقيق الأولى قاموا بقبرها وتحولت الى لجنة صلحة. وخلال 45 سنة، لا يزال يمثل أمام الضمير والمجتمع الإسرائيلي واجب إجراء تحقيق عميق لكشف القناع عن المسؤولين الحقيقيين عن هذه المجزرة. أوصلوها لشدمي وتوقفوا. ولذلك لم نكف عن المطالبة بمعرفة المسؤولين الحقيقيين في النوافذ العليا للسلطة عن هذه الجريمة الذين ستروا عليها بمحكمة شدمي.
الصنارة: وهذا يقودنا الى واقع الأمر اليوم. فالسياسة لا تزال نفس السياسة. والعام الماضي شهدنا إقامة لجنة تحقيق رسمية للبحث في أحداث أكتوبر ونتائجها. هل هناك خطر أن تعود قضية شدمي مرة أخرى ويكون مصير لجنة "أور" نفس مصير محكمة شدمي ويتم إلباس القضية لشخص واحد وتغطية القضية كلها ولفلفتها؟
طوبي: هنا أود أن أشير الى التغيير الحاصل في مجتمعنا وفي المجتمع الإسرائيلي أيضاً منذ تلك الفترة الى اليوم. آنذاك كان إجراء محكمة مكسباً للصوت الذي ارتفع مطالباً بإجراء التحقيق. والمحكمة التي ترأسها القاضي بنيامين هليڤي جاءت تجاوباً مع الأصوات التي ارتفعت تطالب بالتحقيق. لكنها لم تصل الى أبعد مما وصلت اليه بمحاكمة المسؤولين عن إعطاء الأوامر بإطلاق النار. محكمة شدمي كانت لإغلاق القنوات حتى لا يصلوا لأعلى من شدمي. فحاكموا شدمي بقرش بينما برأوه بالقول إن أقواله فُسّرت ليس كما قالها في الحقيقة.
والأمر الثاني الذي ثبتته محكمة بنيامين هليڤي هو أنه مجرد إصدار أوامر بإطلاق النار لا يعني أن هذا حلال... هناك أوامر عليها علم أسود لا تنفذ وممنوع تنفيذها.  وجريمة كبرى إذا ما نفذت.
الى اليوم لا يزالون يقتلون. في الضفة والقطاع وحتى في داخل إسرائيل كما كان في أكتوبر. ولكن التجاوب مع هذه الخروقات هو أمر يختلف عما كان عليه الأمر في الماضي. ووجه الإختلاف الرئيسي يتجسد في وجود رأي عام يحاسب.  وتعيين لجنة التحقيق، لجنة  "أور"  هو من الدلائل على هذا التغيير . ففي البداية كما تعلمون رفضت الحكومة تشكيل هذه اللجنة. أو حتى إجراء تحقيق. ولكن تحت الضغط إضطروا الى إقامة لجنة تحقيق.
أما ماذا سيصدر عن هذه اللجنة...؟ إذا كان هناك ضمير لدى أعضاء اللجنة فعليهم أن يتابعوا التحقيق الى أعلى المستويات في جهاز الشرطة والحكم.
الصنارة: حسب رأيك في أحداث كفرقاسم لو جرى تحقيق في حينه كما يجب فأين كانت ستقع المسؤولية؟
طوبي: على أعلى المستويات آنذاك...
الصنارة: إذن هناك خطر بأن تتوقف لجنة  "أور " عن التحقيق في نقطة معينة تماماً كما حصل مع شدمي...
طوبي: الخطر قائم. اليوم في ظل حكومة شارون كل شيء ممكن. لكني آمل وأتوجه الى اللجنة أن يكون الحَكَم والمحقق هو الضمير والوجدان ويصلوا حتى النهاية من أجل صحة المجتمع الإسرائيلي. من أجل وضع حدّ للإستهتار بالأرواح البريئة وبالجماهير العربية. يجب الوصول الى مُصدري الأوامر الحقيقيين بالنسبة لمجزرة أكتوبر.
الصنارة: في ظل السياسة الحكومية القائمة والأحداث التي تنتج عنها هل هناك برأيك أخطار بأن تتكرر مجزرة كفرقاسم بحق الجماهير العربية؟
طوبي: مجزرة كفرقاسم كررت نفسها وإن كان ذلك بأشكال مختلفة. مجزرة يوم الأرض ومجزرة أكتوبر وإطلاق النار على أبرياء كان في كلا المجزرتين، يوم الأرض 76 وأكتوبر. 2000  تماماً كما كان في كفرقاسم. الكمية والحجم المأساوي في كفرقاسم كان مريعاً أكثر. ولكن هناك تشابهاً وتكراراً للمجزرة. وهذا الأمر ممكن أن يتكرر مرة أخرى. لكن ردّ الفعل الذي يشكل في الواقع نقلة في التعامل مع جرائم النظام، يضع حاجزاً أمام إمكانية ارتكاب جرائم كهذه. والمطلوب لبناء هذا الحاجز أعلى وأقوى هو إعادة التحقيق حول المسؤولين الحقيقيين عن مجزرة كفرقاسم.
الصنارة: برأيك كان الأمر مخططاً لإرتكاب هذه المجزرة.  فإلى ماذا كانوا يهدفون منها؟
طوبي: نعم كان الأمر مرسوماً. ونتائج المجزرة تثبت أنها كانت مخططة سلفاً. فخلال المحكمة ظهرت عدة دلائل تشير الى القصد من المجزرة. وفي شهادته قال"دهان" إنه كان:" واضحاً أن عملية القتل في كفرقاسم كانت تستهدف عرب إسرائيل" .هذا قاله في المحكمة.  كذلك التعامل مع القتلة، منذ البداية يشير الى ضلوع الأجهزة العليا للنظام. تركوهم دون محاسبة خلال فترة من الزمن. وبن غوريون استدعى "مالينكي"  وأجرى معه حديثاً خاصاً وهذا ما ذكرته زوجته في مقابلة صحفية معها بأن بن غوريون أهاب بمسؤوليته الوطنية وتمسكه بالحفاظ على أمن الدولة وهو يراعي هذه الحقيقة.
كانوا يعتقدون بإمكانية وخطر انتقال الحرب من الجبهة المصرية الى الجبهة الأردنية. وفي مثل هذه الظروف ستجري عملية التشريد. كان حسابهم خاطئاً، بأن قتل الأبرياء بهذه الكمية وارتكاب هذه المجزرة بحق الجماهير العربية سينشر الرعب في أوساط قرى المثلث وينزحوا عن بلادهم وموطنهم. هذا كان حسابهم ولم يُصِب هذا الحساب. لأن جماهير المثلث وبالأساس جماهير كفرقاسم أفشلت هذا المخطط، بتمسكها بالأرض والوطن والبيت وبقيت في وصنها ونمت وكبرت من 2800 إنسان الى 15000 مواطن، من فلاحين بسطاء الى عمال واعين وفلاحين واعين مثقفين بالمئات وهذا فخر لجماهيرنا. نعتز بهم، فأخرجت كفرقاسم بعد المجزرة مئات الجامعيين والأكاديميين ومنهم عباقرة.
فأهلنا في كفرقاسم أفشلوا المجزرة بثبوتهم في وطنهم وبقائهم وثبوت جماهيرنا في المثلث وفي الجليل، هذه الحقيقة والنتيجة كانت مغايرة لحسابات الذين خططوا لكفرقاسم، ولم يترك الوطن، كنتيجة لهذه المجزرة أي مواطن عربي. الكل تشبث بأرضه ووطنه، وهذا كان الرد الذي تفتخر وتعتز به جماهيرنا.
ثم ان النشاطات التي تراكمت سنة بعد سنة، للتضامن مع كفرقاسم، ولّدت نوعاً خاصاً من الجماهير التي لا تسكت على الضيم والجريمة. ففي كل مناسبة كانت تخرج المظاهرات، وتنظم الإجتماعات والفعاليات الإحتجاجية. وهذه الفعاليات رفعت من مستوى مناعة جماهيرنا لعملية التشريد المُبَيّتة التي لا تزال بذورها قائمة حتى يومنا هذا.
وأحد الأمور التي يجب أن نشير اليها بإحياء ذكرى كفرقاسم هو أن بذور شجرة السم التي أنبتت مجزرة كفرقاسم لا تزال قائمة. وأخطار التشريد والترحيل التي ينطق بإسمها وزراء في حكومة إسرائيل، هذه البذور والسموم الداعية للتشريد والترحيل لا تزال قائمة الى اليوم. ولذلك كفرقاسم تنادي، حتى في الذكرى الـ45  للمجزرة، الى التشبث بالأرض والوطن، والى متابعة التمسك به ومقاومة الذين يحيكون لنا جرائم التشريد.
وهناك أمر آخر يجب أن نكرره بإحياء الذكرى وهو عدم التهاون بتعميم حقائق الجريمة في المدارس والأحياء بين جماهيرنا وفي المجتمع الإسرائيلي. وهنا أستنكر بشدة قرار الوزيرة ليڤنات بإبطال الدروس عن كفرقاسم في المدارس وهو الأمر القليل الذي أقره الوزير السابق يوسي سريد. بالنسبة لتذكير الأجيال الجديدة، اليهودية قبل العربية، بجريمة كفرقاسم حتى لا تتكرر المأساة كما تكررت في أكتوبر وقبله في يوم الأرض.ولذلك أقول إنه طالما أن السياسة نفسها لا تزال مستمرة فإن الخطر لا يزال قائماً.
وهناك الكثير من الأمور التي تقال عن علاقة وضلوع أعلى مستويات السلطة بالجريمة والمجزرة، الى جانب استدعاء بن غوريون لمالينكي واستنفار أمانته وإخلاصه للدولة. فأولئك الذين حوكموا وأودعوا في السجن، بقوا طوال المدة التي قضوها بلباسهم العسكري، وهم داخل السجن. فمالينكي ضابط المنطقة حوكم 17 سنة. قضى منها ثلاث سنوات فقط. وبعد ثلاث سنوات لم يبق أي واحد منهم في السجن. ومالينكي بعد خروجه من السجن تمّ تعيينه ضابط أمن في الرملة وهذا كله يُظهر حرص السلطة في الحفاظ على مصلحة مرتكب الجريمة. ويدل على شراكتها فيها. وشدمي الذي أعطى الأوامر لم يُفهم على حقيقته وحوكم بدفع غرامة قرش واحد فقط. وهو لم يسجن أبداً.
الصنارة: بنشاطكم الدؤوب اخترقتم الحصار والتعتيم ونشرتم الحقيقة عن المجزرة ولم يكن هناك لا إعلام ولا تلفزيون ولا أي شيء من هذا، واستطعتم تحريك الرأي العام المحلي والعالمي. في المقابل، نرى اليوم ارتكاب جرائم ومجازر يومية وكل ذلك ينقل ببث حي ومباشر الى كل بيت في العالم. ومع ذلك فالعالم يشاهد ما يحصل للشعب الفلسطيني ولا يحرك ساكناً. فهل تعوّد العالم أن يرى شعبنا الفلسطيني يُذبح ولا يتحرك الرأي العام أو الضمير العالمي؟
طوبي: بالنسبة لأحداث اليوم، تجري عملية تسميم لعقول وضمائر الناس، ويُظهرون الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني وكأنها معركة للحفاظ على أمن إسرائيل. وبهذا يُسكتون الضمير. وأحياناً، تُرتكب أخطاء وأفعال تصب في صالحهم. فعملية اغتيال زئيڤي جاءت هدية من السماء لشارون، ليستغلها ذريعة في تنفيذ مخططه الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية. لكني، لا أريد أن أقول أن الضمير انعدم كلياً، ولا أعتقد أيضاً أن الضمير في المجتمع الإسرائيلي لا وجود له. نحن نستنفره ونقاوم السلطة في محاولة التقديم وتشويه الحقائق. الظروف اليوم تختلف والأوضاع كذلك. لا أريد أن أقول أن الضمائر خبت بالمرة.
آنذاك ارتفعت أصوات وهي وَلّدت ما أشرنا إليه، وتركت جرحاً عميقاً في المجتمع الإسرائيلي لكنه يُنسى اليوم. إذا كنتم تلاحظون فإننا كنا كل سنة نقيم نشاطات واسعة لإحياء الذكرى. لكن كل خمس سنوات أو عشر سنوات كنا نقوم بنشاط قطري عام أيضاً. تشترك فيه شخصيات إسرائيلية ذات وزن ولها مكانتها. هذا النشاط قائم وموجود لكن مركزه انتقل الى كفرقاسم فقط، ويجب أن تكون هذه الفعاليات على نطاق أوسع.

* الشرطي الذي حاسبه ضميره
في الذكرى السنوية الأولى أردت مشاركة أهالي كفرقاسم إحياء الذكرى وكان الحصار مفروضاً ومنع التجوال كما في كل سنة كان ممنوعاً دخول القرية لمن هم ليسوا من مواطنيها، فتوجهت بمعية عدد من الرفاق من المثلث الى القرية، للتضامن مع أهلها، وإذ بحاجز الجيش يمنعنا من الدخول، فقلنا نحن هنا ولن نتحرك. فألقوا القبض على جميع المرافقين وأودعوهم في سيارة عسكرية.
وأنا قلت لهم سأجلس هنا حتى تفرجوا عنهم. قالوا أنت ممنوع عليك دخول القرية فقط.  فقلت لهم سأدخل ولو بالقوة وبدأت أخطو باتجاه القرية. طبعاً العسكر أقوى جسمانياً مني فأحاطوني وسدوا أمامي الطريق، واستمر هذا الأمر عدة ساعات لأني رفضت الرجوع، وهم، أي العسكر، تأنّوا في البداية، وعندما بدأتُ الخطو من جديد بدأ العراك الجسماني وأهل كفرقاسم سمعوا صيحاتنا، وطبعاً كان هناك من أوصل لهم الخبر، فتجمعوا على التلة، وشاهدوا كيف يمنع العسكر توفيق طوبي من دخول القرية.
بعد سنوات كان هناك اجتماع في عكا لإحياء ذكرى كفرقاسم، فتوجه شخص من عكا وقال لرفاقنا أنتم لا تعرفون كم كان هذا العراك مؤثراً عليّ، فقد كنت أحد رجال الشرطة الموجودين في المكان ورأيت كيف بطح رجال الشرطة توفيق طوبي على الأرض ومزقوا قميصه ومنعوه من دخول القرية، وقال لهم ساعتها لم يسعفني سوى البكاء. وقال أوصلوا لتوفيق طوبي تحياتي.
طبعاً هذا إنسان حاسب ضميره فيما بعد، وآمل أن الكثيرين ممن يرون الجرائم التي ترتكب يومياً أن يحاسبوا ضميرهم فيما بعد عن الجرائم التي يرتكبونها الآن".













Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت