X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
22/01/2022 - 10:11:42 pm
سعاد الصباح في الشعر العربي الحديث:بقلم د.سمير فوزي حاج

سعاد الصباح في الشعر العربي الحديث:

صوتُ نون النِسوَة في مُواجهة واو الجماعة

الشعر اندهاشٌ في جماليته وعبق معانيه، الخالدُ فيه هو المسكون بالهم الإنساني، المُشاكسُ للواقعِ، الرافض سَطْوَةَ شهريار وتابوهاته، والمشحون بـ«لا». لا الناهية عن تفتيت المرأة و«فيتو على نون النِسْوَة» كما تصدحُ قصائدُ سُعاد الصباح صاحبة «امرأة بلا سواحل» و«القصيدة أنثى والأنثى قصيدة» و«فتافيت امرأة» التي رسمت صورة المرأة الشرقية بهيةً في خريطة الشعر العربي الحديث، وحملت صوتها الجريء الواعي، وجعلته يصدح في آذانِ شيوخ القبيلة غير آبهٍ بالآتي. «وإن صَلبوني.. فشُكْرًا لهم/ لقد جعلوني بصف المسيح».
أشعارُها قُزحية الموضوعات مثل سيمفونية متنوعة عن قضايا المرأة وهُموم الإنسان العربي عامة. شكلَتْ قصيدتُها مثلثًا أضلاعُهُ الوطن، الحب، الحرية. رفعَتْ أشعارُها صوت النساء الغاضب، فاختارت «نون النسوة» المُتحركة، الفعالة والفاعلة في وظيفتها النحوية، عِوَضَ «تاء التأنيث» الساكنة والمُقصاة عن أي وظيفة نحوية، لمُحاورة الرجل الشرقي المتخلف وشيوخ البادية في نظرتهم الدونية للشاعرات، في زمن البدء.. حين كانتِ القصيدة أيقونة جمع مذكر سالم «إن الأديبات نوعٌ غريبٌ/ مِنَ العشبِ.. ترفُضُهُ الباديَه». ويتمظهر الرجلُ الشرقي في شعرها بتوصيفات قامعة مثل، شهريار، هولاكو، زير نساء، متخلف، استعمار قديم، ذئب مشتعل العينين، وحش، قرصان، سمك متوحش.
هذه الشاعرة التي ضمخت القصيدة برحيق فكر الأنثى الواعية والذكية، نشدَت من الرجل الشرقي المُضمرَ والغائبَ فيه، الكلام الجميل والعاطفة والصداقةَ والاهتمام بالأشياء الصغيرة، كما في (كُنْ صديقي) التي غَنتْها المُطربة ماجدة الرومي، «إن كُل امرأةٍ تحتاجُ أحيانًا إلى كف صديقٍ وكلامٍ طيبٍ تسمعهُ/ وإلى خيمةِ دفءٍ صُنِعَتْ مٍنْ كلمات/لا إلى عاصفةٍ مٍنْ قُبُلاتْ». كما رأت أن الرجل الشرقي لم يخلعُ أفكار شهريار القامع والقاطف ثمار النساء «إنني أحتاجُ كالأرضِ إلى ماءِ الحوارْ/ فلماذا لا ترى في مِعْصَمي إلا السِوارْ/ ولماذا فيك شيْءٌ مِنْ بقايا شَهْرَيار».
شعرُها غاضِبٌ، ثائرٌ، ورافضٌ للثابتِ كما في قصيدة «أُنثى 2000» «قد كان بوسعي/ أنْ لا أبتلع الدمعَ/ وأن أبتلعَ القمعَ/ وأن أتأقلمَ مثْلَ جميعِ المسجونات». قصائدها الوَمضية وخزاتٌ ولسعاتٌ اجتماعية كما في (فُضول) «في المقاهي الأوروبية/ أقرأ جريدتي وَحدي/ وفي المقاهي العربية/ يقراُ كل الجالسين جريدتي معي». كما أنها حاذقةٌ في رسم صورة الرجل الشرقي اللاهث وراء النساء والمتلعثم في حضورهن «لماذا الرجلُ الشرقي يَنْسى/ حينَ يلْقى امرأةً، نصفَ الكلام ْ؟ / ولماذا لا يرى فيها سوى قطعة حَلْوَى/ وزغاليلَ حمام/ ولماذا يقطُفُ التفاحَ من أشجارِها ؟ ثُم ينامْ» وتتقاطع أشعارها في الحب والجنس مع الشاعرة العراقية الراحلة لميعة عباس عمارة، في الجرأة الإيروتيكية والذكاء في إبراز روح شهريار في حبيبها الشرقي، وكشف خيانته وتسامحها اتجاهه «رجلٌ أنت مُكتظٌ بالنساءِ حتى التخمهْ/ وحين تأتيني مساءً/ مُثخَنًا بالكُحلِ والعطرِ والأظافرْ/ أمسحُ جِراحكَ بماء الوردْ/ وأتوسلُ إليْكَ أن تخلعَ خَوْذَتَكْ/ وترمي سيفَكَ على الأرضْ/ وتجعلني/ معركتَكَ الأخيرةْ».
قصائدها الواخزة للرجل الشرقي، حينا تسيرُ خَبَبا، وأحيانا تثورُ وتسرع، في الأولى لا تخرج عن دائرة المُحاورة والطلب والبقاء في فلك الحبيب وتحت سمائه، «أنت كالاستعمار القديمْ/ تضعُ يدكَ على مناجمي/ وقمحي. وفاكهتي.. ومعادني/… لكنني أريد أن تمنحني/ – وَلَو على سبيل التجربة -/ نَوْعًا مِنْ أنواع الحكم الذاتي». فالرجل الشرقي في عالمها الشعري مسكون بعقلية شهريار «مُشكلتك الكُبرى/ أن جميعَ معلوماتك عن الحب/ مأخوذة من كتاب (ألف ليلة وليلة)». والشاعرة في عيْن الرائية، تستشرفُ استحالة تهشيم أصنام القبيلة، وتغيير موقف الرجل من الحب فتلجأُ إلى الوخز والهمز والسخرية السوداء في نيازكها الشعرية «لَو كنتُ أعرفُ أنكَ تهوى الكتب/ إلى هذا الحد/ لاشتريْتُ أثوابي من المكتبات». كما أنها تروض حبيبها الشرقي بالمُناغاة والإطراء والمديح. أملا في اقتناص بعض الحقوق، وهي العارفة بازدواجية مواقفه ورجعيته، كما في (ازدواجية) «كَمْ أنتَ بليغٌ ومتدفقٌ / عندما تتحدث /عَنْ مأزق المرأة العربيهْ/ وضرورة فك الحصار التاريخي /عَنْ فمها../ وعقلها../ وجسدها المطمور تحت الرملْ/ لكن ما يدهشني/ أنكَ عندما تكتُبْ /تضعُ المرأةَ دائما/ « بَيْنَ قَوْسَيْن». هذه الثيمة تكررت كثيرا في شعرها في درجات حرارة مُختلفة، فهي تنعتُهُ بثنائية الحضاري على الورق، والعدواني للنساء أي المتخلف عن ركب الحضارة. ويزداد غضبُها الشعري في تعرية عُقدة حبيبها الشرقي وخوفه من نجاحاتها «يا مَنْ تُعقدُكَ انتصاراتي/ وتكرهُ أنْ ترى حولي / أُلوفَ المُعجبينْ/ يا مَنْ تخافُ تَفوقي/ وتألقي/ وتخافُ عطرَ الياسمينْ». كما يتواتر غضبها الجريء وغليانها بأسئلتها الاستنكارية المُنهالة بغزارة في دحض ثقافته «أمُثقفٌ؟ ويقولُ في وأد النساءِ../ فأي ثقافةٍ هذي.. وأي مُثقفين؟/ أمُثقفٌ؟/ ويريدُ أنْ يُبقي حبيبتَهُ بسرداب السنينْ؟».
وتسير قصيدتُها بانسياب وشموخٍ وتحد مثل مُهرةٍ حرون، مُستشرفةً الغد الأجمل للمرأة الشرقية « ما تعودْتُ بأنْ أنْظُرَ يومًا للوراء/ فأنا أعرفُ دربي جيدًا/ والصعاليك -على كثرتهم – /لَنْ يُطالوا أبدا كعبَ حذائي/ لن ينالوا شجرةً واحدةً من كبريائي». هذه السفينة الشعرية المحمولة بالشعر المنثور وشعر التفعيلة والموزون لا تهاب العاصفة، كما أنها تحمل رؤية كونية في نزعتها الإنسانية الشمولية وانتمائها للحب «انتمائي هو للحب / وما لي لسوى الحب انتماءْ» مُجسدَةً فلسفة صوفية نحتها مُحيي الدين بن عربي بقوله «أدينُ بدينِ الحب أنى توجهَتْ/ ركائِبُهُ فالحُب ديني وإيماني». قصيدتها عصرية مُواكبة للحداثة، مجبولة بالوجع ومعاناة المرأة والإنسان، تتشحُ بالأسود من وجع الفراق وتعاسة الواقع وتهميش وتفتيت المرأة في المجتمع الذكوري «إني كنتُ في بحر بلادي لؤلؤةْ / ثُم ألقاني الهوى بين يديْكْ/ فأنا الآن فتافيتُ امرأةْ» لكنها تستشرفُ الصحوة والنهوض.
سعادُ الصباح كما تزدهي بأشعارها، نخلة شامخة، في روضة الشعر العربي الحديث، بلسمَت الشعر بعرار نجْدٍ، ولَونت القصيدة بقوس قزح المزدهي بالمرأة الشاعرة الجريئة في تعرية شهريار المُعاصر.

كاتب فلسطيني




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت