X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
04/11/2022 - 10:02:51 am
جورج صاند.. العربية بقلم:ناجي ظاهر

جورج صاند.. العربية

ناجي ظاهر

قضت الكاتبة الفرنسية ذائعة السمعة والصيت، جورج صاند- إسمها الحقيقي أورو دوبان، (1804- 1876)، سحابة عمرها متنقلة من مغامرة غرامية إلى مغامرة إبداعية دلّت، فيما دلّت عليه، على نبوغ لازمَها في معظم ما انتجته وخلّفته وراءها من إنتاج أدبي ما زال العالم يقرؤه ويستمتع به حتى هذه الايام، رغم مضيّ ردحٍ غير قليل من الزمن على انتشاره، علمًا أن هذه الكاتبة الفذة تركت وراءها أكثر من ستين رواية تُعتبر من عيون الادب الفرنسي، وأكثر من عشرين مسرحية شهد لها معظم رجالات عصرها وأدبائه، إضافةً إلى عدد لا بأس به من المؤلفات النثرية اللافتة.

حظيت هذه الكاتبة بالاهتمام والعناية الشديدة من معاصريها وبينهم خالد الذكر الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو الذي يعتبر من أعمدة الادب الفرنسي الراسخة، كما حظيت باهتمام آخر لا يقلّ أهمية من معاصرينا، لعلّ أبرزهم الكاتب الفرنسي الحقيقي، والحقيق بالاحترام والتقدير، اندرية موروا، فقد قضى هذا الكاتب عددًا من الاعوام في تأليف كتاب عنها حمّله اسم إحدى رواياتها، "ليليا أو جورج صاند"، وصدر عام 1951، أما في أدبنا العربي فقد حظيت جورج صاند باهتمام مماثل لذاك الذي حظيت به في بلادها، وقد وضعت عنها الاديبة السورية البارزة سلمى الحفّار الكزبري، كتابًا حمل عنوان" جورج صاند- حب ونبوغ"، وقد أتيحت لي مؤخرًا قراءة هذا الكتاب الممتع واقترح بدوري على محبي الكتاب والقراءة في لغتي العربية قراءته، لما ضمّه من تصوير دقيق لإنسانة مغرمة ومتميّزة.. وعصر مار بالأحداث العظام.

تفتتح المؤلفة كتابها بالحديث عن طفولة جورج صاند المعذّبة، كون جدتها لم تقبل أمها زوجةً لابنها لأنها من عامّة الشعب، وتُسهب في الحديث عن معاناتها في سنوات الطفولة واليفاعة، بعدها تتطرق إلى حياتها الزوجية التي قامت على عدم التكافؤ، ففي حين هي تتعشّق الموسيقى يدير زوجها- كوزيمير- ظهره لها ولا يود الاستماع إليها، وفي حين هي تهتم لكل صغيرة وكبيرة تقع في بلادها ومنطقتها، فإن زوجها لا يرى إلى أبعد من أنفه ولا تهمه سوى اموره الصغيرة.. وفي ظلّ حياة مثل هذه تجد جورج صاند نفسها تبتعد عن زوجها وتتأبي عليه في فراش الزوجية لتتخذ لها عشيقًا ستستمد من اسمه فيما بعد اسمها الذي ستشتهر به، جورج صاند، أما عن اختيارها لهذا الاسم تقول المؤلفة- سلمى الحفار الكزبري- إنها ابتدعته واختارته لسببين وجيهين أحدهما استياء ذويها منها لاحترافها الادب، والآخر أنها وجدت في انتحالها اسم رجل انتصارًا أكيدًا في عالم الفكر والادب الذي يستهين بنبوغ النساء- كما تقول.

https://optad360.mgr.consensu.org/icons/branding-ads.svg

تتوقف مؤلفةُ الكتاب، كما شدّدت في عنوانه، عند نقطتين هما الحب الذي جرت جورج صاند وراءه طوال أيام حياتها، والادب الذي نبغت فيه وقدّمت بالتالي آيات بينات لا تقل قيمتُها عمّا قدّمه عمداء الادب الفرنسي في زمنها العامر بالعطاء. في النقطة الاولى، تؤكد المؤلفة أن جورج صاند لم تُقم علاقتين في آن واحد، وهو ما يدُلُّ على أنها كانت تبحث عن نفسها في إطارٍ مِنَ الحرية رسمته لذاتها، ولم تكن متهتكةً بأيٍّ من الاحوال كما رأى فيها خصومُها، وتتوقّف المؤلفة عند العلاقتين الكبريين في حياة جورج صاند بكل من الشاعر الفريد دي موسيه، الذي أحبته بجنون ورافقته إلى البندقية لتقضي إلى جانبه فترةً من أروع فترات حياتها المديدة- عاشت 72 عاما-، والموسيقي الخالد شوبان، وهناك في الكتاب صفحاتٌ مثيرةٌ للأسى تصوّر فيها المؤلفة انتهاء كلٍّ من هاتين العلاقتين بخيبة أمل تتلوها أخرى، وفراق ما بعده لقاء. وفيما يتعلّق بالعلاقة بالفريد دي موسيه، فإنها تضع كتابًا عنه بعد وفاته يثير عليها أهله وعددًا من كُتّاب عصرِها، أما فيما يتعلّق بشوبان الذي رعته برمش العين عند إصابته بالنزلة الصدّرية خلال رحلتها برفقته إلى ميورقة، فإنه ينقلب عليها لينضم إلى مبغضيها من ذويها، خاصة ابنتها صولانج. فيما يتعلّق بالنقطة الثانية- النبوغ- تتحدّث المؤلفة عن علاقة جورج صاند برجالات عصرها وأدبائه، أمثال اونوريه دي بلزاك وجوستاف فلوبير وإيفان تورجنيف، وعن استضافتها لهم في قصرها، كما تتحدث عن نجاحاتها المتتالية في مجال التأليف الروائي والمسرحي، وتبرع في الحديث عن الجانب السياسي الابداعي في حياة صاند وفي كتاباتها السياسية التي حظيت باهتمام كبير، لما اتصفت به من شجاعة في القول وجرأة في الفكر.

يقول هذا الكتاب الذي أعتقد أن مؤلفته اعتمدت اعتمادا شبه كليٍّ في تأليفها له، على كتاب اندري موروا، المشار اليه آنفا، إن حياة صاند لم تكن هيّنة ليّنة وإنها عانت كثيرًا، وفي هذا المجال تتوقّف مؤلفتُه سلمى الحفّار الكزبري عند صفحات معتمة في حياة جوج صاند، تتصف بالمُعاناة سواء كان فيما يتعلّق بحبها الصادق، او بالخلافات على الاملاك والتوريث.

سؤال الحّ علي طوال قراءتي لهذا الكتاب الذي أصدرته صاحبته عن دار نوفل في بيروت، عام 1979، وأتيحت لي قراءته مؤخرًا، بعد توفر نسخة منه بين يدي،.. دار هذا السؤال حول سبب تأليف صاحبته له، وكنت كلّما أوغلت في قراءته تأكد لديّ إحساسٌ بأنه اراد أن يؤكد على قدرة المرأة في النبوغ والابداع، كما أراد أن يؤكد على الامكانيات التي يمكن أن تتمتّع بها المرأة العربية اسوة بأختها الفرنسية، وقد أكد إحساسي هذا وضع صاحبته بعد سنوات من صدوره كتابًا عن مي زيادة حمل عنوان " مي زيادة- المأساة والنبوغ".

لقد أبدعت سلّمى الحفّار الكزبري في كتابها هذا وفي كتاباتها عامة أيما ابداع، وكتبت بلغة رصينة ثرية وغنية، لهذا اقترح، مرة اخرى، على مَن يبحث عن كتاب رائع.. أن يقرأ هذا الكتاب، رحم الله مؤلفته، فقد رحلت عن دنيانا عام 2006، بعد حياة عامرة بالعطاء.. الحب والنبوغ.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت