X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
11/11/2022 - 11:03:51 am
محمود دسوقي: اغواء القول الشعري والفعل السياسي

محمود دسوقي: اغواء القول الشعري والفعل السياسي

بقلم: ناجي ظاهر

رحم الله الشاعر الصديق محمود دسوقي ( 1934- الاربعاء28- تشرين الاول 2015)، فقد كان واحدًا من أبرز شعراء المقاومة بعد قيام اسرائيل على انقاض شعبه الفلسطيني، وقد قرن القول بالفعل فاعتقل وسجن وقدم إلى المحاكمة جراء مواقفه السياسية المطالبة بحق ابناء شعبه في الوجود والحياة، وقد أصدر خلال عمره المديد العديد من المجموعات الشعرية الحادبة على ابناء شعبه في الشتات وفي البلاد وأنىّ وجدوا وقاموا.

صدرت أول مجموعة شعرية له عام 1957 وحملت عنوان "السجن الكبير"، وكانت من أوائل المجموعات الشعرية التي رأت النور في بلادنا بعد قيام اسرائيل، علمًا أن أوائل المجموعات صدرت عام 1956 أو قبلها بقليل فقط،.. لكل من الشاعرين عيسى لوباني وجورج نجيب خليل رحمهما الله. بعدها تتالت إصدارات شاعرنا للمجموعات الشعرية ليصدر عام 1959 مجموعته الثانية " مع الاحرار" تلتها مجموعة " موكب الاحرار" وقد صادرتها السلطات الاسرائيلية بعد صدورها بقليل وقامت بمحاكمة صاحبها ليبدأ عهدًا جديدًا في حياته تمثل بالإقامات الجبرية والاعتقالات المتعدّدة. ويشار بكثير من التقدير والاحترام إلى أن الدسوقي آمن منذ البداية أنه بإمكان الكف أن تلوي يد حامل المخرز وأن تصرخ في وجهه مطالبة بحق ابناء الشعب بالوجود والحياة كما أشرنا سابقًا. ولم يعبأ لا بسجن ولا بسجّان في فترة كان مجرد الاتيان على ذكر فلسطين وأهلها يكلّف الكثير من الملاحقات والاعتقالات.

أصدر شاعرُنا خلال عمره الادبي العديد من المجموعات الشعرية وهي على التوالي: ذكريات ونار* المجزرة الرهيبة* صبرا وشتيلا* طير أبابيل* جسر العودة* زغاريد الحجارة* الركب العائد وتراتيل الغضب، إضافة إلى المجموعات الثلاث المذكورة آنفا. وله عدد من الدراسات الادبية هي: الشعر العربي بين القديم والحديث* المعلّقات والملاحم الشعرية عند العرب في الجاهلية* الاتجاه الوطني في الشعر العربي الفلسطيني -الاستقلال والثقافة الوطنية* الإسلام دين أم دين ودولة* الانتفاضة -انعكاسات وتفاعل مع أدب الداخل* الرسام العاشق - رسالة إلى جامعة الدول العربية، وقد كان رحمه الله شعلة من النشاط في المجالين السياسي والشعري لا سيما في المرحلة الاولى من حياته. علمًا أنه لم يفصل بين الشعر والسياسة ورأى فيهما كلًا متكاملًا وفعلا يكمل الآخر.

كتب شاعرنا منذ بداياته الاولى الشعر التقليلدي الحماسي، واعتمد في كتاباته خلال هذه المرحلة الشعر العمودي وسيلةً للتعبير عمّا دار في خلده واختلج في قلبه من مشاعر تستذكر ما حدث لأبناء شعبه وتُحرّض على مواجهته بقوة وصلابة. وأذكر أنني كنت وأنا لما ازل صبيًا يافعًا على مقاعد الدراسة في الستينيات، اقرأ من أشعاره أمام الوالدة والجارة، وكانتا في الخمسينيات من عمريهما من ديوانه "مع الاحرار" فكانتا تذرفان الدموع على ما حلّ بشعبهما من عسف وظلم وما لحق به من ظلم وجور فتشتت في داخل البلاد وخارجها ليقيم قريبًا من مرابعه وبعيدًا عنها في الآن. وأعتقد أنه لهذا رأت السلطات الاسرائيلية آنذاك في شعره خطرًا يجب إيقافه عند حدّه حتى لا يترك أثرًا لا تريد له أن يترك على الفلسطينيين الباقين في وطنهم، علمًا أن هذه السلطات فرضت آنذاك حكمًا عسكريًا مشدّدًا تعامل بيد من حديد مع أي مُخالف.

في فترة الخمسينيات والستينيات التي شهدت حضور شاعرنا ثقافيًا وسياسيًا، اتصف النمط الشعري السائد بنوع من المباشرة والحماسة التي تذكّر بأشعار الحماسة العربية القديمة في حماستي أبي تمام والبُحتري، وكان على الشعراء أن يضحوا قليلّا بالإبداع الشعري لمصلحة الرسالة السياسية المباشرة كما قال لي شاعر أعزه وأحبه من أبناء تلك الفترة. ونحن إذا ما تعاملنا مع شعر الدسوقي بلغة أيامنا فإن الكثير من شعره لا يصمد أمام المفاهيم الشعرية التي صار اليها شعرنا العربي الحديث، أما إذا تعاملنا معه بلغة الفترة التي أنتج فيها فإننا سنرى أنه لعب دورًا جبارًا في إثارة القضية السياسية وإلهاب الجماهير بها، لهذا أعتقد أنه من المفضل أن نتعامل مع ما أنتجه شاعرُنا بلغة فترته.

لقد واصل شاعرنا في الفترات التالية كتابته للشعر الوطني المباشر، مع تغيير طفيف في الشكل الشعري إذ كتب الشعر الحرّ المعتمد على التفعيلة، غير أنه بقي أمينًا لمباشرته، في زمن ابتدأ فيه شعراؤنا بالبحث عن أساليب فنّية جديدة تتماشى مع ما كتبه وأنتجه شعراء مُجلّون من عالمنا العربي المحيط بنا، لهذا أعتقد أن ما أنتجه شاعرنا من أشعار في هذه الفترة لم يلق الاحتفال الذي سبق ولقيته اشعاره الاولى، وأذكر أنني كتبت عن مجموعته "زغاريد الحجارة" التي وضعها إبان الانتفاضة الاولى، ووجّهت إليها نقدًا شديدًا لما تضمنته من مباشرة لم تعد تليق بشاعر يريد أن يكون في تلك الفترة، كما أذكر أننا التقينا في مدينتي الناصرة وتداولنا الحديث عن الشعر وعمّا صار إليه من تغيرات وتطورات لا بدّ منها، وشعرت أنه اقتنع إلى حدّ ما بما أدليت به من رأي، وأشير بكثير من الاعتزاز أنه طلب مني أن اكتب مقدمة لمجموعته التالية، فكتبت ما طلبه ولا أعرف ماذا تمّ له معه حتى الآن.كان شاعرنا شخصية وطنية سياسية من طراز رفيع، وممّا اذكره في هذا المجال أنه زارني أثناء الثمانينات، واقترح علي أن نقوم معًا بتأسيس حزب سياسي ينطلق من بلدتي الناصرة عاصمة الجماهير العربية، كما وصفها، وأردف يقول لي إنني درست الاقتصاد وأعمل في المحاسبة وبإمكاني أن أوفر الميزانية المطلوبة، إلا أنه ما لبث أن تراجع عن اقتراحه عندما أدرك جيدًا أنني لا أريد أن أكون رجل سياسة، وأن الادب أكل عقلي.. منذ تلك الفترة لم ألتق به سوى مرات معدودات، وكنت أتابع أخباره وأخبار تكريمه من قبل أهله الفلسطينيين في بلدته الطيبة وفي أراضي 67، فأقول لنفسي إنه يستحق مثل هذه التكريمات. وبقيت أكن له الكثير من التقدير والاحترام، رغم اختلاف فهم كل منا للشعر، طوال حياته ( عاش 82 عامًا)، رحم الله الفقيد فقد بقي أمينا مخلصًا لآرائه ومبادئه حتى يومه الاخير في هذه الحياة.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت