X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
01/01/2012 - 07:38:55 pm
رواية "وما زالت سعاد تنتظر"، مسيرة الفلسطيني من أجل الحرية ..بقلم: جوني منصور*
موقع الغزال

قليلة هي الروايات التي ترصد تطور الصراع الاسرائيلي/العربي عامة والاسرائيلي /الفلسطيني خاصة. وإن كنت أبدأ بهذا الطرح لأن أحد محاور رواية فايز رشيد "وما زالت سعاد تنتظر" تندرج ضمن هذا التوجه الأساس. وفي حقيقة الأمر أن من يبدأ بقراءة الرواية المؤلفة من 380 صفحة من القطع الوسيط لن يتركها إلا ويأتي على نهايتها لما فيه من عناصر التشويق التاريخي. وكي لا أحرم القارئ متعة قراءتها دفعة واحدة والتمتع بها والاستفادة مما تحويه من معلومات ومعرفة وتوجيهات حياتية، فإنني سأعالج جوانب محددة أراها ضرورية لفهم الرواية من حيث أسس توجهاتها، وما تحمله من رسالة بل رسائل موجهة إلى العقل العربي عامة والفلسطيني خاصة في زمن تسيطر عليه عقول خارجية تقود إنسان هذه المنطقة إلى طريق غير الطريق التي يجب السير فيها بلوغًا إلى أعلى سلم الخلاص.

في الرواية مسارين: الأول خاص أي عائلي والثاني عام أي وطني/قومي. والمساران لا ينفصلان عن بعضهما البعض، حيث أنهما مترابطين بوثائق شديدة وليست موجعة بالمطلق.

ففي المسار الخاص العائلي تعكس الرواية قصة عائلة فلسطينية من مدينة قلقيلية وما تتعرض له هذه العائلة من أزمات داخلية في شبكة العلاقات المحكومة بالتقاليد والأعراف المتشددة أحيانًا كثيرة، ومن جهة أخرى تحاكي معظم العائلات الفلسطينية من حيث بنيويتها والسلطة الأبوية المسيطرة في صنع القرارات وتنفيذها. وكاتب الرواية إنما يطرح هذه القضية ليس من باب تأييده لها وتعاطفه معها، إنما ليعكس صورة العصر وبدايات تفكك هذه البنيوية تدريجيًا كلما تقدمنا في الزمن وذلك بفعل مؤثرات داخلية أساسها نمو ذهني وفكري، خارجية لا يمكن للإنسان أن يقف في مواجهتها.

الرواية صورة مليئة بالتفاصيل الدقيقة والكثيرة جدًّا، إلى درجة تخال نفسك تعيش يوميًا في وسط هذه العائلة، بكل ما تمرّ فيه من معاناة على مر ثلاثة عصور: التركي والاحتلالين البريطاني والاسرائيلي. المعاناة داخل الأسرة بحكم منظومة العادات التي أشرنا إليها سالفًا، وفي مقدمتها زواج الأقارب، وزواج الأخ من زوجة أخيه حال وفاة الأخير وتدبير العرائس(الزوجات) للشباب، وتجميع المال في كيس واحد هو جيب الأب. ولكن وسط هذه المنظومة التي يثور عليها بنعومة ما كاتب الرواية، نجد الحب والحنان والدفء في ربوع العائلة في نواتها الصغيرة والعائلة في نواة العشيرة. وكأني بالفلسطيني ما يزال يميل إلى حصوله على دعم وسند من هذه المنظومة الاجتماعية بالرغم من كل التغييرات والتحولات التي تعصف بعالمنا المعاصر. وبالرغم ممّا تعرضت له العائلة من تشريد بعض أفرادها، ومن الظروف الجيوسياسية، خاصة أحداث النكبة 1948 والنكسة 1967 إلا أنها تسعى إلى مزيد من الحفاظ على تماسكها.

ومن هذه النقطة، فإن قصة العائلة المشار إليها في الرواية تترافق والقصة الكبرى للعائلة الفلسطينية كشعب. حيث يرصد فايز رشيد بدقة متناهية تفاصيل كثيرة ودقيقة على ألسنة عدد من أبطال روايته، حيث لا توجد شخصية بطل واحد أو راو واحد يمكن الإشارة إليه بالبنان. فتبدأ الرواية من مطلع القرن العشرين، وبالتحديد من عملية تجنيد الأتراك للشباب في كافة مناطق السلطنة، وخوف الأهالي من عدم عودتهم، وبالتالي لجوء بعض منهم إلى الهرب والاختفاء وما يحاك من قصص حول هذه الظاهرة التي باتت جزءًا من القصص الشعبي الفلسطيني. ثم يصف الكاتب بتفاصيل وافرة للكفاح الفلسطيني في مواجهة الانجليز وخطر المشروع الصهيوني المتمثل بالسيطرة على الأرض وميل الانجليز إلى تشجيع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين وطرد العرب الفلسطينيين من أراضهم. ويوجه انتقادًا لاذعًا إلى القيادات العربية الرجعية بخيانتها قضية الشعب الفلسطيني، وعدم التنسيق فيما بينها وبين الحركة المقاومة الفلسطينية، مقابل التنظيم العصري والدقيق للمنظمات العسكرية الصهيونية التي تنقضّ بسرعة خاطفة على مدائن فلسطين وتحتلها وتطرد سكانها الأصليين منها وتوطن مكانهم يهودًا مهاجرين من اصقاع الدنيا المختلفة. كما أن الكاتب لا يتوانى من توجيه نقده الشديد إلى بائعي الأراضي وسماسرتها العرب الذين باعوا نفوسهم مقابل حفنات من المال، وتركوا شعبهم يئن تحت وطأة الترحيل والتطهير العرقي. ويتطرق بإسهاب إلى التواطؤ المثلث بين زعماء العرب والانجليز والقيادة الصهيونية لتسليم جزء من فلسطين إلى الحركة الصهيونية لتحقيق مشروعها بإقامة دولة لليهود على أراضيها.

وينقل فايز رشيد الأحداث التاريخية كما هي على لسان أبطال روايته ولا يتدخل كاتب الرواية في تغيير شكل أو مضمون رواية الأحداث، فينقلها بتعابير يستخدمها المؤرخون في كتابة نصوصهم التاريخية. فمثلاً في وصفه لسقوط حيفا ويافا ينقل الرواية العربية الفلسطينية كما سمعها وعرفها من المصادر الشفوية والمكتوبة، وهذا بحد ذاته جزء من عملية توثيق الرواية الفلسطينية لنكبة 1948 إزاء الرواية الصهيونية / الاسرائيلية التي زيفت الحقائق وجندت انتصارها لصالح توثيق الرواية وتعميمها وكأنها الرواية الواحدة والوحيدة. ونحن بحاجة إلى توثيق ما حدث في 1948، وها هي هذه الرواية تأخذ على عاتقها قسطا من هذه المهمة، لإدراك واضعها بأهمية التوثيق التاريخي ومعرفته الجيدة لما في هذا التوثيق من ضرورة آنية ومستقبلية للأجيال القادمة وللشعوب الأخرى الداعمة للشعب الفلسطيني.

وتفرد الرواية جزءًا يسيرًا منها لأحداث ما بعد النكبة وما يتعرض له الفلسطينيون في اللجوء والمنافي من إذلال ومهانة، ولكنه لا يقف عند هذه النقطة بل يميل بصورة دائمة إلى شحذ الهمم، وهذا ما فعله الفلسطينيون بإعادة بناء حركتهم الوطنية المؤسسة على فكر المقاومة الشرعي لشعب يناضل من أجل خلاصه وعودته إلى أرضه ووطنه والعيش بكرامة أسوة بباقي شعوب المعمورة. ينقل قصة انضمام الفلسطينيين إلى الجيش الأردني ثم إلى حركة المقاومة الفلسطينية عند تأسيسها وانطلاقتها في الستينيات على أسس حركة القوميين العرب التي وضعت بذورًا لهذه الحركة الوطنية. ولا يتنازل فايز رشيد عن حق المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني، ويبلغ الانتفاضة الأولى التي يرى فيها تجسيدًا لنجاح الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال في أرض الوطن. ويعكس صورة المد القومي في أعقاب انتشار الناصرية في الوطن العربي وسعي الشعوب العربية إلى تحقيق استقلالها في أوطانها والتخلص من الاحتلال الاجنبي ومن الرجعية العربية المتواطئة والمتآمرة على الأمة ومقدراتها.

وتأتي النكسة في عام 1967 فتصيب المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع القومي العربي في صميمه، ولكن مجددًا يقف الفلسطيني أمام معاناة أخرى، إذ لا تكفيه معاناة اللجوء والتشرد والمنافي والحرمان، ها هو الاحتلال الاسرائيلي يربض على قلب كل فلسطيني ويبدأ الفلسطينيون في مسيرة نضال جديدة ومواجهات أخرى مع احتلال لا يعرف رحمة ولا شفقة ولا انسانية، همّه مزيد من الأرض والتخلص من سكانها الأصليين. ويتبع الاحتلال الاسرائيلي سياسات التفتيش والاقتحامات والسجن والتحقيق والتعذيب والملاحقات والطرد والإبعاد والقتل والتصفيات ومصادرات الأراضي وغيرها من أنواع القمع والقسوة، إلا أن الفلسطيني وفق فايز رشيد صامد وسيبقى هكذا، شعب نضال وعطاء وتضحية بلوغًا إلى تحقيق الهدف الأسمى ألا وهو تحرير الأرض والإنسان.

"وما زالت سعاد تنتظر"، إنها سعاد التي لم تحظ برؤية والدها الذي جند في الجيش التركي، وكانت تنتظر عودته، وإنها سعاد التي تنتظر عودة فلسطين إلى فلسطين، إلى حيث يجب أن تكون فلسطين بكل أبنائها الذين نفوا وشردوا. إنها قصة كاتب الرواية، والكاتب هو كل فلسطيني مشرّد في وطنه وعن وطنه.

وما أروع خاتمة هذه الرواية "الأم مثل الوطن والوطن لا يموت....". فلتكن أمنية أو صلاة، إنما شعب يثق بنفسه وبقدراته ولا يتقهقر سيحقق أمنيته. هذا ما تريد هذه الرواية أن تنقله وتؤكده، وهو ضرورة شحذ الهمم، والتمسك بالثوابت وعدم التنازل عنها، والتمسك بالوطن وعدم التفريط به لقاء وعود وسياسات انهزامية، وضرورة الحفاظ على علاقة بالأرض والإنسان، ونبذ كل ما يفرق ويباعد، والسعي الحثيث نحو إعادة بناء الذات بعد العواصف التي ضربت جنبات البيت الفلسطيني. إن الرواية هي رسالة للفلسطينيين، أينما تواجدوا.

ففي خلاصة قراءتي للرواية أرى أنها سفر تاريخ النضال الفلسطيني خلال القرن العشرين، بالترافق مع قصة العائلة الفلسطينية بما فيها من آلام وآمال واستعداد للمستقبل الآتي بكل غموضه، لكن الأمل أقوى بكثير.  

*) د.جوني منصور: مؤرخ وكاتب من فلسطين.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت