X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
14/01/2012 - 10:00:23 pm
الوادي الذي من فوقه جسر بقلم جوني منصور
موقع الغزال

قليلة هي الأودية الباقية في حيفا، حيث أُعملت فيها يد الإنسان، وأحدثت تغييرات جوهرية على شكلها الطوبوغرافي ووظيفتها الطبيعية. ومن الأودية هذه سنتحدث عن "وادي روشميا"، وهو أحد الأودية الشرقية لحيفا المدينة. ولقد مر هذا الوادي في مسيرة تاريخية مهمة بالنسبة لحيفا والجوار، حيث عاش فيه الإنسان منذ عصور غابرة، وعرف كيف يستفيد من الطبيعة التي منحه إياها الله.

الاسم والتاريخ


وادي روشميا ("روش مايا" من اللغة الآرامية وتعني "راس العين"). وهو وادٍ في الطرف الشرقي لمدينة حيفا، ينبع من جبال الكرمل ويصب في مصب نهر المُقطّع(قيشون) في البحر الأبيض المتوسط. أما الوادي نفسه فيفصل حي الهادار عن حي الحليصا والحي اليهودي في نافيه شأنان(ويطلق عليه العرب "النبي شعلان").

قلعة الوادي

وفي مسار الوادي قلعة تحمل اسم "قلعة راس العين"، وهي عبارة عن قلعة يعود تاريخ بنائها إلى الفترة البيزنطية. ولقد دلّت الحفريات الأثرية التي أجريت في الوادي من فترات بعيدة عن وجود نشاط بشري منذ زمن بعيد. ويعتقد بعض علماء الآثار أنها تعود إلى عدة قرون قبل الميلاد. وفي عودة إلى القلعة نفسها فإن الصليبيين بنوا فوقها قلعة أخرى لحماية الطريق. ولمّا آلت منطقة الجليل إلى الشيخ ظاهر العمر الزيداني في القرن الثامن عشر سعى إلى ترميمها وتحصينها من جديد واستخدامها لحماية الوادي ذي الموقع الاستراتيجي، وكذلك مصب الوادي القريب من البحر.

النشاط البشري في الوادي

ولم ينقطع النشاط البشري في الوادي حيث كان من الطبيعي أن يُقيم الإنسان ويعيش في وادٍ كهذا تتوفر فيه مياه لفترة زمنية طويلة على مدار السنة. وكان الإنسان منذ فترة بعيدة في التاريخ يقوم بحفر الآبار والحُفَر لتجميع مياه الأمطار لتكفيه طيلة ايام السنة.

والواقع أن السكن البشري لم يكن مكتظًا إلى درجة عالية إلا في القرن العشرين عندما بدأت عائلات عربية من قرى ومدن مختلفة في فلسطين تهاجر إلى حيفا طلبا للعمل والارتزاق ثم طلبا للعلم لأولادهم.

حارة الغزازوة

وأقامت الجالية الغزيّة حيًّا لها عند طرف مصب الوادي، وعُرف الحي لاحقًا باسم "حارة الغزازوة". وضم عائلات من غزة جاء معيلوها بحثًا عن الرزق والعمل في منشأة الميناء ومصلحة سكة الحديد أو في المنطقة الصناعية القريبة من حيفا.

طرد العرب وإحلال اليهود

وارتفع عدد سكان سفوح الوادي وعلى منحدرات الحليصا الغربية سنة بعد أخرى حتى عام 1948، إلى أن قامت العصابات العسكرية الصهيونية بطرد وتهجير أهالي الحي كافة بتهديد السلاح واستعمال العنف الجسدي القاسي، واحلال مهاجرين يهود من مختلف اصقاع المعمورة.

وانضم لاحقا اي بعد 1948 إلى سكان الوادي الباقين(حيث بقيت عائلات قليلة جدا) عائلات هاجرت من قرى الجليل والمثلث الشمالي لنفس أسباب الهجرات السابقة زمن الانتداب البريطاني، اي طلبا للعمل والارتزاق ثم لتعليم الأولاد في مدارس حيفا.


مسلسل تفريغ الوادي

وافتقر وادي روشميا إلى ابسط الخدمات الانسانية، ولكن الأهالي بقوا صامدين أمام سياسات بلدية حيفا الاقتلاعية إلى أن لم يعد بإمكانهم الاستمرار بهذا الوضع لفترة طويلة، فأعلنت البلدية عن خطة تطوير الوادي(هي خطة تفريغ الوادي من سكانه وتشتيتهم في المدينة أو خارجها). وانجزت عملية تفريغ السكان بصورة بطيئة حتى نهاية التسعينيات وذلك تمهيدا لإقامة "متنزه الوادي"، وفيه بعض الألعاب الرياضية وأماكن استراحة وتسلق تلال وما شابه.

وهكذا يشهد الوادي ومنذ سنوات مسلسلاً من تشويه معالمه وطمسها، واستبدالها بمعالم جديدة أكثر اصطناعية وغير طبيعية، مما افقد الوادي ميزاته وخواصه الطبيعية التي كونتها الطبيعة فيه عبر العصور.

مشهد من ذكريات أولاد حيفا

ومن الذكريات الجملية التي يتذكرها معظم أهالي حيفا في زمن ماض وعندما كانوا أولادًا، أن الوادي كان موقعًا جاذبًا للعب والتجوال وقطف اللوز والمشمش والبرتقال ذي المذاق الخاص. وكم من مغامرات طفولية مارسها أولاد الحي والمدينة ما تزال عالقة في ذاكرتهم ومخيلتهم. حقيقة كان الوادي أشبه بجنّة صغيرة في مدينة مزدحمة يرتفع فيها الضجيج يوميًا بنسبة عالية، حتى لتخالها مصنعًا من مصانعها. أمّا الوادي فكأني به يغير الموازين ويمنح السائح فيه قسطًا من الراحة النفسية والجسدية. ولكن مع مشروع بلدية حيفا تم القضاء على هذا الوادي بالتمام، وعلى مراتع الطفولة وذكريات الماضي.ولم يعد الوادي حاملا لا اسمه ولا شكله ولا ميزاته.

الجسر فوق الوادي


تم افتتاح الجسر في شهر ايار 1928 وأطلق عليه اسم "جسر روشميا"، نسبة لوادي روشميا المار من تحته مباشرة، واعتبر هذا الجسر الأكبر الذي يقام في كل فلسطين حتى ذلك الوقت.

أما الدّاعي لبنائه فكان لربط حي الهادار بالجهة الشرقية من مدينة حيفا، اي بالحليصا ونافيه شأنان. أضف إلى أن حكومة الانتداب البريطاني قد بادرت إلى توفير أماكن عمل للسكان في ظل أزمة اقتصادية عالمية اجتاحت المنطقة والبلاد، وخلفت ظاهرة بطالة في العمل. كان بإمكان ظاهرة البطالة هذه أن تثير السكان ضد حكومة الانتداب.

وواقع الأمر أن حيفا بدأت تشهد تغييرًا جذريًا في وظائفها الإدارية والاقتصادية وفي شرائحها السكانية الآخذة بالزيادة بسبب موجات هجرة متعددة، منها هجرة عربية داخلية وهجرة صهيونية استياطانية/استعمارية وافدة عليها من خارج فلسطين.

ومن جهة أخرى، فإن زيادة في السيارات ووسائل النقل وبداية ازدحام بين الأحياء العليا لحيفا كعباس والهادار والالمانية في الجهة الغربيةن وبالتالي صعوبة التنقل بين هذه الأحياء ومركز المدينة في البلدة التحتا. وانصب ضغط المواصلات وازدحام السير في شارع البرج(شارع ستانتون والذي استبدل لاحقا في 1948 إلى شارع شيبات تسيون). فكان الحل المقترح ربط شرقي حيفا بأحياء الهادار ثم عباس فالكرمل عبر جسر.

وهناك سبب آخر ألا وهو ربط الأحياء اليهودية في حيفا وهي: هرتسليا والهادار والكرمل ونافيه شأنان بالمخرج الشرقي لحيفا المؤدي إلى المنطقة الصناعية. وهكذا يتكون تواصل جغرافي بين الأحياء اليهودية والمنطقة الصناعية المخطط إقامتها في منطقة خليج حيفا.

وتولّى المهندس موشي ليدجينسكي رئيس دائرة الأشغال العامة في يحفا بالاشتراك مع المهندس البريطاني نوبل تخطيط مدخل حيفا الشرقي عند حي الحليصا.

وجاء في مقال كتبه ليدجينسكي وزميله نوبل واصفين فيه صعوبة الموقع المقترح لتشييد الجسر من الناحية الطوبوغرافية حيث ان الإنحدار شديد جدًّا من جهة جبل الكرمل باتجاه البحر، أي عند مصب الوادي.

ولملائمة الطريق الواصل بين الهادار والحليصا كان يجب بناء جسر. وكان الاقتراح أن يكون الجسر عبارة عن مجموعة من الأقواس القريبة من بعضها البعض، بحيث تتناسب شكلاً مع البيئة المجاورة في جبال وتلال الكرمل.

وانطلق العمل في مشروع بناء الجسر في 12.6.1927 حيث تمّ نسف اطراف الوادي لملائمتها لصبّ اساسات الجسر وأقواسه.

ويبلغ طول جسر روشميا حوالي 90 مترًا تحمله خمسة اقواس، أحدها وهو المركزي بطول 30 مترًا، وارتفاعه 20 مترًا من مجرى الوادي. أما أقصى عرض للجسر فيبلغ 7.8 مترًا. أما الأقواس الجانبية فاتخذت شكل نصف دائري وذلك لإضفاء جمالية معينة على الجسر الخرساني الضخم.

واستهدمت صقالات كثيرة في تجهيز الجسر وصبّه بالاسمنت. وتمّ الفراغ من بنائه وتفكيك الصقالات في 7.5.1928، أي في أقل من سنة. واعتبر هذا المشروع أحد الانجازات الكبيرة في تاريخ حيفا في ذلك الوقت.

وفي واقع الأمر أن بناء الجسر قد سهل عملية ربط اطراف المدينة الغربية بوسطها وغربيها، وتسهيل عملية الانتقال السريع بين حيفا وعكا وسائر مناطق الجليل والمرج بعد أن كان ضغط السير في منطقة البلدة التحتا عبر المدينة القديمة أو عبر شارع البرج ووادي الصليب.

لقد ساهم الجسر في تطوير الأحياء الشرقية، خاصة حي الحليصا، فازدادت الحركة العمرانية فيه وبالتالي ازداد عدد طالبي السكن في هذا الحي لقربه من مرافق العمل الرئيسية في حيفا.

معركة الحليصا ودور الجسر فيها


كانت خطة عصابة الهاغاناه العسكرية الإطباق على حيفا من جهة الشرق بالاستيلاء على جسر روشميا وبيت النجادة الواقع عند طرف الحي حيث كان فيه مقر قيادة المقاومة للمنطقة الشرقية لحيفا. وحوصر هذا البيت خلال الأسبوع الثالث من شهر نيسان 1948 وقصف بالمدفعية الثقيلة من حي نافيه شأنان ومن "بيت الصناعة"(بيت هتعسيا) الواقع في أعلى طرف الوادي من الجهة الغربية. ولما لم يستسلم سكان حي الحليصا ووادي روشميا بسبب صمود المقاومين والأهالي، زحفت مدرعات ومصفحات من الهاغاناه من الهادار عبر جسر روشميا مستخدمة مدافعها لقصف بيت النجادة والبيوت المحيطة به، إضافة إلى وابلٍ من القذائف التي اطلقتها مدفعية الهاغاناه من حي نافيه شأنان. وشهدت المنطقة معركة شديدة في الليلة الواقعة بين 21 و 22 نيسان 1948، كانت نتيجتها تفوق الهاغاناه على المقاومين الذين في الأصل كان عددهم قليلاً، إلا أنهم استبسلوا حتى نيل درجة الشهادة في سبيل الدفاع عن أرض الوطن.

وشرعت الهاغاناه بعد هذه المعركة بتطهير حي الحليصا وجواره من سكانه الأصليين وترحيلهم عبر الميناء أو عبر المنطقة الشرقية حيث كانت الحافلات والشاحنات المستأجرة تنتظرهم لتُلقي بهم في منطقة جنين لاجئين مشردين هائمين على وجوههم بعد ان كانوا اصحاب وطن وبيوت ومنازل.

من جسر روشميا إلى جسر رقم 22

واقامت بلدية حيفا بعد أربعين عاما من سقوط حيفا بيد قوات الهاغاناه جسرا جديدا يربط شرقي حيفا بحي الهادارن وبموازاة الجسر السابق. وأطلقت على الجسر الخرساني الجديد اسم "كتيبة 22" نسبة لهذه الكتيبة في عصابة الهاغاناه التي قامت بتنفيذ معركة الحليصا وترحيل الأهالي عن الحي.

وبالرغم من تغيُّر الأحوال...

لو توفرت لأهالي الحليصا والمقاومين الفلسطينيين والعرب كل أدوات الدفاع والذخيرة والسلاح الجيد لصمدوا أمام هجمات عصابة الهاغاناه ودحروا أفرادها. إلا أن النقص في السلاح والذخيرة وفوضى التنسيق وقلّة التخطيط في عملية الدفاع عن حيفا ّوقلة عدد المدافعين عنها سهّلت على الهاغاناه تنفيذ خطة استيلائهم على المدينة بيوم واحد، بعد أنْ مهد الانجليز الطريق لوصولهم إلى نقاط مركزية واستراتيجية في محاور المدينة نفسها.

وبالرغم من تغيير اسم الجسر والوادي والشارع الواصل بين طرفي المدينة إلا أن رمزية المنطقة باقية بكل ما تحمله من موروث إنساني وحضاري وتاريخي وتراثي.

(قامت بلدية حيفا بتغيير اسم الوادي وجسره إلى اسم "هجيبوريم" – الأبطال، تكريمًا لقيام عناصر الهاغاناه باحتلال المنطقة وتطهيرها من سكانها. أما الشارع الذي كان يربط بين الوادي والحليصا فكان اسمه "شارع صلاح الدين" وهو بطل معركة حطين، فأصبح اسم هذا الشارع هجيبوريم أيضًا).

*) د.جوني منصور – مؤرخ ومحاضر في مجال التاريخ، من حيفا.













Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت