X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
06/08/2019 - 12:43:10 pm
قصة قصيرة حكاية الـمرآة – بقلم أدلين أسعد- زهران 5-8-2019

قصة قصيرة

حكاية الـمرآة –  بقلم أدلين أسعد- زهران 5-8-2019

كان الليلُ باردا والـمطر غزيرا، وهناك في تلك القرية البعيدة سكن رجل كهل وحيد، فكان يجلس كعادته على كرسيّه العتيق الفريد، يعدّ ضربات السّاعة منتظرًا طلوع النّهار، يتأمل ذكريات مضَت وأيّاما انقضت.

وانتصبت أمامه مِرآةٌ كبيرةٌ معلّقةٌ على الحائط، تحدثّه من حين إلى آخر، وتعكس له قَسَمات وجهِهِ الجَديدة. أمّا اللّيلة فقد كانت انعكاساتها  مقلوبة، فأَخرجت من جُعْبَتِها كِتابًا مُصَوَّرًا وأَخذت تعرض صفحاته وتقصُّ على الشّيخ حكايةَ زمنٍ فائت فقالت:

"الفصل الأوّل: كان هناك غلام  يسكن في مكان من الأماكن، مشرق الـمُحيّا كشمس الصباح، سَمِحٌ ضَحوك يرحّب بدنيا الأحلام، يعملُ بلا كلل أو ملل. أقامَ له بيتًا شامِخًا، قويًّا رصينا وزيّنهُ بزوجة وعِيال، فَضَجَّ الـمكان وامتزج الضحك بالصُّراخ، وتأرجح العِراك والـمزاح، فصار الفتى يتمنى النّوْمَ ولحظات الهدوء لكن ما مِن مجيب.

 الفصل الثاني: أصبح الفتى رجلا ناضجا  وأَخذ الدّهر يخُطُّ بقلمِهِ خطوطًا رفيعة متباعدة على جبهته، قد قطع نِصف الـمسافة وانتصف الطريق، الفِراخُ الصّغيرة نمت، وها هي تغادر عُشّها واحدًا تِلوَ الآخر والرّجل يزداد بهجة مع كلّ فرحة.

 الفصل الثالث: غادرَ الْجَميعُ الدّار، وانفرد الرّجلُ بحيطانِها، رفيقة الـمشوار انتقلت إلى مكان اللا رجوع، الأبناء أقاموا لهم منازل جديدة ونائية، وعادَ إلى نقطةِ البدايةِ وَحيدا كأن لم تكن له حكاية. اليوم كالأمس يمضي متمهّلا فَلِمَ العَجَلة، يحمل إليه جريدة بالية وفنجان قهوة، يُشغّل جهاز التِّلفازَ، منتظرا من حينٍ إلى آخر دقّة البابِ، يسأل الـمرآة ويحدّثها تحسُّبًا من أن تهجُرَ لِسانَهُ الكلماتُ.

ذات يومٍ سُمِعَ طَرْقٌ خفيفٌ على الباب، فنهض الرّجل بحرارة منتفضا من كرسيه، فإذا بِجَرْوٍ صَغير يَنوحُ، من بَرْدِهِ يَرْتجف ويرتعد، أشفق عليه الشيخ وأَدخلَه الدار، فقدم له الطعام وجعل بيته مسكنا له.

ودبّت الحياة في جدران المنزل من جديد. لاقى الجرو إحسانًا من الشّيخ ووجدَ الآخر سَلوى بقربه فأَصبحا لا يفترقان، قد حضر للبيت من يؤنس وِحدته ويشغل ساعاته، فيشاركه أَيّامَه الـماضيَة والحاضِرَة.

ملأ الفرح قلبَ الرجل ولم يشغله الانتظار  إلى أَن أتت السّاعة الـموعودة، حينما عَلِم أَحد العيال بأمر كائن غريب يسكن في بيت الأب وله محبّة كبيرة في القلب وأنساه مَن نَسِيَه، فحضر مسرعا وفتح الباب، ففرح الشيخ بقدومه وظنّ أنّ الشوق ناداه، لكن الشّاب غضبَ وثارَ وطردَ الجرو من البيتِ مخلفًا شيخًا متأَلـِّمًا مجروحا، يبكي فراقَ الصّديق وهَجْر القَريب، يتحسّر على أَيّام مضت وأخرى آتية، فعاد يُحَدِّثُ الجدران ويُذَكرها بِكُلِّ طوبَةٍ فيها، فبكت معه تؤنسه وحشة الانتظار. بالمِثلِ فاتَها الأَحباب وأَصبحت خاوية وآيلة للسّقوط.

وهنا أَنهت الـمرآة قِصَّتَها مُجْهِشة بِالبكاء، فما تبقّى في البيت سوى أنين الشّقاء، ملل بلا عملَ، وزمن انتظار لضربات حبيبات أمطار الشتاء إلى أن يحين سقوط الورقة الحزينة من دفتر الأشجار.     




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت