X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
14/01/2020 - 05:17:33 pm
اوس قصة: ناجي ظاهر

اوس

قصة: ناجي ظاهر

خارج بيت ابنته الصغرى، قريدة العش، كان الجو باردا، كم يحب هذا الجو الشتوي الماطر. هذه السنة اكتشف انه انسان شتوي. يحب الشتاء. في يوم شتوي جاء الى هذه الحياة ولديه احساس غريب، الآن بالذات، انه سيولي في يوم شتوي اخر ماطر وعاصف. مضى في الشارع المحاذي لبيت ابنته في الحارة الجنوبية. ذلك الشارع افضى الى شارع اخر، كم تغير العالم خلال سنوات عمره المديدة. في الشارع الاخر توقف عند روضة اطفال. منظر الصغار يعبثون برمال الشتاء جذبه. اعاده الى نحو السبعين عاما عندما كان يعبث بتراب الحارة. المنظر المؤثر امامه اعاده ايضا الى بيت ابنته. ليتنقل داخله بعينيه المتوقدتين. وليتوقف طويلا ومديدا امام منظر حفيده اوس ابن السبعة اشهر. لقد كبر اوس، بالأمس، بالأمس القريب، قبل سبع دقائق، ولد محبوبه الصغير، وها هو الان يكبر، بعد غياب حوالي السبعة اسابيع عن زيارته الى بيت ابنته، عاد اليه.. حملته قدماه اليوم قبل نحو السبعين دقيقة الى هناك، الى بيت ابنته الصغيرة. اوس كان مفاجأته الاولى، لقد كبر وبات بإمكانه ان يحبو، عندما التقت عيناه بعيني اوسه، شعر ان حفيده عرفه، استدل على هذا من تلك الضحكة المجلجلة في فضاء البيت، ومن تلك الحركة الصخّابة، خلال انطلاقته حابيا باتجاه باب الشقة.
منظر حفيده حمله على جناحين من محبة وشوق للعودة الى بيت ابنته، في طريق عودته الى هناك، انتابه كثير من التردد، فماذا ستقول ابنته حين يدخل بيتها بعد ان غادره قبل قليل مودعا اياها.. هل ستظن ان والدها قد خَرِفَ او جُنّ؟ وانه لم يعد يعي ما بإمكانه فعله.. كما كان يفعل في ايام الشباب والقوة؟
"لتظن ما تظنه.. يجب ان ارى اوسي مرة اخرى". قال في نفسه. ومضى يغذ الخطى منطلقا في طريق حفيده الرائع.. الجميل.
طرق باب صغيرته التي لا تكبر، كعادته طرقه بخفة. طرقة من لا يريد ان يزعج احدا من سكان البيت، ليأتيه صوت ابنته ام اوس، من الداخل، مّن في الباب. بعد صمت تعمد ان يكون مديدا، رد عليها قائلا: انا… قبل ان ينهي اعلامه لها بانه هو من في الباب، كان الباب قد انفتح على مصراعه. ليفاجأ بنظرة متسائلة من عيني ابنته.
"البرد لا يحتمل في الخارج"، قال لابنته بحنية.
"هل اشعل لك المدفئة؟"، سألته.
تجاهل سؤالها، تاركا لها امر اشعال المدفئة او عدمه، اتخذ مقعده المعهود الدائم على الكنبة ذاتها قبالة نافذة بيت ابنته المطلة على سماء لا حدود لها. واذا بحفيده الصغير، ابن صغيرته المحبوبة، يطل من غرفة النوم. شعر بابتسامة تفترش وجه ابنته، قبل ان يفوه بأية كلمة سمعها تقول:
"شكله شعر فيك.. اسه قبل شوي نومته.. الليلة ليلتي.. لما بنام في النهار بتولفلي بالليل.. لا بنام.. ولا بخلينا ننام".
ارسل نظرة حانية الى حامل لواء حياته وناقلها بعد عمر طويل، من جيل لجيل، تناسى كل ما يمكن ان يطرحه من اسئلة، وتوجه الى ابنته:
"لقد كبر اوس.. لم اكن اعرف انه سيشبهك الى هذا الحد". تبتسم ابنته، هو يتابع: "بالأمس ولد.. وها هو يحبو اليوم.. وغدا يشب على قدميه ويركض في الحارة. ما احلى هذا".
ابنته: "لماذا تقول هذا الكلام الان".
هو:" لا اعرف".
"هل انت بصحة جيدة؟".
تجاهل سؤالها لم يُجبها. هو لا يعرف انه بصحة جيدة ام لا. كل ما يعرفه انه منذ سبعة اعوام يعيش وحيدا وفي منفاه الاختياري.. في بيته القديم، البعيد عن ذاك البيت الجديد التي تقيم فيه زوجته وحيدةً ايضًا. استغرقه ما خطر في باله من هواجس. ولم يخرجه منها الا اوسه. كان يشد طرف بنطاله. حمله احتضنه بقوة جدٍ مُحبٍّ يريد ان يندمج بحفيده الغالي. تبادل الاثنان، الجد والحفيد، النظرات، كان كل منهما يفهم على الاخر، جمعهما في تلك اللحظة احساسٌ واحد، احساسٌ بالتواصل والتفاهم دون كلام ودون اية حاجة الى اللغة. انها لغة العيون لا تخطئ المعنى المقصود وتحتضنه بحنو لا يعرفه الا من عاش فيه وقريبا منه.
عادت ابنته تحمل غلاية القهوة، قالت وهي تضعها على المنضدة قبالته:
"اوس بحبك.. لما شافك.. خفّت كثرة غلبته شوي".
تناول فنجان القهوة من الصينية الجديدة، وسرح في الايام التي سبقت ولادة حفيده قبل نحو السبعة شهور. يومها اتصلت به ابنته الصغيرة، وسألته ما معنى اسم اوس، فسألها عما اذا كانت ستطلق اسمه على ضيفها الجديد. شعر حينها بابنته تطلق ابتسامة حيية. فتابع يقول، اوس اسم عربي عريق. العرب اطلقته على ابنائها في ذروة تقدمها. اوس هو الذئب. عندما نطق بهذه الكلمة شعر ان ابنته تود ان تتساءل عن سبب التسمية فاستبقها شارحا وموضحا: الذئب هو اقرب الكائنات التي خلقها الله الى الانسان. هناك اكثر من صفة تجمع ما بين الاثنين، منها انه عندما يرتبط بذئبته المحظوظة يستقل بحياته وبيته. مبتعدا عن بيت والديه غير انه مع هذا يبقى بارا بهما يزورهما ويؤدي واجبه نحوهما، بالضبط مثلما يفعل البارّون من اخواننا بني البشر. حينها شعر بازدياد تعلق ابنته بهذا الاسم. واصرارها على تسمية صغيرها به.
ارسل نظره، عبر نافذة البيت. كانت الامطار هناك في البعيد تهمي مدرارةً. شعورٌ غامرٌ بالاتصال والانفصال في الآن ذاته استغرقه. وضع حفيده على ارضية غرفة الاستقبال، منفصلا عنه ومتصلا بالعالم الخارجي. بعد ان غاب عن مرمى نظر ابنته مختفيا، في ادراج البيت، اجتاحت ابنته مشاعر قوية بالفقد، فاحتضنت اوسها. وجرت باتجاه نافذة بيتها لترى شيخا طاعنا في السن يمشي هناك ويكاد يذوب تحت المطر.. " ترى هل سأرى ابي مرة اخرى"، قالت في نفسها.. واحتضنت صغيرها بحنو لا حدود له.







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت