X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
15/06/2020 - 06:11:33 pm
المهمة الصعبة قصة: ناجي ظاهر

المهمة الصعبة

قصة: ناجي ظاهر

كان ذلك خلال زيارة اقارب لنا في الناصرة، وفدوا من الاردن، بعد حرب الايام الستة. وكنا كلنا شوقا لأقاربنا واهلنا هناك، فقد كنا نعرفهم بالاسم، لكن.. بالشخص.. لم نكن نعرفهم. وقد استغرقتنا بهجة اللقاء، فتهنا فيها.. انا لي عم ولي خال، الحمد لله اننا التقينا بهم اخيرًا وهاهم يفدون الينا زائرين.. مدة ايام سنتعرف خلالها عليهم جيدًا وسوف نبدأ العلاقة من حيث انقطعت لتتواصل اواصرها. جلس الجميع يتبادلون الحديث والذكريات، اما نحن ابناء الجيل الجديد، فقد شرع كل منا في التعرف على الآخر وكأنما هو يعرفه من قبل.. السنا اقرباء؟ السنا من قرية واحدة، بات اسمها قريبا جدا من القلب لكثرة ما تردّد.. دخل كل منا ضيوفا ومستضيفين، في خانته الخاصة، فقد احتضنتْ عمّتي اخاها، فيما راحت والدتي تُقدّم واجبات الضيافة وهي تسترق النظرات الى ابنة عمي الصبية الطالعة.. طلوع البدر.. نعيمة. ضبطتُ امي اكثر من مرة تتمعن بابنة عمي، فابتسمت لي كأنما هي تريدني ان التفت الى ابنة سلفتها. لا اخفي ان ابنة عمي كانت زهرة ذلك اللقاء، ووردته المتفتحة الفواحة، وكان ما يلفت النظر فيها.. وجهها البسّام وقوامها المياس. ناهيك عما تمتعت به من توجّهات اخلاقية ادهشتنا واثارت مكامن محبتنا لها.

لاحظت عمتي اهتمامنا نحن جميعا بابنة اخيها، فأرسلت ابتسامة رائعة مُمرّرة اياها بين الجميع تقريبا ومتوقفة عندي، وعندما عادت عمتي إلى بيتها برفقة اخيها وابنته، وجدت نفسي ارافق الجميع الى هناك، هل كان ذلك اهتمامًا بآصرة الدم المتوهجة.. ام اعجابا بابنة عمي؟.. في المساء استوقفتني عمتي منادية:

-نعيم..

- نعم خالتي؟

-شو رايك بنعيمة ابنة خالك؟

غضضت النظر ارضا ولم اجب. فعادت تقول:

-انا بفكر انها تكون الك.. انت شاب متعلم وهي متعلمة وبتفهم.. لم افه بأية كلمة وتابعت صمتي، فجاءني صوت عمتي من بعيد:

-السكوت علامة الرضا.. نعيمة رايحة تكون زوجتك بإذن الله.

اقتربت زيارة الاهل من الانتهاء وابتدأنا نستمع إلى كلمات الوداع تتردد هنا وهناك في هذا اللقاء او ذاك، إلى ان حان موعد الرحيل، وحزم زوارنا الاعزاء امتعتهم للعودة الى منفاهم القسري في الاردن، وما زلت اتذكر ان عمّتي طلبت سيارة أجرة لتقل أخاها إلى الجسر، وترافقه الى هناك، لتعود بعد ساعات وبرفقة ابنة اخيها نعيمة. وبدون ان اسألها قالت لي انها تحدثت إلى أخيها بخصوص ارتباطي بابنته، وانه وافق بكل رضا وسرور، وتركها لإجراء مراسم الزواج والبناء بي. ما ان سمعت هذا الكلام من عمتي، حتى انتابني شعور بالخيلاء، فنعيمة ابنة عمي الرائعة ستكون زوجتي خلال فترة قصيرة من الزمن، وسوف يجمعنا بيت واحد. ما اروع هذا.

في الايام التالية تعرّفت على نعيمة اكثر.. فاكثر، وكنت كلما تعرفت عليها اكثر.. ازداد اعجابي بها، وما زلت اتذكر وهل انسى تلك النظرات التي تبادلناها في غفلة من المحيطين بنا. كنا، هي وانا، نعيش حالة اشبه ما تكون بحلم جميل، وكانت نظراتها الفاتنة تخترق قلبي لتقول لي انني موجود، وانه يحق لي، انا المهجر ابن المهجر، ما يحق لكل الناس في العالم من هدوء وسكينة.. بيت وزوجة جميلة ومهذبة ايضا.

هكذا وجدتُ نفسي اتردّد على بيت عمتي اكثر مما اتردد على بيتنا، وكان يزيد في فرحي رضا عمتي وتشجيعها لي على الاسراع بالارتباط بابنة اخيها، يللا شدّ حالك.. بكرة بتبني احلى بيت مع نعيمة. انا متأكدة من انكوا، انت واياها، رايحين تكونوا اعز اثنين واحن اثنين. بقي الامر يجرى على هذا النحو مدة شهر.. عندها جرى تغيّر في تصرفات نعيمة اخذ يظهر رويدا رويدا.. حتى بات السكوت عليه اشبه ما يكون بالخطأ القاتل، وقد لاحظت يوما اثر يوم.. ولقاء بعد لقاء لنا، نعيمة وانا، ان حالة من الحزن ابتدأت بانتيابها، فعزوت ذلك لحنينها الى بلدتها.. امها وعائلتها، وحاولت ان اشرح لها موقفي دون حكم ومواعظ، فانا قادر على ان اعوّضها عن كل ما يمكن ان تخسره بانتقالها إلى بلادنا للارتباط بي. وكنت الاحظ ان نعيمة تتفهّم كلامي فتعود الابتسامة المفارقة الى وجهها لتزيده رقة وجمالا.

قضت نعيمة حوالي شهر آخر اضافي.. بين مدّ وجزر، فهي حينا فرحة وآخر مغتمة، الأمر الذي دفعني لقضاء الليالي وانا افكر فيها وفيما يمكنني ان افعله للتخفيف عنها، ودفعها إلى حظيرة الهدوء والطمأنينة. واذكر انني حرصت على تقديم ما اشتهت نفسها ورغبته روحها دون ان احوجها للطلب، فما ان كنت اشعر انها بحاجة الى امر.. مهما كان صغيرا او كبيرا، حتى اسعى لتحقيقه لها، الامر الذي كان يدفع عمّتي لامتداحي امامها بصورة تبين لي مع مضي الوقت انه مبالغ فيها، الامر الذي جعلني افكر في اكثر من اتجاه، فمن ناحية نعيمة.. كنت المس ان معاناتها تزداد يوما اثر يوم، دون ان تبوح لي بسببها، ومن ناحية عمتي.. شرعت في التساؤل عما يدفعها لامتداحي امام نعيمة وكأنما هي تريد ان تقنعها بأمر.. لا تريد الاقتناع به. ادخلني هذا الوضع بطرَفيه، نعيمة وعمّتي، في نوع من الصراع النفسي والتساؤلات المتواصلة، فما الذي يحدث؟ وماذا عليّ ان افعل للتخلص من وضع لا يُحسد احدٌ عليه؟ هكذا ابتدأت اجد نفسي في دوامة.. عليّ الخروج منها.. قبل التورّط فيها اكثر. وكان اول ما فعلته هو ان اضع نعيمة تحت المراقبة طوال الوقت، فما الذي يدفعُها الى تلك المشاعر غير المريحة؟ وبقيت اشعر بحالة من التخبط والتوهان إلى ان كان ذات مساء، فرأيت عمتي توجّه كلمة لوم واضحة الى نعيمة، الامر الذي اخرجها عن طورها، فدفعها للدخول الى اقرب غرفة منها، واوصدت الباب وراءها بقوة. كانت هذه الحركة الواضحة.. القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد فهمت ان هناك ما يجب ان اعرفه، لئلا اندم في المستقبل. لم انم تلك الليلة وقضيت ساعاتها مفتح العينين مفكرا فيما عساني افعله. وقرّ رأيي قبل بزوغ الفجر على أن اتخذ خطوة تمكنني من وضع نهاية مقبولة لوضع لا احد يُحسد عليه.

في اليوم التالي اغتنمت فرصة خروج عمّتي لشراء بعض الحاجيات البيتية الضرورية وجلست إلى ابنة عمي:

-نعيمة.

-نعم ابن عمي.

-هل يمكنك ان تكوني صريحة معي؟

-ما سبب سؤالك؟

-منذ فترة اشعر انك غير مرتاحة.. في هذا البيت.. هل تضايقك عمّتي؟

همت دمعة من عين نعيمة.. القت شعاعا شحيحا على ما يدور. وقد تساءلت عما اذا كانت نعيمة غير راضية عن الارتباط بي، فاتخذت قرارا قاسيا جدا ضد نفسي، قبل ان يكون ضد اي من الناس. كان ذلك بعد ان سألت نفسي عما اذا كنت اروق لنعيمة كما راقت لي، وكان لا بد لي من التأكد من هذه النقطة الملتهبة. قلت لها:

-اسمعيني جيدا.. منذ فترة اشعر ان هناك مشكلة بينك وبين عمّتي.. قولي لي هل هذا صحيح؟ قولي لي انا ابن عمك ووجعك يؤلمني، صارحيني وتأكدي انني سأكون عوانا لك ولن اكون ضدك مهما كانت مصارحتك لي. ما ان نطقت بهذه الكلمات حتى شرعت نعيمة في حديث تخللته الدموع والتأوهات، فهمت منه انها تود العودة الى بلدتها.. إلى امها واخوتها، وان عمتي اقتصت منها ومنعت عنها الطعام والشراب كي تبقى. لا انكر ان كلمات نعيمة هذه ادخلتني في حالة من التمزق والضياع ، الا انني ما لبثت تماسكت، وعدت الى اتزاني المفقود قلت لها: هذه بسيطة.. انا من سيذهب الى عمتي وانا من سيقول لها انني لا اريد الارتباط بك، اعتقد انك بهذه الطريقة تعودين الى بلدك واهلك. انفرجت اسارير وجه نعيمة وظهرت عليه علامات الرضا والشكر، وعادت اليها ابتسامتها الساحرة. اما انا فقد شرعت بتنفيذ ما وعدت به.. وقلبي يتمزق.







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت