X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
04/07/2020 - 02:23:50 am
الصخرة التي حملها جبرا إبراهيم جبرا في كتاباته بقلم د.سمير حاج

الصخرة التي حملها جبرا إبراهيم جبرا في كتاباته

بقلم د.سمير حاج

 

بعد نشر كتاب «الغصن الذهبي» The Golden Bough لجيمس فريزر، وترجمة جبرا جزء «أدونيس أو تموز» ونشره عام 1957، تهافت الشعراء والكتاب العرب على توظيف الأساطير والرموز الدينية، في أعمالهم، تأثرا بالحداثة الغربية وسمة للمثاقفة، وشيفرات لنقل رسالتهم الاجتماعية والسياسية، في موضوعات جوهرية مثل، الحرية والتضحية والتمرد والبعث.

الصخرة في أشعار جبرا

على النقيض من صخرة المتنبي الجامدة الموسومة في قوله « أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَركُني هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ «، فإن صخرة الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا مترعة بالماء ومفعمة بالحركة والحياة والعواطف والأنوثة. والصخرة هي الرمز الأثير في أشعار جبرا، تتكرر كثيرا في مواضع مختلفة، وتشكل شيفرة لفك نصوصه. ففي سبع قصائد (1989)، تحمل الصخرة عدة دلالات موحية، فهي ترمز إلى وطن الشاعر فلسطين ومدينته القدس المشهورة بصخورها، كما أن بيوت القدس منحوتة ومبنية من الصخور. وتشكل الصخرة مأمنا ومأوى للشاعر، والصخرة هي رمز للانتفاضة الفلسطينية الأولى، المسماة انتفاضة الحجارة، التي حدثت في شهر ديسمبر/كانون الأول 1987، وهي رمز للحجر، سلاح الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكما يقول:
على الصخرة عشت أعوامي / فأنا من الصخرة أصلا ولدت / وفي الصخرة حفرت كهفي / ومن الكهف مددت بيتي / لأحلامي التي من الصخرة انبجست/ ماء لحياتي/ ولئن تركت الصخر مقهورا / ذات يوم في هجرتي / فإني حملتها جبلا / في شرايين دمي

الصخرة في روايات جبرا

تتكرر الصخرة كثيرًا في أعمال جبرا، فقد ذكرت في «السفينة» 74 مرة، وفي «البحث عن وليد مسعود» 63 مرة. في «السفينة» توظف الصخور، على لسان وديع عساف الفلسطيني، من خلال استرجاع ذكرياته وفايز في احتفالات عيد الميلاد، في كنيسة القيامة لإبراز قداسة مدينة القدس، لدى المسيحيين والمسلمين، وإقامة علائق بين هذه الصخور، والهوية العربية المتمثلة ببيوت العبادة «لهذه الأرض التي نُحِتَ صخرُها مغاوِر وصوامع وجوامع». في «السفينة» تُسقط المعاني الدينية، عن الصخرة وتحمل الكلمة، دلالات سياسية واجتماعية وجغرافية، كما يُجرى تحريف للتناص الديني من الإنجيل، الخاص بكلام السيد المسيح لبطرس، حين لقبه بالصخرة التي ستُبنى عليها كنيسته، ليستبدل بطرس بفلسطين، والكنيسة بالحضارات «فلسطين صخرة، تبنى عليها الحضارات، لأنها صلدة عميقة الجذور، تتصل بمركز الأرض، والذين يصمدون كالصخر يبنون القدس، يبنون فلسطين والديمومة كلها». يُصبغ الوطن عند وديع عساف بالقداسة ويُعطى ميزات الغلبة، وهو رمز للصمود والثبات.واللافت للانتباه، أن النص الروائي، يوضح رمزية الصخور، من خلال استخدام الفعل يرمز «قلنا إن الصخر يرمز إلى القدس: شكلها شكل الصخر. والصخر على حافة كل طريق في المدينة. أينما ذهبنا رأينا أناسًا يكسرون الصخر ـ لرصف الطريق، أو للبناء». كما أن الصخور ترمز إلى مدينة القدس، لأن شكلها مشابه للصخر وهي مليئة بالصخور، دالة على هوية السريان المقدسيين الذين ينتمي جبرا إليهم، لأنهم عملوا في دق الحجارة، ورصف الطرق، وتكحيل الجدران، فحين جاؤوا بيت لحم، في القرن التاسع عشر، بعد تشريدهم وطردهم من قِبل الأتراك، من تركيا وشمال العراق وشمال سوريا. كما يحمل الصخر مدلولات جمالية معمارية خاصة بالحضارة العربية الإسلامية، تتمثل بقبة الصخرة، التي بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (646-705م)، سنة 691، في مدينة القدس، حيث تصور في «السفينة» بقمة الجمال المعماري «والعرب، ما الذي ابتنوه ليكون من أجمل ما ابتنى الإنسان من عمارة؟ قبة الصخرة». وهي رمز لعمق مدينة القدس في الزمن، حيث تلقب من قِبل مريم الصفار بالصخرة، لأنها تختزل في أعماقها أزمان حضارات غابرة، و»السفينة» تحيل هذه الرموز الدينية، إلى الجوانب المأساوية، في حياة وديع الفلسطيني، الذي يوحد بينه وبين المسيح والصخرة، تطلعًا لخلاص وقيامة شعبه. وترمز الصخرة من منظور الفلسطيني عيسى ناصر، إلى مأساة سيزيف المتمثلة بالنكبة الفلسطينية عام 1948، والواقع المرير الذي جلبته على الفلسطينيين فأصبحوا يعيشون، على فتات وكالة الغوث، في ظروف لا تليق إلا بالحيوانات. وترمز الصخرة إلى المرأة، جمالاً وتضاريس وصورًا جنسية موحيةً، وطراوةً في العمق وعطاءً، هذا ما يصوره وديع «الصخور.. امرأة رائعة، هائلة، ترتفع وتنخفض ارتفاع وانخفاض النهدين والبطن والفخذين»، هذه الصورة تحمل مسحات أنثوية جنسية. وهذه المشابهة، بين الصخرة والمرأة، تتكرر في كلام وديع «وركضت وراء فتيات جميلات، لأنهن كن كالصخر، كالأرض التي نشتق من بين صلابتها طراوة الخضرة ونكهة الفاكهة»، والإنسان الفلسطيني، ممثل بوديع في «السفينة»، يرمز بالصخرة الى المرأة الحبيبة، هكذا يشبه وديع مها حبيبته، يريدها صخرة مقدسية، رمزًا إلى الديمومة والغلبة والقداسة، «هل كنت أموه بذلك على نفسي؟ لا أظُن، كنت أبغي من مها أن تكون صخرة من صخور القدس: صخرة ابني عليها مدينتي». كما أن الصخرة، رمز أو كناية عن الجسد الفلسطيني، هكذا تراءى لوديع، جسد فايز، وهما يسبحان عاريين، في قرية سلوان. كما أن عيسى ناصر، يشبّه في «البحث عن وليد مسعود» قدمي مسعود الضخمتين بالصخر. والصخر صفة الجسد الفلسطيني، في ثنائية الحياة والموت، فحين قُتل فايز، كانت عيناه تشبهان الحجارة دلالة على الموت، الذي تعقبه القيامة والخلاص، فموت فايز يرمز إلى الفداء والخلاص لشعبه.وللصخرة مدلولات جنسية، فهي ترمز إلى العلاقة الجنسية بين مريم الصفار، ووليد مسعود، ويأتي عنوان الفصل السابع، في البحث عن وليد مسعود، «مريم الصفار تتعلق بصخرة تسكن قلبها»، ليكشف هذا الرمز فالصخرة نبشت ذاكرة مريم الصفار، بعد اختفاء وليد، وجعلتها تسترجع المشهد الذي ركضت فيه عارية، بين صخور وأشجار حديقة بيت عامر عبد الحميد في لبنان، بعد أن انصرف الضيوف من الحفلة، التي أقامها وليد في بيت عامر. كما أن مريم، حملت صخرة من الحديقة وأعطتها لوليد، الذي وضعها على فراش غرفة النوم، ومارس معها بمشهد سيريالي جنسًا محمومًا بجانب الصخرة. والصخرة، هي رمز للشهوة والطاقة الجنسية الخارقة، التي تُمَيز وليد مسعود، ولهذه الصخرة ثنائية من المعاني، فهي من ناحية لذيذة وممتعة، لأنها تدل على الماضي المعسول، الذي عاشته مريم مع وليد، ومن ناحية أخرى مؤرقة ولعينة، لأنها تذكرها بوليد الذي اختفى من حياتها.وللصخرة، بالنسبة لمريم الصفار، مدلولات كثيرة، مثل اللغز، فهي تدل على العبء والمعاناة، كما يقال في اللغة المحكية «صخرة على القلب». وفي أعمال جبرا الأولى، صراخ في ليل طويل، وعرق وبدايات من حرف الياء، تقترن الصخور بطبيعة القدس وذكريات الطفولة، هذا ما يتذكره أمين، حيث كان يقفز من صخرة إلى أخرى، بين أشجار الزيتون. كما أن قصة ملتقى الأحلام، تحكي ذكريات أنور المتماهي مع جبرا، العائد إلى القدس، من إنكلترا عام 1946، حين كان طفلاً، يجلس على الصخور، أي أن الصخور المرصوفة في بنيان جبرا الروائي هي دالة على هوية القدس، مدينته الأثيرة والمشتهاة والتي حمل صخورها في غربته عربون محبة ووفاء.







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت