X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
02/11/2021 - 11:54:05 am
مواء الجبل قصة: ناجي ظاهر

مواء الجبل

قصة: ناجي ظاهر

ما ان ترجلت من الباص قرب الميناء، حتى امتلأت أذني بالمواء. كان المواء حزينًا. نساني ما أنا قادم لعمله من بلدتي الناصرة إلى مدينة حيفا.

أمضي في طريقي باتجاه بيت أختي هناك في أعماق حيفا القديمة. أغذ الخطى أريد أن أبثها خبر سرقة هزّ أركاني. لم يتبق لي في هذه الحياة غير تلك الاخت الحنون الغريبة المقيمة في حيفا مع زوجها وأبنائها منذ اكثر من ثلاثين عامًا. يوم تقدم إليها زوجها، إبن مدينة حيفا، في تلك السنوات البعيدة عارضت زواجها منه قلت لها أنا لا احب السفر. وانني لن أتمكن من زيارتها إلا في المناسبات والاعياد. في بداية حياتها هناك زرتها عددًا من المرات في هذه المناسبة او تلك. بعدها توقّفت عن زيارتها في المناسبات، وتوقفت زياراتي لها على الاعياد. في السنوات الاخيرة توقفت عن زيارتها كليًا تقريبًا. وها انذا آتي إليها اليوم لأخبرها بما حصل لي سأقول لها إنني ادخرت مبلغًا من المال لإنهاء قصة التشرد التي ابتدأت عام النكبة حين تشرد أهلي من قريتهم سيرين ايدي سبأ، سأخبرها انني ادخرت مبلغًا محترمًا من المال وخبأته بين اوراقي وكتبي. وسوف القي بجسدي المتعب هناك على أريكة قريبة منها. سأضع راسي بين يدي وسوف تسألني عمّا حلّ بي عندها سأنفجر في البكاء، سأنسى أنني أصبحت في الخمسين وسوف أقول لها بعينين تملؤهما الدموع.. لقد سرقوا ثمن البيت وانني سأحتاج إلى خمسين عامًا اخرى لادخر مثله، كي أستقر في بيت حلمت به طوال سنواتي الماضية وعندما اقتربت منه ولّى فارًا من بين يدي ومنسربًا كما تنسرب الآمال احيانا من بين ايدينا دون أن ندري.. افكار جنونية تلاحقني.. ترى كيف ستستقبلني أختي؟ وهل ستغفر لي نسيانها شبه التام في غربتها؟

اغذ السير باتجاه البلدة القديمة. المواء يلاحقني. الشوارع تتحول إلى مواء. كل شيء في هذه البلدة يموء.. روحي تموء والاشجار تموء وحتى اشرعة السفن الراسية في ميناء حيفا تموء. أتوقف عن السير باتجاه بيت أختي في حيفا القديمة. اتخذ قرارًا جنونيًا انا يجب أن اتتبع المواء.. يجب أن أصل إلى مكانه حتى لو كلّفني ذلك العودة إلى بلدتي حاملًا أحزاني وأشجاني.

أتسلّل على رؤوس أصابعي إلى مكان قصي هناك في عمق البلدة القديمة.. أصيخ السمع لذاك المواء.. إنني اقترب منه.. أقترب من مصدر ذلك المواء الحارق الحزين. أدنو.. جبل الاطارات المهملة يرتفع امامي. اقترب منه.. المواء يقترب من اذني. يقترب يقترب.. أشعر أنني وصلت إلى مصدره. يقينًا انك وصلت إلى سر الاسرار، إلى عمق احزان ذلك المواء الباكي.

أرسل نظرة إلى عمق جبل الاطارات المطاطية قبالتي.. أرى هناك فروة سوداء تتحرّك ببطء. أنعم النظر.. يعلو المواء. أتأكد بحاستي الجياشة وعيني الثاقبتين، أنني وصلت إلى عمق المواء. أراها.. إنها قطة وحيدة.. مؤكد أن أهلها تركوها هنا وحيدة تبكي حظها التعس في هذه الحياة. من تكون هذه القطة؟ ألا يمكن أن تكون قد هُجّرت من قريتها في عام النكبة لتبقى هنا وحيدة هي ودموعها؟ ألا يمكن أن تكون قد ادخرت مبلغًا من المال لوضع حدّ لقصة تهجيرها من قريتها، وعندما وجدت البيت المتمنّى، توجهت إلى حيث خبأت مدخراتها فلم تجدها؟. أرسل نظرة حانية إلى عيني تلك القطة الصغيرة فأراها ترسل نظرة موازية، إنها تشعر بمثل ما اشعر.. ترى ماذا بإمكاني أن أفعل؟ ماذا بإمكاني أن أفعل لها وأنا الغريب في هذه المدينة الغريبة؟

أتخذ من إطار وحيد غريب وجد ذاته ملقى بعيدًا عن إخوانه في ذاك الجبل.. أتخذ مقعدًا لي.. يخفت مواء تلك القطة هناك في أعماق الجبل يدخل عميقًا عميقًا في اغوار أعماقي.. تلوح لي عيناها الدامعتان.. تحدقان في عيني.. أنا لا يمكن أن أتركها هنا في هذا الجبل الموحش وحيدة وحزينة.. سآخذها معي.. إلى أين ستأخذها؟ وأنت لا بيت لك؟، سآخذها يعني سآخذها.. دعها هنا تواجه قدرها كما تركتك يد التشرد تواجهه.. لن ادعها، سآخذها يعني سآخذها.

أنتصب فجأة اشدد قبضة يدي أصر على ما تبقى لي من اسنان.. اصغّر جفون عينيّ واوسعهما.. أندفع باتجاه الجبل الموحش. أهاجمه بشراسة أين اختفت تلك القطة الصغيرة.. آخذ في تناول الاطارات واحدًا تلو الآخر القيها بعيدًا في فضاء الميناء.. أين تراها تلك القطة اختفت؟ أواصل القاء الاطارات في كل الاتجاهات.. أنقل جبلها من مكانه إلى مكان آخر إلا أنني لا اعثر على تلك القطة.. لقد اختفت ابتلعتها الارض.. لم يعد لها وجود هل كنت أتوهم؟ هل كانت تلك القطة الصغيرة الوحيدة الغريبة هي أعماقي الدامعة؟ يتوقّف المواء لحظة ويعود ليملأ فضاء حيفا القديمة.. أتوجه نحو بيت أختي هناك في عمق اعماق حيفا.. في البداية أمشي بهدوء بعدها تخطر لي خاطرة غريبة فأركض باتجاه بيتها اركض اركض اركض.. ويركض ورائي المواء.. أركض اركض.. فمن يعلم قد أجد قطتي الحزينة الوحيدة هناك.. في بيت أختي.. وربما في حضنها.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت