X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
18/06/2012 - 06:27:31 am
أبعد من الدفاع عن ميرة! بقلم: مرزوق الحلبي
مريم خطيب

أعتقد أن "الحملة" الإعلامية ضد ميرة عوض ـ وتحدث للمرة الثانية خلال عام ـ لا تقول عن ميرة شيئا بقدر ما تقول عن مُحدثيها وعن الثقافة التي يتحركون فيها وبموجب إيقاعاتها. إنها ثقافة البحث عن الدم  في الرقصة ذاتها للهروب من أسود مُفترض إلى أبيض مزعوم. أو الهروب من "عمالة" متخيلة إلى "نقاء" مدّعى. ولأن مثل هذه الحملات جزء من مشهد دائم الحضور في الثقافة الفلسطينية هنا فقد صار من اللازم تفكيكها إلى عواملها كجزء من الجهد المبذول لإنتاج مشهد ثقافي مستنير بعض الشيء.

في غير صالح ميرة، من وجهة نظر حاملي حملتها أنها أعلنت في لحظة صدق مع ذاتها، بعد مشهد عُنف مصمم رسمه الفلسطيني ـ شريكها في الانتماء ـ أنها تلوذ بإنسانيتها من فلسطينيتها. وهو جدّ مشروع وطبيعي في لغة الهوية المفتوحة على إنسانيتها وفي حالات النقد الذاتي وبصوت عالٍ لمجموعة الانتماء. لكنه يبدو جريمةً لا تُغتفر في لغة "الهويات القاتلة" المنغلقة كحصن على ذاتها.

في غير صالحها، أيضا، من وجهة نظر المؤمنين بقدسية كل ما يقولون ويفعلون استنادا إلى كونهم ضحية بامتياز، أنها تغني مع أحينوعم نيني وتتشاركان عروضا فنية. لأن "الشراكة" العربية اليهودية في أي صيغة ولأي غرض كان غير مقبولة بل تعتبر كفرا بالهوية الفلسطينية أو انقلابا عليها وفق وطنية "إما نحن وإما هم"! فكل يهودي وفق هذا النسق محتلّ في أقل تقدير ومن غير المغفور "التطبيع" معه! نسق فجّ يُنتج في مفاعيله عنصرية مضادة يحق لميرة ولأي منّا أن يرفضها وينبذها ويخرج منها إلى أفق إنسانيته. ويحق لميرة أن تعتقد بجدوى الحوار والتواصل مع الآخر لتحقيق التغيير تماما كما يحق لأحدهم/ن الاعتقاد بأن المقاطعة التامة هي الاستراتيجية الكفيلة بتغيير الواقع!

في غير صالح ميرة أنها تصرّ على استقلاليتها كفنانة وإنسانة وامرأة في مشهد ثقافي ضاغط متطلّب وحشري باسم الهوية والالتزام الوطني. في مثل هذا المبنى الذهني لممارسي الهوية الفلسطينية فإننا نصادف سدنة وكُهان هوية يمنحونها لمن يرضون عنه أو يسحبونها ممن يغضبون عليه. وهنا، فالحملة بمُحدثيها والهتافين لها تسارع إلى إعادة تعريف ميرة على أنها: "تغني مع الجلاّد" و"تبيّض صورته" و"ورقة توت للتغطية على جرائم الاحتلال" و"الوجه العربي الفني العربي للترويج الإسرائيلي" و"الفنسانة" (من عنوان السنة الماضية في قديتا). في لحظة استقواء على ميرة ينحو الحاملون عليها منحى أي سلطة في حال وجود مختلف عنها ومعارض لخطها. يكفي الاختلاف لهدر دمها وتشويه سمعتها كفنانة وإنسانة بنعتها وتأطير صورتها من جديد فلا تعود هي هي!

في غير صالح ميرة أنها امرأة، ذاك الطرف المُستضعف جندريا ضمن الثقافة العامة والسياسية القائمة. ومن هنا سهولة الانقضاض عليها عند أول منعطف. وإلا لماذا يدقق الحاملون عليها باسم "مقدس" هويتي مُفترض في تفاصيل هويتها وحركاتها ولا يفعلون الأمر ذاته في عشرات الحالات الأخرى من "التواطؤ" ـ وهي مفردة مُكتشفة حديثا ويحبّها البعض حبّا جمّا ـ الذكوري مع "الجلاد"؟

في غير صالح ميرة وكثيرين مثلها أن ردّ الفعل في الثقافة التي ينتمي إليها الحاملون عليها لا يتناسب أبدا مع الفعل. أحيانا، يُمكننا أن نُدهش من شدة الفاعلية والحماس في ردّ الفعل الذي يقع أبعد من الفعل ذاته ليُخيّل إليك أن لا علاقة بين الاثنين. هذا، فيما تنصدم في الغداة من العجز عن مجرّد الكلام أمام أحداث مروّعة! لا أحد يستطيع أن يُثبت أن مشاركة ما لميرة مع أحينوعم نيني في حفل أضرّت فعلا بجهود المقاطعة. ومع هذا هناك من يجرّد وبسهولة مقلقة حملة وينسّق النشر والتعقيبات على النشر لمجرّد أن ميرة هي ميرة وليست هم! كَتَبة جُدد يكتبون لبرّة فتكون كتابتهم نوعا من ضريبة كلامية أو "موقف" مُستحبّ هناك في غرفة التحرير!

من سوء طالع ميرة أنها ونحن أمام حالة من "الوطنية" المشوّهة التي تختزل حالة بأطيافها وأفرادها وتاريخها في موقف واحد في مسألة واحدة في لحظة واحدة. فإن "أخطأتَ" في هذه النقطة من الحالة أو خالفتهم وجهة النظر كأنك أخطأت من قبل ومن بعد. فيتمّ استبعادك من حدود الحالة ليحلّ عليك شرع الغاب حيث لا شفيع ولا مَن يُحضر لك فرشاة الأسنان إلى السجن بعد محاكمة ميدانية لا تمتد أكثر من لحظة قراءة أسم المتهم. وهنا، قُل ميرة عوض فتنتهي الجلسة بالإدانة ويُزفّ الخبر للجموع المحتشدة التوّاقة إلى دم ما!   

من سوء حال ميرة أنها اختارت السكنى في تل أبيب وفي هذه مقولة واضحة بالنسبة للذين يرون العالم من خلال زجاج أحد المقاهي في رام الله أو برج الهوية الفلسطينية العالي في ضاحية بيروت! كأني بهم يقولون: "اخترت الآخر بدلا عنّا...فخُذي منا ما تستحقين"!

من سوء حظ ميرة أنها حيال ثقافة تتأرجح بين ثنائيات من التمثيلات والصور. بين خير وشرّ وبين متعاون ومناضل وبين بطل وعميل. فإذا لم تكن بطلا فأنت في الشق الثاني لهذه الثنائية. والمحصّلة هي أنه حتى تكون بطلا ينبغي أن يكون هناك عميلا أو متعاونا. وإذ لم تجده فستخترعه. أحقا تقف ميرة مع جلادي شعبها؟ أحقا هي تبيّض وجههم؟ لكن العالقين في وحل هذه الثنائية غير معنيين بالتفاصيل لأنها تخرّب المعادلة وتقوضها فتضيع منهم خانة البطولة! نسق تقادم لكن ليس قبل أن يسيء لأناس كثيرين بيننا وقبل أن يهبط بالثقافة المحلية إلى الحضيض هبوطا اضطراريا!

في إحدى المرات المُعلنة، وهناك مرات كثيرة غير معلنة، امتنعت ميرة عن المشاركة في حفلات ومناسبات لاعتقادها بأن الأمر غير سويّ أو لا يناسب قناعاتها. فعلت ذلك دون أن تسأل أحدا أو تنتظر تنظيرا وطنيا من أحد. بمعنى، أن لدى ميرة كفنانة وإنسانة حسّها الأخلاقي الراقي يوجّهها ويسدّد خطاها وليس كما هو الانطباع من الحملة ضدها ومن التعقيبات على ما نُشر في إطارها. وقد تُخطئ مثلنا تماما في خياراتها. وأعتقد أنها تعرف ذلك عند حصوله قبلي وقبل غيري. ومهما يحصل في هذا الإطار من الحديث عن الفنان وخياراته، عن الفنان وحسّه ووعيه، فإن ما من شيء حصل قد يستدعي مثل هذه الحملات الساعية إلى نزع شرعيتها كفنانة أو سحب هويتها الفلسطينية وانتمائها كأنه ليس ملكها أو خيارها هي وإنما ملك شخصي لكهّان وكاهنات الهوية! وهذا بحدّ ذاته أخطر ما في المسألة (التي تختزل حالة ثقافية) وما حفّها من سجالات. والسؤال هو من أين هذا التوق إلى دمها؟  

للتلخيص، لقد جرّبت الثقافة الفلسطينية في إسرائيل هذا النسق من الهويات وهذا النسق من الوطنيات التي تقدّس الجماعة المتخيّلة وتلغي الأفراد الحقيقيين. ثقافة أنتجتها "وطنيات" متعاقبة وقيادات متعاقبة وإعلام متعاقب. أطراف وجهات تبدو لأول وهلة متمايزة مختلفة شاركت كلها في تشكيل الهوية المنغلقة على احتمالاتها القابضة على روحها. وقد آن لهذه الهوية أن تنفتح الآن لتتسع للأفراد ولتُتيح لهم تحقيق ذواتهم ليس في تل أبيب وحدها بل في الحارة الشرقية من الناصرة، أيضا. ثقافة يستطيع فيها الفرد الفاعل أن يقول دون أن يُخذل. ثقاقة ـ وهذا ما يحدث الآن ـ يصمت فيها حراس الحقوق وحرية التعبير والإبداع ـ صحفيون وكتاب ومنظمات حقوق إنسان ـ عن هذا القمع الطالع من مركز هوية الجماعة المفترضة وباسم قضاياها وقِيمها. الآن، وفيما سبق غاب صوت هؤلاء كليا وتلاشى علما بأنه صوت مجلجل ـ وبحق في المعارك ضد القمع الوافد. وهذا وجه آخر للثقافة المعكورة الوجه والمزاج يجسّد قبول القمع الداخلي والقتل الداخلي للأفراد الحقيقيين باسم مواجهة القمع الخارجي للجماعة المتخيّلة. يحدث هذا عندما تُنتج الثقافة مراكز وصاية على أفرادها، وصاية دَبِقة تتحول أحيانا إلى ماكنة شرسة تتحرك بقوة التماهي و"الالتزام العضوي" والانفعال والغضب و"المقدّس" لمصادرة الحريات الشخصية والسياسية. ومن هنا هذه الجدليةفي التحوّل من "ثورية" و"ممانعة" في مواجهة القهر الخارجي إلى توجهات يمينية قابضة على الأنفاس والعقل في الداخل.

 




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت