X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
28/01/2017 - 07:34:08 am
حتى نعيد أحادية الوطن ووحدة الهوية ونبني مستقبلنا الواحد على أرضنا الموحدة سميح غنادري

حتى نعيد أحادية الوطن ووحدة الهوية

ونبني مستقبلنا الواحد على أرضنا الموحدة

سميح غنادري

لست بناقد سينمائي وأدبي، وإن كنتُ عاشقًا للسينما وللمسرح وقارئًا نهمًا للأدب منذ شبابي الأول، وما زلتً. لكن مها الحاج أبو العسل بفيلمها "أمور شخصية" لخبطت أموري الشخصية وأعادتني من انشغالاتي، منذ نضوج شبابي، بعالم الفكر والفلسفة والسياسة وكتابة مقال الرأي... إلى نهمي شبه الإدماني للآداب والفنون. شكرًا يا مها لأنك عدتِ بي وبنا بفيلمك المدهش إلى البرائات الأولى ورحاب الفن الجميل، وأوصلتِ لعالم الإنسان في كل مكان إنسانية قضية شعبنا ووطننا، بقالب فني جميل وراقٍ. لم تتعلم مها في الجامعة لا الفنون ولا الصناعة السينمائية، واقتصرت دراستها الأكاديمية على اللغتين العربية والإنجليزية وآدابهما. و "أمور شخصية" هو فيلمها الأول. هي التي كتبت فيه القصة ووضعت السيناريو وكانت المخرجة التي اختارت الممثلين، وقررت لغته التصويرية وأشرفت على كل كبيرة وصغيرة فيه. هذا مع العلم أن كل مجال من هذه المجالات للعمل السينمائي يتطلب الأخصائي خاصته. وهي لم تتخصص في أي مجال من هذه المجالات، ولم تكتب أدبًا ولم تبدع فنًا في السابق. بهذا تكون المؤلفة والمخرجة قد أقدمت على مغامرة ومقامرة ومخاطرة، فيها من احتمالات الفشل أكثر بكثير من ضيق فسحة إمكانية النجاح. لكنها نجحت بامتياز في شتى مجالات صناعة الفيلم، تأليفًا وسيناريو وإخراجًا... إلخ. حصد فيلم "أمور شخصية" – الفيلم الأول لهاوية فنون، على العديد من الجوائز. حصل في مهرجان حيفا السينمائي على جائزة الفيلم الأول الأفضل. وفاز بجائزة الفيلم الأفضل في مهرجان كان، وعلى جائزة الفيلم الأحسن في مهرجان فيلادلفيا، وعلى جائزة النقاد في مهرجان مونتييه الفرنسي. جاء في الميثولوجيا اليونانية أن "الموزا" إلهة الإبداع الفني تُقبِل الشاعر في منامه فيُبدع شعرًا. كما يظهر كانت "الموزا" جدًا كريمة مع مها الحاج، لقد منحتها حفنة من القبل في يقظتها فأبدعت شعرًا وروايةً وملحمةً وحوارًا وتصويرًا سينمائيًا، وعملًا جماعيًا لعموم العاملين على الفيلم وللممثلين فيه. هذا ليس مجرد فيلم. هذا عمل فني إبداعي وجماعي "للمايسترو" الحاج أبو العسل التي أبدعت أيضًا في اختيار المبدعين من العازفين - (الممثلون والعاملون) – الذين عزفوا لنا هذه السمفونية السينمائية. أشفق على مها. لقد أوقعت نفسها في مأزق كبير. الإنسان يصعد تدريجيًا إلى القمة، ولا يبدأ بها بخطوته الأولى. فكيف ستنجح الأن بالإتيان بالأفضل من الأفضل الذي أتت به في فيلمها "أمور شخصية"؟

تعدد الشخصيات والأحداث والرموز

وأحادية المستقبل الذي نريد

ترشح النكبة الفلسطينية، (دون ذكر كلمة نكبة في الفيلم)، من كل المسامات/اللقطات فيه. جغرافية الوطن ممزقة وأهله/أصحابه مشرذمون ومأزومون بين الذاكرة والنسيان، وعاجزون عن التواصل، وعن سماع ووعي رواية الماضي، وتخطي سريالية الحاضر الجامد، والحلم بمستقبل أفضل. نكبتنا النكبة جيلًا بعد جيل، من جدود إلى أبناء إلى أحفاد. أجيال طحنها وأخرسها وأزّمها إحساس داخلي وطاغٍ بالقهر والهزيمة. هي تعيش ولا تعيش في زمان محدّد ومكان مؤطر. علقَ الزمان والمكان والناس معهما. يفقد الكلام كلامه. تختفي رغبة السماع والإسماع. يسود صمت رهيب ورتابة خانقة. وما من تصالح وتواصل حتى مع الحاضر. الوطن المسلوب موجود. والوطن الموجود مسلوب. سلب الوطنُ الوطنَ. فقدت الهوية هويتها. تاهت الذاكرة في ذكرياتها. وتجد نفسك تتساءل وأنت تشاهد الفيلم: ما هي النكبة الأقسى التي انتكبنا بها، هل ما نكبته بوطننا، أم ما انتكبت به عقولنا ونفوسنا من نكبات متراكمات جيلًا بعد جيل مأزوم؟ النكبة حاضرة وجلية في الفيلم في كل لقطة وكلمة وهمزة ولمزة وغمزة ونظرة وحركة وصمت، وركود منظر طبيعي ورتابة مسار لحدث. لكنها غائبة إسمًا منطوقًا ومنظرًا تقليديًا لموبقاتها من احتلال وهدم وقتل وتهجير ومقاومة وخطاب سياسي مندفع. كيف بالإمكان فعل ذلك سينمائيًا؟ لن تعرفوا إلا إذا شاهدتم الفيلم. انتكبتُ أنا المشاهد للعرض الاحتفالي الأول للفيلم في "سينمانا" الناصرة، لهذا الحضور الطاغي والغائب للنكبة. وجدتُ نفسي في بعض الشخصيات. تماثلتُ عائليًا مع ما شاهدته وما سمعته من تصرفات وتفوّهات الممثلين. هؤلاء أقاربي، أجدادي وأخوالي وأعمامي وإخوتي وأخواتي الكبار وبناتي وأحفادي. فكيف اختزلتينا وفعلتِ هذا أيتها الحاجة أم العسل في عمل سينمائي وأدبي فني وملحمي؟ فعلت مها هذا من خلال عرضها لثلاثة أجيال فلسطينية مشرذمة من جدات وأباء وأمهات وأبناء وبنات يقيمون على جغرافية منقسمة وغير متواصلة – على أرض الـ48 في إسرائيل وفي الضفة الغربية المحتلة وفي المهجر (السويد). أعادت مها التواصل بينها. أرجعت وحدة الوطن وأعادت كون الشعب شعبًا واحدًا. هي جمعت بين الناصرة ورام الله وبينهما معًا مع الشتات، من خلال روابط القربى العائلية وقرابة النسب. الزوجان النصراويان (صالح ونبيلة – في الفيلم) من الجيل المتوسط يعيشان حياة رتيبة ولا يتبادلان الحديث. الزوج مشغول دومًا في القراءة في جهاز الكمبيوتر عن شتى المخلوقات والكائنات الحيّة وسماتها و... بشرب القهوة. الزوجة مشغولة دومًا بالطبخ (وجلي الأواني وحياكة الصوف ومتابعة المسلسلات التلفزيونية. هي حريصة دومًا وتكرارًا كلما شاهدت زوجها قد أزال غطاء غلاية القهوة حتى يسكب به فنجالًا، بأن تسارع إلى إعادة الغطاء إلى مكانه. كل شيئ يجب أن يعود إلى مكانه... إبنة الزوجَين (سمر) تزوجت من إبن رام الله (جورج). وسمر صاحبة شخصية قوية. هي حامل وموعودة بولادة مولود أوّل... أما زوجها جورج فصاحب كراج صغير. هو محاصر في رام الله ويعشق البحر ويحلم برؤيته. تتاح لجورج إمكانية المشاركة في التمثيل في فيلم أمريكي... يعيش جورج في بيت جدته التي لا تبرح ساحة بيتها. هي كهلة ترتكز على عكاز لخطو خطواتها المتثاقلة، ومصابة بالخرف والألتسهايمر وبالسكري، لكنها لا تكف عن أكل الحلويات. هي لا تكف أيضا عن قص قصة نسيان والدها لها في معمل البلاط في الخليل، دون أن تُكملها... فلا أحد يريد سماع التتمة. يظهر وكأنّ الجدة مستمرة في الحياة حتى تروي التتمة... وهي لا تهدأ إلا إذا ما شاهدت التلفزيون بالأسود والأبيض، لا بالألوان. ولا تشاهد إلا الأفلام القديمة ولا تستمع إلا لأغاني أسمهان وعبد الوهاب... هشام أيضا إبن لصالح ونبيلة. هو يعيش ويعمل في رام الله وعلى صداقة مع ميساء إبنة رام الله التي تريد لهذه العلاقة أن تكون علاقة حب والتزام بالزواج. هو يريد أن يكون كاتبًا مسرحيًا، وأن يمارس مع ميساء هواية رقصة التانغو. وهذه رقصة زوجية... أمّا الإبن الثاني لنبيلة وصالح فهو هشام. تعلّم ويعمل في السويد. كل شيئ حوله راكد هادئ. تربطه علاقة حب بفتاة سويدية لا نعرفها لأنها لا تظهر في الفيلم. هو يلعب النرد/الطاولة ويستمع إلى أغاني وألحان عربية، لكن لمحات وجهه تنمّ عن ألم دفين. يخرج أحيانًا هشام لشرفة البيت، يبدأ كلب جارته السويدية بالعواء الهادئ لرؤية هذا الغريب. تسرع الجارة للخروج هي أيضًا للشرفة لإدخال كلبها إلى البيت. الجارة "تتبادل" الحديث مع هشام بقولها "تصبح على خير"... ينجح هشام في إقناع والديه صالح ونبيلة بالمجيئ لعنده في السويد للراحة، مدّعيًا أنه مريض. هو يأمل أن تؤثر أجواء السويد الهادئة والجميلة عليهما فيتصالحا ويتبادلا الحديث معًا. الذي يحث أن صديقته/حبيبته السويدية لا تأتي للتعارف مع والديه، مع أن الوالدة أعدت وجبة غذاء عربي على شرفها... أحصيتُ 18 شخصية في الفيلم نصفها شخصيات مركزية. والنصف الآخر يظهر أن القصد من وجودها إلقاء الضوء لنا لمعرفة وفهم عقليات ونفسيات المركزية. يقوم بتمثيل هذه الشخصيات أشخاص عاديون لم يمارسوا التمثيل سابقًا. ولا يشارك إلا خمسة ممثلين مهنيين في تمثيل الشخصيات، وليس بالضرورة الشخصيات المركزية. ما الذي ترمز له كل تلك الشخصيات؟ أعطتنا المؤلفة المخرجة رموزًا لمعرفة هذا، وتركت لنا حرية الفهم. فليفهم كل منّا وليحلل كما يريد. ولنغني بهذا ملكية الرؤية والرؤيا لمستقبلنا الواحد الذي نريد.

الرسم بالكاميرات

تقف كاميرة مها على الحياد. تصوّر برتابة رتابة وملل ما تشاهده. هي لا تتفنن في تصوير ما تشاهده، فتصل بهذا إلى قمة تفننها في التصوير. يتلو المشهدُ المشهدَ وتُكمل القصةُ القصةَ. نكاد نضيع في المتاهات فتتضح معالم الطريق. يخنقنا هدوء الشخصيات، فيصم آذاننا ضجيجها الصامت في داخلها. يتكلم الصمتُ ويصمت الكلام. يختلط العام بالذاتي وتتحد المتناقضات. ها هو الوطن العام يتشرذم ويتفكك ويذوب في الشخصي الخاص. يصبح الخاص عامًا والعام شخصيًا فيتعانقان. تراقص الهوية الذاكرة. تصبح الهويةُ الجماعية ذاكرةً ذاتية، والذاكرة الذاتية هوية جماعية... فيُعاد تشكيل الوطن من خلال "أمورنا الشخصية". "أمور شخصية" – هكذا سمّت مها فيلمها. هي "كذبت" علينا بهذا. لقد بنت من أمورنا الشخصية، بحجر تلو حجر، صورة الوطن الجامع لنا عمومًا على اختلاف شخصياتنا. إجعلن يا نساء ويا رجال خبطة قدمكن على الأرض هدارة، دعوها تزلزل زلزالها. ها هو طائر الفينيق ينهض من بين الرماد ويحلّق عاليًا نحو آفاق وعدتنا بنبيذ وقوس قزح. تجمّعنَ يا نبيلة وصالح وجورج وسمر وهشام وطارق وميساء. وإرمي يا جدتنا عكازك واروي قصتك... فتصبحون على وطن. كتب نزار قباني قصيدة حب سماها الرسم بالكلمات. أما مها الحاج أبو العسل فرسمت بالكاميرات لوحة فسيفساء الوطن. وتبقى أجمل لوحات الفيلم وأروعها تصويرًا فنيًا راقيًا لوحة صالح ونبيلة من الخلف من جهة الظهر وهما جالسان على كرسيين متباعدين ينظرن إلى بحيرة راكدة وطبيعة صامتة. ولوحة هشام وميساء وهما يرقصان التانغو في غرفة التحقيق عند الحاجز الأمني. وإن نسيتُ لا أنسى لوحات الإنتصارات الفلسطينية لفرح الحياة وللأمل وتحقيق الأحلام. ها هو جورج يعبر حواجز الحصار الأمني ويصل البحر. والبحر هائج صاخب ووأسع ويأخذك على مد النظر إلى عوالم بلا حدود وحواجز. وها هي الجدة تظهر وكأنها ماتت من كثرة ما أفرطت في أكل الحلويات، وتنهض فجأة من بين الأموات. الذاكرة لا تموت. وها هي تنجح وأخيرًا في استكمال رواية قصتها على مسمع زوجة إبنها. لا، لا تريد الجدة أن تحدثكم عن نسيان والدها لها وهي طفلة لأيام في معمل البلاط في الخليل (أنا لا أصدق أنه نساها. فكروا إلى ماذا قد يرمز هذا النسيان). القضية أن والدها اشترى بلاطًا غير البلاط الذي اختارته هي. هي أرادت أن يشتري بلاطة غنية بالألوان الزاهية وتتوسطها النجمة الخماسية. بها كان يجب تبليط أرض البيت – أرض الوطن...

كلمة تقدير للممثلين

قبل بدء عرض الفيلم في "سينمانا" الناصرة التقيت، في مقهى السينما، بأحد معارفي القدماء وزوجته. هو فرمشاني. وحين بدأ العرض كان هو وزوجته (صالح ونبيلة) أول من طل علينا على الشاشة وأدّيا دورًا رائعًا في التمثيل، هما اللذان لا علاقة لهما بالتمثيل وبالفنون. حين انتهى العرض وخرجنا إلى المقهى وقع نظري على امرأة تسير متثاقلة ومرتكزة على عكاز. لا يعقل! هل خرجت "الجدة" من وراء الشاشة إلى المقهى؟ وقفت مشدوهًا أمامها. كلّمتني بعينيها. قلت لها: كنت سأسأل عن اسم الممثلة التي أدّت دور الجدة، حتى أقول لها تستحقين الأوسكار على تمثيلك. أجابتني: أنا لم أمثل. مها قالت لي: "ما تمثليش، كوني إنت". شكرًا مها. أنت فنانة بالسليقة، وجريئة بلا حدود ومبدعة خارج الأقفاص والكليشهات. تمتعت بفيلمك. سأعاود لمشاهدته ثانية وثالثة حتى أعبق بجماليته اللا محدودة وأغتني أكثر بوعي رموزه التي قد أكون لم أكشفها كلها بعد.

[email protected]










Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت