X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
12/12/2018 - 08:38:56 am
هالو يا جبهة، هل من سميع؟ سميح غنادري

هالو يا جبهة،

هل من سميع؟

سميح غنادري

إنهزمت "الجبهة" هزيمة كبرى في انتخابات بلدية الناصرة. كانت تلك هزيمة حقاً، لا مجرد "نكسة" أو "كبوة". وكنتُ قد أوردتُ في المقاليْن الأول والثاني لتلخيصي للإنتخابات عدة أسباب موضوعية وذاتية محلية نصراوياً وإسرائيلياً وحتى عربياً شرق أوسطياً وعالمياً، أدت إلى هذا. لكن يبقى الأساس أن "الجبهة" ارتكبت العديد من الأخطاء والخطايا، بفكرها وسياستها وتنظيمها واستراتيجيتها وتكتيكها وبنهج ممارساتها، قادت إلى هكذا فارق مهول في النتائج.

ما من أحد يضمن في مجال العلوم والممارسات الاجتماعية السياسية حتمية النتائج إيجابياً أو سلبياً. وتبقى أحياناً الظروف الموضوعية والذاتية لصالح الخصم الإنتخابي أقوى منك مهما أجدتَ الموقف والعمل. لكن إذا ما أجدته تُقلص إلى حد بعيد فائض الأصوات الكبير لصالح المنافس الإنتخابي في الرئاسة والعضوية. وتقليص الفارق إلى الحد الأدنى الممكن يفرض على الخصم أخذك بعين الإعتبار، وعدم إلقائك على هامش عمل البلدية وإقصائك عن مشاركتك في إدارتها. هذا عدا عن أن تحقيقك لنتائج محترمة، دون فوزك، يزرع الأمل لدى الناس أنه بإمكانك أن تُحدث التغيير المنشود في المستقبل.

ثمّ ما من ظروف موضوعية تفرض إنتصارات بهذا الفارق الهائل بالأصوات والتمثيل، إلا إذا ما عجز العامل الذاتي على مواجهتها والحد من أثرها، وفي طرح البديل لها وإقناع وتجنيد الناس بأنه هو العنوان الضامن لمصالحها.

وذكِّر إن نفعت الذكرى...

خاضت "جبهة الناصرة الديمقراطية" عشر انتخابات للبلدية منذ انتصارها الأول في عام 1975 وحتى هزيمتها الكبرى في عام 2018 التي أعقبت هزيمتها الأولى في عام 2013 وفي إعادة الإنتخابات للرئاسة في آذار 2014. لكن رغم انتصاراتها المتتالية في ثمان انتخابات، إلا أن التآكل في شعبيتها المطلقة كان واضحاً في انتخابات بعد أخرى، خاصة بعد ظهور "الحركة التقدمية" و"الحركة الإسلامية" كلاعبيْن على الساحة النصراوية الانتخابية.

حتى القائد توفيق زياد ذات الشعبية العظيمة لم يحصل دوماً على غالبية الأصوات للرئاسة والعضوية في بعض الأحياء "الإسلامية" – (آسف لاضطراري إستعمال هذه التسمية) – في آخر حملَتيْ انتخابات خاضهما في عامَيْ 1988 و 1993. وكان قد ضمن يومها انتصاره بغالبية إجمالية نصراوية مطلقة بفضل الغالبية المطلقة الهائلة التي كان يحظى بها في الأحياء "المسيحية" – (آسف للتسمية مرة أخرى) – والتي تعدت أحياناً الـ 80% في بعض تلك الأحياء.

كنتُ في عام 1988 قد استقلتُ من عضوية الحزب الشيوعي والجبهة، لكني واصلتُ تأييدي الإنتخابي لهما. وأذكر أني كتبتُ مقالاً بعنوان "أبحث عن كهل يواصل غرس أشجار الزيتون". قلتُ فيه إن الكهل يزرع شجر الزيتون رغم علمه أنه لن يأكل من ثماره. ومن الأجدى بالجبهة ألا تسكرها انتصاراتها المتكررة وأن تلاحظ التآكل في شعبيتها في انتخابات بعد أخرى. وأن تكف أيضاً عن استعمال شعارها "كل الناصرة جبهة"، وتستوعب أن حوالي 40% من أهالي الناصرة لا يقترعون لها.

الإتجاه التراجعي المحدود للحصاد الإنتخابي الجبهوي والذي كان قد بدأ في أيام توفيق زيّاد ازداد في الجولات الانتخابية الثلاث في أعوام 1998 و2003 و2008 للمهندس رامز جرايسي. وأمست الجبهة تخسر حتى غالبيتها المطلقة في العضوية. ثم جاءت الضربة الكبرى في انتخابات عام 2013 وفي الجولة الثانية للرئاسة في آذار 2014.

أجادت "الجبهة" يومها تلخيصها للنتائج. صرّح قادتها وكتب كتابها في صحيفة "الإتحاد": سنضع كل القصورات والأخطاء الذاتية على طاولة البحث وسنستخلص العبر مع التركيز على العوامل الداخلية، وسنعمق من ارتباطنا بعموم الناس في أحياء المدينة. وسنعقد اجتماعات تشاورية لدراسة الوضع مع مثقفين وشخصيات إجتماعية وأهلية تمثيلية لسماع رأيها ونصائحها. كذلك سنعمل على توسيع الجبهة وإعادة مَنْ تركها إلى صفوفها، وعلى ترميم البيت الجبهوي عموماً وتلافي كل القصورات التي قادت إلى الخسارة.

لكن "الجبهة" لم تستفق، ولم تنفذ ما وعدت به في تلخيصاتها لهزيمتها. واكتفت بتبديل الوجوه القديمة لقيادتها الأولى بوجوه شابة جديدة. أو كما يقول المثل العبري "بقيت السيدة ذاتها ولكن برداء جديد". مع أن المطلوب إحداث ثورة في الجوهر لا في الرداء الخارجي، وفي الفكر والممارسة لا في تبديل الأشخاص حسب الأعمار.

كنا ننتقد الجبهة في السابق على استحالتها إلى ما هو أشبه بالتابع للمجلس وللعمل البلدي في زمن رئاستها للبلدية. وعلى بهتان عملها الجماهيري وعدم ارتباطها اليومي بقضايا الناس الأخرى خارج نطاق العمل البلدي. ثم أصبحنا ننتقدها، بعد خسارتها لرئاسة وإدارة البلدية، على إستمرار إبتعادها عن قضايا الناس اليومية وبهتان إرتباطها بهم.

لقد زاوجت الجبهة بين الهزيمتيْن – البلدية والجماهيرية. ولم تجنّد لا هي ولا كتلتها في البلدية، على مدى خمس سنوات بين انتخابات 2013 و2018، أوسع الفئات الشعبية لا في الحراك البلدي ولا في الكفاح القومي والوطني والمطلبي اليومي والجماهيري. ولم توسّع صفوفها ولم تُنشئ وترعى وتُبرز شخصيات وقيادات جماهيرية على صعيد الناصرة عموماً وفي مختلف أحيائها خصوصاً. وتأتينا عشية الانتخابات طالبة دعم الناخبين وتجندهم لصالحها. وكأن الناس آلات ميكانيكية يكفي الكبس على أزرارها لتشغيلها.

وصدقنا جميعاً، بمن فيهم كاتب هذه السطور، أن عناصر التحالف التوافقي ستلتزم كلياً بالإقتراع لرئاسة العفيفي، وقد تزيد من تمثيلها في عضوية المجلس البلدي. وأسكرنا الحضور الجماهيري للمهرجانات الانتخابية للتحالف، وكذلك إستطلاعات الرأي التي أشارت إلى تقارب الأصوات بين سلّام والعفيفي. واعتقدنا أن الـ 10% من المستَطلعين الذين لم يُفصحوا عن خيارهم الإنتخابي، سيقترعون بغالبيتهم يوم الانتخابات لصالح التحالف. وغاب عن أذهاننا أن الإسلامية الشمالية تجندت لصالح سلام وقائمته "ناصرتي" في آخر أسبوعين قبل الانتخابات.

لكن يبقى الأسوأ الذي قاد إلى سوء النتائج هو عدم مقدرة "الجبهة" وقوى التحالف التوافقي على توفير الأمان والحماية للناس ومواجهة بلطجية الخطاب والممارسة لسلّام وحلقة شبيحته. فامتنع الآلاف، من مؤيدي التحالف، عن التصويت وتقاعس المئات عن النشاط الإنتخابي الفاعل. لقد صوّتَ هؤلاء لصالح سلّام موضوعياً، بإمتناعهم عن الإقتراع والنشاط كليّاً.

لا أنفي أن سلام بشعبويته الرخيصة، وبإدعاء أن باب مكتبه مفتوح لجميع الناس، وبشرعنته للممارسات اللاقانونية في العمل البلدي بما فيها تراخيص البناء وإلغاء المخالفات للبعض... إلخ. قد شرى ذمم العديدين. وسيكشف المستقبل القريب المخفي المعلوم في "حارة كل مين إيدو إله" المسماة بلدية. وكانت الصحف العبرية قد كشفت قبل أسبوعيْن من يوم الانتخابات أن علي سلّام المرشح للرئاسة يقع تحت طائلة التحقيق بشبهة الفساد وخيانة الأمانة. يعني هذا أن مثوله أمام القضاء قد يكون قريباً...

فليحاكم الحزب والجبهة ذاتهما الواحدة

مرّت على تأسيس الجبهة النصراوية والقطرية أربعة عقود تغيّر فيها شعبنا كمّاً وكيفاً، إقتصادياً وتعليمياً وثقافياً. وتعددت التيارات والأطر والأحزاب السياسية والأهلية بما فيها الإسلامية. كذلك تنوّعت قضايانا واهتماماتنا وتطلعاتنا في مجتمع عصري واستهلاكي. وكان على الحزب والجبهة أن يستوعبا أن كل ما يحيطهم في تبدل وتناقض وتطور. وما من شيء ثابت إلا الحركة، حركة صعود الجديد وموات القديم.

لكن وحدها "الجبهة" بقيت جامدة فكراً وتركيبة ونهجاً وممارسة، فكفّت عن كوْنها بؤرة جذب لطلائع المجتمع خصوصاً للمثقفين والأكاديميين وللأجيال الشابة الصاعدة. واستحالت إلى ما هو أشبه بعصبة وبحلقة تعارف ضيّقة، وبمُلحق للحزب الشيوعي. أصبحت تذكّرنا بقائمة "الشيوعيين وغير الحزبيين" في ستينات وأوائل سبعينيات القرن الماضي. علماً بأنه يومها كان الحزب الشيوعي القوة الوطنية التقدمية والطليعية والجماهيرية الأولى، وتقريباً الوحيدة، في الوسط العربي. ولم يكن مأزوماً كما هو حاله وحال عموم الأحزاب الشيوعية في عالم اليوم.

لا أعرف كيف سيلخص الحزب الشيوعي قطرياً الهزيمة الإنتخابية لفرعه ولجبهته في الناصرة. لكن أنصحه أن يبدأ هذا بذاته. لأني أعتقد أن أزمة الجبهة نتاج لأزمة الحزب أولاً، ولن تشفى الجبهة من مرضها إلا إذا شفي الحزب.

ولا يعقل تقديم أجوبة الأمس على أسئلة الحاضر. الماضي مضى. والتغني بـ "كنّا وكنّا" انسلاخ عن واقع الحاضر المتجدد. و"كان"، يا رفاقي، هي فعل ماضي ناقص. ثم راجعوا تاريخ الحزب لتروا أنه كان يبدل ويطوّر طروحاته منطلقاً من واقع وحاضر المجتمع في حينه. أوَلم يكن تأسيس الجبهة في النصف الثاني من السبعينات جواباً تجديديّاً إبداعيّاً لتحديات ذلك الزمان؟ أريد القول إنه لا تصح العودة للماضي إلا لإستيعاب التجربة وللإستفادة منها في الحاضر لصناعة المستقبل. بهذا تكون العودة للماضي "عودة" نحو المستقبل.

وللذي، يا رفاق، يريد مواصلة قراءة ماركس وأنجلس ولينين بميكانيكية ماضوية، من الأجدى به أن يعي أنه لو كان هؤلاء أحياء اليوم لكتبوا نصوصاً مختلفة. ويبقى الأساس والجوهر منهج التفكير والتحليل الجدلي المنطقي الرافض للجمود وللخندقة في أقفاص الماضي. ألم يقل فلاسفة العرب في القِدَم: منكر زمان مضى معروف زمان حاضر؟ أوَلم يعلمنا "فيلسوف" العرب الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب: "علّموا أولادكم بغير علمكم، لأنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم".

لا يجوز تقديم أجوبة الماضي على أسئلة الحاضر. فلنضع كل أمر تحت محكمة العقل والمنطق الجدلي، فإما أن يبقى في الوجود أو يزول من الوجود. ولا تكفي هنا لا "بودرا" التجميل ولا "أكامول" تسكين الأوجاع. المطلوب هو القبض على ملقط "الجرّاح" ووضع ميكروسكوب على أعيننا يرينا ما لا تراه العين السطحية المجردة، حتى تتم العملية الجراحية بنجاح.

والمسألة ليست مسألة فائض أصوات لسلّام وناصرتي ولا فقط فائض قوة عند جماعته الداعمة له.  المسألة مسألة فائض عجز للحزب وللجبهة. وفائض تردد وجبن فكري وممارساتي في مواجهة العصبيات والتخلف على شتى أشكالها، بما فيه أولاً تلك المتحجّبة بالدين زوراً وبهتاناً وتسييساً رجعياً.

خصومكم، يا رفاق الحزب والجبهة، ليسوا فقط خارجيين في الأساس، وإنما هم منكم وفيكم أيضاً. فإما أن تتغيروا فكرياً ونهج عمل وتنظيمياً وممارسة، وأن تعمقوا إرتباطكم بالجماهير وبقضاياها اليومية وتقوموا بحمايتها، وأن تعيدوا تأسيس وبناء الجبهة على أسس أعرض وأوسع وأكثر انفتاحاً، أو تواصلون الإنزلاق نحو الخسارات. ولا أقول نحو الإنقراض، ولا أقصد الخسارات الإنتخابية فقط.

وليس من المطلوب تأصيل الأصول ميكانيكياً. فكم من أصول تشدنا كالأثقال نحو ماضٍ لن يعود. والسابح في لجة بحر صاخب وهائج بأمواجه لا يعلّق الأثقال على رجليه ويديه ولا يبلع لسانه. ثمّ التاريخ ليس تاريخ ثبات ورتابة وجمود. وإنما هو تاريخ تحوّل وانتفاضات حتى على الذات، وعلى مفاهيم شاخت وأشاخت، تكلّست وكلّست، تأزمت وأزمت.

لحكمة ما تتمتع الطيور بالأجنحة والبشر بالأدمغة. هذه هي الأدوات للتحليق خارج أقفاص المحدوديات. وكنتُ قد كتبتُ في انتخابات جولة الرئاسة لبلدية الناصرة في آذار 2014، أن النعامة تدفن رأسها في الرمال حماية لذاتها فتفقد عندها حاسة الرؤية. لذا لا يحق لها التذمر والشكوى إذا ما أتت مخلوقات لإفتراسها.

خاطبتُ يومها الحزب/الجبهة: لماذا يا رفيقة يا "نعامة"، دفنتِ رأسك في الرمال، وأنت في أمس الحاجة ليس فقط إلى الرؤية وإنما إلى الرؤيا أيضاً؟. قد يسألني القراء الآن: ما دخل هذا النقاش الفكري/الفلسفي في تلخيص الانتخابات؟

أجيبكم: ماذا تفعلون لو لاحظتم يا رفاقي أن الشجرة في حديقتكم يبست بعض أغصانها وفسدت تربتها وقلّ ثمرها، لكنها ما زالت حيّة؟ ما من شك أنكم ستقومون عندها بتقليم أغصانها اليابسة وبتسميد تربتها وسقيها بالماء حتى تورق وتزهر أكثر وتثمر أحسن. فنأتيكم عندها نحن الناخبون لنتفيأ تحت ظلكم، ولنأكل من ثماركم.

أناشد الحزب/الجبهة أن تبدأ عملها "الإنتخابي" لإنتخابات عام 2023 اليومَ اليومَ وليس غداً. وبِدء البِدء يكون بإصلاح الذات أولاً. هل من سميع؟

([email protected])

 




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت