الإنتفاضة في الإنتفاضة

بقلم مصطفى سلام، كاتب وباحث سياسي

شهد شعبنا الفلسطيني في تاريخ نضاله ضد الاحتلال انتفاضتين كبيرتين، الانتفاضة الأولى والثانية وكثير من الانتفاضات الصغيرة والمحدودة كالتي حدثت اخيرا مثل "سيف القدس" و"انتفاضة السكاكين" و"انتفاضة السجون" و"انتفاضة الأسرى المضربين عن الطعام" الخ . اما بعد مرور ايام طويلة، عندما نرجع ونلقى نظرة الى الوراء نرى ان هذه الانتفاضات لم تحصل على نتائج مطلوبة ولم تأثر على وضع الفلسطينيين وحريتهم وحقوقهم ومعاناتهم. فلا يزال الاحتلال يهدم بيوتنا ويعتقل ويسجن شبابنا ويعتدي على حقوقنا وحرياتنا والمستوطنون العنصريون يسخرون منا ومن هويتنا. السؤال هنا هو أنه ماهي المشكلة؟ لماذا لم تصل اجتهاداتنا الى نتيجة؟ ولماذا لا تثمر انتفاضاتنا ونحن بعد كل انتفاضة نبتعد عن  حقوقنا وحريتنا أكثر فأكثر؟

ماهي المشكلة؟!

انا اعتقد أن المشكلة في انتفاضة نفسها وكيفيتها! فيجب أن نتأمل كيف انتفضنا حتى الأن وكيف يجب أن ننتفض حتى نصل الى المطلوب.

المسألة الأولى هي انه مَن المنتفضين؟ من الذين قامت الانتفاضة بهم وماذا قصدهم وهدفهم من الانتفاضة؟

اذا كان الانتفاضة بهدف حرية الشعب فيجب أن يقيمها الشعب ويشارك فيها موحدا. اما اذا تركت الانتفاضة للحركات والأحزاب والمجموعات السياسية ستكون لعبة بأيديهم وبأيدي قياداتهم لفرض قوتهم على الأخرى.

الإنتفاضة قبل كل شيء هي حالة نفسية وداخلية تدفع الشخص الى العمل في الخارج. اذا وصل آحاد الشعب بهذه النقطة انه ليس بامكانهم احتمال وضع الراهن فيبادر بالعمل من أجل التغيير، فمن هنا تبدأ الإنتفاضة. اما الإنتفاضة بدون هذه الرؤية وبدون الشعب ليست لها معنا الا لعبة سياسية ولاينتفع الناس من هذه اللعبة أبدا.

بعد وصول الناس الى رؤية للإنتفاضة، المرحلة التالية هي العمل. يجب أن يكون العمل أيضا بأيدي الناس بدون أي وساطة من الوسائط. هذا ما نسميه بالعمل المباشر. شهد تاريخ كثير من الانتفاضات والحركات والثورات التي انحرفت عن طريقها وذهبت الى الفشل والديكتاتورية لهذا السبب أن الناس فوضوا العمل الى غيرهم كالقادة أو الثوار المحترفين أو الناشطين السياسيين وأمثالهم. فبذلك تم اختطاف الثورة منهم وخيّبت آمالهم للحرية كما نرى في ثورة المصريين  والربيع العربي.

اذن المشكلة الأساسية في فشل الإنتفاضة هي أن الإنتفاضة ليست في بدئها واستمرارها شعبيا بالمعنى الحقيقي لذا لم تصل الى النتائج المطلوبة.

الانتفاضة في الانتفاضة

بعد أننا عرفنا أن مشكلة الانتفاضة هي عدم شعبويتها فعلينا القيام بالحل. الحل في وهلة الأولى هو رفض أي سلطة على الانتفاضة والثورة. فنحن لانعرف أي قيادة أوسيادة فوق الإنتفاضة والإنتفاضة للجميع ومن أجل حرية الجميع وكما قال الأناركي الروسي ، ميخائيل باكونين ، "حرية الجميع ضرورية لحريتي". اذن المرحلة الأولى في الانتفاضة هي الإنتفاضة ضد السلطات التي تدعي قيادة الانتفاضة والسيادة عليها وتفويض الأمور بأيدي الشعب مباشرة!

هذه لاتعني التشويش وعدم التنظم بل هذه حالة من التنظم بدون السلطة وقائمة على الشعب نفسه وعلى تضامنهم والمساعدة المتبادلة بينهم. كذلك ترجع الإنتفاضة الى الشعب وأهدافها ومنافعها اليهم ويمكن تسميتها بالإنتفاضة حقا.

الخاتمة

الإنتفاضة اذا كان من أجل حرية الشعب فيجب أن يكون الشعب لاعبها الأساسي في التفكير والتخطيط والعمل. اذا خرجت الإنتفاضة من أيدي الشعب وتركت للحركات والمجموعات السياسية ستقلل الى صراع سياسي لامن أجل الحرية بل من أجل فرض القوة على الأخرين. اذن قبل تحرير الشعب من الضروري تحرير الإنتفاضة وإرجاعها الى الشعب. هذه هي الإنتفاضة في الإنتفاضة لكي تقوم الإنتفاضة على أساس التضامن ومساعدة المتبادلة وعلى العمل المباشر من قبل الناس حتى تصل الى الحرية والسلام.

للتواصل:

[email protected]

تويتر

@mustafa_salaaa