X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
27/11/2022 - 08:58:54 am
شركة قطر تستضيف المونديال: كرنفال تحويل الزيف

شركة قطر تستضيف المونديال: كرنفال تحويل الزيف

إلى فضيلة ونموذج

بقلم: حسن مصاروة

منذ انطلاق المونديال في قطر، ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في العالم العربي تتناقل نقاشًا حول انتقادات غربية، تأتي بالأساس من قبل نخب رياضية وإعلامية، تهاجم الفيفا لاختيارها قطر لاستضافة المسابقة العالمية. بعض هذه الانتقادات مبني على حالة حقوق الانسان والحريات في قطر، بعضها يتكلم عن تعامل قطر مع "حقوق المثليين"، وبعضها يتكلم عن حقوق العمال الأجانب الذين يعيشون في ظروف قاهرة في قطر، وخاصة الظروف الوحشية التي واجهوها أثناء التحضير للمونديال وبناء الملاعب العملاقة، مما أودى بحياة الكثيرين منهم. على الجهة الثانية تعلو أصوات في العالم العربي تدافع عن قطر وعن استضافتها المونديال ويهاجم أصحابها الأصوات المنتقدة ويتهمون الغرب في توجهه لقطر بالنفاق وازدواجية المعايير، ويستنكرون عليه وعظه الأخلاقي للشعوب العربية والإسلامية بالرغم من ماضيه الاستعماري المظلم وسياساته الإجرامية في المنطقة، ومنهم من يتفاخر بـ"صمود قطر أمام إملاءات الغرب القيمية والأخلاقية والثقافية".
أما أنا  ففي هذا الصراع الثقافي المتخيل، بين "نفاق" الغرب "الأبيض" و"ذي الماضي الاستعماري" و"الاستشراقي"، وبين  المسخ الريعي المسمى بقطر، فأنا لا أجد نفسي منحازًا للأخيرة بالتأكيد، كما تجري الريح الشعبوية في العالم العربي في هذه الأثناء.

 لأنه أولاً، "الغرب"، بأل التعريف، كمفهوم شمولي أصم ذي صفات محددة وثابتة وأحادية، هو كائن أسطوري، كما هو "الشرق" كائن أسطوري، كما هو الشرخ بينهما أسطوري، وهو هو الإنتاج الأساسي لأيديولوجيا الاستشراق. وثانيًا لأن ليس كل انتقاد لقطر قادم من الغرب، هو منافق ومزدوج المعايير، بل منه ما يأتي من أوساط تؤمن حقًا بحقوق إنسان كونية عابرة للحدود والثقافات. وفي الحقيقة أنا أتوجس أكثر من أولئك الغربيين الذي يترفعون عن مهاجمة قطر لأنهم "يحترمون" ما يسمونه "الخصوصية الثقافية" للعرب والمسلمين، لأن هناك بالتحديد تكمن أيديولوجيا الاستشراق والأورو-مركزية الحقيقية التي تُخرجنا من التاريخ وتسعى لتأبيد التخلف والرجعية بصفتها خصائص ثابتة عصية على التحول والتطور التاريخي ملتصقة بثقافتنا وحضارتنا.

ولأنه حتى لو كان ما يجري حقًا هو صراع ثقافي حقيقي، بين غرب استعماري استعلائي يريد فرض فوقيته وهيمنته وبين ثقافة عربية شرقية إسلامية مناهضة للتبعية، فبالتأكيد ليست قطر هي المرشحة لأن تُمثلنا في هذا الصراع، بصفتها أصلاَ شركة نفط ترتدي ثقافة ممسوخة، صرفت كل ما صرفت من مليارات، لإبهار هذا الغرب من باب عقدة نقص ثابتة، بمخططين ومهندسين ومصممين غربيين، وبدماء آلاف العمال الأجانب من الدول الفقيرة. وكانت منذ نشأتها مركزًا سياسيًا وماليًا وأيديولوجيًا لترسيخ وتعميم الهيمنة الغربية بنسختها الأمريكية على العالم العربي كله.

في الحقيقة، حينما يتكلمون عن مهاجمة الغرب لقطر واستضافتها المونديال، فأنا فعلاً لا أفهم عن ماذا يدور الحديث. إذا كان المقصود بالغرب، الأنظمة السياسية للقوى الغربية العظمى، فهذه بالتحديد لم تهاجم قطر ولم توجه لها أي انتقادات، هذه ترعى قطر وتحميها وتتعاون معها. بل علامة النفاق الأساسية لهذا الغرب وفساد تعامله مع منطقتنا ليس المفارقة بين ماضيه الاستعماري ووقاحته في الوعظ الأخلاقي على دول المنطقة، إنما ازدواجية معاييره في التعامل الحاضر مع دول مختلفة في المنطقة، ففي حين ينتقد حالة حقوق الإنسان والحريات وغياب الديموقراطية في دول منطقتنا التي لا تدور في فلكه، لا يُصدر كلمة انتقاد واحدة بحق الدول العربية التابعة له مثل السعودية والإمارات وقطر، بل يصد أي هجوم وانتقاد ضدها.

إذا تركنا المنظار المعطوب لمفاهيم "صراع الحضارات" والانقسام الثقافي المتخيل للعالم، وتعاملنا مع "الغرب" على أنه منظومة هيمنة رأسمالية سياسية واقتصادية وعسكرية، هي كوزموبولتية بطبيعتها في شرطنا النيوليبرالي المعاصر، فإن قطر بطبيعتها ودورها وموقعها الاقتصادي والسياسي الأيديولوجي داخل منظومة الهيمنة هذه، فإنها ستغدو جزءًا حيويًا من هذا "الغرب"، لا خارجه، وبالتأكيد ليست "آخره".

وإن الحديث عن قطر كدولة "عربية" والافتخار بما تقوم به "بغض النظر عن سياسية حكامها"، لا يصح، لأن الفصل بين الحاكم والنظام السياسي والدولة وحتى الشعب، المتحقق في كل دولة حول العالم مهما كانت متخلفة، يُصبح مستحيلاً في الحالة القَطرية، بوصفها حالة متطرفة من نموذج الدولة الريعية. في الدول ذات الاقتصاد الريعي التي تعتاش على بيع مادة خام (النفط) يصعب قيام مجتمع مدني، أي قيام مجتمع يعيد انتاج ذاته بوصفه مجتمعًا من الأفراد الأحرار القادرين على التعاقد خارج إطار الدولة والقادر على إنتاج ذاته خارج الدولة وفي علاقة استقلال نسبي معها ويمولها من الضرائب. وهو في حالة قطر المتطرفة من هذا النموذج لا "يصعب" فقط، بل يستحيل. مقابل مفهوم الدولة-الأمة (Nation State) الذي يصف الدولة الحديثة بمحددها السياسي- الاجتماعي، يُطلق المفكر المصري غالي شكري، على دول الخليج التي تعتمد بيع النفط وصاغت حدودها وجوهرها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي حول آبار النفط التي وُجدت في أرضها، مسمى "الدولة-البئر"، ومن هذا المُنطلق يمكن التعامل مع دولة مثل قطر.

إن هذه الحالة المتطرفة من النموذج الديستوبي من الدولة الريعية التي تمثلها قطر والإمارات بالتحديد، يُطلق عليها الكاتب المصري محمد نعيم مسمى الدولة-الشركة، حيث يوجد مُلاك وحملة أسهم من "مواطنين" يشكلون أقلية مجهرية من السكان، وأسفلهم أنماط ودرجات من "العمالة" الأجنبية، بعضها مثبّت وبعضها موسمي، لكنها عمالة وافدة بالمعنى المادي والنفسي، وعملها المأجور وجهدها المبذول لا يعطيها صفة المواطنة التي يكتسبها الإنسان بالعمل المنتظم الشرعي لعدد معين من السنين في الدول الرأسمالية، بل هي عمالة في شركة تعاقدها هو الاغتراب. علاقة مأجورة خالصة وموقوتة مهما طال الزمن، ومهما طالت مدة عملك حتى المبيت إلى الصباح، لن يكون أبدًا مقر الشركة بيتًا لك، ولأنها شركات فكل المقدسات المفترضة لما يسمى بالدولة الوطنية كالجيوش والشرطة هي موضوع "شركاتي/ كوربوراتي" وكذلك هو تعاملها مع سياساتها الداخلية وعلاقتها الخارجية ومؤسساتها وإعلامها ومع أحداثها الرياضية حتى. الآن، أنا أفهم أن يتعاطف عمال الشركة مع مشاريع شركتهم و"قيمها" و"ثقافتها" المصطنعة ويهللون لها، هذه ظاهرة معروفة في الشركات العادية أيضًا، لكن أنا كمتفرج خارجي ما الذي يجبرني أن أتعاطف مع أي شركة ومشاريعها، حتى لو تكلمت لغتي وانتحلت ثقافتي؟

وهذا "الابهار" الذي تقوم به قطر باستضافتها المونديال، و"يفتخر" به البعض ويروج له، ليس منفصلاً عن هذه البنية. الباحث الجغرافي المصري ياسر البشتاوي، يقول إن مشروعات "البريستيج" من التعمير والإنشاءات الطموحة شديدة المغالاة في مدن الخليج، والعوالم المكيفة من الترف ومتعة الاستهلاك، والأبراج المتنافسة في العلو والارتقاء، هي "استعراض" أو "فُرجة" (spectacle)، بمعنى أنها تحول الناس إلى متفرجين ومستهلكين في حالة شديدة من الاغتراب، وعبر هذه المشروعات "يصبح الزيف فضيلة ونموجَا"، خاصة أنها تبنى وتصان وتُخدم بقوة عمل تعيش في نوع مختلف تمامَا من هذا الواقع، تعيش في واقع ديستوبي قاهر وظالم وفقير ومغترب. وما يجري الآن أثناء استضافة قطر للمونديال من استعراض لملاعب عملاقة مكيفة وقطارات وشوارع ومولات ومطارات أعدت خصيصًا لهذه المناسبة وصرفت عليها المليارات وأقيمت على دماء آلاف العمال، هي تعميم على مستوى أكبر وباستغلال حدث عالمي لتحويل الزيف إلى فضيلة ونموذج، وفي هذا يشارك المنبهرون والمفتخرون في أنحاء العام العربي، مشروع تحويل رأس المال الصادر عن بيع النفط إلى رأس مال رمزي بهدف توسيع الهيمنة.

وفي الحقيقة إن من تكلم عن خطورة رأس المال الرمزي هذا في يد دول الخليج ، المتمثل في قدرتها على تجنيد نُخب وإعلام للترويج لها ولسياستها وفي خدمة الهيمنة الغربية، وأثره التدميري على المنطقة العربية، كان، وللمفارقة، عزمي بشارة بذاته، في كتابه "في المسألة العربية"، حيث يقول إنه لأن المصدر الأساسي للريع النفطي هو دول الخليج، ولأن نمط الحكم فيها هو النمط القبلي المحافظ، ولأنها أقل الدول تطورًا من الناحية الاجتماعية، فإن احتواءها المثقفين العرب وجزءا كبيرا من النخبة السياسية والإعلامية، تم لمصلحة ثقافة معادية للديموقراطية وموالية للغرب في الوقت ذاته، ثقافة محافظة واستهلاكية في آن.

من هنا لا تناقض، بين الثقافة "المحافظة" التي تروج لها قطر أثناء استضافتها المونديال والتي يصورها البعض على أنها مواجهة للقيم الغربية، وبين هذا المشهد الاستهلاكي البغيض الذي يسعى أساسًا لتعزيز موقع قطر داخل منظومة "الغرب" وتوسيع الهيمنة الثقافية على العالم العربي، مجرد كرنفال ممسوخ من الزيف كلف المليارات وحياة آلاف العمال.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت