X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أخبار عبلين
اضف تعقيب
17/03/2021 - 11:29:34 am
نساء من بلدي عبلين (الحلقة الأولى) السّت فيكتوريا- بقلم جاسر داود

نساء من بلدي عبلين

(الحلقة الأولى)

السّت فيكتوريا

جاسر الياس داود.

بمناسبة شهر المرأة والثقافة سننفرد في هذا الشهر في كتابة أربعة مقالات أو أكثر عن نساء من عبلين، نعرّف عليهنّ وعلى عملهنّ من أجل بلدتنا وشعبنا العربي الفلسطيني على مرّ التاريخ.

نفتتح مع " الست فيكتوريا - فيكتوريا توفيق ناصر داوود التي كان لها الفضل في تعبيد الشارع الموصل من صافتا عادي حتى كنيسة الروم الكاثوليك في عبلين.

عبلين بلدة عربية كغالبية البلدات العربية في فلسطين في زمن الإنتداب البريطاني من العشر الثاني من القرن الماضي (القرن العشرون) حتى العشر الخامس (١٩٤٧م)، تعيش على الفلاحة، بيوتها متراصة على بعضها البعض، خاصة بمركز البلدة، ومبنية من الاحجار النارية، والقليل من بيوتها مبني من الأحجار اليابسة، كل هذه الأحجار كانوا يقطعونها ويحضرونها من منطقة جبل أبو مدور شرقي البلدة

لم يكن بها كاليوم شوارع معبدة، شبكة مياه وشبكة الصرف الصحي، التلفونات شبكة الكهرباء .

كانت شوارعها الداخلية ترابية، يصعب على المواطنين التنقل والمشي بها، وخصوصا في الايام الماطرة بغزارة

صراخ وضجيج تسمع الفتاة او الشابة فكتوريا بجانب عقودة العائلة من الشارع المحاذي لها من جهة الجنوب، فتسرع لتتفحص ما يحدث من خلال أحد الشبابيك المطلة على الشارع، فتتعرف على صديقة لها من حارتها، يحملها بعض الأقارب على سرير، كما سمعت من بعض مسنات القرية، ويسرعون لإيصالها لأول الشارع غير المعبد، لكنه مرصوف بالحجارة الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهذا الشارع موجود بأول البلدة(اليوم منطقة دوار فانوس رمضان المبارك)، علهم يجدون وسيلة نقل تنقلها الى عيادة طبيب قريب من البلدة، او إلى مستشفى حمزة(رمبام اليوم) هذه الصبية واسمها ماري توفيت، فآلم هذا النبأ صديقتها فكتوريا، وفكرت كيف نستطيع كأبناء عبلين ان نحمي أنفسنا من مثل هذه الأحداث المؤلمة؟ !!!

عاشت الشابة فكتوريا توفيق ناصر داوود في عائلة تقدر الإنسان، وتساعده، فوالدها توفيق الناصر كان من الأشخاص الكرماء من ماله ورزقه، ووصل صيته إلى بلاد حوران، حتى ان مرة كان بعض رجاله الذين يعملون بأراضيه عائدين من سفرة فيها أوصلوا الحبوب من القمح والشعير لجماعة محتاجين، فاعترض طريقهم قطاع طرق، فرفع احد العمال المحماصة، اي محماصة توفيق الناصر ، فلما رآها رئيسهم، قال: توقفوا يا رجالي، هذه محماصة أبي جورج طعام العيش، إذهبوا بسلام، وإذا إعترض طريقكم أحد، قولوا له نحن بحماية فلان الفلان(رئيس قطاع الطرق) وهكذا نجوا عمال توفيق والد الشابة فكتوريا من السرقة او الضرب، أو حتى ربما القتل.

كانت الشابة أول من أنهى التعليم الثانوي بين الرجال والنساء في القرية ثم التحقت بكلية بير زيت وتخرجت منها عام 1927، وكانت هذه الكلية مميزة بطلابها من حيث مستوى علمهم العالي. وكانت تتقن اللغة الإنجليزية جيدا، ولما زار القائمقام الإنجليزي العامل في حيفا بيت توفيق الناصر، وقفت الشابة فكتوريا، وتحدثت إليه ولمرافقيه عن احتياجات البلدة عبلين، وخاصة الاقتصادية، والبنية التحتية. وعندما سألها اين تعلمت هذه اللغة، وأعجب بطلاقة لسانها، جاوبته: نحن ابناء فلسطين نتعلم لنفيد بني البشر، إن كانوا من أبناء بلدتنا، او من خارجها، نحن لا نستعمل علمنا لاستغلال الآخرين، واحتلال بيوتهم وبلداتهم، وكما قهر الحكم العثماني، ستقهرون أنتم ايضا، وستتركون بلادنا عاجلا أم آجلا

كانت الشابة فكتوريا جريئة، لا تخاف من قول الحق، وفي نفس الوقت متواضعة، وتحب بنات حارتها، وتتحدث إلبهن في مواضيع تخصهم

كانت تقضي بعض وقتها بالمطالعة في الطبيعة، واذكر كنت احيانا اتردد على دار جدي وديع ناصر داود ناصر (عمها)، فكانت تطلب مني مرافقتها إلى منطقة الشعنينة (المنطقة التي يسكن بها عضو الكنيست ورئيس مجلس عبلين السابق السيد صالح مرشد سليم واخوته) هناك الهو، وهي تقرأ رواية باللغة الإنجليزية مكونة او مكتوبة بمئات الصفحات، وكانت تتحدث معي حول المطالعة وفائدتها، وتقول: العلم مهم لبناء الوطن الصغير اي عبلين.

بعد هذه الحادثة وعدة حوادث مرضى وغيرهم ممن يحتاجون للسفر خارج القرية عبلين، أخذت الشابة فكتوريا التفكير بوسيلة تخفف هذا العبأ على سكان بلدتها، التي أحبتها لجمالها القروي-الفلاحي، ولطبيعتها الخلابة، ففكرت ان تدعو المسؤول الانجليزي بحيفا، ومعه قائمقام عربي، وشرحت لهم الوضع الصعب، الذي يعاني منه أبناء القرية، ألا وهو مشكلة الشارع غير المعبد، والذي يصعب على اهل البلدة الوصول بسهولة لقضاء حاجاتهم الضرورية خارج البلدة، وكانت تتأمل خيرا من هذا الإجتماع ببيت والدها.

تم الاتفاق بينها وبين الوفد أن تساهم الحكومة الإنجليزية بجزء من التكاليف لشق وتعبيد الشارع الموصل بين البلدة عبلين والقرى والمدن المحيطة بها، اما الجزء الباقي فيقع على كاهل سكان عبلين الفلاحين.

في البداية فكرت الشابة فكتوريا بجمع التبرعات من السكان، فكانت تأخذ معها اختها ألكسندرة وتدخلان البيوت، وتقوم فكتوريا بالشرح لاب البيت حول هذا المشروع، وأهميته للسكان بالقرية عبلين

ولما شعرت بأن البعض لا يقدر ما تقوم به، إستعانت بالكاهن إبراهيم سليم الذي كان بعلاقة جيدة مع العائلة، وكان يتردد على مجلس والدها توفيق الناصر، قام بمرافقتها لبيوت القرية، وإقناع السكان بمد يد العون لهذا المشروع الحيوي

بعد فترة من البدء بالعمل، وهو رصف وتعبيد الشارع في سنة ١٩٤٦م، حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ قام القائمقام العربي آنذاك ومن حوله بالبطش بأموال المشروع، وذلك أدى إلى امتعاض الشابة فكتوريا، التي حاولت إنهاء رصف وتعبيد الشارع الرئيسي ببلدتها.

ولما رأت أختها نجلاء توفيق ناصر حافي زوجة التاجر وصاحب الحانوت عيسى الياس حافي هذا الوضع، وكان وضعها وزوجها الإقتصادي جيد جدا، منحت أختها بقية تكاليف هذا المشروع، وهو عبارة عن ٣٠٠ (ثلاثمائة) ليرة،

وهكذا قامت فكتوريا بإنهاء المشروع، الذي هون على سكان بلدتها السفر والتواصل مع البلدات المحيطة ببلدتهم عبلين، وهذا أدخل الفرحة لقلب هذه الشابة، التي كانت تعمل من منطلق الإنتماء البلدي لهذا الوطن الصغير.

وعندما تحدثت إلى الكثيرين من المسنات والمسنين بهدف توثيق شرح شفوي عن تاريخ بلدتنا، ذكروا هذا العمل، والأغلب قال: لولا الست فكتوريا ما تعبد الشارع.

حبها لبلدتها، وعدم رضاها من تصرف بعض السياسيين من الإنجليز والموظفين العرب، وانتمائها الوطني، الذي غرسته فيها مرحلة التعليم في كلية بير زيت، دفعتها إلى عدم الثقة بالأحزاب الصهيونية التي قامت بعد قيام دولة إسرائيل، ونادت إلى عدم التصويت لها بالإنتخابات للكنيست. فهي لم تساوم يوما على حبها لوطنها الصغير عبلين، ولوطنها الكبير فلسطين. ولما شعرت ورات بأن الغالبية من سكان الدولة العرب الفلسطينيين يدعمون ويصوتون للأحزاب الصهيونية، تركت البلاد في سنوات السبعين من القرن الماضي (العشرون) وتوجهت إلى ساحل العاج، حيث كان يقيم أخوها البكر جورج هناك، وكان يعمل بالتجارة.

ثم انتقلت إلى عاصمة لبنان وهي مدينة بيروت، وسكنت بالقرب من بيت عائلة أخيها جورج، وكانت تزوره بين الفينة والأخرى، وكان يدور الحديث بين الست فكتوريا وأخيها جورج حول أمور أحداث الساعة، وأمور سياسية أخرى وثقافية.

وفي أثناء اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في اواسط سنوات السبعين من القرن الماضي (العشرون) لم تحبس حالها وتلتزم بيتها، بل شعرت بأن عليها كإبنة للشعب العربي الكبير، ولشعبها الفلسطيني أن تمد يد العون لأطفاله، فتركت العاصمة اللبنانية بيروت، وانتقلت للعيش في مدينة بعلبك، ومن هناك كانت تتنقل بين القرى المجاورة لمدينة بعلبك، وتقوم بتعليم ابنائها كي لا يخسروا الكثير من مواد التعليم الأساسية بسبب الحرب الاهلية، التي ذهب ضحيتها الآلاف من مواطني لبنان.

بقيت تعمل بهذا العمل التطوعي، والنابع من الإنتماء الوطني حتى أعادت الأمانة لباريها السماوي في سنوات الثمانين من القرن الماضي (العشرون) رحمها الله آمين.

(عبلين)




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت