X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
13/08/2021 - 11:45:42 am
رقة مفرطة قصة: ناجي ظاهر

رقة مفرطة

قصة: ناجي ظاهر

استدعاه مدير عمله طالبًا منه ان يتبعه إلى غرفة الاجتماعات في المكتب. احس بنغمة مختلفة في صوته. دخل الغرفة وراء مديره وهو يتمتم يا ساتر.. الله يجيب العواقب سليمة في نهاية هذا اليوم المُرّ. اتخذ المدير مجلسه وطلب منه ان يجلس قبالته. كبر التخوف في قلبه.. ترى لماذا هو دعاني وماذا سيقول لي. اللحظة تحوّلت الى دهر من الانتظار. كان يعرف في قرارة نفسه ان ما سيحدث لن يكون سهلًا. اتخذ مجلسه قبالة مديره. كان ينتظر بترقب ورهبة. قل يا مديري. قل.. قل بسرعة لا تتركني انتظر طويلًا في نهاية هذا اليوم الصعب وهذه العمر المتقدمة من الخوف والرعب. قل فانا مهجّر ابن مهجّر. لا اتوقّع ما يسرّ.. بقدر ما اتوقع ما يقهر ويضرّ.

يرسل المدير نظرة حائرة باتجاهه. يبدو كمن يريد ان يقول شيئًا مفزعًا. يستسلم بانتظار ان يستمع إلى ما يقوله له الهرم المرعب الجالس قبالته. مديره في جيل ابنه. اما هنا فانه اشبه ما يكون بالابن امام والده المتجبّر.

يشرع المدير في المقدمات المُملة. انت تعرف اننا نحبك. واننا نتشرّف بوجودك بيننا. انت كاتب معروف ولك مكانتُك الخاصة في المجتمع وفي مكتبنا. يتحرّك في مقعده. هو يعرف ان هناك عاصفة مُقبلة تقترب منه. لقد عهد هبوب العواصف القواصف اكثر من مرة في حياته العملية، فقد اعتاد على مثل هذه اللحظة فيما لا يقل عن عشرة مكاتب عمل فيها خلال اكثر من اربعين عامًا.ماضية

يرسل ابتسامة رجاء باتجاه مديره. يناجي نفسه لا تقلها يا مديري لا تقلها يا حبيبي.. لا تقلها. فقد عملت معك وإلى جانبك خلال ما لا يقل عن خمسة اعوام بمحبة واخلاص.

يرسل المدير نظرة شبه حائرة عبر الشباك المنفتح على الفضاء المرتبك.. لقد عملت طوال السنوات الخمس الماضية بإخلاص وتفانٍ. انا شخصيًا تشرّفت بانك عملت معي وإلى جانبي. انت انسان نادر. تشرف مكتبنا بك وبشخصك المعطاء الكريم السخي.

يشعر بالخطر الداهم يحيط به من كل مكان. لقد بات واضحًا انه على حافة انتهاء فترة عمل جديدة وانه سيقذف به بعد فترة قصيرة إلى مسرح البطالة. ما اصعب هذا هو اعتاد على الزملاء بل على مديره العصبي ذاته. اعتاد على فنجان النس في الصباح. وعلى ابتسامات زملائه في العمل. اعتاد على تقديرهم له ولعمله. هو الكاتب الموظف المخلص الذي لا يدخر لا طاقة ولا جهدًا في خدمة مكان عمله.

ترى هل دنت لحظة النهاية؟

لم ينتظر طويلًا. مديره كان خجلًا منه لهذا لم يتمكن من قذف جوهرته المعتمة في عينه. اما هو كان يتفرّس في وجهه العصبي الطفولي. كان بانتظار لحظة الحكم بالإعدام جالسًا امامه ينتظر ما سيقوله له.. مثل التلميذ الشاطر..

المدير يلف ويدور وهو ينتظر في دوامة المه. الكلمات تختلط تتداخل تقترب وتبتعد في آن واحد. المدير يجد صعوبة في نطق كلماته وهو، الكاتب الكبير، الموظف الصغير، ينتظر لحظة الحكم.

يفهم في النهاية ان اصحاب مكتبه مدير المدير واخت الاثنين المدير ومديره اجتمعوا معًا وتداولوا في امر مكتبهم واكتشفوا ان ديسك الاخبار الادبية الذي يعمل فيه يكلفهم كثيرًا اكثر مما يدخله إلى خزينة مكتبهم. لهذا قرروا الاستغناء عن خدماته. لكن ليس عنه. لانهم وضعوا في حسابهم ان يفكروا في اعادته إلى مكتبهم للعمل ولتشريفه بوجوده فيه. في أي لحظة سانحة. معتبرين انه احق من غيره في حال احتاجوا إلى موظف يملأ مكانه.

يغادر غرفة الاجتماعات تاركًا مديره وراءه. وكلماته ترن في رأسه. هو لا يتذكرها بالحرف. وانما بالمعنى. بعد قرابة الشهر من اليوم تنتهي فترة عملك عندنا. امامك شهر كامل لتتدبر امورك. هذه هي المدة الانذارية القانونية التي تحق لك. ارجو ان تكون هذه الفترة هينة لينة علينا.. وعليك ايضًا.

يعود إلى مكتبه جارًا رجليه تائهًا مكسورًا. ترى ماذا سيفعل في هذه السن المتقدمة؟ كيف سيعيش وكيف سيواصل حياته. وهناك زوجة طردته من بيته وفرضت عليه ان يقدم اليها تعويضًا شهريًا؟ من أين سيأتي لها بالمبلغ المطلوب في اول كل شهر. بـ "المشكنتا" التي فرضتها عليه تلك الزوجة ورضي بدفعها راضيًا او مكرهًا؟ مؤكد انه سيجد الوقت المنشود لكتابة ما اراد كتابته طوال ايام حياته الماضية. الا انه سيجد نفسه امام مشكلة تلك المشكنتا التي لا تهتني.. الا بانتهاء العمر.

تلمع في عينيه دمعة يحاول اخفاءها عن الزملاء وعن شياطين الالم المحيطة به. يتخذ مجلسه قبالة كومبيوتره. كيف سيتمكن من مواصلة عمله في هكذا اجواء؟ تمر لحظات وئدة ثقيلة. يرسل نظرة باتجاه زملائه في المكتب. يرى نفسه في عيونهم تسري في جسده قوة ضعيفة ما تلبث ان تشتد وتصلب رويدًا رويدًا.. انهم يحبونه بالضبط مثلما هو يحبهم.. يشعر ان تلك القوة المفاجأة الوافدة، تدفعه الى التشبث بالمكان والوجود. زملاؤه لا يعرفون حتى الآن ما قاله له مديرُهُ في غرفة الاستقبال.. ليتصرف اذًا وكأن شيئًا لم يحدث.. ويشرع في العمل بالضبط كما فعل خلال سنواته الماضية... لقد قرر الآن.. الآن وليس غدًا ان يؤدي عمله في الفترة القانونية المتبقية له بالضبط كما اداها في السنوات الماضية الفارطة، وليكن بعدها ما يكون، فهو في النهاية والبداية ايضًا.. يعمل لنفسه وليس للعالم القاسي.. غليظ القلب..




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت