X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أخبار عبلين
اضف تعقيب
07/03/2013 - 09:22:00 pm
لذكرى رفيقنا يعقوب وديع سمرة (أبو منير) من عبلين

يا شعوب الشرق هذا وقت ردع الغاصبين"

بقلم يوسف حيدر

عبلين

الراحل أبو منير بين رفاقه

*قصة تكاد تشبه الخيال تعود الى الاربعينيات في فترة الحرب الكونية العظمى الثانية، عاش بعض معاركها راويا لأهوالها وآلامها ومعانيها ومآسيها*

  • حكايته " السندبادية" الجميلة التي كان يهوى سردها بلغته العامية للاجيال واحيانا للاجانب وباللغة الانجليزية "الانجليزية" لغة العجوز بريطانيا،حكاية تنسج عذابات المرحوم أبو منير والتي دفعته بعد عودته الى وطنه الانضمام لصفوف الحزب الذي قهر رفاقه الشيوعيون البعيدون النازية التي حاربها متطوعا، عذابات امتدت احداثها من فلسطين الى مصر الى ليبيا ومنها الى اليونان وسط القصف والموت والمخاطر
  • كيف نعطي الشكل والمضمون لحزب كانوا رفاقه "رفاق معاندون صغار" حولوه الى بوصلة هادية لجمهور العمال والفلاحين، ولمنارة بقاء... صنعوا شعبا من حطام النكبة ووطنا جديدا ملؤه الحياة والامل والمستقبل والاغاني والاشعار الثورية.


لم يولد سنة 1922 وفي فمه ملعقة من ذهب.. تمرمغ كغيره من المولودين في فلسطين بتراب ارضها الغالي حتى غدا جزءا من رائحة جسده، ولون وجهه الاسمر شبيها بلون التراب الذي بقي يحن اليه حتى رمقه الاخير، وحين زرت بيته بعد رحيله وخاصة بعد ذكرى الاربعين لرحيله، اردت ان انبش بمرافقة ابنه منير بقايا اوراقه واشيائه المنسية في خزائن البيت، وجدنا تاريخا مسجلا ولو بشكل جزئي غير متكامل بدأ المرحوم في كتابته وسرده وتوثيقه من سنة 1999 في دفتر سميك بجلدة مقوية، كقوة وصلابة تاريخه الناصع الذي قضاه في صفوف الحزب الشيوعي في بلادنا.
لقد اهتم بسرده ان يبدأ بوصف قرية عبلين في سنوات الثلاثين، وحالة فلسطين وتاريخ عائلة سمرة الملقّبة بدار " الحيحي" حيث طغى الاسم واللقب سنوات طويلة على الاسم الحقيقي.. وواصفا حياة الناس واغلبهم من الفلاحين وما شدني لبعض ما كتبه ونحن في شهر المرأة كما في النص "واريد ان اعلم الاجيال القادمة عن بلدنا عبلين بالنسبة الى المرأة كانت مثلها مثل الرجل في الشغل في جميع مجالات الحياة وكانت نساء عبلين مشهورات بالاشغال الشاقة كالحصاد وغيرها حتى في حراثة الارض وزرعها.. وكان يوجد مثل في القرى المجاورة مثل شفاعمرو وطمرة وكفرمندا يقولون عمرك ما تجوز بنتك في عبلين وتبيع حمارتك الى اهل صفورية لان اهل صفورية يملكون اضعاف الاراضي التي يملكها اهل عبلين ينقلون جميع الغلال من حقولهم على الحمير بدل الجمال".
وحكايته " السندبادية" الجميلة التي كان يهوى سردها بلغته العامية للاجيال واحيانا للاجانب وباللغة الانجليزية "الانجليزية" لغة العجوز بريطانيا،حكاية تنسج عذابات المرحوم أبو منير والتي دفعته بعد عودته الى وطنه الانضمام لصفوف الحزب الذي قهر رفاقه الشيوعيون البعيدون النازية التي حاربها متطوعا، عذابات امتدت احداثها من فلسطين الى مصر الى ليبيا ومنها الى اليونان وسط القصف والموت والمخاطر. قصة تكاد تشبه الخيال تعود الى الاربعينيات في فترة الحرب الكونية العظمى الثانية، عائشا بعض معاركها راويا لاهوالها وآلامها ومعانيها مآسيها وهذه لم يصل في مذكراته الى تدوينها بل سردها لمراسل وصحافي في جريدة "كل العرب" حينها الاخ زيدان خلايلة سنة 2002 .

  • *من معسكر الى آخر*

"كنت فتى واردت ان اخرج الى العالم واعمل واتعرف.. لم اتجاوز السادسة عشرة من عمري اهلي عاشوا في قرية عبلين، وغادرت كغيري من الشبان للعمل في مدينة حيفا.. والسكن فيها.. وعملت في مصبغة للغسيل تابعة للاقطاعي الشهير الصيقلي، الذي كان حينها متعهدا للجيش والشرطة، ويقدم لهم خدمات في مصبغته، وكانت مصبغته في بداية شارع يافا، وكنا ننام في المصبغة.. وفي احد الايام سمعت عن منشور انجليزي يدعو الشبان العرب الى التطوع للجيش فذهبت الى مركز التطوع الا انهم رفضوني لانني لم ابلغ الثامنة عشرة ولم يكن امامي سوى العودة الى قريتي في عبلين.. حيث توجهت الى المختار عزيز اندراوس من دار الحاج وكان ذكيا وقديرا ونظره خفيفا ايضا طالبا منه تكبير عمري ليصبح جيلي 20 عاما.. وبعدها ذهبت الى معسكرات التجنيد وتم ضمي الى فرقة من العرب قوامها 350 متطوعا ومعظمهم من الشبان العاطلين عن العمل، او محبي المغامرات او الاتكاليين، وتم استيعابنا في معسكر صرفند الخراب بالقرب من يافا، وهناك لبست البزة العسكرية وبدأت التدرب بتدريبات عسكرية متنوعة منها استعمال السلاح. بعد 4 شهور نقلونا الى مصر بالقطار من يافا الى القنطرة ومن هناك الى العريش الى مرسى مطروح وسيلي براني ومن هناك تم نقلنا بسفينة تدعى فوزية على اسم فوزية اخت الملك فاروق، الى "السلوم" على الحدود المصرية الليبية في منطقة صحراوية قاحلة، وكان الى جانبها مطار عسكري يسمى "مطار العظم" اما نحن فقد قاموا بتقسيمنا الى سكاشن سكاشن (اقسام اقسام ) وقد تعرض هذا المعسكر والمطار القريب منه الى غارات عنيفة من قبل الطائرات الالمانية، وفي احدى الغارات الليلية نجحوا في تفجير وضرب جميع المنشآت وخاصة صهاريج البنزين وتحولت مدرجات المطار الى شعلة من نار ووصل دوي المتفجرات الى مسافات بعيدة، وتم تدمير المعسكر والمطار تدميرا شاملا، ومن طرائف الامور ان احد الجنود العرب وجد نائما في غرفته ولم يستفق على صوت دوي انفجارات القنابل الهائل وتدمير المعسكر ومنشآته تدميرا كاملا، ولم نصدق انه بقي يغط في سبات عميق رغم كل ما حصل وهو بدوره لم يصدق ما رويناه له حتى افاق ورأى التدمير بعينه. واذكر ايضا ان ضابطا عربيا برتبة شاويش اصله من اريحا كان يعتز بنفسه وقوته ومشهور جدا بضربات عصاه ومنكوشه عندما كنا نحفر الخنادق والاستحكامات، وغداة الهجوم الالماني بالطائرات، وجدنا قنبلة ضخمة سقطت في احد الخنادق ولم تنفجر ولم يشأ احد ان يقترب منها او ينقلها لضخامتها، ما عدا هذا الشاويش العربي، فما كان منه الا ان قفز الى الخندق وكان فيه حوالي عشرين جنديا وقال بصوت عال: اتركوها لي.. وانحنى ورفعها بين يديه وحاول ان يضعها على كتفه ولكنها كانت ثقيلة ولم يستطع السيطرة عليها فسقطت على الارض وانفجرت وفجرت ما حولها ولم نعثر للشاويش الريحاوي على اثر.. مزقته القنبلة الى قطع صغيرة تناثرت في كل مكان مع 24 جثة اخرى...ويقع في الاسر ويعيش اشهرا طويلة متنقلا بين بلد اوروبي وآخر ومن معسكر الى آخر حتى يشاء القدر ان يعود حيا يرزق الى وطنه وبلده وهو يعاني من كابوس الحرب ومن جراحها التي بقيت تذكّره بما جرى له وتجعله يحاسب الدول التي كانت متورطة فيها وتحديدا بريطانيا والمانيا ويطالبهما بالتعويض".

  • *"لقد اصبت بشظية.."*

وكثيرا وهو في معمعان المعارك خطرت له فكرة الهروب كان يقول " كثيرا ما فكرت بالامر وطالما جلست وحدي انظر الى السماء والى فراغ الصحراء الهائل واتساءل.. ما الذي دفعني اصلا الى ارتكاب مثل هذه الحماقة، حتى وصلت الى هذه الارض المقطوعة وحتى ازج بنفسي في معارك لا يعنيني فيها شيء، وعندما كنت اثق باحد زملائي من بلادنا واشركه في تفكيري كان يصاب بالهلع وينصحني بعدم الهرب لانني حتما ساموت اما من الانجليز او من قطّاع الطرق او من الجوع والعطش، كنا نشعر اننا في آخر الدنيا وانه لا مجال للتراجع او العودة الى الوراء كان علينا ان نتقدم ونتقدم ونحن ندرك ان الموت ينتظرنا ويترصد بنا في كل زاوية " وامضي قائلا "بعد تدمير المعسكر نقلنا الى مدينة طبرق فوجدناها مهدمة تماما لا يوجد فيها بيت لم ينج من القصف والتدمير ومنها تم نقلنا بالسفينة ليلا الى جهة لم نكن نعلمها، ولكن عندما طلع الفجر ونظرنا حولنا ذهلنا من حجم القوة البحرية التي كانت معنا ومن عدد الفرقاطات الانجليزية التي كانت تحمي القوات المنقولة، وكانت تخشى هجوما المانيا مباغتا، وعلمنا ان وجهتها نحو سواحل اليونان، وبعد مسيرة ساعات طويلة وصلنا الى اليونان، كنا حوالي 40 الف عنصر خليط من آلاف المتطوعين من عرب وافارقة وهنود واستراليين وضباط انجليز، كنا قوة متقدمة نزلت على سواحل بلاد اليونان لمواجهة القوات الالمانية التي غزت هذه البلاد، واستعملنا الانجليز كلقمة مدفع، واذكر اننا وصلنا ميناء صغيرا في بلدة صغيرة تدعى كلماطا، وعندما كنا نقوم بالنزول وافراغ السفن واذا بطائرات المانية تهاجم الميناء والبلدة ويا لها من ساعة هول وخوف وفوضى. تفجرت السفن والبواخر بمن بقي على متنها، وضربوا بيوت القرية وهدموا الكنيسة على من فيها كما ضربوا افراد الصليب الاحمر واغرقوا باخرة تابعة لهم" وبقي مشهد الممرضات اللواتي اصبن من جراء القصف الميتات العائمات على وجه الماء ماثلا الى آخر ايامه دائما في مخيلته الخصبة.. "وكان القتلى والجرحى في كل مكان، ونجح الآلاف في الفرار الى البساتين المجاورة للاختباء بها بينما استمرت عمليات القصف المكثف للبساتين ايضا، وفجأة احسست وكأن نارا نفذت في فخذي، سقطت ارضا ووضعت يدي على مكان الالم واذا بالدماء تتفجر بغزارة، لقد اصبت بشظية في فخذي، اخذت اصرخ واستنجد، وتم نقلي من قبل بعض الجنود الى مركز اسعاف الصليب الاحمر، وكان ممتلئا بعشرات الجرحى والمصابين بعضهم كان في حالة الخطر، ورأيت ايادي وأرجلا واعضاء مبتورة، وهناك اعطوني ابرة مخدرة فنمت اكثر من 24 ساعة وتم اجراء عملية جراحية لاخراج الشظية من فخذي".

  • *روحه صافية كالبلور*

وما هذا الذي نسميه تاريخ.. وبداية عظيمة.. ايصنعها الرجال في صدفة الحدث.. ام تتناولها الايام متلهفة على اقتناص ذروتها وطفرتها المتحولة، اهو التاريخ يمنحنا الحصانة من الكمال والرعاية.. ويتركنا للحياة ضعفاء حالمين نائمين على سرير عنكبوت.. ونبقى نعتقد.. بل نقتنع.. وحتى نؤمن ان الامل الوحيد في التغيير، يكمن في عامة الناس وبسطائهم، صحيح يعترينا اليأس احيانا حتى منهم. فعامة الناس لا يتذكرون الا اتفه الاشياء، كالمشاجرة مع جار او حادثة سرقة، وهم ينسون اهم الاشياء، انهم عادة كالنملة التي تستطيع رؤية الاجسام الصغيرة ولا ترى اكبرها. ولم اصب باليأس انا الذي اكتب عن اناس رحلوا عظماء في بساطتهم رعيل اول في كتيبة النضال بفطرتهم عرفوا ان من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي، فامتشقوا من وعيهم الفطري قدرتهم في استمرار الحلم بالتغيير وتحقيق الخلاص. وصحيح ان الرعيل الاول بعد النكبة قد "بلعوا" كل شيء، ولم يحن هاماتهم القمع وظلم الحاكم الجديد وغطرسته وبقوا متمسكين فوق ارضهم فلسطين بما تبقى لهم من وطن وارادة وامل، ينشدون الاغاني القديمة، ويحبون الحياة رغما عن الحياة وضيقها، تكاثروا بغزارة كسلاح سري في غرفهم الضيقة، ولم يثرثروا كثيرا فوق مآسيهم المتكررة وغصتهم، في ضياع الاحباب والاوطان وبلعوا اسرائيل ولم يلحقهم الضرر من وراء ذلك، ويغيرهم، وكأنها حبة القمح التي تمر بجسم العصفور وتخرج منه دون ان يهضمها. هذا التعاطف القوي مع صغار الناس والمستضعفين في الارض لم يفقده أبو منير طوال حياته، وحتى ان لم يعيه في سنواته الاولى كشاب يافع مندفع نحو التطوع كحل للهروب من انياب الازمة الاقتصادية حينها او نتيجة الفقر او الفراغ والضياع الاجتماعي المقيت وقتذاك، واشتراكه في الحرب متطوعا لم يفقده الامل في ان يقف طول حياته في صف العمال، حالما "ومؤمنا" ان حل مشكلة الفقر وبعدها حل مشكلة فلسطين لن يأتي الا عن طريق الحل الذي يطرحه الحزب الشيوعي الاممي العربي اليهودي في المعطيات المتوفرة حتى الآن.
كانت روحه صافية كالبلور...
وبقيت مشعة كالنور...
فهؤلاء الرجال من الرفاق " البسطاء"
اقوياء العزيمة لم تهزهم الهزيمة، ولم يتعبهم الاحباط أمام العربدات الصهيونية المتكررة، والانتصارات المزعومة، بقوا متمسكين بخيط النور في ظلمة الارادة العربية المكسورة مقتنعين بكذب الوعود من الاخوة ومحطاطين من انياب الامبريالية الجديدة، لم يكونوا بحاجة الى الوعي الماركسي اللينيني بل بالفطرة كانوا اذكياء وفي قرارة انفسهم آمنوا ان "لا يحك جلدك الا ظفرك"، في تغيير احوالهم... فلاحون وعمال بسطاء عظماء صغار... مبكرا استوعبوا مهمتهم الديمقراطية في النضال لتغيير حالهم الى احسن حال واهدأ بال...ولكن يبقى السؤال الاهم... نحن الرفاق مكملوا الدرب...
كيف نعطي الشكل والمضمون لحزب كانوا رفاقه "رفاق معاندون صغار" حولوه الى بوصلة هادية لجمهور العمال والفلاحين، ولمنارة بقاء... صنعوا شعبا من حطام النكبة ووطنا جديدا ملؤه الحياة والامل والمستقبل والاغاني والاشعار الثورية.
فيا أيها الحزب الذي لا يزال يعاند؟
سميتك الشيء.. وقلت امتلكتك... لكنك الآن تنفر، واسمك ينفر.. ماذا اسميك؟
اغيرت نورك.. ام انك لست نفسك.. أأنا انت ؟ تجوس عروقي تلتهم كلماتي.. مهلا..
ضوءك ما زال يسطع...
أين نحن..
كيف أسميك..
كيف أعطيك شكلا..

أيها الرفيق.. 




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت