X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أخبار عبلين
اضف تعقيب
12/04/2013 - 06:17:23 pm
زيتونة من كرم عبلّين ! بقلم : سمير فوزي حاجّ
في ذكرى رحيل طيّب الذكر المربّي الأستاذ هاني زهران

ما زلنا تلامذة صغاراّ أمام هؤلاء الكبار.  كلّما كبرنا كبروا في عيوننا أكثر وأكثر.

ما هذا السرّ العميق !

هل لأنّهم كانوا رسل علم وحملة رسالة ربانيّة في زمن قلّ فيه المعلّمون !

أم لأنّ التلميذ كان يحترم  الزيّ الذي يتسربله ،   فيحترم هو وأهله  المعلّم الرسولا !

ما زالت صيحاتهم الصادقة تستريح في إكسير الذاكرة،  تصحو كلّما رحل علم من هؤلاء  الرّسل.

في مدرسة رابضة بين كروم زيتون روميّ ، بأرض منثورة بصخور بيضاء،تطلّ

 عليها أحراج تغرّد بين أغصانها طيور الصّباح.  وفي غرف متواضعة ،تعلّم فيها الأجداد والآباء  والأبناء والأحفاد ، كان موعدنا كلّ صباح .

نصطف  زرافات زرافات بصفوف مستقيمة، و"كلمة الصباح" المنثالة من

 الصوت الجهوريّ لمدير المدرسة، الأستاذ عبده سليم  طيّب الله ثراه  ،تمزّق الآذان، والصمت يرون ثمّ يرون.لا أجد يجرؤ على النبس ببنت شفة،

أو النّظر خارج السّرب .

 

كان المعلمون يتأبطون كتبهم و يقفون على جانبي المدير ،الذي يخطب وهو يقف على عتبة عالية ،والكلّ آذان صاغية.

 

كانت كلمة الصّباح توجيهية عابقة بعطر أمهات الكتب والروائع  ،مثل

" الأغاني " و " أدب وطرب في مجالس العرب" و "  ديوان

المتنبي".

 لقد كانت ،بمثابة وجبة صباحية خفيفة لها رائحة ونكهة أصيلة و مميّزة

 تبعث الصحوة في نهار طويل طويل، وتؤدي رسالة تربوية  حضاريّة .

أحبب بأيام المدرسة وأعذب !

في هذا الطاقم الجميل،كان الأستاذ هاني قبطان صف ، وكان له حضوره

المميّز ، يدخل الصّف  والطبشورة تتقرفص في يده اليمنى. في البدء يخطّ

 في الجانب الأيمن من اللوح وبشكل عموديّ مستقيماّ تعجز المسطرة

الحديثة عن تسطيره.ثمّ يكتب اليوم والتأريخ،بخط أنيق  ومنظّم. يقرأ

 أسماء الحضور من دفتر،لا يفارق الطاولة مدّة الدّوام، ويبدأ الدرس ،اللغة

العربية أو الحساب بفحص وتمحيص  الفروض ،وبعدها تبدأ "القراءة "،ومن

لا يجيد القراءة الصحيحة ،نبرة وتشكيلاّ ،ينال قسطه من التوبيخ والتأنيب

،والعقاب بنسخ الدّرس مرّتين أو ثلاثاّ،في دفتر خاصّ  يسمّى " دفتر

نسخ".

طيّب الله النّسخ وسقى ثراه ! ما زلت أذكر حادثة،قمت فيها بنسخ الفرض

المدرسيّ،على دفتر الإملاء بدل دفتر النسخ، وكان أن  طرّز لي بخط كبير

وجميل وباللون الأحمر "أين دفتر النّسخ ؟ "

واستدعاني للاستجواب والتحقيق.

ما زالت هذه الجملة تتراءى أمامي كلّما أقرأ كلمة نسخ.

لقد "ضاع"النّسخ يا أستاذي،في يومنا هذا،بعد أن "ضاء" وأضاء لغتنا في

عهدكم المضيء ، كما تغيّر معنى الكلمة في القواميس المعاصرة ،وأصبحت تعني في زمننا-  زمن العولمة "نسخ" الامتحانات والوظائف  والرّسائل الجامعيّة.

لم نعرف فائدة "النسخ"  بالمعنى الكلاسيكيّ ودوره في تعلّم

اللغة، والإملاء والترقيم الصحيح وسلاسة الأسلوب،إلا حين كبرنا على

تعاليمكم ووصاياكم الصّعبة والرائعة.

كنّا صغاراّ يومها،لا نفهم ولا نحفظ كلّ ما تقولونه.

وحدث مرّة أن خطّ بطبشورته البيضاء  على اللوح الجملة التالية : "الولد

 مولع بالرياضة "،فقامت إحدى الطالبات بقراءتها ،الولد مولّع (بتشديد اللام

وكسرها في كلمة مولع)،فانبرى  يقول غاضبا ،و بصوت عال :" أحضروا

إطفائية "!!  لإخماد نيران الولد.   وانهارت  الوصايا تسقط مطرا في أذنيّ

الطالبة.

 

كان النّظام دينه وديدنه ، ومن يخلّ به مثل من يعبر إشارة ضوئية

 حمراء في عالم السياقة،وكان جديّا  ودقيقاّ حتى النّخاع، خاصّة في حصّة

"الإملاء " و "المحفوظات "، لا حلول وسط في قاموسه .فغضبه صادق

وقاس،لأنّه كان غيّوراّ على تدريس الطالب أسس الإملاء الصّحيح ،

والإلقاء السّليم.

ما زال صوته المدرسيّ يجلجل في آذاننا ، وإن كانت "حصّة الإملاء" و

"حصّة المحفوظات" ،وفق المنهاج أو المناهج الجديدة،قد هاجرت إلى

كوكب آخر ، وحلّت محلّها ثقافة الفيس بوك  والتويتر والحاسوب، فلا حاجة

للإملاء،أو المحفوظات،أو النسخ أو الخط  ، الكلّ "مطبوع" على أوراق

بيضاء،غير مسطّرة، والخطّ معلّب وجاهز،ما عليك سوى الاختيار.

لم يبق من اللغة العربية ،بعد هجر النّسخ والإملاء وكتابة الخطّ  سوى

النّطق ، وقريبا يصنّف تلاميذنا  في خانة   "النّاطقين باللغة العربيّة ".

عذبة كانت الأيام بمعيّتكم أيّها الفرسان ! هيبتكم ما زالت تعيش في مخيّلتنا.

بكلّ حقّ وحقيق  يقال،كان الأستاذ هاني نبعاّ  دافقاّ ماءّ نميراّ،في الثقافة

والمعلومات والتواريخ  الدقيقة، ذاكرته خصبة وناضرة، ملآى بالتفاصيل

 والنتف والشذرات الشائقة، من يدخلها لا يطلب استراحة. حضوره بهيّ ،و

حديثه ذو شغف وتشويق،يسمّر السّامع ويسحره .

موسوعة متحرّكة  ما أحوجنا إليها في زمن غيّب الموسوعيين،واستبدل

الماء الزلال بماء  مصنّع ، والوردة الفوّاحة بأخرى اصطناعية.

ما زلنا  نردّد "كاد المعلّم أن يكون رسولاّ " هكذا كان ، قبل أن  نعيش زمناّ يقال فيه  :

لو جرّب التعليم شوقي ساعة        لقضى الحياة شقاوة وخمولا.

 

طيّب الله ذكراه !

 

ولنردّد ما كتب جبران خليل جبران في رحيل الكاتب  جرجي زيدان :

"لا تعطوا الرجل العظيم ! بل خذوا منه،  هكذا تكرّمونه !".







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت