X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أخبار عبلين
اضف تعقيب
17/04/2013 - 09:25:15 am
كَـمْ هـنِـئْـنـا بـوجـودكَ! حـنّـا نـور الـحـاجّ

(إلى الذاكرة العبلّينيّة المدهشة... إلى روح الأستاذ الغالي... خالي العزيز هاني نصري زهران، في ذكرى رحيله)

 

اعـتـراف!

أعترف أنّي أعرف الكثير عن بلدتي عبلّين من خلال الخال العزيز هاني. تلك الذاكرة التي حَباهُ بها الباري، التي اتّسمتْ بالدقّة المعجِبة، شَدّتْنا إليه وأثْرَتْنا. الكثير من الأحداث والأسماء والشخصيّات الخاصّة بعبلّين، أو المقترنة بعبلّين، بفضله هو كان لي أن أعرفها. تنضاف إلى هذا معلوماتٌ وطرائفُ ولَطائفُ عديدة سمعناها منه، وبقي غيرُ قليل منها في الذاكرة. حين تُجالِسُ امرَأً ظريفًا واسع الاطّلاع وذا ذاكرة صافية دقيقة، لا بدّ أن تجني منه فوائد وفوائد. برحيله رحل سور آخر عظيم من أسوار ذاكرتنا العبلّينيّة. أحسُّ بأشدّ المرارة كلّما تذكّرتُ أنّه لن يتسنّى لي، بعد اليوم، أن أحظى بمجالسة ينبوع الذاكرة الدُّفاق ذاك.

كم استمتعتُ بالتحدّث إلى هذا الرجل في شتّى الشؤون، من بينها الفنّ، ولا سيّما الغناء! يستغرب بعض مَن لم يعرفوه عن كثب حين أشيرُ أمامهم إلى سعة اطّلاعه على الغناء العربيّ. أمّا أنا، فمحظوظًا أعتبر نفسي، إذ تسنّى لي مرارًا أن أجالسه، أكثرها في منزله العامر خلال زياراتنا الكثيرة لنَجْلِه الغالي الطيّب الذكْر "حسام" (3/9/1965-19/8/2000).

 

رحـيـلٌ مـع الـراحـلـيـن

عوّدتْنا المرحومة أمّ توما، ابنة عمّتك، أمّي التي أحبّتك (بل أحبّتكم جميعًا) كما أحبّت أخاها، عوّدتنا منذ بداية طفولتنا أن نخاطبكم ونَذْكركم بألقاب الخُؤولة الموقِّرة المُعِزّة: "خالي مهنّا"؛ "خالي هاني"؛ "خالي نهاد"؛ "خالتي نصريّة"؛ "خالتي وداد"... ألله! كم كانت تُعِزّكم، وكم كانت تبتهج وتأتلق بالتقائها بأيّ منكم، بل بمجرّد أن يَرِدَ ذِكْركم على مسمع منها، أو بمجرّد أن تتذكّركم! لَكأنّ أمّي قد "أورثتْنا" هذه المحبّةَ وهذه المَعزّةَ. ولا أخفيك، أيّها الخال العزيز، أنّ الزمالة والصداقة والمودّة التي جمعتني بالحبيب "حسام" كانت -على ما أظنّ- عاملاً إضافيًّا من عوامل هذه المحبّة النادرة (ولا عجب؛ فلقد أحبّت جميع زملائي وأصدقائي محبّة لا حدود لها). أحبّت الغالي "حسام" من أعماقها، وأذكر كم كانت تصلّي لأجله وتدعو له بالشفاء. من لطف الأقدار بها أنّها رحلت قبله. سبقتْهُ في الرحيل بثلاثة أعوام. وشاءت المصادفات القَدَريّة أن يكون يومُ تشييع جثمان "حسام"، العشرون من آب (20/8/2000)، يومَ ذكرى ولادة "عمّته سعدى" (20/8/1936). على الدوام تدهشنا الأيّام بلعبة الأرقام، بتعانُق الدمع والابتسام!

وتشاء الأقدار أن يكون رحيلك بعد مرور ثمانية أشهر على رحيل رجلٍ أحبّك وأحببتَهُ أنت. في أكثر من وجه، تُذكِّرني أنتَ به، ويذكّرني هو بك. كلاكما، أنت وأبو توما (أبي الذي كمثلك يأبى الغيابَ رغم رحيله)، كلاكما مستقرّ في روحي. كان كمثلك صبرًا ولطفًا وتواضعًا وعطاءً. كان كمثلك ذاكرةً. كلاكما كان ذا إيمان عميق جميل مريح محبَّب محبِّب. كلاكما كان ذا إيمانٍ مُبْصِرٍ، مُبْصِرِ لا أعمى. كلاكما كان خادمًا لا ينتظر ثوابًا أرضيًّا. كلاكما كان إيمانه فعلاً وممارسة، اقتناعًا وقناعةً. رحيلكما خلال أقلّ من عام واحد أشاع في القلب أسًى قلّما سَكَنَني مِثلُه.

 

الـمـخْـلِـص الـمـعـطـاء

عطاؤك، خالي العزيز، عَزَّ نظيرُهُ. في مهنة العذاب والتعب (التدريس)، كان عطاؤك كإخلاصك، شديدَ الحضور. سعة اطّلاعك تَبدّتْ في تدريسك أكثر من موضوع واحد، جُدتَ وأجدتَ فيها جميعًا. في عملك، حماستك التدريسيّة والتزامك التامّ وجاهزيّتك الدائمة نَدَرَ مثيلها (يا ليتنا أوتينا بعضًا منها!). لسنا نعتب عليك لِما كان يبدو عليك أحيانًا من حِدّة وقسوة، خلال تدريسك لنا اللغة الإنجليزيّة، حين كنّا في مرحلتَي الصفّ الخامس والصفّ السادس (في العامين الدراسيَّيْن 1975/1976 – 1976/1977). لسنا نعتب؛ فقد كبرنا... كبرنا، وتَفهّمْنا كاملَ التفهُّم، وأدركنا تمامَ الإدراك أنْ لا عجب إذا احتدّ في بعض الأحيان المعلّمُ المخْلص حين تَستعِرُ غَيْرته على تلاميذه، وبخاصّة حين يعتريه إحساس بعدم النجاح في إيصال أو وصول المادّة التدريسيّة إلى بعض التلاميذ. ذاك الإحساس بعدم النجاح أو بمحدوديّة هذا النجاح (لا سيّما في العمل التدريسيّ) معذِّب موجِع، وإن لم يكن السببُ عائدًا إلى المخْلص نفسه. لم يعد خافيًا علينا أنّ المعلّم العارف الوفيّ لضميره ورسالته تضطرم غَيْرتُه على مَن ائتُمِنَ عليهم حين يراهم بعيدين عن الفهم، أو بعيدين عن النشاط والقيام بالواجبات. يريدهم فاهمين ناجحين متألّقين.

من حسن حظّنا أنّ الكثيرين ممّن علّمونا (وأنت من بينهم)، في مراحل مدرسيّة عديدة، كانوا في صباهم طلبةً نُجَباء. كانوا هُم النخبة المتفوّقة في التحصيل الدراسيّ. وكما تألّقوا تلامذةً، تألّقوا أساتذةً. لم يتّجهوا إلى مهنة التدريس لأنّهم عاجزون عن امتهان غيرها، بل لأنّهم وُلدوا ونشأوا في أيّام حالكة وظروف عصيبة، في بلاد لم تُتِح لأحلامهم أن تحلّق وتخضرّ وتزهر، بلادٍ ضَيّقتْ عليهم المجالات فما وجدوا سوى التدريس عملاً. هؤلاء الرجال المهمّون العِظام كانوا الأركان التي عليها يقوم البنيان ويُصنَع الإنسان. لهؤلاء الأعزّاء أفضال علينا لا تُنسى. لهؤلاء عظيم حبّنا وإجلالنا. لولاهم، لولا معرفتهم وثقافتهم، لولا إنسانيّتهم، لولا محبّتهم وإخلاصهم، لولا تضحياتهم... لَكُنّا ضحايا.

خالي العزيز، أستاذَنا الحبيب، يا مَن عملتَ وعلّمتَ وخدمتَ وأفدتَ وأفضتَ في الإخلاص والعطاء، يا من أدهشتْنا ذاكرتُك... نَذْكرك كلّما ذُكِر الخير والنبْل والصلاح والجود. سنَذْكرك ما دامت الحياة...

تباركت الحياة...

حـنّـا نـور الـحـاجّ




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت