X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
اخبار محلية
اضف تعقيب
06/04/2015 - 10:56:45 pm
ريتا عودة في ندوة اليوم السابع
ضمن التواصل بين كتاب القدس وإخوانهم كتاب الدّاخل الفلسطيني استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، الأديبة النّصراوية ريتا عودة، حيث ناقشت بحضورها كتابيها:
 "أنا جنونك" القصصية الصّادرة عام 2009، وتحوي المجموعة التي يحمل غلافها الأوّل لوحة لبيكاسو وتقع في 107 صفحات من الحجم المتوسط حوالي خمس وعشرين نصّا قصصيّا.
كما ناقشت ديوانها الشّعريّ: "سأحاولكِ مرّة أخرى" الصّادر عام 2008 عن بيت الشّعر الفلسطيني في رام الله، والذي يحمل غلافه الأوّل لوحة للفنّان رابي خان، وقدّم له الشّاعر محمّد حلمي الرّيشة.
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:
الأديبة ريتا عودة وهي تهدي شعرياتها التي حملت عنوان (سأحاولك مرة أخرى) إلى (اللغة التي كلما حاولتها باغتتني باحتمالاتها) إنما تعنون كتابها ليصل إلى المرسل إليه بوضوح عنوان بعيدا عن ضبابية الحيرة. اللغة هي المرسل إليه وهي تتشيّأ في دلالة على سلاح التغيير والتعبير المستخدم في معركة الحياة الجديدة التي تنادي بها الأديبة ريتا عودة.
إنها تعتني باللغة وتلاطفها وتفجّرها وتفاجئها وتعيد صياغة جملتها اللغوية بوعي وتقصّد لتبني معمارها على هواها تماما كما خططت له هندستها المسبقة وفق مشروعها الفني الخاص.
هذه أديبة تسير في حقل الأشواك لا تتسلّح بغير اللغة والعاطفة، وبهما معا تواصل سيرها لتومئ للآخرين المنتظرين بلغة القدوة لا التصريح: اتبعوني إن أردتم. سيروا على وقع خطاي في درب المحاولة والتجريب ولا تغرّنّكم المقاعد الجاهز ولا الغرف المؤثثّة فهي تصادر فراشات تجربتكم وتسلمكم إلى التقليد.
من هنا كانت الأديبة ريتا عودة تحاور الآخرين وتتناص معهم: شعراء وأنبياء وأساطير وحكايات خيالية لتعلي من مكانة المرأة الأنثى والمرأة المبدعة والمرأة الذكية التي تغلّبت على سادية شهريار.
يمكن للدارس الوقوف عند حدود لغة الأديبة ريتا عودة في معمارها الفني الذي شكّلته شعرياتها في كتاب (سأحاولك مرة أخرى). إنها لغة هادئة حينا، مراوغة حينا آخر، ذكية واثقة حينا ، متحدّية حينا. تبني جملتها المفيدة بصياغة مفاجئة لتدهش قارئها. سريعة الإيقاع ذات إيحاءات متطاولة شاسعة المساحة حينا، حزينة الوقع مجزّأة التشكيل حينا آخر.
اعتمدت الأديبة هنا على الأحرف المجزأة لتشكّل صورتها في عدد من المواقف لتعبّر عن الحالة الموصوفة فصار تشكيل الجملة زاوية حادة، وفراشة وشجرة وبحيرة ماء، وصار التشكيل اتجاهات مرور وإشارات اختلاف.
إنها ترسم لوحتها باللغة والتشكيل والمعنى، ولا تنتظر طويلا بل تسرع في التعبير القلق كأن الريح تحت قلمها تؤرجحه في فضاء اللغة والحياة.
وحول المجموعة القصصية"أنا جنونك" قال جوهر:
ريتا عودة في (أنا جنونك) تصرخ ليصل الصوت إلى غايته
تراوحت أساليب التعبير بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والقصة الفكرة والقصة الشخصية والقصة الموقف. لقد نقلت الكاتبة واقعا متشظّيا فيه البؤس والحرمان وفيه الظلم السياسي والضياع والحيرة والاغتراب، وفيه البحث عن الذات الشخصية والقومية بما أملته الحالة الانفعالية لحظة الكتابة بعيدا عن الاهتمام بأساليب التعبير المطروقة التي تحدد اندفاع الكاتبة في حدود الجنس الأدبي المتعارف عليها. إنها تواصل بحثها عن قالب يستوعب قضاياها وعن لغة تنقل معاناتها وتفجّرها الداخلي.
لقد أرادت الكاتبة في مجموعة (أنا جنونك)أن تصرخ ولم تلتفت للقالب الذي ستصب فيه صرختها لأن المهم لديها أن تصرخ. والكتابة عندها كما تعرّفها هي (فعل بقاء، وفعل ارتقاء. هي جنوني كما أنا جنونك) - صفحة 5 – لذا حاورت علامات الترقيم والذئب والآخر. وكل آخر هو مواز لها حتى يندغم في روحها ويسير معها في معادلة الحياة التي تؤسس لها.
في مجموعتها (أنا جنونك) تكتب ريتا عودة بوعي الفكرة والانتماء لها فجاءت نصوصها محمّلة برسائل وإيحاءات لتستفز الكامن المسكوت عنه في العلاقات البينية بين الإنسان وآخره.
 
 
 
وقال جميل السلحوت:
هذه هي المرّة الأولى التي أقرأ فيها قصصا لأديبتنا، وكانت مفاجئة لي كوني أعرف أن أديبتنا شاعرة، وتبيّن لي أنّها قاصّة ولها روايتان قصيرتان أيضا كما جاء على غلاف مجموعتها القصصيّة، وجهلي باصداراتها السّرديّة لا ينتقص من أدبها شيئا.
واعترافي هذا يأتي لصالحها طبعا، حيث أنّني من المعجبين بشعرها ولغتها –مع أنّني لا أعرفها شخصيّا- وهذا يعني أنّ شهادتي حول قدراتها الأدبيّة تأتي محايدة لا تأثيرات عليها، وإن كنت أعترف بأنّني لست ناقدا محترفا، وأزعم أنّني أقرأ الأدب وأتذوّقه، وأكتب انطباعاتي الشّخصية حول بعض قراءاتي. وطبعا ستكون لي قراءة لأحد دواوينها الشّعرية، مع تخصيصي هذه القراءة المتواضعة لمجموعتها القصصيّة"أنا جنونك."
 وقد لفت انتباهي في قراءتي لبعض نتاج أديبتنا هو ثروتها اللغويّة الواضحة، وارتكازها في نتاجها على جماليات الّلغة لتخدم مضامين نصوصها، فالّلغة الشّاعريّة واضحة في نثرها أيضا، ممّا يزيد نثرها جمالا على جمال...ونصوصها تشي بثقافتها الرّفيعة، ممّا يثبت بأنّها مطالعة ومطّلعة على الكثير من موروث ثقافتها العربيّة، وثقافات أخرى، ويبدو أنّ دراستها للغة الانجليزية قد أعطاها فسحة أخرى للمطالعة بهذه اللغة، وبالتّالي فإن التّزاوج الثّقافيّ عندها مع موهبتها الأدبيّة ينضح بالتميّز.
وممّا يلفت الانتباه في كتاباتها الأدبيّة أنّها تكتب وتبوح بلسان أنثويّ، أي أنها منحازة لبنات جنسها، وهذه نقطة أخرى لصالحها...وواضح لمن يقرأ نتاجها أنّها تكثر من استعمال البحر والسّمك في نصوصها، وسواء جاء ذلك بشكل مقصود أو عفويّ، فإن لذلك دلالاته الّلغويّة والمعنويّة أيضا...فالبحر عميق لا حدود له، والسّمك هو ابن البحر الذي يعيش في أحضانه أيضا.
وإذا عدنا إلى بعض نصوصها القصصيّة سنجد في بعضها انحيازا لقضايا شعبها وما يعانيه من اضطهاد وتمييز، ويظهر ذلك جليّا في قصّة"الفستان الأحمر" حيث جاء فيها: "بدأت أعبر الشّارع الفاصل كحدّ السّيف بين الحيّ العربيّ المهمل عبر سنوات الجفاف، والحيّ الآخر المزروع بالجنّة"ص9. والحديث عن حيفا طبعا، وهذه إشارة واضحة إلى التّمييز بين العرب واليهود في حيفا المدينة المختلطة، وبالتّالي فإنّ هناك من يقف حائلا بين خروجها من "الحيّ العربيّ المهمل، وبين دخولها للحيّ اليهوديّ"المزروع بالجّنة" تقول: (خطواتي متثاقلة كسلى، صرخ أحد السّائقين الذي كاد يدهسني بشاحنته الضّخمة، "عمياء...الضّوء أحمر.)ص9 وطبعا فإنّ عبور الطريق في الضّوء الأحمر ممنوع، والذي صرخ بها جنديّ طبعا. وهذا الجنديّ يذكّرها بممارسات جنود الاحتلال القمعيّة فماذا كانت ردّة فعلها؟ "بدأت تتراقص في ذاكرتي صور أجساد مبتورة، وبيوت مهدّمة، دموع، هلع، دم، صور تطالعنا بها النّشرات الاخباريّة كلّ يوم، بل كلّ ثانية"ص9. وهي تتعاطف مع أبناء الكادحين والمحرومين أيضا، فالسّاردة التي تتحدّث بلغة"الأنا" في وهي عاملة بسيطة فقيرة تعيل براتبها الذي لا يتجاوز الألفي شاقل أهلها وإخوتها الثمانية، كان في خاطرها أن ترتدي فستانا جميلا أحمر الّلون، رأته معروضا في واجهة إحدى المحلّات، فسألت البائعة عن ثمن الفستان(كم؟ همست ببرود " ألف")ص11 ورغم حاجتها الماسّة للألف شاقل إلا أنّها قرّرت شراء الفستان، فأخرجت ألف شاقل من حقيبتها؛ لتدفعها ثمنا للفستان، وكانت المفاجأة:" ابتسمت المرأة بإعياء ولم تتناول المبلغ، ابتسامتها الصّفراء شلّت حواسّي، بعثرت هدوئي، قالت: ألف دولار "تركتْها خائبة و"استدارت لتحيّي امرأة تلفّ جسدها بالفراء"ص12، إذا فالفقراء غير مرحّب بهم في هكذا محلّات.
وفي قصّة "وقد لا يأتي" ص48 تثير أديبتنا قضية غاية في الأهميّة، وهي منع الزّواج بين أتباع الدّيانت المختلفة، فقد صاح والد الفتاة بها:"تخطّطين أن تضعي رأسي في الطين؟" ص48، فردّت البنت التي كانت تنتظر المساعدة من والدتها:"كيف أضع رأسكم في الوحل وأنا أسعى لرباط مقدّس؟ "ص49 فعاجلها بالسّؤال:"هل فاتك أنّه من غير دينك؟"ص49 واجتمع وجهاء العائلة من مناطق مختلفة و"قرّروا أن يقوم أبي وابن عمّي بالمهمّة، ثمّ عاد كلّ إلى تجارته وخمّارته وبقيت وحدي"ص50، وعندما استلّ والدها السّكين وهجم عليها لذبحها:"أجفلتُ...انتفضت كقشّة في مهبّ الحقد...صرخت من قحف رأسي: يمّاااااا...صرخ بي أن أصمت صونا لكرامتي"ص51 وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة كانت تتساءل"متى ترقص الفراشات الحالمة حول قناديل العشّاق؟ متى؟ متى؟"ص51.
 أمّا بالنّسبة لديوانها"سأحاولكِ مرّة أخرى" فإنّ ريتا عودة تختزل الرّواية بقصيدة   فالدّيوان لافت من عنوانه، مع أنّ هذا العنوان هو عنوان قصيدة في الدّيوان، لكنّ الخطاب في القصيدة من أنثى لذكر "سأحاولكَ"على عكس عنوان الدّيوان فالخطاب من ذكر لأنثى! وبالتّأكيد فإنّ الشّاعرة لم تخطئ، بل قصدت هذا الاختلاف مع سبق الاصرار والتّرصد، فإذا كان الذّكر يحاول الأنثى، فالعكس صحيح أيضا، ومن حقّ القارئ أن يتساءل عن اختيار الشّاعرة خطاب الذّكر للأنثى في عنوان الدّيوان، بينما عكسته في الدّاخل. فهل أرادت أن تتساوق مع ثقافة شعبها وأمّتها التي تبيح للذّكر أن يتغزّل بالأنثى، ويبوح بعواطفه على رؤوس الأشهاد، بينما الأنثى تخفي عواطفها في دواخلها؟ فكلّ الاحتمالات قائمة، ومن حقّ القارئ أن يفهم النّص حسب ثقافته ووعيه، خصوصا أنّ الابداع بعد نشره يعتبر ملكا للمتلقّي. وهذا يقودنا إلى الاهداء الذي اختارته شاعرتنا، وهو:" إلى الّلغة الّتي كلّما حاولتها باغتتني باحتمالاتها"  وهذه يعني أنّ مفرداتنا الّلغويّة حمّالة أوجه...وبحر الّلغة هذا مفتوح أمام الجميع، فليغص به الجميع، والحاذق هو من يستطيع الفوز بلآلئه الأثمن والأغلى. وواضح أنّ شاعرتنا غوّاصة تجيد العوم والغطس في لجاج بحر الّلغة، وتعرف كيف تنتقي مفرداتها، وكأنّها ساحر يخرج من قبّعته ما يدهش متابعيه...وانتقاؤها لمفرداتها لا يعني أنّها تتصنّع الّلغة، فموهبتها الابداعيّة خصوصا في الشّعر - مع أنّها تكتب القصّة والرّواية- تجعل لغة أغنياتها الشعريّة انسيابيّة تغزو الأذن بسهولة، فتشعل ذائقة المتلقّي وتغذّيها بمعزوفات عذبة.
 وتقديم الشّاعر محمّد حلمي الرّيشة- الّذي يتغنّى هو الآخر بجماليّات الّلغة- للدّيوان، أضاءت جوانب عديدة حول الشّعر وشعريّة شاعرتنا، ولمعرفتي بقدرة الشّاعر الرّيشة، فإنّني لم أقرأها إلا بعد أن انتهيت من قراءة الدّيوان، ووضعت ملاحظاتي عليه، كي لا أقع تحت تأثير ما كتب. فوجدت تشابها كبيرا بين رأيي ورأيه، حتّى أنّني فكّرت بعدم الكتابة عن الدّيوان حتّى لا أكرّر شيئا ممّا كتب.
ومع ذلك فهناك في الدّيوان ما يستحقّ الانتباه والتّفكّر والكتابة، خصوصا وأنّ هناك قراءات وليس قراءة واحدة للابداع وخصوصا الشّعر، ففي قصيدتها "يحبّني بالثّلاثة" ص23، نلاحظ الدّهشة من العنوان، يقول بلزاك:"العدد ثلاثة علامة الخلق، وهو عدد يعجب الله" والعدد ثلاثة مقدّس عند السّاميّين، وكانت آلهة البابليّين العظيمة ثلاثة، واحدة للسّماء وواحدة للأرض وواحدة للمياه. والتّثليث معروف في الدّيانة المسيحيّة، فسرّ التّثليث يقول بثلاثة أقانيم في الذّات الإلهيّة:" أب، ابن وروح قدس" وينذر الرّاهب ثلاثة نذور"الفقر، العفّة والطّاعة" و"يرسم المسيحيّون الأرثوذكس إشارة الصّليب بثلاثة أصابع".
 والعدد ثلاثة عند المسلمين له دلالات كثيرة، فعلى سبيل المثال تفسير قوله تعالى: "وبالآخرة هم موقنون"، قسّموا اليقين إلى ثلاثة:" يقين عيان، يقين خبر ويقين دلالة" والأمثلة كثيرة.
والعدد ثلاثة عند العبرانيّين يدلّ على التّشديد والالحاح.
وعودة إلى قصيدة شاعرتنا" يحبّني بالثّلاثة" فالحبّ بين الرّجل والمرأة فيه تملّك وتفرّد، لذا فإنّ المحبّ يؤكّد بالثّلاثة" أحبّكِ...أحبّكِ أحبّكِ" وهي لازمة كلّ مقطع في القصيدة. تماما مثلما تبدأ كلّ مقطع بتساؤلها التقريريّ "من سِواكَ؟" ونلاحظ أنّ الشّاعرة كثيرا ما تلجأ إلى مخزونها الثّقافي للتّعبير عن ذاتها في قصائدها،  ولنلاحظ كيف لجأت إلى المأثور الدّينيّ في الثّالوث المقدّس وكيف سحبته على العشق فتقول:
"فشرَعَ يشدو بأصوات أسراب من الطّيور، ثالوث العشق المقدّس: أحبّكِ...أحبّكِ...أحبّكِ" ص23. وتضيف متسائلة:
"من سِواكَ؟
أطعمني القمح حبّة حبّة"ص24
وهذا يذكّرنا بالموروث الشّعبيّ" طعميني حبّة حبّة زيّ العصفور" وهنا إشارة أنّ الحبّ لا يقع دفعة واحدة، أو من أوّل نظرة كما يقولون، بل هو أوقعها بالحبّ بتؤدة وأناة، تماما مثلما يطعم الطّائر صغيره،  وبعدها وضعها في عيونه
"وحين سوّرتني العيون بالمحبّة" ص 24
فماذا فعل ليتأكّد أنّها تبادله حبّا بحبّ؟
"أخضع دمي لفحصٍ مخبريّ عاجلٍ، فجاء بنبأ
"الإنيميا الحادّة"، وسارع بضخّ كريات العشق
للجسد الماثل للذّهول"ص24
ونلاحظ هنا كيف استعارت العلوم الطّبّيّة وجيّرتها للحبّ، المختبر، والاينيميا التي تعني فقر الدّم" وعلاجه تزويد المريض بالدّم لرفع نسبة الهيموغلبين فيه، لكنّ صاحبتنا تعاني من فقر في العشق، أي أنّ قلبها لا يخفق حبّا لأحد، فكيف أخرجها من هذا الفقر؟ والجواب قوله لها:
أحبّكِ...أحبّكِ...أحبّكِ"ص24.
وبعدها تتساءل مستذكرة  كيف وقعت في شباك حبّه، فتستعير تصرّفات عالم الأسود، حيث أنّ الّلبؤة هي التي تصطاد فرائسها، لكنّ هذه الّلبؤة الإنسانة هادنت استئسادها عندما سمعت كلمة أحبّكِ" ثلاثا.
وتتابع تساؤلاتها لتذكّره بأنّه هو من أوقعها في شباك حبّه، مستعيرة حكاية قيس بن الملوّح الّذي جُنّ بحبّ ليلى.
وماذا كانت ثمرة هذا الحبّ، لذا فهي ترى شريكها الرّجل بأنّه الوحيد على الأرض، فتتساءل سؤال العارف فتقول:" من سّوّاكَ
أبدعَ..وحين على عرش النّعمة استوى، تركنا نثمر
نكثرُ، نملأ الأرض ونسود عليها
ثمّ نظر فرأى كلّ الحبّ الذي عمله، فإذا هو:
حسن جدّا...جدّا...جدّا."ص25.
وهنا استعارة دينيّة أيضا " الرّحمان على العرش استوى" و"والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلّى، وما خلق الذّكر والأنثى، إن سعيكم لشتّى".و "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم".
ويلاحظ من نهاية القصيدة أنّ الشّاعرة التي تتحدّث بلغة "الأنا" في القصيدة لم تكتب شأنا ذاتيّا، وإنّما طرحت قضيّة أنثويّة محضة...فإذا كان الذّكور يؤمنون بأنّ الغواية في الأنثى، فإنّهم من يوقعونها في هذه الغواية، ولا ضير في ذلك فهذه سنّة الحياة واستمراريتها، ونتاج علاقة الجنسين"الذّكر والأنثى" هي تعمير الكون بخلق جميل جديد.
وفي هذه القصيدة تختزل شاعرتنا ريتا عودة رواية العلاقة بين الرّجل والمرأة.
 
وقال محمّد يوسف عمر القراعين:
                          
 
ريتا عودة قاصة وشاعرة صادقة في مشاعرها، تتناول في قصصها القصيرة أحاسيس المرأة في مختلف حالاتها، عاطلة عن العمل يقتلها الفراغ، عاملة دخلها لا يلبي تطلعاتها، تعيش التمييز في وطن مغتصب، ولكنها تحلم وتصل بحلمها إلى السماء، وأحيانا تشدها الوساوس لقارئة الفنجان. هي قوية لتدوس من يلسعها كأنّه صرصار، وتعطي الأمل للمحكومين بالألم، فإذا مات بلبل واحد لا بد أن يولد من رحم الأرض ألفُ ألفِ بلبل، وإذا سقط خالد فهناك من يرتدي السروال الأبيض من بعد خالد، جيّاشة في مشاعرها نحو الفقراء والمظلومين، حتى أنها أنطقت قطرة المطر، موضوعها القلوب مهما اختلفت الأديان، إلا أن سكّين شرف العائلة كانت أقوى من أحاسيسها، فما عليها إلا انتظار نيسان. ولتقديم العذر لأنّها لم تقدّم الحلّ لهموم حواء، تحجّجت بأنّ هذا ليس من وظيفتها التي هي أن تلقي حجرا في بئر راكدة، وهذه هي الدّنيا، أحيانا بالمقلوب، "تيجي تِصيده يْصيدك". كل هذا وذاك، تعبر عنه ريتا بأسلوب أدبي شاعري جميل، حافل بتخيلات ثرية وتشابيه غنية، قصصها كأنّها قصائد نثر، والشّعر في ديوانها حدوثة، فيختلط الشعر مع القصة بلغة ليست بالبسيطة ولا بالمعقدة ولكنها ملونة، كما قال محمد حلمي الريشة، لتثبت أنها تملك زمام اللغة، وتلجأ في خيالها إلى رمزية مناسبة للموضوع، لا تتعدى ربات الحب والخصب، بحيث يبقى المعنى في متناول القارئ.
تناولت حدوثتها الشعرية قصّة البقاء في الحياة في ومضات جميلة، تبدأ في أولاها " السنونوّة المجبولة من طين الحنين...المنسوجَ حلمها من حرير الحب "، ولكنها تحتاج إلى جناح ثان مع جناحها لتتمكن من التصفيق. كأنثى تبحث عن فارس كما دون كيشوت، يحارب طواحين الهواء لتحرير حبيبته، فليحارب فارسها طواحين كبريائه حتى " ترخي له جديلتها ليصعد إلى قلبها.. يحتاجها لبؤة وقطة وديعة، تحتاجه رعدا وبرقا ومطرا بديعا". لا تنسى ضيفتنا المساواة والحرية. "أكون له سنونوّة .. حين لا يكون ليَ القفص"، وجزيرة يحيط بها البحر، فيفيض عليها بالنسيم.
وفي الومضات الرابعة، تبلغ قمة التعبير عن حالتهما في الجوى والهوى، تُطوّف بهما الجهات الأربعة " ال..تتجاوز مدًا وجزرًا..  شوقًا وشرقًا..جنوبًا وجنونًا". 
لها الحق أن تحلم "سقطت تفاحة فوق رأسي، ورأيت فارسا فوق الغيم  يراقصني، وفي البحر قوارب تمنيت لو إليك تحملني، وبساطا انتظرت أن يأتي بك إلي".
لجأت إلى عشتار وهيرا وإيزيس وشهرزاد، فلم تجد حلا، " فسقط الحب في جب الحكاية، وظل للآنَ أحجية".
الحياة كما تعلمون مدّ وجزر، فبعد أن آمنت بأقانيمه الثلاثة، عمدها بالأرق مع الفجر، وأسلمها للنهر، " ووحده الموج حن على أشلائها، ومنحها حق الغرق". نعم قهرها الموج مرارا، ولكنها "كالعنقاء من بين الركام تقوم".
وفي إحدى الومضات، تشعر بيأس لأنهما تباعدا " كخطين متوازين، لا أحد يود أن ينكسر..كالنهر الذي فقد مجراه أنت.. كالسكة التي غادرها قطارها أنا "، فأصبحت وحيدة "، وحيدة، حتى أنني لم أعد أعرفني". كل شيءٍ هائم، أما الحب فقد قرفص، "وكل شيء عائم، إلى أن أعثر..على من تعشقه الأذن قبل العين"، فنفتتح مهرجان العودة.
مع كل هذا، لم تردعها الحسرة، والذكريات المدمرة عن أن تعلن "أن قلبها وطن"، وهي مدمنة، فكلما وأدت حبا ولد اثنان، "فقد آن الأوان أن أحاولك مرّة أخرى.. لأحاور شهر ياري ..من الليلة الألف للحكاية"...
وفي نهاية الومضات تهتف...في الشعر ما خفي كان أعذب
                                     الكتابة فعل بقاء
                                    سأمضي لأفضح الصمت"
ملاحظة: ثمة خطأ نحوي في ومضات (9)، حيث تعتبر" لو" أداة جزم، ( لي قلب عصفورة... لو رق تذب من عذوبته الصخور)، والحقيقة أنها لا تجزم مطلقا.
 
 
وقال الشّاعررفعت زيتون:
 
ديوان سأحاولكِ مرة أخرى للشاعرة ريتا عودة من الناصرة هو ديوان الحب واللوعة والمحاولة واللغة، هو ديوان الأنثى وانفعالاتها، حبها وكرهها، غرورها وهدوؤها إن  هدأت وعواصفها إن عصفت، هو الأنثى بكل ما فيها. والديوان من نوع قصيدة النثر حيث لم تلتزم الشاعرة بتفعيلات الخليل، رغم استخدامها القافية في بعض القصائد.
 هذه قراءة مررت فيها على أغلب قصائد الديوان أو الشعريات الفلسطينية، كما شاءت أن تطلق عليها الشاعرة ريتا، ولسوف أبدأ بنظرة عامة عن الديوان وملامحه وأسلوبه، ثم أدخل لتفاصيل أغلب القصائد أتناول كثيرا مما احتوت، وليس كل ما احتوت من جمال أو ملاحظات.
أولا : ملاحم عامة للديوان
في بنائها العام لنسيج القصيدة وتقديمها للنصوص اتّكأت الشاعرة ريتا عودة على مجموعة دعائم، واستخدمت أساليب مختلفة لإيصال نصّها وفكرتها إلى قلب وذهن المتلقي ومن هذه الدعائم:
  • البلاغة: تمييز الديوان بأسلوب بلاغيّ رفيع المستوى، كما سيظهر من خلال تحليلي للقصائد حيث طغى فيه استخدام محسنات البديع والبيان، من تشبيهات واستعارات وانزياحات وجناس وطباق وسجع ومقابلة وتضاد وغيرها.
والشواهد على ذلك كثيرة سأفصل بعضها خلال القراءة العامة للقصائد.
التناص القرآنيّ والإنجيليّ في كثير من النصوص، فكرة وجملا وألفاظا. وأحيانا الاقتباس الحرفيّ لهذه الجمل والألفاظ، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
( على عرش النعمة استوى) صفحة 25 تناصّ قرآنيّ
-(أين المفرّ ) صفحة 35 تناصّ قرآنيّ.
- (لا تقصص رؤياك على أحد) صفحة 49 تناصّ قرآنيّ.
- (ربّ الفلق) صفحة 55 تناصّ قرآنيّ.
- (مثنى وثلاث ورباع) صفحة65 تناصّ قرآني.
- (في غيابة جبّ الغياب ألقيتني) صفحة 65 تناصّ قرآنيّ.
- (مع الريح يأتي .. كالبشارة) صفحة 30 تناصّ انجيلي.
- (تراه بالزيت يُعمّد حروف الحكاية) صفحة 36 تناصّ مع الموروث المسيحي.
- (لتسلم السنونوة للجلجلة..فيصيح المسيح) صفحة 63 تناصّ إنجيليّ.
- (في الهزيع الأخير) صفحة 100 تناصّ إنجيليّ.
- (العذارى الخمس) صفحة 100 تناصّ إنجيليّ.
وغيرها الكثير.
  • التناص الشعري مع بعض الشعراء أمثال امرؤ القيس ونزار  في بعض القصائد
 ومثال ذلك:
- (تكفّ الأرض عن الدوران) صفحة 72 تناصّ مع نزار قباني.
- (أكرُّ، أفرُّ، أُقبلُ، أُدبرُ) صفحة 74 تناصّ مع امرؤ القيس.
استدعاء الرموز التاريخية والأسطورية بشكل مكثف في الكثير ما من النصوص مثل قيس، شهريار، شهرزاد، عشتار، هيرا، إيزيس، ولادة، وغيرهم.
استخدام الظواهر الطبيعية والنظريات العلمية وتطويعها لخدمة الفكرة التي تريد، ومثال ذلك الجاذبية الأرضية لنيوتن، مثلث برمودا، المدّ والجزر وظاهرة الخسوف  وغيرها.
تدعيم القصائد بشيء من الموروث من العادات والتقاليد والأمثال الشعبية والمقولات المعروفة والحكايات، والأحاديث النبوية الشريفة ومثال ذلك:
- (إقرأ كفّ من تشاء من النساء) صفحة 69.
- (سيكون للروح التي مع أشباه الظلال تنافرت.. فاختلفت) صفحة 75.
- ( بيدي ... لا بيد ابن الغجر) صفحة 75.
- (إكرام الحزن دفنه ) صفحة 82.
- (بلغني أيها القمر البعيد) صفحة 52.
التركيز على موضوع واحد وهو الشعر الوجداني دون سواه من أنواع الشعر في هذا الديوان، بكل تفاصيله، كالعشق والهيام والبعد والهجر والغيرة وغيرها.
استخدام القصص والأحداث التاريخية الحقيقية منها والأسطورية مثل حصان طروادة، قصة سيدنا يوسف، والمثلوجيا الإغريقية واليونانية والمصرية القديمة.
استخدام أسلوب التكرار في بدايات الفقرات ونهاياتها للتأكيد غالبا ومثال ذلك:
- (من سواك ) في قصيدة (يحبني بالثلاثة) صفحة 23.
- (أحبكِ، أحبك، أحبك) من قصيدة ( يحبني بالثلاثة) صفحة 23.
- (أنا أنثى ) في قصيدة (أنا أنثى) صفحة 26.
- (أشقّ البحر ) في قصيدة (في طريقي إليك ) صفحة33.
- (حين فاضت ) في قصيدة (لا تقصص رؤياك على أحد) صفحة 49.
- (سيدي) في قصيدة (معمودية القلق) صفحة54.
-   (لا أريد / سيكون) في قصيدة (ابن الغجر) صفحة 74.
وغيرها في مواضع أخرى.
  • المزج بين الومضات والقصائد:
فقد احتوى الديوان على تسع عشرة قصيدة، وأربع عشرة صفحة من الومضات.
  • تضمين الفلسفة والفكر الإنساني في بعض القصائد ومثال على ذلك،(الحب كالموت، وكالمطر وكالفكرة، يكفر بالمواعيد المسبقة) في صفحة 40.
 
ثانيا: عنوان الديوان، وصورة الغلاف:
بداية العنوان وهو أحد قصائد الشعريات الفلسطينية، وهذا ما أطلقت شاعرتنا على نصوصها الشعرية، ربما لتفادي النقد الذي يمكن أن يقال في حق ديوان نثري من قبل بعض الكلاسيكيين الذين يرفضون فكرة أن يطلق على النصّ النثري قصيدة.
وأنا أكون من هؤلاء في أحيان كثيرة، ولكنني أحيانا أكون أكثر تشدّدا منهم فأسقط كلمة ديوان أو قصيدة عن نصّ التزم القافية والوزن، ولكنه كُتب بحرف ركيك لا روح شعرية فيه. وبالتالي فالشعر كمفهوم هو أكبر وأشمل من وزن وقافية، الشعر شعور وصور ومجاز وابتعاد عن التقليد، الشعر مفاجأة ودهشة إن لمْ يحققها الكاتب في نفس المتلقي فهو ليس شاعرا، وهذا رأي وقد لا يعجب الكثيرين.
ومن منطلق هذه المقدمة أريد أن أحكم على شاعرية صاحبة الشعريات، ولكن ليس قبل أن أغوص في النصوص ومعي من يحب الإبحار في عالم الكلمة، فإذا أصبت في مكان شدّ على يديّ وإن أخطأت صوّبني وكلنا نخطئ.
سأحاولكِ مرّة أخرى" والحديث على لسان ذكوري موجه لأنثى، وهذا يجعلني أتخيل أن النصوص قد تأخذ هذا المنحى في الحديث، لأن العنوان غالبا ما يعبر عن مضمون الكتاب، والمفاجأة أن كلّ النصوص أو أغلبها كانت بلسانٍ أنثوي، على عكس ما توقعت في البداية. ولكن عند العودة إلى القصيدة وجدتُ أن عنوان تلك القصيدة يختلف، وكان على لسان أنثى كباقي القصائد وهو في صفحة 94 وكان على هذا النحو  " سأحاولكَ مرة أخرى" والخط






Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت