استضاف متحف محمود درويش في رام الله في 24 آب 2015 المؤرخ الدكتور جوني منصور ابن مدينه حيفا. وحاوره الدكتور ايهاب بسيسو. بدأ بسيسو بتقديم مقدمة عن الكتاب، فقال: ان من يزور حيفا يصاب بالجنون، فقد قاومت حيفا كل محاولات التذويب لمسارها الحضاري.
في حيفا المدينه كنا نرى مراوغة الوقت لنا ومراوغتنا للوقت.
كتب جوني منصور عن الناس وعن الحياة وعن الاماكن وعن البشر وعن الحجر والبيوت وسكة الحديد وعن الشخصيات الحيفاوية من المؤسسين الاوائل.
حيفا هي بؤرة لكل نشاط حضاري يمزج بين الشرق والغرب قبل ان تحدث النكبة . هي بمثابة رواية تواجة الرواية الاستشراقية عن المكان. رواية تواجه الرواية الاستعمارية. هذا الكتاب هو رحلة في السيرة الفلسطينية الجمعية والفردية. رحل. أراد جوني منصور ان تتوقف مع النكب’ حاملة معها جمالية الانسان والمكان..

بعد هذه المقدمة بدأ الدكتور بسيسو الحوار مع الدكتور جوني منصور. الدكتور ايهاب بسيسو هو قارئ مثل عالم الجيولوجيا فهو يغوص في طبقات الارض، ويحفر عاموديا. وهذا كله واضح من الاسئلة التي انتقاها بتمعن وتركيز ودراسة وقراءة متعددة للكتاب. فبدأ أسئلته عن الجنون الذي يمس من يزور او يعيش في حيفا. أجاب جوني منصور مثلما أجابت مرة والدة الشاعر احمد دحبور "لأنها الجنة يا ابني". وان المدينة كانت غنية بالحياه الاجتماعية والثقافية من مدارس ومؤسسات ومسارح ودور سينما وافلام وصالات وغيرها , وهذا يؤكد ان الشعب الفلسطيني شعب نشيط ومبدع ودائما يتطلع للمستقبل مهما عاش من ظروف صعبه . واكد ان هذه المدينة لم تمت، وان ما حصل في عام النكبة هو حالة فرض والزام للتخلي عن المدينة عنوة وقهرا وذلك بسبب المجازر التي حصلت في عام 1948 .

اما السؤال الاكثر محببا على قلب جوني منصور فكان عن حركة القطار وسكة الحديد، وحديث الجد لحفيده عن تلك الفترات التي سافروا بها الى دمشق وبيروت، وعن جسور العلاقة التاريخية والعاطفية ومحاولة ربط المدينة واخواتها في سوريا وبلاد الشام حين كانت فلسطين جوهر المحرك لكثير من النشاطات في البلاد السورية. سكة الحديد كانت تربط حيفا الساحل الذي هو المتنفس للعالم العربي مع كل محبيها. وايضاً عن دور حيفا كقلعة الثقافة الوطنية في الفترة ما بين الحرب العالمية الاولى والثانية حيث كان هنالك اكثر من 35 صحيفة يومية وصحيفتين تنشر باللغة الانجليزية .

تحدّث ايضًا عن الماضي والحاضر، وعن الشخصيات التي عاشت في المدينه مثل محمود درويش الذي عاش وابدع في حيفا ومطلق عبد الخالق وأميل حبيبي وأميل توما واحسان عباس وجميل البحري وحسن البحيري وسامي طه وعبد الله مخلص ووديع البستاني وعبد الكريم الكرمي وحنا عصفور وحنا نقاره وكثيرين غيرهم .

حيفا ببحرها وكرملها وصنوبرها ,بأشواقها وخاصة وادي النسناس. حيفا من حواسة وبلد الشيخ شرقا وحتى العزيزيه غربا مرورا ببستان الخياط في وادي السياح وما فيه من أشجار مثمرة .
حيفا بجامع الاستقلال ومسجد الجرينة ومسجد الشيخ عبد الله ابو يونس وكنائسها العريقة ,مار الياس,وبيت النعمة وكاتدرائيه الروم الكاثوليك ,وكنائس الطائفة الارثودوكسية والموارنة والمدرسة الاسقفية ومدرسة راهبات الناصره والراهبات الايطاليات والكلية الارثوذكسية...,كل هؤلاء كانوا في ضيافة رام الله حقاً.  من حضر الامسية شعر للحظات كأنه علي شاطئ ابو نصور قرب مستشفي د.حمزة او في العزيزية في الفاخورة .
شارك الجمهور من خلال ملاحظات واسئلة ومداخلات أضافت بهجة لتلك الامسية المبهجة.

وقد لخص ابن حيفا البار والشاعر احمد دحبور المولود في وادي النسناس بحكايات عن والدته التي طالما حدثته عن حيفاها .
احمد دحبور كانت كلماته اضافة هامة، بل أضائه لما قيل في تلك الامسية المميزه التي ربطت بين مدن الساحل والجبل، بين الماضي الجميل والحاضر الأقل جمالا , ولا نقول اكثر من ذلك والامل لمستقبل واعد يعيد الحقوق لأصحابها ويعيد الأهل الى وطنهم الذي لم يستبدلوه طال الزمان او قصر .
مثل هذه الأماسي مهمة جداً لتنشيط الذاكره وربط الحاضر بالماضي إعدادا للمستقبل .