تواصل معنا عبر الفيسبوك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن !
رواية نهاية الصدمة
بقلم د. أليف فرانش
ليس من المتّبع أن يبدأ المتحدّث، في أيّ محفل كان، بتصريح برّاق، قبل أن يعرض الخلفيّات والتداعيات، ويشير إلى المسبّبات، ويستعرض الاحتمالات المتوفّرة؛ لكني سأنتهج هذا المساء نهجًا مغايرًا، قد يبدو صلفًا، وغير معهود، لكنّ الحدث نفسه مغاير؛ وعليه، فلا يناسبه إلّا كسر بعض المسلّمات.
من يتتبّع المسيرة الأدبيّة للعرب الفلسطينيّين المتبقّين هنا على أرضهم فسيجدها قد مرّت بمراحل عدّة، من المرحلة الخجولة ومرحلة الصدمة وصولا إلى شكل واضح ناضج لهذا الأدب، بخطاب يعكس الألم والفقدان والوجع والحنين. كما نقرأ وكما قرأنا في أدبنا الرائع الذي جسّد مسيرة دروب من الألم، وجسّد التاريخ بما فيه، وبما زال منه، وبما تبقّى لنا. وأؤكّد هنا على المكانة الهامّة والخاصّة والسامية لما أنجز من أعمالنا الأدبيّة الفلسطينيّة، لا سيّما هنا، وليس الحديث عن جديدنا مسًّا بقديمنا بأيّ شكل من الأشكال.
لست نبيًّا ولا مؤرّخا، لكن دارسي الأنطولوجيا مستقبلا سيشيرون إلى دخول أدبنا مرحلة جديدة، أو منحة جديدًا تزامنًا مع صدور رواية الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن... ويمكنكم تسجيل إعلاني هذا في ليلة الإشهار. لا أبالغ إن قلت إنّنا بصدد دخول روايتنا الفلسطينيّة منحى جديد، يعزّزه صدور رواية كاتبنا هشام عبده، وذلك للأسباب التالية:
أ. التوجّه المضمونيّ الجديد المغاير: إنّها رواية تنتمي إلى ما تعاهدنا على تسميته بالأدب الملتزم، ذاك الأدب التوافقيّ الذي يلتزم بالقضايا الجمعيّة، يعرضها أيضًا بشكل توافقيّ يناسب الذائقة والذهنيّة والطقوسيّة الكتابيّة والمقروئيّة، لكنّ هشام عبده يطرح هنا أدبًا ملتزمًا وتوافقيًّا بأساسه فقط، لكنّه يبنيه ويعرضه بتوجّه جديد، توجّه افتراقيّ لا توافقيّ، وهو توجّه مغاير كلّيًّا للتوجّه المعهود في أدبنا الفلسطينيّ. فهو:
العربيّ في الرواية لا ينشغل كثيرًا في البكاء على ما مضى، وإن كان ما حدث في الماضي كارثة وحدثًا جللًا ما زالت أصداؤه وتداعياته تهدر كاسم هدير ياسين، من مجازر وتشريد واغتيال لحلم شعب، لكنّه يختار هنا أن يحمل ألم الماضي لينطلق منه نحو مستقبل أفضل كمتساوٍ في صنعه، وفي الحفاظ على الأرض مكانًا يطيب العيش فيها. إنّه لا ينشغل ببكاء الأطلال بل في الإطلال على العالم الواسع.
ب. التوجّه الأسلوبيّ الجديد، وأعني هنا اختيار هشام للجنس الأدبيّ المعروف عالميًّا بالأدب البوليسيّ، والأدب المخابراتيّ إطارًا مناسبًا للخطاب، لتضمّ الحبكة البوليسيّة، ومن ثمّ المخابراتيّة مجريات الحدث، وليتمكّن كاتبنا من إيصال خطابه من خلالها. هشام يتقيّد بأسس الكتابة البوليسيّة والمخابراتيّة، وهي بيست مألوفة للقارئ العربيّ خاصّة لمعالجة قضيّة ذات أبعاد سياسيّة اجتماعيّة، برواية معدّة للقارئ البالغ، وليس كما عوّدنا محمود سالم ونبيل فاروق وغيرهما من مغامرات للفتيان والأطفال، وفي هذا النوع الأدبيّ نجد عناصر اتّكأت عليها الرواية بتناسب كبير بين الخطاب وقالبه، وبين ما أسماه فلاسفتنا الكبار: التناسب ما بين الموضوع والمحمول؛ فهذا الإطار كان خير حامل للطرح المغاير الذي أراده الكاتب؛ فجاء الطرح مغايرًا بقالب مغاير. يختار هشام عبده الجانر البوليسي، ليس ككليشيه فقط؛ بل ويخوض في تفاصيل الجانر بتقنياته المستندة من الأدب الغربيّ، والتي تذكّرنا بمرحلة الطفولة في ألغاز محمود قاسم، ومغامرات نبيل فاروق، لكنّه ينطلق بجرأة وإصرار بالعمل الى الرواية وفي ذلك زخم وتجديد وطلائعيّة. الرواية البوليسية- المخابراتية بقيت بعيدة عن ذهن القارئ الغربي والمؤلف العربي؛ ونشطت في مضمار الادب غير الرسمي، ووجهت على الاغلب الى فئات عمرية تناسب الفتيان والشبيبة الرواية البوليسية- المخابراتية بقيت بعيدة عن ذهن القارئ الغربي والمؤلف العربي؛ ونشطت في مضمار الادب غير الرسمي، ووجهت على الاغلب الى فئات عمرية تناسب الفتيان والشبيبة.
ويجنّد هذا القالب لخطابه الحداثي الروائي في التعرض للممارسات الإسرائيليّة، ولكن بتوجّه جديد جدًّا منا في الداخل، وهو تخطّي صدمة النكبة والنكسة، والتعامل بالندّيّة التي افقترنا إليها بفعل المعايشات والممارسات والذهنيّة. يأتي عبده بذهنيّة جديدة، تلائم أكثر جيل واي، وهو جيل أبطال الرواية. وتظهر الندّيّة في محاور عدّة في الرواية انطلاقا من الندية في طرح العمل، والقالب، والحبكة.
أمّا العناصر فهي:
أ. التمويه العامّ. وهو تمويه في الأسلوب البوليسيّ.
ب. تمويه المقولة، وهو خاصّ يتناسب مع وضعنا في هذه البلاد حيث فيها من يؤمن أنّ المقولة جريمة. وهشام يموّه في الأسماء، والأماكن والبلاد، والأحداث، والأزمنة، والعلاقات. لكنّه يطلب قارئًا عارفًا ليكشف الإحالات، تمامًا كما أراد للجريمة أن تُكشف. الكتابة عند هشام فعل موازٍ للمعنى. (إدراج مثال: ألتنوئيل)
إجمال
لقد اعتدنا أن تتوجّه كتاباتنا نحو الماضي، تقلب الذاكرة معتصرة الألم، وهذا ما جعلنا نتمسّك بالهوية. عبده يفتح النافذة، بل يشرّعها على المستقبل، متمسّكا بثوابت من الماضي، لنكون جزءا تفاضليا منه وفيه. عبده يرفض دور الكومبارس في المشهدية الآنية والمستقبيلة في الدولة والمنطقة والعالم. هذا الخطاب حداثي، جريء، استشرافي، مغاير.
أنّها رواية طرح الجديد وتحطيم الأيقونات القديمة. وكمن قدّم أطروحته حول الأدب البوليسيّ في العالم العربيّ أرى أنّ هذه الرواية تضع الرواية الفلسطينيّة على خارطة جديدة، وتضع الأدب البوليسيّ على خارطة جديدة، وتضع رؤيتنا لأنفسنا على خارطة جديدة، فنحن لسنا كما يريدوننا أن نكون، بل يمكننا المبادرة والأخذ بزمام الأمور للانطلاق إلى دور فاعل في الحياة العصريّة المستقبليّة.
د. أليف فرانش
(ألقيت المداخلة في أمسية إطلاق الكتاب في نادي حيفا الثقافي بتاريخ 14.11.2019)