X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
20/11/2022 - 09:06:59 am
احمد عباس: فنان مسكون بالمكان (المقابلة الأخيرة)

احمد عباس: فنان مسكون بالمكان

(المقابلة الأخيرة)

قابله:ناجي ظاهر 

قمت قبل سنوات بزيارة قرية الرينة القريبة من مدينتي الناصرة، بغرض إجراء مقابلة مع الفنان أحمد عباس- أبي المأمون، وقد زرته في بيته القائم في الطرف الغربي من قريته.. أجريت تلك المقابلة المحددة، وأخذت وأعطيت معه، وما زلت أتذكر الأثر الطيب التي تركه لديه ما ضمته تلك المقابلة، حتى أنه كان ما أن أذكر أمامه حتى يبتسم، كما رُوي لي، ويرسل إلي التحية تلو أختها. أمس، يوم الأربعاء 16-11-22، وافته المنية وذهب إلى عالمه الآخر حاملًا الكثير من الآلام وما تبقى لديه من أحلام. فيما يلي أعيد نشر ما دار بيننا في تلك المقابلة مُذكرًا به وبعطائه الفني الغالي.

اسمه سبقه إلي، أول مرة ذكر اسمه أمامي حينما كنا، أنا ومجموعة من الأصدقاء من قرية الرينة، نتحدث عن الحركة الفنية في قريتهم، عندما ذكر اسمه في المرة الأولى، ذكر بنوع من اللامبالاة، بسبب أنه يرسم مشاهد قديمة من قريته، ما أثار لامبالاة من ذكره هو بالضبط ما أثار مبالاتي، إذ أن الإنسان لا يمكن أن يرسم مكانًا ما إلا إذا أحبه، أنا إذًا، استمع إلى اسم فنان حقيقي، يعرف قيمة المكان وتأثيره في النفس الإنسانية. لم أتردد ولا لحظة واحدة في السعي إليه لإجراء مقابلة معه، سوى أنني كنت في كل مرة أواجه بعقبة من نوع آخر.

هنالك أماكن في بلدتنا ضاعت ملامحها

فهو عصبي المزاج حينًا، وهو ليس جديًا حينًا آخر، ما قيل لي عنه أثارني أكثر للقاء به، فانا إزاء كل ما يتعلق به أشعر أنني أمام فنان لا ينقصه شيء من مكونات الفنان المبدع، فهل سألتقي فنانًا حقيقيًا أم أنها القراءات عن الفنانين وجنونياتهم، هي التي تصور لي، وتهيئ لي ما ليس واقعيًا؟ ما طرحته على ذاتي من أسئلة شجعني على المضي إليه في بيته الواقع في حي البير التحتاني من قرية الرينة، هناك حيث أشار أحد جيرانه إلى بيته، يسكن أبو مأمون احمد عباس نجم، الذي تسال عنه، في مدخل البيت استقبلني شاب، فهمت انه ابنه، سألته عما إذا كان والده في البيت فأجاب بالإيجاب. استقبال صاحب البيت كان حارا رغم أننا لم يسبق لنا أن تعارفنا أو التقينا من قبل، زاد في هذه الحرارة، أنني أخبرته باسمي وبنيتي أن اكتب عنه، إضافة إلى ما تبين لنا خلال الكلمات الأولى وهو أن هناك أكثر من صديق مشترك لنا، أنا وهو، في قريته. ما أن اتخذ كل منا مجلسه قبالة الآخر، في ردهة البيت الواسعة، حتى بادرته بسؤال طالما ألح علي، هو لماذا ترسم أماكن قديمة من بلدتك؟ فابتسم وهو ينتصب بقامته قبالتي.

هذه هي الحكاية أنا يا سيدي مفتون بالمكان، فهو ما يحفظ الذاكرة ويبقي عليها يانعة خضراء، هناك أماكن في بلدتنا ضاعت ملامحها وامحت من على الأرض، إلا أنها بقيت تلح علي إلى أن خرجت على شكل لوحة فنية، أنا ارسم حينما أتأثر بمنظر ما، معظم ما رسمته تمحور حول الأماكن، في كل مكان كنت فيه وتأثرت به، حاولت أن ارسم ملامح منه، حصل هذا في حيفا والقدس وغيرها من الأماكن. وهناك لوحات كرستها لاماكن في هذه البلداتاستوقفه بإشارة مهذبة من يدي. اطلب منه أن يبدأ الحكاية منذ البداية، فما هي حكايتك مع الرسم؟ يبتسم: هذه حكاية تروي، ابتدأت الرسم عندما كنت في التاسعة من عمري، كان هذا عام 1948، يومها شاهدت في أحد بيوت قريتي الرينة، فنانا لبنانيا، يرسم صينية وعليها حز بطيخ وسكين، وشاهدت إلى كيف يقوم بتنفيذ رسمته، فما كان مني إلا أن جريت إلى البيت، ورسمت رسمة طبق الأصل لما رأيته يرسمه، وعدت إليه، لأريه إياها فما كان منه إلا أن شجعني، وقال لي إنه يتوسّم في علامات نباهة وإنه سيكون لي شان في عالم الرسم إذا ما تابعت. تشجيع هذا الفنان بعث في نوعًا غريبًا من الثقة بالنفس، فسجلت تفوقا ملحوظا في دروس الرسم وأتذكر أن مدرّسة الفنون ياسرة من الناصرة كانت تغدق علي في التشجيع وتقوم بإرشادي لأساليب مستحدثة للمزيد من البراعة في رسم المناظر، يومها اكتشفت أنني أكثر ميلا لرسم الأماكن.

ماذا حصل فيما بعد؟
في الصف العاشر اضطررت لترك مقاعد الدراسة.

لماذا؟ اسأله.

يعرف قيمة المكان
وتأثيره في النفس الإنسانية

يتردّد في الإجابة يقول: هذه حكاية لا أحب أن أتحدث عنها كثيرًا، كان ذلك عام 1956، كنت في نهاية مرحلة الدراسة الإعدادية، يومها هربت للالتقاء بأهلي في الأردن، عشت هناك خمسة أعوام، اضطررت بعدها للعودة إلى البلاد، عند عودتي تم إلقاء القبض علي من قبل السلطات الإسرائيلية، وحكمت علي بالسجن الفعلي 16 شهرا وبالإقامة الجبرية، مدة أربعة أعوام، حظيت بهذا الحكم المخفف بسبب تدخل من شخصية معروفة. على كل حال أنا لا أحب أن أتحدث عن هذه الفترة.

طيب وماذا حصل بعد ذلك؟
قضيت فترة في تل أبيب، كنت أعمل هناك في مهنة طلاء البيوت، التي بقيت أعمل فيها حتى فترة قريبة، اتقاني لفن الرسم دفع العديد من الناس ليطلبوا مني أن أقوم برسم أشكال يحبونها على جدران غرف في بيوتهم، اليوم يوجد هناك العديد من الرسومات التي رسمتها على جدران العديد من البيوت في قرى وبلدات قمت بطلاء بيوت فيها.

عملت في الطلاء فقط في تل أبيب؟
يبتسم أبو مأمون: كانت تلك أيام، كلا لم اعمل في الطلاء فحسب، وإنما عملت في أعمال أخرى، وكانت لي محاولة مع آخرين أحدهما عربي يدعى سمير والآخر يهودي يدعى منشه، توفي قبل سنوات، لإقامة معهد للتمثيل، حاولنا تعليم فن التمثيل إلا أن هذه التجربة ما لبثت أن توقفت ولم يكتب لها الاستمرار.

عملت في التمثيل؟
نعم عملت في التمثيل أيضا، وقد ساهمت في أداء دور مسرحي في مسرحية" ديمقراطية" قبل فترة وجيزة من الزمن، مع الفنان راتب عواودة من كفر كنا، على كل حال هناك محاولة جادة قمت بها لكتابة مسرحية، تدور أحداثها حول موضوع التربية، ربما نقوم، أنا وأنت معًا، إذا كان هذا يناسبك، في إعدادها للمسرح، المسرحية تتحدث عن سبعة طلاب كل منهم يروي حكاية تربوية هادفة وقعت له.

أنت تكتب أيضا؟
نعم أنا اكتب أيضا. ما الغريب في هذا؟ يغيب أبو مأمون لحظة ويعود بيده دفتر، يقرأ منه بعض الأشعار: فلسطين عربية في الدنيا نواره/ من ساح الأقصى قدحت شرارة.

أسأله: يبدو أنه توجد لديك حكاية مع السياسة، فقد غادرت البلاد للحاق بحلمك، أعتقد انه يوجد لديك ما تقوله في مجال النضال السياسي.
بالطبع يوجد لدي ما أقوله في هذا المجال، فانا من أعضاء حركة الأرض، التي أخرجتها السلطات الإسرائيلية في الستينيات عن القانون، وربطتني علاقات طيبة بأعلامها أمثال منصور كردوش، صالح برانسي وحبيب قهوجي. أنا لم أكن ناصريًا قوميًا فحسب، وإنما كنت الناصرية ذاتها، وكانت دماؤها تجري في عروقي.

نعود إلى الفن، كيف ترسم لوحة؟
أريد أن أقول لك أولًا إنني مقلّ في الرسم وإن ما رسمته لا يتجاوز عدده الثلاثين لوحة، صحيح أنني مجبول على محبة الأرض، ومفطور على محبة الأهل، إلا أنني حينما أقوم برسم منظر ما أفكر فيه، فيه فحسب، أما أفكاري في السياسة والحياة، فإنها تظهر فيما ارسمه دون مباشرة أو تقصد. أضف إلى هذا أنني ارسم ما تبقى في الذاكرة. نحن بحاجة إلى توثيق بلداتنا العربية وقرانا في البلاد.

هل سبق وأقمت معرضا فنيا من إنتاجك أو مع آخرين؟
كانت هناك محاولات لإقامة مثل هذا المعرض، إلا أنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ، ربما كان هذا بسبب عدم توفر القاعات الملائمة للعرض في بلدتنا، وربما كان يعود إلى عدم الرغبة في الظهور، مشاركاتي في العرض توقفت على عروض مدرسية تراثية. في بداياتي توقعت الكثير من الفن، إلا أنني اليوم بعد عمر من العطاء لا أتوقع شيئًا، وكل ما اطلبه هو أن يتركني الأهل والأحباء لمواصلة العيش بهدوء وصمت.

اشعر بما تقوله بنغمة أسى واضحة.
ما تقوله صحيح. فانا رجل تجاوز عمره السبعين، أحببت الفن ومارسته في فترات متباعدة ومتقطعة، تزوجت متأخرًا بعد وفاة الوالدين، لديّ حاليًا أسرة مكوّنة من زوجة وسبعة أبناء هم: مأمون، بلال، قصي، قيس، ليلى، محمد، رباح، وطه. نهاية السنة الماضية كانت قاسية، ففي الشهر الأخير منها أصيب ابني الأصغر طه برصاصة في صدره، انطلقت دون إرادة من بندقية جندي، من أبناء القرية، كما سقط ابني محمد من رابع طابق، غير أن الله ستر، وتماثل الاثنان للشفاء. ما أريد أن أقوله هو ألا يعتبر تكوين الإنسان لأسرة انجازًا حياتيًا يمكن الفخر به؟

هل كنت تتوقع أن يعطيك الفن شيئًا؟
بالطبع، الكثيرون من الفنانين في العالم استفادوا من ممارستهم للفن، في بلادنا لا يستفيد الفنان من فنه، وربما يخسر، الناس في بلداتنا وقرانا العربية لا يقدرون الفن والفنانين كما ينبغي، هناك قلة تقدّر، إلا أن الغالبية من الناس لا يهمها الفن ولا أهله، صادفت خلال ممارستي للفن الكثير من النماذج المثيرة للغضب من الناس، العديدون كانوا يقترحون علي أن اهديهم لوحات ليزينوا بها جدران مكاتبهم، احد هؤلاء، وكيل تامين، طلب مني أن اهديه عددًا من اللوحات، وعندما أخبرته أن اللوحة تكلف مبلغًا من المال.. حتى تصبح لوحة، بغض النظر عما يبذله صاحبها فيها من جهد، عدل عن فكرته في تزيين مكتبه بلوحاتي، ما أثار حزني وغضبي في آن.

كيف تقضي وقتك؟ وماذا تريد في هذا العمر؟
إنني اقضي وقتي في القراءة، وقد قرأت الكتب السماوية الثلاثة: القران الكريم، التوراة والإنجيل، كما قرأت معظم الأعمال البارزة في أدبنا العربي الحديث لأعلامه، ابتداءً بطه حسين انتهاءً بجبران خليل جبران مرورًا بنجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي. كما أنني أحب الاستماع إلى الموسيقى، أما بالنسبة لما أتوقعه، فإنني لا أتوقع شيئًا، هناك الكثيرون من الفنانين الذين عرفوا بعد وفاتهم ومغادرتهم عالمنا، ربّما كنت واحدًا من هؤلاء، رغم أن أمر الخلود، بعد الرحيل ومغادرة الحياة، لا يهمني كثيرًا.







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت