X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
24/02/2023 - 08:49:02 am
كلمة حق ووفاء في رحيل معلّم: منير موسى

كلمة حق ووفاء في رحيل معلّم: منير موسى

ريحانةُ علم ومعرفة

بقلم: سمير حاجّ 

رَحَلَ الأستاذ منير موسى "ولم تقل لها الغدرانُ، وداعا"، كما كتب ونشر قُبَيْلَ وفاته في قصيدته "وداع"، المسكونة بالحزن ولوعة الفراق "رنينُ الهواتف يكسر الصّمتا / بين رمشة عينٍ وأخرى /يتلاشى الصّوتُ، / ويضيع الصّدى".
في عبلّين الماضي زمن الطبشورة وتأبّط الكتاب، كانت هناك مدرسةٌ ثانويّةٌ بلا بناية لائقة، مُديرُها طيّب الذكر الأستاذ ميخائيل نور سلمان، شعارُها بناء الإنسان وصقله.. وكان فيها تلامذة طموحون. وبالتعبير المجازيّ حجارتها الطلاب وسقفها المعلمون.. كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي.. حين كان للمعلّم منزلتُهُ المأهولة بالاحترام، وللطالب اجتهادُهُ وشغفُهُ بالعلم وأخلاقه الراقية، كما كان للغة العربيّة رونقُها، وللأدب عشّاقُهُ، قبل أن يأتي عصر السوشيال ميديا، المحمّل بـ "الورد الاصطناعيّ" و "الصديق الافتراضيّ". 
كانت أيام كان فيها المعلّم حقول معرفة وبنك معلومات، قبل أن ندخل العصر الطفيليّ، وقبل أن يهلّ "الصديق" الغوغل.. ملاذ ومنقذُ الكثيرين من معلّمين وطلّاب، رغم سطحيته وخيانته العلمية. وكان هناك معلّمٌ للغة العربية "الأستاذ منير"، كان يأتينا بسيارته الضفدعة المزيّنة بالكتب المتناثرة. كان طائرًا خارج السرب بأسلوبه التلقائي.. المُتواضع مع التلامذة.. كانت حصصه في الأدب العربيّ مسكونة بالفرح والمرح.. يسيل منها عشق اللغة، ويفوح رفيف أزاهير الشعر. لقد كان بحديثه الشائق في الصّف، يذوّب الشعر بماء الورد ويسكبه رحيقا في آذان تلامذته. وفي حصّة "مجنون ليلى"، كان للدرس مذاقٌ ولا أجمل!، ترتفع الأصابع طلبا للقراءة والاحتفاء بقيس ومنازل.. ويهدهدُ صوتُه وسطَ الاندفاع والتسابق بأقواله المأثورة "أقعد إعوج واحكِ صحيح!"، "برافو على غير غيرك!"، "ولَكْ شوو!!.. قال منازل صار يحب.! ما عاد بالدنيا خير.. مات الجمل عشان يتعشى الواوي".
كان يمسّد شَعْرَهُ وهو يلقي الشعر بحركة درامية وصوت عذب، ويعيش جو القصيدة!
وكان إلقاؤه يجعل القصيدة صبية مِغْناحًا تراقص الحروف.. وتُسكرُها بعبق عطرها. وكان الشِعر في عينيه غزالةٌ تركض في حديقة عابقة بالشذا!
أحببْ وأعذبْ بحصص أبي الموس! كما يحلو لنا مناداته.
منير موسى الأستاذ المُحبّب لدى الطلّاب ورفيقهم في السّاحة أثناء الفرص المدرسيّة.. كان عاشقا ومتيّمًا باللغة والأدب.. لا بل نبعًا متدفّقًا من المعرفة لغةً وأدبًا، تنهال أبيات الشعر من فمه كأسراب نحلٍ خارجة من نخاريبها. كنّا يومها صغارًا لا نفهمُ كلَّ ما يهتفُ ويدندنُ به بصوتِهِ المُموْسق.. من شعر الاغتراب والنفي والحنين، حين كان يدخلُ الصفَ وصوتُه الحامل سمفونيتَهُ الحزينة، يسبقُهُ مردّدًا مقطعًا من قصيدة وجيعة (مُسافر بلا حقائب) للشاعر العراقيّ اليساريّ عبد الوهاب البياتي:
"مِنْ لا مكانْ / لا وجه، لا تاريخ لي، من لا مكان،/ تحت السماء، وفي عويل الريح، أسمعُها تُناديني / " تعالْ " !،/ لا وجْهَ، لا تاريخَ أسمعها تناديني" تعالْ ! " / عبر التلال.."
كان دوما يتأبط كتبًا جديدة في المطالعة.. حين كان الكتاب هُويّةً حياتيةً، قبل أن ندخل عصر التفاهة والعطب.
كان جريئًا زمن الصمت والخوف.. بفضله طَلَلْنا على الشعر العالميّ، خاصة شعراء الرفض والثورة أمثال ناظم حكمت.. بابلو نيرودا.. غارسيا لوركا.. فلاديمير ماياكوفسكي.. أدونيس.. سعدي يوسف.. والجواهريّ. 
بكلّ حق وحقيق، كان له فضلٌ كبير على تعليم وتثقيف أجيال عبلّينيّة، عانقت الشمس بطموحها، وأثْرَت المجتمع العبلينيّ خاصّة والعربيّ عامة.
ما نسينا مِن عبقِ الذكريات، خطك الجميل وطبشورتك الملآى برياض اللغة والأدب، وهي ترسمُ على اللوح الخشبيّ، في حصّة "البلاغة الواضحة" بيت المتنبّي في وصف الأسد: 
"يطاُ الثرى مترفّقًا مِن تيهِهِ، فكأنّهُ آسٍ يجسُّ عليلا".. وتفسيرك الشائق للتشبيه.
كانت هناك أيام ولا أعذب!
أيُّها الكناريُّ المسافرُ! مثل نقوش محفورة على جذع زيتونة سيبقى ذكرك.. وسيبقى صوتك هادلًا ومُثقلا بحمول من شعر إنسانيّ ملتزم بالهمّ الجماعيّ، وعابق بالجمالية والأصالة، كما رسمتَ في قصيدتك "كناريٌ" التي تسائل الكناريّ، وهي مسكونة بالنوستلجيا والحنين للماضي الجميل:
"نسيتَ تلك السّنين الخوالي،/ حينما هيمنتْ بظلالها / قطوفُ وأوراق الدّوالي؟ / ولم يبرح الهزارُ / شِعافَ شجرِ الجوزِ / ودوريَ عِرزالِ / هل تعرف الطّريق / أيّها الكناري؟ / إن أكلت التّوتَ فهل تقول / لم تنس المسافات بالي".
وإن نَسٍيَ الكناريُ السّنين الخوالي، فالتلميذُ لن ينسى المُعلّمَ.. ونِعْمَ المعلّمُ! سيبقى عطرُ كلماتك منقوشا في الذاكرة، زيتونة خضراء ملآى بحبات الخير والبركة.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت