مساء ناريّ.. ملتهب.. في عُسفيا

تقرير: ناجي ظاهر

الطريق من الناصرة إلى عسفيا كان قصيرًا جدًا، فما أن اعتلينا سيارتنا، نحن مجموعة من الأدباء، المهتمين بالشأن الثقافي الفني، حتى وجدنا أنفسنا نترجّل منها في عُسفيا المتربعة على إحدى قمم جبال الكرمل. الأحاديث التي دارت في السيارة قصّرت الطريق وأكدت المثل المُحفز الشعبي القائل "الصديق قبل الطريق"، هكذا يقصر الرفيق الطريق، فكيف إذا ما كان هذا الرفيق أديبًا كاتبًا بل مجموعة من الأدباء من أهل الإبداع والفن؟

الأحاديث فيما بيننا دارت حول العديد من الأمور وتمحورت في أمر واحد كيف سنمضي ذلك المساء في البلدة بصورة مُرضية. نحن للحقيقة كنا قد اتصلنا بالأخ الكاتب الشاعر فهيم أبو ركن صاحب "دار الحديث للنشر" ومحرر صحيفتها، على أن نلتقي في الخامسة من مساء يوم الثلاثاء 7-3-2023، لأمر يتعلّق ببعض الإصدارات المقترحة. فأخبرنا أنه سيكون في تلك الساعة في أمسية "نسمات آذارية"، من تنظيم المنتدى الثقافي القطري بإدارة الشاعرة آمال أبو فارس ورهط من كتاب وشعراء المنطقة، وزاد محدّثنا يقول إنه لا يمكنه التغيّب عن تلك الأمسية لا سيّما وأنه واحد من الداعين الرئيسيين لها. حرصًا على استضافته لنا وتنفيذًا للقاء الموعود به، اقترح أبو ركن علينا أن نحضر أمسية النسمات الآذارية، التي تقام في "مركز الدراسات الدرزية" العسفاوية، موضّحًا أنه بإمكاننا اللقاء في مكاتب الحديث القائمة في بيته، بعد ذلك. اقتراح الصديق فهيم أبي ركن هذا لاقى صدىً طيبًا في نفوسنا، لنجد أنفسنا نعتلي سيارتنا وننطلق باتجاه الأمسية أولًا وزيارة دار الحديث بعدها.. وثانيًا.

نسمات آذارية وشظايا شعرية

توقّف مستضيفنا الأخ فهيم بسيارته قُبالة المركز المقصود، وإلى جانبها توقّفت سيارتنا لنترجّل جميعًا ولندخل قاعة الأمسية، مصافحين هذا أو ذاك من الأصدقاء الشعراء الذين توافدوا من أنحاء البلاد المختلفة للمشاركة في تلك الأمسية، بعدها اتخذ كلٌّ منّا مقعده في القاعة لتتتالى الكلمات الترحيبية من عريفي الأمسية ومديريها الشاعر الدلواني سرور حلبي والشاعرة العسفاوية زيدة عطشة، وليقدم بعدهما الشاعر عادل كيوان كلمة المنتدى مُنظم الأمسية والداعي إليها، بعد هذا وذاك تتابعت القراءات لكل من الشعراء: صالح كناعنة ، كرم شقور، عطالله معدي، عبد الحي اغبارية، عبد حوراني، نهية سرحان، مظهر خلايلة والشابة أسيل منذر وفؤاد منصور. مع انتهاء هذه القراءات والفروغ منها، قدمت الكاتبة المقدسية صباح بشير، المقيمة في مدينة حيفا، مداخلة حول كتاب "همسات وتغاريد" للكاتبة عدلة شداد، تلتها كلمة شكر من الكاتبة شداد وقراءة من كتابها. الأمسية شملت معرضَ رسومات للفنانة ماري روحانا، وقد ألقت هذه كلمة شكر لكل من دعا، نظم وساهم في إنجاح الأمسية. وانتهت الأمسية بتكريم المنتدى عددًا من أعضائه، ناشطيه، داعميه وأصدقائه، خاصًا بالتكريم وتقديم الدروع كلًا من الشاعر صالح كناعنة والسيد محمد كبها، كما ورد في الدعوة ومُضيفًا إليهما آخرين في مقدمتهم الدكتور صالح عبود، الذي شكر بدوره المنتدى وقام بقراءة قصيدة من إبداعه حملت عنوان جاهلية.

دار الحديث واشعاعاتها الادبية

بعد انتهاء الأمسية، حوالي السابعة والنصف، انتقلنا برفقة مستضيفنا إلى مكاتب دار الحديث ومكتبتها العامرة. هناك اتخذ كلّ منّا مجلسه في غرفة صغيرة، ينطبق عليها المثل السائر "بيت الضيق يسع ألف صديق". ضمت تلك الغرفة حاسوبًا ورفوفًا استرخت عليها عشرات الكتب، من إصدار دار الحديث،.. وبدأت الاحاديث الطلية عن الكتابة والكتاب، ويشرع مضيفنا في التحدث عن دار الحديث وإصداراتها المتتالية، يقول: لقد أخذنا على عاتقنا دعم الكاتب والكتاب المحليين، عبر إصدار كتبهم الجديدة بجودة عالية وبأقل ما يمكن من التكلفة، كما بادرنا للتعاون مع مؤسسات داعمة قائمة منها خدمة المكتبات العامة، للتخفيف من عبء التكاليف الباهظة المطلوبة لإصدار كتاب كبير ووفير الصفحات. يتناول مستضيفنا عددًا من الكتب، ويأخذ بتوزيعها علينا هدايا بينها عدد من مؤلفاته للصغار والكبار، ويقدّم إلينا نسخة من أحدث إصدارات الحديث كتاب "فضفضات في شتات"، للكاتبة الشابة رولا عبد الله الطوري، الطالبة في قسم اللغة العربية في كلية "أحفا"، القائمة في الحد الفاصل بين منطقة النقب ومركز البلاد. يتناول أحدنا الكتاب، يقول ما هكذا يُكتب اسم رولا، وإنما هو يكتب هكذا رلى كما هو متعارف..، ويجري نقاش طويل يخلص فيه المتناقشون إلى أن ذلك الاسم يكتب في كثير من البلدات والبلدان مثل لبنان كما تم اثباته على الكتاب موضوع النقاش، ويسهم مستضيفنا في النقاش مشيرًا إلى أنه حذف الواو من رولا تخفيفًا وفق المقتضى اللغوي، غير أن صاحبة الكتاب أخبرته أنها تكتب اسمها وفق الطريقة اللبنانية. هذا النقاش قادنا فيما بعد إلى نقاش جاد حول اللغة التي يحرص صاحب دار الحديث على نقاوتها فيما يصدره من كتب. يقول إنه عادة ما يقرأ ما يُقدّم إليه من الكتب لإصداره عن دار الحديث، وإنه عادة أيضًا ما يقوم بإجراء التصويبات الملحة بالتعاون مع صاحب الكتاب المنوي طباعته. مختصرًا بالقول: إننا نحرص على أن تكون إصداراتنا خالية من الشوائب اللغوية، لا سيّما إذا كانت تلك الإصدارات من بواكير أصحابها. تطل علامات الرضا من عيون الجالسين، فماذا يريد الكاتب أكثر من الاهتمام بكتابه شكلًا ومضموًنا؟.. بعد نحو الساعتين من النقاش في الحياة الأدبية وما يُفترض أن تكون عليه الإصدارات الأدبية في دار الحديث خاصة، يتمّ الاتفاق بيننا وبين صاحب الدار على ثلاثة إصدارات جديدة، لا نذكرها هنا حرصًا منّا على طرافة المفاجأة. ونمتطي سيارتنا وسط تبادل التوديعات.. مُنطلقين باتجاه الناصرة، وفي جعبة كلٍّ منّا صيدٌ ثمين.. مجموعة من إصدارات دار الحديث.. المباركة.