مع زحمة الأفراح والمناسبات في أيامنا التي تعتبر شباكا ومتنفسا للكثيرين من خلال مشاركتهم وإثبات حضورهم بين أبناء المجتمع، تمعنت أنا وزميلي خلال جولات الزيارات المكوكية للمناسبات ونظرنا الى حال الناس وهي جالسة على الكراسي.. البعض  يفكر ويغني على ليلاه، ومنهم من يجادل في أمور الدنيا وأهمها فاكهة الموسم الحالي "الانتخابات" للبلديات والمجالس المحلية، ومنهم من يحاول ان يثبت نفسه في الديوان بآرائه حتى لو كانت غير مهنية وعقلانية وأحيانا تهجمية فقط من أجل ان يكون ذا قيمة بين المجتمع.

وكثيراً ما يدور من كلام بين المجموعات والدواوين عن فلان وعلان وتكثر النميمة في العديد من المجالس وتبدأ عملية تقييم هذا الشخص وذاك وينسى الحاضرون أن يقيموا أنفسهم.. وفي وقتنا هذا، من لا قيمة له يصبح صاحب قيمة وجاه،  وأحياناً يقرر في مصير الكثيرين مع العلم ان عمله وأفكاره عقيمة وفي بيته يكون بدون قيمة..

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حين يغفر له صاحبه).

ولكن الأصعب منذ ذلك أن هنالك نوعية من البشر تصل الى مرحلة التخشب!! حيث يتغير العالم من حوله وهو متجذر ومتمسك بأفكاره العقيمة وأساليبه القديمة. 

بدون شك إن القيم والمبادئ قد تكون ثابتة وراسخة في نفوس الكثير منا، لا تتغير بسهولة لكن الوسائل والأساليب يجب ان تتغير دوما ووفقاً للوضع والحالة القائمة وتطورات الأحداث من حولنا.

وهنا لا بد من عمل نقد ذاتي للنفس وإعادة التفكير بما ننطق وفيما نفعل، اذا شعرنا ان عملية التوفيق لم تصل الينا. وهذا الأمر يحتاج الى إبداع داخلي وعقلاني، ولو نظرنا حولنا لشعرنا كم من مواهب ماتت لأنها لم تجد من يحتضنها وواجهت في مقتبل عمرها لسانا لاذعا حطم ثقتها ودمرها، وهذه الشخصية دفنت وهي على قيد الحياة، ووئدت مواهبها وقدراتها..

لماذا لا نكون أصحاب مواقف مشجعة وننطق بكلمات محفزة والروح النضرة الجميلة التي تتمنى النجاح والتوفيق لكل البشر.. يقول الرافعي : "إن الخطأ الأكبر ان تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك".

جاء رجل الى الأمام الشافعي فقال له فلان يذكرك بسوء.. فأجابه الشافعي: إذا صدقت فأنت نمام.. وإذا كذبت فأنت فاسق فخجل وانصرف.. للأسف نحن على مسافة أشهر قليلة من موعد الانتخابات ولكن النميمة بدأت وأحداً لم يتعلم الدرس!!! وهنالك أناس متخصصون بالنميمة اتمنى أن نصحو ونعاقبهم.

وهنالك نوع من البشر لا يدرك ان قوته تكمن في قدرته على كسر شوكة عاداته السيئة وتحطيم صنم افكاره ومعتقداته الفاسدة.. وحول هذا المعنى قال القائد الفرنسي الكبير ( نابليون بونابرت) لقواده : "لا تخدعوا أنفسكم، فالعامة لا ينصرون قضية". للأسف أحياناً ترى الناس بعكس التيار يتسابقون على أشخاص قيمتهم الأخلاقية والاجتماعية تحت الصفر، ولكنهم في نظرهم كبار.. ولو تمحصنا ما يدور في بيوتهم لتغيرت معاملتنا معهم، لذلك "ليس كل ما يلمع ذهباً".

إذاً ليس السؤال كيف يراك الناس إنما كيف ترى نفسك أنت تتصرف مع نفسك والمقربين وبقية المجتمع، فالتقوى أقوى وأبقى أن قيمة الإنسان العليا هي الأخلاق وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟) قالها ثلاث مرات ( أحسنكم أخلاقاً)، فالأخلاق تبقى شيمة الإنسان العقلاني ويتوج أخلاقه بمحبة الناس اليه ومحبة الخالق.. من خلال صدقه بالأقوال والأفعال، لذلك يجعل لنفسه قيمة في المجتمع من خلال تقديرهم لهم بأفكاره المتنورة وليس كمن يفتش على قيمة بين المجتمع وافكاره عقيمة وحتى سقيمة.