تواصل معنا عبر الفيسبوك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
قراءة في قصة زياد فوق جبل النورس
بقلم : سهيل ابراهيم عيساوي
" زياد فوق جبل النورس " ، قصة للأطفال ، تأليف ورسومات ينز البوم ، صدرت القصة في اللغة السويدية بعنوان ، JONATAN PA MASBERGET , وصدرت بطبعتها العربية عن دار المنى 1991 ، أما النسخة التي بين ايدينا ، صدرت عن مكتبة الفانوس ، قام بتحرير الطبعة : اياد برغوثي ومنى سروجي .
القصة : تتحدث القصة عن ولد اسمه زياد ، قال والده أنه أذكى وأجمل طفل في العالم ، وأكد والده " عندما يكبر ربما يصبح مخترعا أو عالما عظيما " أما الأم فتجيب " يكفيني أن يكون زياد سعيدا في حياته "
كان زياد يعيش في بيته مع أسرته في جبل النورس ، يلعب بين الأثاث القديم وفي الممرات المظلمة لقبو البيت ، أما أحب الاشياء على قلبه ، خروجه في رحلة طيران مع والديه ، يجلس على كتفيهما ، والريح يدغدغه ، ويشاهد الاشياء صغيرة وهو في العلو الشاهق ، وكم كانت سعادته عندما يطير مع والده الى المتجر ، يلتقي بصديقته سارة ، يلعبان معا لعبة الغميضة ، في احد الأيام كتب اسم سارة بالمعجونة على بلاط المتجر ، فانزعج وتضايق والده قليلا ، وفي أحد الأيام أراد أن يهديها أكبر برج من المكعبات لكن زباد سقط على الأرض ، وأراد أن يحلق فوق الغيوم ، لكن سارة نبهته، انه لا يملك اجنحة ، شعر زياد بالضيق والالم ، وقف أمام المرآة وقال نعم لسارة يوجد أجنحة كذلك لأمه ولأبيه ، شعر بغصة في قلبه ، شعرت أمه بما يحس فقالت له " قد تكون الحياة صعبة في بعض الأحبان ، ربما صارت أكثر صعوبة بالنسبة لك ، لأنك لا تملك أجنحة ، لكن يجب أن تتعلم كيف تتعايش مع هذه الحقيقة ، وتتغلب على مصاعبها . تذكر شيئا واحدا هاما : انك لست أقل من غيرك في أي حال من الأحوال ، نحن نحبك كثيرا "
رغم تشجيع أمه الكبير ، حين جاء اليوم الذي يطير فيه الأولاد للمرة الأولى ، شعر زياد بالوحدة والحزن الشديد .
طار الأولاد الواحد تلو الاخر بأجنحة مهتزة ، وطارت سارة التي التقت عينيها بعني زياد ، شعرت بالحزن ، كذلك هو شعر من جديد بالحزن ،لأنه حبيس على الارض يراقب طيرانهم بحسرة .
قضى الاولاد فصل الصيف وهم يتدربون على الطيران ، وعندما حل فصل الخريف ، بدأت المدرسة ، لكن زياد بقي في البيت ، لأن المدرسة بعيدة جدا ، وتقع بنايتها على جبل شاهق ، ولم يعد بمقدور والديه الطيران به ثقل وزنه وكبر سنه، لم يعد الأصدقاء يأتون اليه للعب ، فقط سارة كانت تأتي اليه بعد عودتها من المدرسة ، لكنه ظن انها تزوره من باب الشفة والرأفة ، فصرخ بها " طيري بعيدا من هنا ! أريد أن أبقى وحدي " لكن بعد ذهابها شعر بالمزبد من الوحدة .
زياد قرر أن يواجه مشكلته بنفسه ، قرر أن يذهب الى المدرسة فهو يملك ساقان ويستطع المشي والوصول الى المدرسة رغم انه مضطر أن يقطع جبل ووادي ونهر ، ترك رسالة لأمه يخبرها بوجهته نحو المدرسة ، لم يكن نزول الجبل سهلا ، فهو شديد الانحدار ، أصيب بخدوج ، فصرح لماذا لا يوجد درج للنزول عن هذا الجبل ؟ وفي الوادي نهر عريض صرخ لماذا لا يوجد جسر ؟ بالصدفة وجد طوفا خشبيا واخيرا بشق الانفس اجتاز النهر العميق ، وصعد العديد من الصخور حتى وصل الى سفح الجبل الذي تقع المدرسة على قمته ، نظر الى الأعلى بدت المدرسة مثل قلعة محصنة ، شعر زياد بغصة تنمو في حلقه أراد أن يبكي لكنه تمالك نفسه وركل حجرا ارتطم بالجبل فاخرج صوتا مكتوما ، عندها سمع صوتا يقول له " انا أعرف كيف تشعر فهذا المكان لم يبن لأشخاص مثلنا " كان صوت رجل عجوز لا يستطع الطيران بسبب ضعف جناحيه ، عندها تنفس زياد الصعداء وقال أنه كان يعتقد الوحيد لا يستطع الطيران فقال له الرجل العجوز : " لا ابدا هنالك الكثيرون مثلنا ، لكن الاخرين ممن يحسنون الطيران لا يروننا ، اننا نعيش كالأشباح هنا على الارض " وقال زياد علينا ان نشرح لهم وخاصة انهم يوما ما سوف يعجزون عن الطيران وبحاجة الى جسور وطرق لتسهيل وصولهم الى أهدافهم ، الرجل العجوز يقرر أن يساعد زياد في العودة الى البيت ، اخيرا وصل زياد البيت وجد امه قلقة عليه ، وقالت انه ان الطريق محفوفة بالمخاطر ، زياد اجاب " لم تكن هناك أي مخاطر ، لقد استعملت طوفا جيدا ، كل ما في الأمر انني بللت قدمي قليلا "
اما سارة كانت تعيش ظروفا صعبة بدون زياد شعرت بالوحدة والملل، عندما اصابتها خلال الحصة طائرة ورقية ، التقطت فكرة عظيمة ، عندما عودتها اخبرت زياد بانه يمكنه الطيران ، واخرجت الطائرة الورقية من حقيبتها ، وضع والدا زياد التصميم المناسب لأجنحة زياد ،لم يكن الأمر هينا ، شاركك زياد وسارة وأمها ، اخيرا أصبح زباد يملك جناحين ، أحمرين براقين مثبتين في اطار معدني قوي ، طار زياد وصرخ اني أطير ، اني أطير ، دوى صدى صوته بين الجبال ، اطل الناس من بيوتهم ليشاهدوا ما يحدث ، كان والده فخورا بطيرانه ، وقالت له سارة عدا ترافقنا الى المدرسة ،عندما هبطا في المدرسة حاول مروان السخرية من جناحيه لكن زياد لم يكترث .
تنتهي القصة " اذا حدث وطرت يوما فوق جبل النورس ، ومررت ببيت زياد ، في ساعة متأخرة في المساء ، سوف ترى ضوءا ينبعث من النافذة ، انهما زياد ووالده يرسمان ويصممان ويبنيان ، انهما يبنيان شيئا جديدا . ماذا تظنون انه سيكون ؟!"
رسالة الكاتب :
خلاصة : قصة زياد فوق جبل النورس ، للكاتب السويدي ينز البوم ، قصة جميلة ، رسوماتها جميلة ، تعالج موضوع حساس ، وهو دمج اصحاب الاعاقات في المجتمع ، تجسد معاناتهم اليومية ، معاناة الأهل ، الحوار الداخلي القاسي الذي يدور في نفوسهم الصراع الداخلي ، الاسئلة التي تجول في خاطرهم دون توقف، كيف يعاملهم المجتمع ، كيف يعرض عنهم معظم الاصدقاء ، كيف يواجهون الصعاب والتحديات ، كيف يواجهون سخرية اترابهم ، ايضا هنالك اناس دائما ايديهم ممدودة للخير والمساعدة ، كما تكشف القصة قصور المؤسسات الرسمية ، كيف ترى اصحاب الاحتياجات الخاصة مثل الاشباح ، لا تجهز لهم المرافق الخاصة ، كذلك اصحاب القرارات لا يجهزون البنية التحتية بحيث تخدم اصحاب الاعاقات ، لكن من المهم ان يزرع الأهل بذور الثقة في نفوس الابناء يشحذون هممهم بالمعنويات العالية ، يشجعونهم على العلم والصبر والمثابرة ، كذلك هنالك مسئولية كبيرة تقع على عاتق اصحاب الاعاقات انفسهم ، في نشر التصميم على النجاح واقتناص الفرص والمثابرة من اجل تحقيق الحلم ، والتكاتف مع الاخرين من اجل تحقيق الاهداف ، وعلى كل منا ملقاة مسئولية في دعم وتمكين ودمج اصحاب الاحتياجات الخاصة داخل المؤسسات المختلفة ومساعدتهم على تذليل الصعاب وتحقيق ذاتهم ، ومنحهم الفرصة على التميز وعدم اتباع سياسة الاقصاء ، لأصحاب الاحتياجات الخاصة الحق في حياة كريمة ، الحق في العمل ، الحق في التعليم ، والحق في التمثيل في كل المؤسسات بما فيها المؤسسات العليا .
الكاتب نجح في طرح القضية بصورة مبتكرة وابداعية ، من منح الانسان اجنحة ، وزياد ولد بلا اجنحة ، وفي النهاية نجح في تحقيق حلمه وحلق بعيدا في السماء وانضم الى اترابه على مقاعد الدراسة وامتاز بالذكاء والمبادرة وروح المسئولية، ورغب في التخطيط لمساعدة اصحاب الاعاقات ،بمساعدة والده ، في نهاية القصة اشارة ذكية الى أن زياد يخطط " سوف ترى ضوءا ينبعث من النافذة . انهما زياد ووالده يرسمان ويصممان ويبنيان . انهما يبنيان شيئا جديدا "
الضوء المنبعث من النافذة اشارة الى رياح التغيير في مفهوم المجتمع لقضية اصحاب الاعاقات ، يرمز للمستقبل المشرق لزياد ، الذي انتصر على نفسه وهزم المخاوف التي كانت تسكن صدره ، سحق الافكار المسبقة التي تعشعش في رؤوس الناس ، حقق ذاته وها هو يمد يد العون للآخرين .
جبل النورس الذي ورد ذكره في القصة والعنوان ، طائر النورس يرمز الى الخير فهو يرشد الطيور المهاجرة خلال رحلتها الشاقة في البحث عن الحياة والامان والقوت، وليس من باب الصدفة ورد ذكره في القصة ، ليكن جبل النورس منارة للناس من اجل دعم اصحاب الاحتياجات الخاصة .
فكرة الطياران والأجنحة ، تذكرنا بالعالم العربي عباس بن فرناس الذي عاش في زمن الدولة الأموية في الأندلس ، أول من حاول الطيران . ومنه استلهم الاخوان رايت في الولايات المتحدة ، فكرة تصميم أول طيارة حتى نجحت التجربة ، بهذا الاختراع قفزت الانسانية عدة خطوات الى الأمام . وفكرة الطيران راودت الانسان زمنا طويلا ، من النسور والصقور والعصافير ، التي تحلق عاليا بحرية ، اخذ الانسان الفكرة وطورها ، وكل ما يحتاجه الانسان كي يلحق بركب الحضارة موجود في الطبيعة بغزارة وفي اذهان الأطفال والعابهم .