X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
09/06/2019 - 12:37:35 pm
عيسى بلاطة وسيرة المنفى الفلسطيني: العودة بقيت حلما بقلم د.سمير حاج

عيسى بلاطة وسيرة المنفى الفلسطيني: العودة بقيت حلما

 بقلم د.سمير حاج 

حاملا صورة القدس وصرخة «عائد إلى القدس» وممسكا بخورا وجمرا من «صخر، وحفنة من تراب» عربون محبة وذكريات حزينة لمدينته وأيقونته القدس، التي أرغم على النزوح عنها بعد احتلالها عام 1967، رحل في صقيع غربته في مونتريال كندا عن عمر عريض وطويل، المحاضر الأكاديمي في الأدب العربي والباحث والمترجم والروائي الفلسطيني عيسى بلاطه صاحب «بدر شاكر السياب حياته وشعره»، و «الرومنطيقية ومعالمها في الشعر العربي الحديث»، و»نافذة على الحداثة: دراسات في أدب جبرا إبراهيم جبرا» و»التجربة الجميلة رسائل جبرا إبراهيم جبرا إلى عيسى بلاطه» و»إعجاز القرآن الكريم عبر التاريخ»، وهو يردد مع جليل حداد المقدسي في روايته «عائد إلى القدس»، موجها كلامه إلى صديقة الطفولة ابنة حارة القطمون في مدينته الأثيرة القدس، المغتربة وداد هنداوي «وتعلمين أنه لا يربطني ببلاد الإنكليز أي رابط،، ولن يربطني شيء بأي بلاد أخرى خارج فلسطين، لأن جذور قلبي، ما زالت ضاربة في روابي القدس». هذا الاغتراب الروحي سكن ومسح شخصياته الروائية الفلسطينية المنشطرة من ذاته في «عائد إلى القدس» وهو مترع بالقلق والأرق والتيه.

عيسى بلاطه ابتعد عن القدس قسرا بعد احتلالها، وكما كتب في تقديمه لـ»صخر وحفنة من تراب» 2005 «لكن أحداث النكسة في يونيو/حزيران 1967 وما تبعها من احتلال فلسطين، قلب الأمور رأسا على عقب، ورأيتني على أثرها أبتعد عن العالم العربي مع قرينتي وأطفالي، وأستقر في الولايات المتحدة ثم في كندا أستاذا للأدب العربي، بعد نيل الدكتوراه من جامعة لندن سنة 1969. وصارت كتاباتي الأدبية تنشر باللغة الإنكليزية على الأكثر، وذلك في سعي من ناحيتي لتعريف الغرب بالأدب العربي وثقافته». لكن القدس وفلسطين لم تبتعدا عنه بقيتا تعيشان وتعششان في كتاباته وأبحاثه، فقد كتب دراسات مهمة في الأدب الفلسطيني منها، «فدوى طوقان ومشكلة الموت» و»الكركدن المحاصر: دراسة حول توفيق صايغ» و»هشام شرابي بين الجمر والرماد» ودراسات في أدب أستاذه في»كلية الفرير» في القدس (1945-1947) جبرا إبراهيم جبرا وترجم سيرته الطفولية «البئر الأولى»، كما نقل أشعارا من الشعر الفلسطيني إلى الإنكليزية. إضافة إلى أبحاث وترجمات أخرى في الأدب العربي منها ترجمته للإنكليزية لرواية «القمر المربع» لغادة السمان و»حياتي» لأحمد أمين و»الضوء الهارب» لمحمد برادة و»الإقلاع عكس الزمن» لإميلي نصرالله، كما نشر عشرات المقالات في المجلات العلمية المتخصصة بالإنكليزية والفرنسية والعربية . كان عيسى بلاطه أستاذ الأدب العربي والمشرف على الدراسات العليا في معهد الدراسات الإسلامية التابع لجامعة ميغيل في مونتريال قزحيا في أبحاثه وترجماته، فقد مزج بين الأدب العربي والفكر العربي والدراسات القرآنية، وجمع بين الأصالة والحداثة. وفي السنوات الأخيرة من حياته بعد خروجه للتقاعد كما كتب إليّ في رسالة بتاريخ 2007/3/30، أقبل على ترجمة كتاب»العقد الفريد» لابن عبد ربه (المتوفى سنة 940 ) المكون من تسعة أجزاء، وفي عام 2006 ترجم ونشر الجزء الأول، وتلته أجزاء أخرى، لكنه رحل قبل أن يتم إنجاز هذا المشروع الكبير.

الذكريات والجذور

تتراءى القدس في»عائد إلى القدس» دار الاتحاد للطباعة والنشر (دار الطليعة) 1998، قطعا مشظاة وذكريات وحنينا ضائعا من خلال أصوات فلسطينية برجوازية تائهة، وإن كانت تعيش في المنفى القسري، أمريكا ولندن، انتعاشا اقتصاديا، ونجاحا أكاديميا. والقدس حاضرة بصورها المؤلمة والمفرحة من خلال ذاكرة شخوص الرواية. فالذاكرة هي النسغ والإكسير الذي يمد الشخصيات بالديمومة والبقاء، وهي تتفصد نتفا معسولة حينا ومُرّة أحيانا. تتناول الرواية من خلال الارتجاعات نكبة فلسطين عام 1948، حين كانت وداد هنداوي في السادسة من عمرها، تعيش مع أهلها في القطمون، وعلى وقع الانفجارات تركوا القطمون، وانتقلوا للعيش في بيتهم العتيق، في البلدة القديمة، وهنا تتعالق وتتماهى الرواية مع رواية «صيادون في شارع ضيق» لجبرا إبراهيم جبرا. تتراكض في»عائد إلى القدس» صور التشريد والموت والهدم، إضافة الى الماضي الجميل المحفور في ذاكرة وداد وفؤاد سرحان. وللقدس ذكريات حلوة عند فؤاد، فأثناء حضوره احتفال وداد هنداوي بمعية أصدقائها بعيدها الأربعين، في بيتها الواقع في لندن، حركت فيه المزهرية الصينية الثمينة، ذكريات الطفولة في القدس. والموسيقى تعيد الفلسطيني فؤاد إلى وعيه، وترده الى ماضيه عن طريق تذكر أسماء الأمكنة بتفاصيلها وجزئياتها. كما تلعب الموسيقى دورا مهما في حضور القدس في ذهنه، فحين بدأ جليل حداد، يعزف على عوده، في حفلة وداد: «وكنت خلال ذلك كله قد أخذتني هزة من الطرب كنت قد فقدتها في واشنطن، وعادت بي الذاكرة إلى القدس والمصايف الجميلة في رام الله». والقدس في ذهن وداد هي رمز ضياع البيت الجميل في القطمون وتشتت الأهل، إنها أحلام تبددت، وذكريات محفورة تهدهد مسرح الذهن «وتمر الأسابيع ثم الأشهر، ويصبح بيتنا في القطمون مجرد ذكرى، تساعدنا على أحيائها في أذهاننا هذه الصور التي نستعيدها من أحاديث الكبار». وجليل حداد المقدسي، الذي يعيش في لندن، ويعمل سائقا عند وداد، يفسر وجوده في لندن بأنه قسري سببه الاحتلال الإسرائيلي للقدس، وهو ما زال متعلقا بجذوره في القدس. فالقدس رغم غيابها فيزيقيا هي المكان النفسي للشخوص التي تعيش في غربة روحية من المكان المعاش.

اهتمت الرواية ذات الخيوط العنكبوتية المتشعبة في رسم تعلق الفلسطيني المنفي قسرا بالمكان المفقود، وجاء عنوان الرواية «عائد إلى القدس» ليؤكد موضوع وأسئلة هذا العمل الفني المسكون بالهم الجماعي لفلسطينيي الشتات.

لقد اهتمت الرواية ذات الخيوط العنكبوتية المتشعبة في رسم تعلق الفلسطيني المنفي قسرا بالمكان المفقود، وجاء عنوان الرواية «عائد إلى القدس» ليؤكد موضوع وأسئلة هذا العمل الفني المسكون بالهم الجماعي لفلسطينيي الشتات. وصوغ العنوان ممهورا باسم الفاعل «عائد» دلالة على انتهاء الحدث، أو استمراريته، مع أن فؤاد سرحان لم يعد إلى القدس مع انتهاء الرواية، بل بقي يفكر في ترك عمله الأكاديمي في جامعة جورج تاون، ثم العودة المرحلية إلى العالم العربي أولا ومن ثم إلى القدس، هذا القرار المفاجئ بالعودة جاء في أعقاب مقتل وداد هنداوي، برصاصة طائشة، في حفل سبق زفافها من فؤاد سرحان، صديق الطفولة في الحارة أيام القدس، وزميلها في الجامعة الأمريكية، بعد نزوح عائلتيهما إلى لبنان بعد نكبة عام 1948، تحت رعاية الشيخ الغني أيمن التابري، الذي عمل عنده زوج وداد أكرم هنداوي، وهو رجل أعمال ناجح. وأكرم هنداوي هذا هجر زوجته وداد وابنته لطيفة في لندن، مكان إقامتهم القسري، بعد الحرب الأهلية في بيروت، ليعيش قصة غرامية مع كاثي سكرتيرته الأمريكية. كما أن وداد انتقلت بعد ذلك، لتعيش في واشنطن، وأخذت معها سائقها جليل حداد وزوجته المقدسيين. وقد أصيبت وداد برصاصات، صوبت نحو الشيخ أيمن، من قبل مجهول، بسبب تورط الشيخ أيمن، تاجر السلاح في صفقة بيع أسلحة أمريكية الصنع إلى إيران، أثناء حربها مع العراق عن طريق وسيط إسرائيلي.
في الرواية وصف تفصيلي لأحداث مهمة ومأساوية في تاريخ القدس، مثل جلاء البريطانيين عنها، واحتلالها عام 1967. في هذه الرواية التي تصور شريحة نخبوية بورجوازية وأكاديمية من الشتات الفلسطيني، تبقى القدس مجرد ذكريات طفولية وحنين إلى ماض معسول سلب، فالشخصيات على العكس من عنوان الرواية «عائد إلى القدس،» وعلى النقيض من صوت «عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني لا تلتحم بالقدس فيزيقيا، ولا تعود إليها لأنها عاجزة ولا تخرج من دائرة الحلم إلى الفعل. إن شخوص»عائد إلى القدس» لم يعودوا بعد إليها، إنهم مأزومون ما زالوا يعيشون ضياعا وضبابا كبيرين. فهم من ناحية اتخذوا قرارا بالعودة لأن المنفى لم يعد مكانا للبقاء، ومن ناحية أخرى لم يحققوا حلم العودة وانشغلوا في عوالمهم الذاتية، وتبقى القدس عندهم مدينة متخيلة ومشتهاة، وهذه الثنائية تموضع الرواية في خانة روايات المنفى الأولى المسكونة بالضبابية والحيرة، لأن المسافة البعيدة زمنيا بين الغربة والمكان المفقود والحواجز والجدران تأسرهم، وكما يقول فؤاد سرحان: «إني أود أن أعود الى القدس فهي أحب مدن الدنيا إليّ، فيها رأيت النور وإليها يهفو قلبي كل يوم . لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمنعني عنها وتزعم أنني فقدت حق العودة إليها».
أليست الرواية التخييلية سيرة ذاتية تجسد بأصواتها المتعددة تخبط وأزمة شريحة المثقفين الفلسطينيين في الشتات وتشكل مرايا مشروخة ومشظاة لخيالهم، أو يندرج هذا تحت توصيف إدوارد سعيد في كتابه «تأملات حول المنفى» حول خيال المنفيين «ويقضي المنفي معظم حياته في التعويض عن خسارة مربكة بخلق عالم جديد يبسط سلطانه عليه. ولذا ليس من المدهش أن نجد بين المنفيين كثيرا من الروائيين، ولاعبي الشطرنج والناشطين السياسيين، والمفكرين. فهذه المهن جميعا لا تتطلب سوى حد أدنى من التوظيف في الأشياء إذ تضع الحركة والمهارة في المقام الأول».

 

الدكتور سمير فوزي حاج


عيسى بلاطة





Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت