أبي

شعر:بنيامين محمد حيدر

واحد وعشرين شوقا من الغياب
أيها الحاضر رغم الغياب
أيها الصالح للحب أبدا
يأخذني إليك الحنين قناديل ابتسامات
وشوقا يسافر في جسدي
في شراييني
كاشتياق الأرض للسموات
كبكاء الأرض العطشى للسماء
أحرف خضراء أجدلها لك
أبي
كنتم الأرض،
جذورها أعماقها
بذورها
وما يحويه القلب
نبض الحياة
كنتم
وبكل تلوينها
جئتك
وأنا أرسم مقاسات للصبر جديدة
ونحن التائهون في الأرض
نبحث عن طرق ضاعت منا
أبي
حكاية حب أبدية
قصيدة الكفاح
كلماتها غير الكلمات
بها حروف
الوجع
والذاكرة
وسنابل شوق
وصمت
وجرح
ورعشة روح
ومساحات فرح
كالسماء صافية
كأعماق الربيع نقية
أبي
سأكتب لك
وعنك
وأنا المتعب كالسنين
لأنك الحياة
ولن تخونني ذاكرتي
ولن يكون الزمن عدوى
دعني اقرأ ملامحك
فما زلت أحتفظ
بصورة لك
معلقة على حائط قلبي
كنهر يجري في عروقي
وفي عيوني أشياء
كثيرة تخصنا
أبي
دعني أرمم الحكايات التي خبأتها الذكريات
لتأخذني إلى طفولتي المخبأة هناك
أبي
كان يعمل تاجرا جيدا
في الحارة الشرقية
يبيع السكاكر
ويوزع الابتسامات
لكل شاب وصبية
أبي
كان فلاحا ماهرا
وجهه قمحي
مشبع برائحة الأرض
يلتقط خطوات الفجر
يبعثر وجه الليل
ومع صلوات الطيور
يتوضأ بالندى
ليتغلب على الزمن
يزرع الأرض أملا
أبي
كان رقيق عطوفا
لم يقرأ الأغاني
وابن رشد
ولكنه آمن بالإنسانية
يعرف الله
يصوم رمضان
وزار مكة
وصلى الخمس صلوات
بأوقاتها
وكان تقيا
أبي كان شيوعيا
في قلبه وطن حزين
وحب دفين
مع رفاقه يغسلون وجوههم بالألفة
لم يكن يحلم
بأكثر من ميلاد فجر
يعانق الأرض والسماء
وبصمود
وإباء
تقول كلمة الأحرار
وضميره صامد كالأشجار
ونبضه يهتف بكل شجاعة
ونداؤه
لا للطغيان
والفاشية
أبي
يا دفء اللقاء
يا نورا ينهر عتمة الأرجاء
ليتني أستطيع القبض على ضحكة واحدة منك لأعلقها كجرس يدق كلما شعرت بالحنين إليك
كم أتمنى أن أعود للوراء
لأعانق روحا لم تخبرني بموعد رحيلها
رحمك الله يا أبا
فإني أبدا معك بلقاء.