X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
29/11/2023 - 11:09:50 am
حكاية معطف قصة: ناجي ظاهر

حكاية معطف
قصة: ناجي ظاهر


ابنتي الغالية
قد أكون قصّرت معك في هذا الامر أو ذاك، لكن تأكدي أن ما قصرت فيه إنما كان غير مقصود.. بدليل أنه لاقى الحلّ المناسب في الوقت المناسب. 
أعترف بداية أنني ارتكبت بعضًا من الحماقات الصغيرة بحقّك، وبحق اختك.. الصغيرة. تذكرين يا غاليتي يوم أتيت إليّ تهزّين يديك رغبة ومحبة في الحصول على معطف رأيته في فاترينة محلّات أبي شوشة في سوق البلدة القديم، كنت يومها في الرابعة عشرة من عمرك، واختك الصغرى في الثالثة عشرة.. يومها.. وعدتك خيرًا. 
توجّهت إلى هناك توقّفت قُبالة الفاترينة وتمعّنت في ذلك المعطف.. بعد أن عرفته من بين كلّ المعروضات هناك، فأنا أعرف ذوقك الرفيع، بالضبط كما أعرف ما تحبّين وترغبين. تمعّنت حينها في ثمن ذلك المعطف، كان مرتفعًا بالنسبة لي، وقد سألت نفسي.. هل أشتريه لك؟ وماذا ستقول أختك الصغرى؟، هل ستقول إن والدي يميّز بيني وبين أختي؟ فيشتري لها ويحرمني أنا؟، بعدها أجريت حسابًا للمصروفات الشهرية وتبيّن لي بما لا يخالطه شك، أنه لا يمكنني أن اشتري معطفين في آن واحد. حينها وجدت نفسي أواجه صراعًا نفسيًا عنيفًا، فأنا من ناحية أعرف رغبتك ومدى محبّتك للملابس واعتزازك بنفسك، ومِن أخرى لا أريد أن أكسر بخاطر أختك الصغرى. 
باختصار حملت نفسي وانصرفت مبتعدًا عن أبو شوشة وفاترينته، وكلّي تساؤلات عمّا يمكنني أن أفعله إرضاءً لك وتوقيًا لزعل اختك. 
سرت مبتعدًا عن تلك الفاترينة، وأنا أتلفّت إلى الوراء، وشعور قوي يشدّني لأن أعود إلى هناك وأبحث عن طريقة تُمكّنني من أن أعود إليك في البيت وبيدي ذلك المعطف، وقد تصورّتك وأنت تتناولين المعطف من يدي مُرفقة يدك بابتسامة طالما أحببتها، فجنّ جنوني وقلت لنفسي يجب أن أحضره (المعطف)، مهما كلّف الامر، لكن عندما تصوّرت تقطيبة أختك الصغرى.. ترددت وارتددتُ إلى الوراء.
مشيت متنقلًا من شارع إلى زقاق، ومن فاترينة إلى أخرى، لعلّي أجد حلًا لمعاناتي وأحصل على معطفين بالجودة المنشودة، واحد لك وآخر لأختك الصغرى.. فلم أجد. 
بعدها توقّفت قُبالة فاترينة بدا لي أنها شعبية، فدخلت إلى المحلّ ليستقبلني صاحبه بابتسامة عريضة، وليعرض علّي.. مساعدته، قلت له إنني أبحث عن معطف ذي مواصفات خاصة.. وشرعت أصفه له، فهزّ رأسه قائلًا لي إن ذلك من المعاطف الخاصة باهظة الثمن، وإنه لا يتوفّر الا في المحالات الكبيرة، وذكر محلات أبو شوشة، فكاد قلبي يسقط بين رجلي. 
عندما لمس البائع ما حفلت به عيناي من حيرة، عرض عليّ نوعًا بسيطًا من المعاطف، وهو يقول لي هذه معاطف شعبية، ويمكنني أن ابيعك المعطفين بثمن واحد. عندها فكّرت في أن أطلب منه أن يرزم لي المعطفين ومددت يدي إلى جيبي، إلا أنني ما لبثت أن اعدتها، ما أثار استغراب البائع، وأرسل نحو نظرة ملآى بالتساؤلات. 
غادرت ذلك المحلّ وعدت للتنقل من شارع إلى زقاق ومن فاترينة إلى أخرى، وكلّي أمل أن أتمكّن من العودة إليك بالمعطف المنشود، غير أن أمرًا لم يتغّير ولم يتبدّل. عندما أرهقني المسير اقتعدت حجرًا صُلبًا في إحدى زوايا السوق القديم وأنا اتمنّى لو أن معجزةً تقع وتلبّي لي ما أردته إرضاءً لك. 
مضى الوقت وأنا انتظر ما لا يأتي، إلى أن لمعت في ذاكرتي صورة خاصة لكما، أنت وأختك الصغرى، في غرفتيكما المشتركة، (ألم نتفق على أن الحاجة أم الاختراع؟)، يومها كنت في العاشرة على ما أتذكّر وكانت اختك الصغرى في التاسعة، وقد دبّ النزاع بينمكما وارتفع صوتاكما.. خلافًا على ثوب فلسطينيّ قديم.. أنت تريدين أن ترتديه بادعاء أنه أليق بك لأنك الاكبر، وهي تدّعي أنها الاصغر وأنه يحقّ لها أن ترتديه. هل تذكرين ما حدث يومها؟ دخلت بينكما وتقدّمت باقتراح.. لاقى القبول منكما معًا.. اقترحت على كلّ منكما أن ترتدي ذلك الثوب بالدور. ما إن لمعت تلك الصورة في مخيّلتي حتى هرعت إلى محلّات أبو شوشة، دخلتُ إليها مثل ملك تحقّق حُلمُه في عرشه التائه، وأشرت إلى المعطف المقصود، فتناوله أبو شوشة ولفّه بطريقته الخاصة المميّزة التي تعجبك وتروق لأختك، وقدّمه لي لأطير به إليكما.. في البيت.
قبل أن أقدّم ذلك المعطف لك، ألقيت عليكما أنتما، حبيبتيّ الغاليتين، محاضرةً مُفادُها أن المعطف سيكون لكلّ منكما، وعندما سألتني، يا ابنتي، كيف سيكون ذلك؟ أجبتك.. أنت ترتدينه متى تطلّب الامر واقتضت الحاجة، فيما ترتديه أختك الصغرى في المقابل.. شعرتُ يومها أن كلامي لم يعجبك، إلا أنك ما لبثت أن تقبّلته، وطبعت قبلة شكر على جبيني تلتها قبلة أخرى من اختك.
لقد مضى على حكاية المعطف هذه الآن سنوات، وقد أصبحت اليوم صبية أتباهى بك وبرقتك ولطفك، غير أنني لم أنس ما حدث في حينها، وها أنذا أكتب إليك هذه الكلمات ليس للاعتذار، فعلاقتنا أكبر منه، وإنما أنا للتوضيح.. أكتبها.. كوني بخير.

 




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت