تواصل معنا عبر الفيسبوك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
في ظل سيلان الدماء في عدد من البلاد العربية على خلفيات متنوعة، بما فيها الطائفية والتكفيرية وسواها، فإن اصواتا تعلو منبهة إلى أخطار كبيرة تُحدِق بمسيحيي المشرق وبالأخص في البلاد العربية. ومن بين هذه الأصوات تلك التي تدعو إلى الهجرة من منطلق راحة البال، وأنه لم يعد للمسيحيين مكان ودور في المنطقة، واصوات تنادي المسيحيين إلى الانخراط في صفوف الجيش الاسرائيلي، اي التجند، ليدافعوا عن انفسهم.
ليست هذه هي المرة الأولى التي ترتفع فيها الأصوات في هذا الموضوع، ولن تكون الأخيرة. ولكن على أبناء شعبنا كافة التوقف دقيقة واحدة فقط لإعمال التفكير في هذا الموضوع من ناحية طرحه في ظل الظروف القاسية والمريرة التي تمر بها المنطقة، والتفكير في الدقيقة ذاتها بما يتوجب عمله على الصعيد الوطني العام.
ولكن من جهة أخرى، وقبل الدخول في التفكير المعمق، أود أن أذكر المسيحيين في هذه البلاد أنهم ينتمون إلى العربية قومية وحضارة ولغة وثقافة وأرضا وشعبا. بمعنى أن العروبة بكل مكوناتها هي عبارة عن مظلة يتظلل تحتها المسيحيون والمسلمون على كافة مذاهبهم وطوائفهم وتياراتهم الدينية والسياسية. وأود أن أذكر المسيحيين العرب أنهم ليسوا ضيوفا في هذه الأرض فهم من أبنائها الأصليين، وأود تذكيرهم بأنهم ليسوا حالة طارئة وجماعة عابرة، إنهم من صلب أرض المنطقة كلها. وأذكرهم أيضا بأن ارتباطهم بالمنطقة ليس ارتباطا دينيا فقط، إنما ارتباطهم بها هو ارتباط تاريخي عضوي وطني وقومي جذوره ضاربة في الأرض منذ مئات آلاف السنين.
هناك عدد من الشاذين والمارقين على عروبتهم، لأنه غُرّ بهم بقليل من المال أو الجاه أو الوظائف، فوقعوا اسرى بيد ساسة اسرائيل. وسياسيو اسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو يرحبون بكل من يدعو ويؤيد تجنيد المسيحيين في اسرائيل، لأنه يُظهر اسرائيل كدولة لجميع المواطنين وبالتالي يحقق مشروع زعماء صهيون بتمزيق وحدة الفلسطينيين العرب في اسرائيل، وبالتالي يحقق ما عجزت عنه حكومات اسرائيل من العام 1948 وهو تنفيذ عملية تفتيت هذا الشعب. لماذا اسرع نتنياهو إلى الترحيب بالكاهن نداف، احد مروجي التجنيد؟ لا لأنه نداف الشخص، بل لأنه يرتدي ثوب رجل دين. ونتنياهو يدرك جيدا أن هذا الثوب له تأثير وفعالية في اسرائيل وفي الرأي العام العالمي. واصوات المسيحيين العرب تستنكر بشدة مواقف الكاهن نداف وتدعو إلى رفض طروحاته بالكلية والتعبير عن ذلك بكل قوة وصراحة وجهارة.
لكن المسيحيين العرب في الداخل وفي مناطق أخرى من الشرق العربي يدركون تمام الادراك أنه لا يمكن فصل أعضاء الجسد الواحد عن بعضه بعضا. فالمسيحيون العرب هم عنصر مكون وفاعل في الشعب العربي الفلسطيني، هم من مؤسسي الحركة الوطنية الفلسطينية كما أنهم مساهمون بقوة وفعالية في تنشيط الحركة القومية العربية. ساهموا ولا زالوا، في بناء أوطانهم وضحوا بالغالي والنفيس، ولا زالوا، من اجل هذه الأوطان التي يحبونها بكل جوارحهم. ومقابل ذلك بل بالتوازي معه أدعو المسلمين ابناء هذا الوطن وخارجه إلى العمل من اجل نبذ ولفظ الأصوات الشاذة، وكل من يدعو إلى الطائفية. ادعوهم، كل من موقعه، إلى التمسك بالثوابت الوطنية والوحدة الوطنية.
ايها المسيحيون العرب في الداخل افيقوا وتنبهوا إلى خطورة مثل هذه الأصوات النشاز والتي تغرّد خارج السرب. إن المسيحيين العرب قد ربطوا مصيرهم بمصير وطنهم، وهم واخوانهم المسلمين شعب واحد يرفض القسمة على اثنين.
ايها المسيحيون افيقوا وتنبهوا إلى خطورة هذه الأصوات التي تريد العودة بنا إلى الخلف، إلى مربع الطائفية، والتعامل معنا على قاعدة الطائفية البغيضة التي ننبذها ونرفضها. وعلينا كأبناء شعب واحد موحد ومتحد ألا ندع الطائفية تقرع أبواب بيوتنا بالمرة. لأنه في حال وصلت الطائفية إلى ابوابنا ودخلت بيوتنا سنفقد كل مكوناتنا ووجودنا كفلسطينيين. فالفلسطيني يحمل على كتفيه قضية عادلة، ولا أكثر عدلاً من قضيته في العالم وعلى مر التاريخ. انه يحمل قضية الحق، ولا يتنازل عنه. وقضيتنا هي صرخة في وجه العالم الظالم والمتآمر علينا كشعب وأرض. وهذه القضية فلسطينية وعربية وعالمية، وليست طائفية. يكفي أن نشير ونذكر حكومة اسرائيل التي ترحب بالمجندين العرب من مسلمين ومسيحيين، وتعتقد انها خطوة صحيحة وعادلة، نُذكرها بقضية كفر برعم وإقرث. هذه القضية التي لا تزال تصرخ بوجه الظالم إلى يومنا هذا. ومحكمتها العليا قد أصدرت قرارات بعودة أهالي هاتين القريتين. وحكومة اسرائيل لا تحترم قرارات محاكمها ولا قرارات الشرعية الدولية!!!
افيقوا وتنبهوا ايها المسيحيون العرب على ضرورة نبذ الطائفية بالتعاون مع اخوانكم المسلمين، حاربوها بكل ما أوتي لكم من سبل وطرق. فالطائفية تنخر عظام مجتمعنا وتحوله إلى رماد. واذا انتشرت الطائفية في أوساطنا ستحطمنا وتقضي على وجودنا في وطننا الغالي. لذا ارفضوا التجنيد بأي شكل كان، لأنه مصيدة، وكارثة ومصيبة، ولأنه نافذة لدخول الطائفية إلى بيوتنا.
وبودي الاشارة إلى أن عددا من المسيحيين العرب في الداخل مبهور بالكلام المعسول الذي تروج له وسائل الاعلام الاسرائيلية بأن شريحة كبيرة وواسعة من المسيحيين الشباب قد تجندت... ولكن في حقيقة الأمر ان هؤلاء قلة وعددهم لا يتجاوز اصابع اليدين، وهم شواذ ومنبوذين داخل المجتمع.
وإلى هؤلاء الذين تجندوا او ينوون التجند اقول: ما المكسب الذي ستجنونه من وراء التجند؟ لا شيء. هل سترتفع مكانتكم لدى اسرائيل؟ لا. هل ستحصلون على امتيازات؟ الجواب أيضا لا. انظروا من حواليكم، إلى هؤلاء المجندين والذين انهوا فترة الجندية، ما هو وضعهم؟ هل تحسّن؟ هل حصلوا على وظائف رئيسية؟.... لقد حصلوا على الفتات في أفضل الحالات، وفقط الفتات الساقط من موائد اللئام والاشرار.
وأدعو رجال الدين المسيحي أن افيقوا من سباتكم ومن صمتكم وتحركوا لتحموا القطيع الموكل إليكم. تحرروا من موقف النأي بالنفس وعدم التطرق إلى المواضيع السياسية، تحرروا من كونكم نواطير حجارة. شعبكم يريدكم ان ترفعوا صوتكم من اجل العدل ومن اجل البقاء. عبروا عن الرأي الصحيح والسليم الذي يضمن وجودنا كشعب واحد. ليكن صوتكم من اجل العدل والحق والاستقامة. وإلا فلن تبقى في الأرض المقدسة إلا الحجارة، والحجارة تبقى حجارة دون معنى.
وبالنسبة للوجود المسيحي العربي، فلا بقاء للمسيحيين في فلسطين والشرق إلا بالاقتناع الذاتي انهم من صُلب هذا الشرق، ولا بقاء لهم في هذه الأرض إلا إذا تظافرت الجهود بينهم وبين المسلمين على نبذ ورفض ومقاومة حركات وتيارات التكفير والطائفية ولفظها من المجتمع، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية والقومية.
اثبتت الأحداث التاريخية الماضية سواء القريب منها أو البعيد أن الطائفية ستودي بالشعب إلى الجحيم، وعندها تنعم اسرائيل بالراحة لأنها تكون قد حققت مشروعها في تمزيق وحدة شعبنا. واثبتت هذه الأحداث أن البقاء المسيحي في الشرق لا يتوطد ويتعزز إلا بالوحدة الوطنية بين مسلمي ومسيحيي المنطقة. عندها، وفقط بالوحدة والعمل المشترك يواجه الشرق هجمات الغرب المفترسة له. والتي، أي الدول الغربية، لا تريد الخير لهذه المنطقة، إلا الخير لمصالحها.
وأخيرا، ومع نهاية العام 2013 والذي كان مؤلما ودمويا في سوريا الحبيبة وفي العراق ومصر، والمصير المبهم للحالة الفلسطينية، ما علينا إلا أن نتمنى تحقيق المزيد من روابط الوحدة العربية والتعالي عن الصوت الطائفي والتعامل مع إنسان هذه المنطقة على قاعدة المواطنة وليس الطائفة، على قاعدة الاحترام بالتنوع الجميل والرائع القائم عندنا، عندها يمكننا التقدم خطوة إلى الأمام، بحيث يتم تفضيل الانسان على الطائفة، والشعب على المذهبية.
طريقنا غير مفروش بالورود، إنه محفوف بالمخاطر، ولكننا كشعب واحد أقوى من كل ريح واعصار يضرب بنا.
ليكن العام المقبل 2014 سعيا وراء تحقيق هذا الهدف السامي، وهو في متناول اليد بالتنازل عن الاطماع الشخصية، والرؤى الضيقة، ونبذ الطائفية ورفضها كليا.