X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
10/09/2022 - 05:40:28 am
حصاد الدم، فإما مواجهة راعية الجريمة

حصاد الدم، فإما مواجهة راعية الجريمة

وأما يواجهنا التجنّد لقوات قمعها أو الهجرة

بقلم :أمير مخول

بتنا على مفترق طرق خطير للغاية، فإما يتواصل نزيف المجتمع الفلسطيني في الداخل، وإماّ نحمل جراحنا واحزاننا ونتحول الى حال من التصدي والمواجهة مع المنظومة الحاكمة التي وحدها تملك كل القدرات والاجهزة والسطوة للقضاء على الجريمة المنظمة التي تفتك بنا كمجتمع، وتشوّش وتشوّه كل ما هو ايجابي ونهضوي فيه، وهي المنظومة التي توفر دفيئة للجريمة وسياسة حمايتها واطلاق العنان لها. لقد باتت الجريمة تلعب دورا وظيفيا بنيويا في ممارسات الدولة الخفية منها والجليّة على السواء، والتي تريد لنا نحن العرب الفلسطينيين في الداخل ان ننشغل فقط في قضايانا الداخلية، والتي تفرض حصارها علينا جميعا وتترك لنا خيارين باتجاه واحد، فإما اللجوء الى الدولة وخدمة اجيالنا الصاعدة في منظومة الأمن والعسكرة المعادية لوجودنا ولشعبنا وهي الهجرة السياسية والهوياتية الى الدولة والولاء لسياساتها، وإما دفع هذه الاجيال وبالذات الاكثر كفاءة منها الى الهجرة من الوطن، وفي كلا الخيارين سنخسر أنفسنا وكيانيتنا ونخسر دورنا تجاه بقائنا وتطورنا وتجاه قضية شعبنا.

أحيانا تكون الوتيرة غدّارة وتغرّر بالضحايا، فلو نظرنا الى عدد ضحايا الجريمة المنظمة في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، لأحصينا العشرات الكثيرة. ولو تزامن سقوط الضحايا معاً لاعتبرنا أننا امام مجزرة، ولا يضاهيها عدد سوى عدد شهداء شعبنا الذين يسقطون برصاص الاحتلال بوتيرة يومية موازية. يبدو أن الوتيرة تجعلنا نعتاد الى ايقاع ردود الفعل، وتحوّل الغضب الى حزن دفين بدلا من الفعل.  إن ما تمارسه الدولة أبعد من أن يكون سياسة لتغيير قناعاتنا وإنما لتغيير سلوكنا وفرض جدول اعمال قسري عنيف يقوم على تشوش قناعاتنا الوطنية ومن خلالها إحباط أية نهضة جماهيرية.

يعيش الفلسطينيون العرب في اسرائيل في حالة تناقض وفجوة سلوك هائلتين، فمن ناحية تتوفر في هذا المجتمع كل الطاقات النهضوية الخلاقة والمبدعة والمشرقة والتي تجعل وزنه الحقيقي النوعي اكبر من حجمه الكمّي، وهذا ما لا تريده اسرائيل، وفي المقابل تعبث منظومة الجريمة المنظمة بكل الانجازات والطاقات الخيّرة، حتى ولو كان عدد افراد منظومتها محدودا جدا، فإنّ ادوات سطوتها مسنودة بنيويا ووظيفياً من الدولة، فاقتصادها وأدواتها تحت رقابة الدولة بالكامل، ورؤسائها مرتبطين بجهاز الأمن العام الذي يوفر لهم الحماية والحصانة وهو الجهاز الحاكم فعليا للعرب في الداخل، ويخصص للجريمة وظيفة تخدم سياساته بعيدة المدى.

باعتقادي أنّ رهان الدولة وسياساتها الخبيثة على الجريمة قد نجح، فهناك معادلة انه طالما كان القمع من قبل الدولة واجهزتها مباشرا، صلب عود جماهير الشعب ومقاومتها الشعبية، في حين أن الجريمة تستنزفها من داخلها وتحبط كل امل حين تصبح اولويات الناس هي التفتيش عن الامان الشخصي والأُسري المفقود. ولا يغيب للحظة عنا مخطط الدولة في تفتيت المجتمع الفلسطيني كونه أحد اكثر مجموعات الشعب الفلسطيني تنظيماً وجهوزية لأخذ دوره والاسهام في قضية فلسطين بكل مركباتها. انها تخلق اولوية واحدة ووحيدة وهي الأمان الفردي ومن يكون جل انشغال الانسان في امانه الشخصي لا يتضامن مع غيره ولا يتحمل مسؤولية تجاه احد، فيذهب الى الحلول الفردية؛ على سبيل المثال فإن الهجرة السنوية الداخلية الى حيفا  تصل الى ألف مواطن عربي، وذلك في معظمه سعياً وراء الامان وهروبا من "الرصاصة الطائشة" التي تملأ فضاءات الناس في كل بلداتنا. وما لم يكن التصدي جماعيا فإن الناس ستهرب من الجريمة، ولا لوم على الناس في خياراتها اذا كان المجتمع ضعيفا ولا يوفر حماية لابنائه وبناته، لكن يجدر الا يغيب عن بالنا انه حتى ولو كان المجتمع اكثر تماسكا لما تخلّص من الجريمة، لأن ادوات التخلص من الجريمة في ايدي الدولة وليس المجتمع، كما هو الحال في كل مكان في العالم، وكما حدث مع المدن الاسرائيلية حين رأت الدولة بانتشارها مسألة أمن قومي وهاجس دمغرافيا، تؤدي الى هجرة اليهود والى حلول العرب في أمكنتهم ليتغير الطابع السكاني لهذه المدن ويختلّ نقاء العِرق. لقد تخلصوا من المافيا الاسرائيلية بقرارات حكومية، وباتت معظم قياداتها في السجن وحطموا بنيتها واقتصادها، بينما الجريمة هي المجال الوحيد الذي يميزون فيه لصالح المافيا العربية وعلى حساب الجماهير العربية.

تتحفنا شرطة اسرائيل بالاحصائيات، وتطالب الشباب العرب بالانضمام لصفوفها، وتكاد تطالب القيادات العربية بأن تتقدّم لها بالشكر والامتنان، بعد كل عملية ضبط لاسلحة، انهم يتحدثون عن عشرات وحتى مئات قطع السلاح، الا أن احصائياتهم ذاتها تؤكد ان سوق السلاح يتعدى النصف مليون قطعة، اما اقتصاد الجريمة فهو بالمليارات، ومن المفارقات أنها تسير على خارطة طريق علاقات اسرائيل الاقليمية، فبعد التطبيع مع النظامين في المغرب والامارات اعتمد أقطاب الجريمة المنظمة عاصمتي البلدين عاصمتين لهم، ومع تعزز العلاقات الاسرائيلية التركية، تكون الجريمة قد وفّرت ملاجيء ضريبية وجنائية لقياداتها في هذه البلدان وبإيعاز من اجهزة الدولة هنا. بناء عليه لن يكون مفاجئا اذا بلغت الجريمة دور التصفيات السياسية ودور صنع القيادات السياسية المعنية بها، وهي ظاهرة معروفة فيما يسمى تبييض الجريمة كما تبييض الأموال.

من الخطأ التعامل مع الجريمة باعتبارها ظاهرة مجتمعية عربية فلسطينية، بل هي ظاهرة اسرائيلية مرتبطة بمنظومة الدولة أولاً، وقد باتت سياسة دولة، بينما تستغل البنية الاجتماعية والبلدية والحالة الاجتماعية الاقتصادية لمجتمعنا لخدمة مصالحها.  إنها تفرض سطوتها على المجتمع الذي لا يعرف فعليا ما يجري داخلها من تفاعلات، ولا كيف تتحرك ولا اين ستكون ضربتها ومن سيكون ضحيتها التالية ليشعر كل فرد بأنه قد يكون ضحيتها ولا يملك ادوات حماية، مما يفقد الشعور بالأمان، ناهيك عن أنه بات معروفا للناس بأن استهداف شخص ما لا يكون بمجرد تصفيته بل تصفية اناس من الدوائر القريبة له كي يرضح المستهدف لسطوة المافيا.

الاصعب في مخططات الدولة هي تلك القائمة للمدى البعيد، حيث من الصعوبة بمكان رؤية الى اين تقود وكيف تسير السياسات السرية غير المعلنة. على سبيل المثال لا الحصر، فإنّ هبّة الكرامة التي اعتقدنا بسلوكنا ألسياسي انها انتهت، فلا تزال مسألة جوهرية على جدول اعمال الذهنية الأمنية الاستخباراتية الاسرائيلية التي طوّرت عقيدتها في ضرورة منع أية امكانية لها في المستقبل، والى ضرورة "إخضاع العدو قبل المواجهة التالية" مع التأكيد على ضرورة تعددّ الأذرع وتكاملها، وأنّ كل الوسائل متاحة، والنتيجة هي المسعى المتكامل لهدم بنية المجتمع.

ما العمل؟

لا توجد عصا سحرية في مثل هذه الحالات، ولا من حلول بنيوية في تغيير طابع الدولة، ولا في تغيير وضعية جماهير شعبنا باتجاه حكم ذاتي تحمي من خلاله أمانها. كما أن المسألة  هي بالجوهر سياسية تتم معالجتها بالأدوات السياسية وضمن مشروع سياسي اوّلاً.

في اواخر العام 2020 واوائل العام 2021 قامت لجنة المتابعة وجماهير الشعب من حولها بعمل جبار، سواء في تحديد الرؤية بأن الجريمة هي سياسة دولة ونتاجها المباشر ونتاج تراكم سياساتها ونتاج وضعية الجماهير العربية الفلسطينية في في الواقع الصهيوني العنصري الاسرائيلي. بينما كانت استراتيجيات العمل المنبثقة من هذه الرؤية بأن العنوان لمواجهة الجريمة هو خلق وضع شعبي يفرض على الدولة ان تواجهها حتى ولو أدى الأمر الى تشويش المرافق العامة للدولة والحيّز السكاني الاسرئايلي ذاته، ومن هنا كانت مظاهرات كفركنا وتبعتها طمرة على الشارع الرئيس وإغلاقه ومن ثم المسيرة الجبارة في مجد الكروم وإغلاق شارع الشاغور الرئيسي بعشرات الالاف من الناس، ومسيرات السيارات على الطريق السريع – شارع رقم 6 وصولا الى القدس، وكذلك المظاهرات طويلة النفَس التي قام ويقوم بها اللجنة الشعبية والحراك الفحماويين والعديد من المبادرات الشعبية في مختلف البلدات.

لم نكن ننتظر تصريحات ديسكين رئيس الشاباك السابق ليؤكد بأن الشاباك يوفر الحماية لرؤساء الجريمة المنظمة، ولا لدعوات رئيس بلدية اللد رفيفو المسؤول مباشرة عن وضع العرب في المدينة بكل مناحيه، ودعوته لجماهير شعبنا بالتظاهر ولتأكيده انه لو جرت جريمة قتل في شمال تل ابيب لتحركت الدولة. قد تكون تصريحاتهما كاشفة او محفّزة او ضاغطة على الدولة، لكن لا تنقصنا رؤية هذه الأمور ودور الدولة، وليس هناك ما يحفّزنا للفعل أكثر من واقعنا النازف.

باعتقادي أن الخطوات المطلوبة حاليا تتطلّب تحويل الحزن والاحباط الى فعل جبار، والعنوان هو لجنة المتابعة العليا سواء بمركباتها ام بإقامة إطار طواريء كفاحي الى جانبها ولكل القوى والعنصر المعنية لتقود مسيرة الشعب لإرغام الدولة على القيام بمواجهة الجريمة والقضاء على بنيتها. حين تتحرك جماهير الشعب كل شيء يبدأ بالتغيّر.

في الصورة: اواخر 2020 واوائل 2021 قامت لجنة المتابعة وجماهير الشعب من حولها بعمل جبار، في تحديد أن الجريمة هي سياسة دولة ويجب خلق وضع شعبي يفرض على الدولة ان تواجهها – الصورة: مظاهرة طمرة شباط 2021




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت