X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
25/02/2023 - 07:42:30 am
بن غفير يحلّ أزمة إسرائيل بقلم: حسين مريسات

بن غفير يحلّ أزمة إسرائيل بقلم: حسين مريسات

 

يحكى أن قرية صغيرة فقدت، في إحدى الليالي، قنديل بيت ديوان العامّة، وراح الناس مفجوعين مفزوعين في الديوان، يصطدم ويشتبك كُلٌّ بالآخر في العتمة، فإذ بأحد المشعوذين المحتالين يصيح دون سابق إنذار، لست أنا من سرق القنديل، أنا بريء من سرقة القنديل، لست أنا من سرق القنديل صدقوني، فدُهش نفرٌ من الناس من تصرف المشعوذ المحتال، فلمَ يصيح ليلا نهار بجرمٍ يدعي بأنه لم يرتكب؟!، وما أن سرى الشك في نفوسهم،  حتى قرروا تتبُّع أثر المشعوذ هذا، وفي أحد الايام والمشعوذ المفزوع يمشي في الطريق، وقع من على كتفه كيس الخيش الرثّ، فبان قنديل القرية المسروق، وراح الناس يتدبّرون أمر المشعوذ المحتال، مُعيدين القنديل إلى بيت الديوان ومعه النور والبريق.

أتذكرنا قصة القرية والمشعوذ السارق بشيء ما؟ عن أحد المشعوذين المعاصرين ربما؟

هناك سياسي اسرائيلي ابن منظومة سياسية (ومعه جوقة من المهاوييس) -على نسق صاحبنا المشعوذ- ينفلق ليلًا نهارًا في المجاهرة والصراخ "نحن أصحاب البيت".."أصحاب البيت هم نحن".."البيت أصحابه نحن"، وكأنه يعيد التكرار على الهواء والجمال علّهم يستصوبون قوله،  والسؤال هنا هل أن من يثق بادعاءاته ويصدّق تبجُّحاته، يحتاج إلى كل هذا العويل والفزع وهو يرمي بذلك؟  
إن تأكيدات هذا السياسي المتكررة "للمُلكية"، إذ تقف خلفها قصة نهب وسرقة وطن مسلوب، لا يمكن أن تمحى مهما كرر اسطواناته الناشزة، وطبعا أقصد هنا المدعو ايتمار بن غفير وزير "الأمن القومي"، هو ابن المنظومة السياسية الاسرائيلية، وأنا أدعي أنه ابن الأزمة الاسرائيلية، وليس غريبا أبدًا عنها كما يختار البعض ان يصنف بمكر أو بسذاجة.

بعد اكثر مما يقارب 4 سنوات من أزمة الحكم في اسرائيل و 5 انتخابات متعاقبة، يبدو أن مرحلة جديدة من نوعها وزخمها قد بدأت للتو، وأنّ ربيعًا وصيفًا حارًّا قادما سيذيب الكثير من بيوت الثلج السياسية.
إن عودة نتنياهو إلى الحكم- برأيي- تثبت أن الأزمة السياسية في اسرائيل ليس سببها شخص بنيامين نتنياهو مع رزمة الاتهامات بالرشوة والفساد التي تحيطه، بل هي أزمة بنيوية في عقلية الصهيونية كأيديولوجية شوفينية طبقية لا تخلق إلّا الأزمة، ولا تخلق سوى لاعبين سياسيين مأزومين.

//يمين متجدد ويسار متخلف
ليس خافيا جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين الفاشي، فحتى حين تم استبدال حكومة نتنياهو، بما سُميّ "حكومة التغيير" برئاسة رئيس مجلس المستوطنات السابق نفتالي بينيت، تم عمليًّا استبدال يمين بيمين آخر، إلا أن هذا لم يسعف أزمات المجتمع الاسرائيلي بل على العكس. أدى ذلك إلى سخط متزايد، واقتناع شرائح واسعة من اليمين بأن معسكر  اليمين التقليدي بقيادة حزب الليكود لم يعد قادرًا ، -أو لم يعد قادرًا بحلّته الحالية-، على مواجهة التحديات التي تحيط بالمجتمع والدولة في اسرائيل، وبأن هناك ضرورة من أجل تجديد قطب اليمين والنفح في روحه بـ "طفرة" سياسية جديدة، يغدو بها أكثر راديكالية و"مبدئية". وتُرجم ذلك بالنجاح المنقطع النظير الذي حققه اليمين الاستيطاني الفاشي بقيادة المدان بأعمال إرهاب ايتمار بن غفير والمتطرف بتسلئيل سموطرتش وحصولهم على 15 مقعد كسابقة سياسية، بعد ان لم ينجحوا في عبور نسبة الحسم لسنوات طويلة. إن هذا الاقتحام لليمين الفاشي بهذه الهالة وهذه القوة، يضفي على الحلبة السياسية مزيدًا من التحديات، ليس أولها السعي لتصفية القضية الفلسطينية تصفية تامّة، ولا آخرها تصفية كل التجمعات والسلطات السياسية والاجتماعية التي تقف بطريق هذا اليمين الفاشي، وقد تكون التعديلات في الجهاز القضائي، والتصاميم بين الوزير بن غفير ومفتش عام الشرطة هي أولى هذه التصفيات لكن ليس البتّة آخرها.

يعزو المحاضر في مادة التاريخ في جامعة كارديف البريطانية كيفيت باسمور نشأة الحركات الفاشية من مصدرين؛ "أولا: خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين كان أنصار أحزاب اليمين الساخطون هم أكثر من اعتنق الفاشية، إذ شعر كثير من المحافظين من عامة الشعب أن اليمين التقليدي أضعف من أن يحقق وحدة وطنية أو أن يواجه الاشتراكية والحركة النسائية والأزمة الاقتصادية والصعوبات الدولية، ورأوا أن الفاشيين أكثر وطنية وتصميما من المحافظين التقليديين، بل واعتبروا أن إزالة المؤسسة الرسمية القائمة شرط مسبق لإصلاح النظام، فطالبوا بفرض النظام باسم الثورة، وبالثورة باسم فرض النظام."

//ولكن مهلًا..أين اليسار والمركز؟!
إن نتنياهو لم يكن يحتاج إلّا إلى هذه الطفرة اليمينية ليعود إلى الحكم، كيف لا وأمامه خصم سياسي بليد متعجرف ومتخبط مثل اليسار والمركز الصهيوني.

ويا للمفارقة بأن يجد اليمين مخرجه من الأزمة السياسية، بتجديد نفسه وتجذير قواعده، والتأكيد على ثوابته الراديكالية والمبدئية، بينما ما يسمى اليسار الصهيوني المُدّعي لقيم التقدمية والتجدّد والانفتاح، لا يزال يعيد إنتاج بؤسه وتراجعه وتموضعه على ضفاف الساحة السياسية.

إن الفرق بين سبات الطبيعة وبين سبات ما يسمى اليسار والمركز الصهيوني، هو أن الطبيعة بعد سبات الشتاء العاصف والماطر تزدهر في الربيع ألوانا وبراعمًا وثمرًا طيّبًا، أما هذا اليسار والمركز فبعد سباتهم وتواطئهم -أخيرًا وليس آخرًا- في حكومة نفتالي بينيت بالعواصف والرعود التي صاحبة فترة حكمها، ها هم يذهبون إلى الربيع القادم قاحلين متوجّسين ببخس الحصاد والثمر. فكيف لا وقد صادقوا ووافقوا على أشد الضربات الاقتصاديّة التي وجّهت ضد الشرائح الضعيفة، وسعوا بكلّ ثقلهم لتصفية القضية الفلسطينية، واختراع وتسويق كذبة السلام الاقتصادي الواهم، وها هم اليوم وهم مرفوسون إلى صفوف المعارضة، يعيدون إنتاج ذات نمط الاستعلائي العنصري الفوقي والطبقي، عبر تداخلهم في الاحتجاجات الأخيرة التي تندلع في طول وعرض البلاد، احتجاجا على التعديلات او "الإصلاحات" في الجهاز القضائي. وبينما يرى اليمين الطريق بتجديد نفسه، وإن كان هذا عبر شرعنة اليمين الكهاني الفاشي   فإن اليسار الصهيوني يتجمّد أمام صنميّته، ويصر على أن يبقى صهيونيًّا أبيض أشكنازيًّا لذوي الامتيازات الاوروبية. إن اليسار الصهيوني لا يرى في الاحتلال الأزمة وتلك هي أزمته، ويمسّك بالصهيونية وتلك أيضًا علّته. فهو غير قادر على نسج خطاب ايديولوجي إنساني حقيقي حتى على صعيد استقطاب الشرائح اليهودية الضعيفة مثل اليهود الشرقيين، الذين يصوتون بغالبيتهم لليمين الذي ينجح باستقطابهم، ولا هو قادر (اليسار الصهيوني) على مواجهة صهيونيته، التي لا ترى بالاحتلال مأزقًا وحقلًا للكراهية، ينبُت فيه ألدّ خصومه السياسيين أمثال بن غفير؛ صهيونية اليسار التي لا ترى بالعرب في الداخل سوى احتياطג أصوات لا غير.

إنّ الأجدى فعليًّا للمتوجّسين من مشاركة العرب في حركة الاحتجاج الأخيرة بهويتهم وقضاياهم القومية والمدنية وعلى رأسها إنهاء الاحتلال، الأجدى بهم أن يتذكّروا ويُذكّروا ويدركوا أن من سطا على حركة الاحتجاج الإسرائيلية صيف عام 2011 لم تكن الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل، ولم يكن شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وإنما كان ذاك المتفذلك المتذبذب المدعو يائير لابيد الذي تنكّر لوعوده اتجاه حركة الاحتجاج، ودخل إلى حكومة نتنياهو عام 2011 بعد ان حاز على 18 مقعدי بفضل موجة الاحتجاجات في تلك الفترة، ليتسلم وزارة المالية دون أي تحقيق لوعوده الاقتصادية والسياسية، بل العمل على النقيض منها.

//مؤتمر الجبهة.. رافعة للعمل
تعقد الجبهة مؤتمرها القادم في بداية آذار، وعلى هذا المؤتمر يترتب العديد من القضايا الفارقة، أهمها استيعاب دروس مناهضة الفاشية التاريخية وملاءمتها للمرحلة القادمة في البلاد، والتأكيد على أن الاحتلال هو الشر الأسود الذي تتفرع منه كل الموبقات، وأن لا إمكانية للقفز عنه وعن آثاره المدمّرة، مهما حاول الدوغمائيون و متفذلكو النظريات المتصهينة "والمناهج الجديدة" ادعاء ذلك.
إن على مؤتمر الجبهة القادم الوقوف مليًّا عند شعار "نحو اوسع جبهة لمناهضة الفاشية"، بشكل عملي ونظري، والاستفادة من التجربة التاريخية الزخمة في للعمل الجبهوي في البلاد وفي اماكن أخرى، خصوصا وأنّ مجتمعنا العربي يئن تحت وطأة المصائب والنوائب التي تحيكها السلطة ضدنا، وتقع أمام ذلك على عاتقنا مسؤولية تنظيم مجتمعنا وفرز طاقاته الكامنة، التي تستطيع أن تشكل ثقلا سياسيا واجتماعيا فارقا على جميع الاصعدة، والتي سوف تُهدر وتتبذر إن لم نبادر لتنظيمها وتسييسها.
فمع تخاذل اليسار الصهيوني الاشكنازي وعجزه عن طرح بديل يساري حقيقي، يجب أن يعود إلى الواجهة والتطبيق شعار  "اليسار هو الجبهة"، وبرأيي يجب التأكيد على هذا الشعار الآن بالذات، كون الجبهة هي الجسم اليساري الحقيقي الوحيد الذي يكترث لمصير الشعبين في البلاد.
إن الجبهة لم تُخلق لتكُون جزءًا من المعسكرات الصهيونية وأُرجّح أنها لن تكون يومًا، تلك المعسكرات التي تعيد إنتاج حالة الأزمة، تغذي بعضها بعضًا، وتحاول تأبيد الاحتلال. ومع ذلك ففي ذات الوقت تعلمنا التجربة التاريخية وجوب عدم الانعزال والتقوقع، بل السعي المضني من أجل اختراق الشارع اليهودي الاسرائيلي، وعدم التفريط حتى بالهامش الديموقراطي الذي تحاول حكومة نتنياهو - بن غفير خنقه، وذلك بالتحديد يتم بالإصرار على طرح قضايانا التي تعبر عنا كشعب وكمواطنين، باستقلال تام عن القوالب الصهيونية التي لا نبيع ولا نشتري منها شيئًا. ومثلما تتحول مظاهرات تل أبيب والقدس إلى مركز اهتمام اعلامي، نستطيع  أن نفرض معادلتنا عبر جعل البطوف والمثلث والنقب مركز اهتمام واستقطاب، بالنزول المنظم إلى الشارع أو غيره من أشكال الاحتجاج.
إن وضعنا المركب كامتداد "حيّ وواع من الشعب العربي الفلسطيني" وأقلية قومية أصلانية في اسرائيل يحتم علينا إيجاد المعادلات اللازمة وطرح الأسئلة الصعبة والإجابات المركبة، هكذا كُنّا..هكذا سنكون.

"وأمشي ألف عامٍ خلفَ أُغنيةٍ
وأقطع ألف وادٍ شائك المسلك"

توفيق زياد

في الصورة: مارش الفاشيين الإسرائيليين – كاريكاتير: كارلوس لطوف




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت