تواصل معنا عبر الفيسبوك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
إنّ إعادة النظر، والتفكير المتجدّد في مدى فاعلية ونجاعة تمثيل الهيئات والمؤسّسات الفلسطينيّة، ليسا مقصورين على حالة فلسطينيّي الداخل، بل أصبحت حالة فلسطينيّة عامّة. فالتساؤلات والتخبّطات والنقاشات حول مكانة ودَوْر وتحديث لجنة المتابعة شبيهة، إلى حدّ كبير، بتلك التساؤلات التي تدور حول منظّمة التحرير الفلسطينيّة، والمجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، وحتّى حول السلطة الفلسطينيّة، ولذلك، من شأن التأمل وتحليل الحالة الفلسطينيّة العامّة أن يوفّرا بعض التفسيرات حول وضع وإمكانيّات تنظيم المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل. ففي مقال هامّ للدكتور جميل هلال، بعنوان"الداخل" و"الخارج" في تحوّلات بنْية الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، والذي صدر مؤخّرًا، وحاول من خلاله تشخيص الحالة الفلسطينيّة الراهنة، استعرض هلال السِّمات الأبرز للحقل السياسيّ الفلسطينيّ في بداية العقد الثاني من القرن الراهن، ومن بين هذه السِّمات: غياب قيادة سياسيّة موحدة للشعب الفلسطينيّ؛ وجود أزمة تمثيل وطنيّ نظرًا إلى تغييب المؤسّسات الوطنيّة الجامعة؛ غياب المرجعيّات الوطنيّة.
إنّ المركّبات والسِّمات الثلاث التي أوردها هلال يمكنها أن تنطبق على حالة الفلسطينيّين في الداخل من خلال: غياب قيادة سياسيّة موحّدة للمجتمع الفلسطينيّ، وجود أزمة تمثيل وطنيّ نظرًا إلى ضعف واستقطاب المؤسّسات الوطنيّة وانقسامها، وغياب المرجعيّات الوطنيّة الواضحة والرؤى المستقبليّة المتّفَق عليها. علاوة على ذلك، ثمّة إشكاليّة في قلّة توافر الموارد المادّيّة والبشريّة، وتعثُر محاولة تحديث المبنى التنظيميّ للّجنة نتيجة للاختلافات السياسيّة والمصالح الحزبيّة والحركويّة والفروق في الرؤى المستقبليّة وأساليب تنظيم الجماهير العربيّة وإستراتيجيات التعامل مع الدولة والمجتمع اليهوديّ.
لقد أقيمت لجنة المتابعة قبل ثلاثة عقود، وذلك في سياق سياسيّ اجتماعيّ معيّن بدأت كلجنة متابعة تَصوغ موقف الجماهير العربيّة حيال القضايا الطارئة، واقتصر دورها على ردود الفعل والمبادرة لإحياء ذكرى المناسبات الوطنيّة. وبالرغم من الإنجازات المتعدّدة التي قامت بها، لم تطرأ –خلال هذه الفترة الطويلة- تطوّرات وتغيّرات جوهريّة سواء في غاياتها أو صورة تنظيمها، كما أنّها لم تنجح في وضع رؤًى وبرامج جماعيّة تتعاطى مع تطلّعات المجتمع )بالرغم من وجود برامج سياسيّة لكلّ واحد من مركّباتها( إنّ اللجنة ومركّباتها طوّرت أنساق عمل وثقافة سياسيّة اتّسمت بالتكرار لا بالنموّ والتغيير ووضعت جلّ جهدها في إستراتيجيّة الاحتجاج كإستراتيجيّة مركزيّة، كما أنّ النزاعات الحزبيّة والخلافات الشخصيّة مسّت هيبتها وأثّرت على مدى شرعيّتها. من الضروريّ، على ضوء تغيير السياق، على المستوى المحلّيّ، الإقليميّ والدوليّ، أن تجري عمليّة مراجَعة جِدّيّة لدور اللجنة، مكانتها وبنْيتها، وإجراء عمليّة تخطيط إستراتيجيّ شاملة، تُفضي إلى الاتّفاق على مشروع سياسيّ فلسطينيّ موحّد ومركزيّ، مع احترام الشرعيّة التعدّديّة، وإلى مبنى وشكل تنظيميّين جديدَيْن وقادرَيْن على حمل هذا المشروع.
ليس ثمّة خلاف على ضرورة وجود جسم تمثيليّ وحدويّ وقياديّ، يعكس التوجّهات كافّة، إلاّ أنّ الوضع القائم يتميّز بعدم وجود ميثاق ونظام واضحَين يشملان المبادئ الأساسيّة والسيرورات الإجرائيّة التي تنظّم أداء اللجنة، وعمليّة اتّخاذ القرارات وطُرُق تنفيذها، ومن ثَمّ تقييمها، كما أنّ المجتمع لم يشارك في كيفيّة تركيب اللجنة وصلاحياتها )بالرغم من أنّ جزءًا من أعضائها منتخَبون سواء أكانوا رؤساء سلطات محلّيّة أو أعضاء كنيست(، ولذلك نقترح صيغة أوّليّة لتغيير الوضع القائم وتجاوُزه وتتكوّن من مرحلتين:
المرحلة الأولى/الانتقاليّة – وهي تأسيس المجلس الأعلى للجماهير العربيّة وإقامة أطُر وتنظيمات واتّحادات مهنيّة وأهليّة، تَجمع ما بين الهُويّة والوطنيّة والمهنيّة تُنتخب بشكل ديمقراطيّ وتمثّل في هذا المجلس بالإضافة إلى رؤساء المجالس والأحزاب والحركات السياسيّة ممّا يقوّي ارتباط المجلس بالقوى الشعبيّة، كما تجري في هذه المرحلة صياغة ميثاق ونظام واضحين يشملان المبادئ الأساسيّة والسيرورات الإجرائيّة المقترَحة وطريقة انتخاب المجلس، وكذلك تشمل صلاحيات المجلس ومرجعيّته، ويُعرض هذا الميثاق لاستفتاء عامّ ومن ثَمّ تجري المصادقة عليه من قِبل أبناء المجتمع العربيّ. من الجدير بالذكر أنّه من الضروريّ -في إطار المرحلة الانتقاليّة والتأسيسية للمجلس- أن تجري النقاشات على نحوٍ علنيّ وديمقراطي. باعتقادي، إنّ هذه المرحلة يجب أن تستغرق ما يتراوح بين 3 وَ 5 سنوات.
المرحلة الثانية- انتخاب مجلس أعلى للجماهير العربيّة بانتخابات مباشرة وديمقراطيّة، بحسب الميثاق المصادَق عليه، تعكس كافّة الشرائح والتوجّهات في المجتمع، ويجري تداوُل التمثيل بحسب الفترات التي صودق عليها بالميثاق، وتُناقَش القضايا علنيًا، ويكون الممثّلون على نحوٍ دائم في هذا المجلس، ويوضع له مبنى تنظيميّ عمليّ وفعّال. إنّ المبنى والسيرورة اللذين نقترحهما يخلقان مركزًا للحِراك السياسيّ والاجتماعيّ والجماهيريّ العربيّ ويزحزحانه من البرلمان الإسرائيليّ إلى مركز المجتمع، حيث يكون التمثيل في البرلمان الإسرائيليّ إحدى إستراتيجيات العمل، وللأحزاب والحركات السياسيّة يكون ممثّلون في البرلمان وممثّلون في المجلس الأعلى للجماهير العربيّة.
الاقتراح الذي نقدّمه يتمسّك بالمواطَنة ولا يتنازل عنها، ولا يدعو إلى الانفصال عن الأطُر العامّة والمشتركة في الدولة، ولكنّه يخلق فضاءات أخرى للتعاطي مع قضايا المجتمع سواء أكانت تلك الملحّة والراهنة كالعنف، والحكم المحلّيّ، والقضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة كالمسكن والأرض والتعليم والعمل والصحّة وجودة الحياة، أم تلك المتعلّقة بالصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ ومكانة المجتمع العربيّ في البلاد والتواصل مع الشعب الفلسطينيّ ومسألة الهُويّة وتعريف الدولة. إنّ هذا الترابط بين القضايا ووجود قيادة جماعيّة موحّدة، وتنظيم متماسك وموحّد ورؤيا جماعيّة، في مستطاعه وضع الأسس لمشروع وطنيّ، ووضع إستراتيجيّات لتنفيذه وبذلك نكون في الطريق إلى تحقيق نهضة شاملة.
ينبغي التأكيد على أنّ التغيير لن يحصل ما لم يتولّد الوعي بضرورة التغيير، ولذا، علينا جميعًا أن نعمل على بلورة الوعي السياسيّ كمقدّمة لإجراء التغيير وترشيد النظُم والأداءات والتغلّب على المعيقات البنيويّة والعينيّة وتجاوزها، منفي سبيل إحداث نهضة شاملة تضمن الحقوق الفرديّة والجماعيّة المدنيّة والقوميّة ويخلق مركز حراك عربيّ جِدّيّ.
* لقد نشر هذا المقال مؤخرا في العدد الخامس عشر من مجلة "جدل" من إصدار مركز مدى الكرمل