X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أخبار عبلين
اضف تعقيب
28/07/2012 - 04:14:47 am
شـيـخ المرتـّلـيـن.. . وداعًـا!
خليل حيدر

سـهـيـل جـمـيـل الـحـاجّ - عبلين

 (نـور إلـيـاس الـحـاجّ –"أبـو تـومـا"-  فـي ذمّـة الله)

وددتُ لو تعرف كم أحببتك وكم احترمتك!

حين كنت أنظر إليك، كنت أرى كتلة من القيم العليا تسير أمامي.

كم كنت أعشق التحدث إليك، وأن أُصغي إلى كلماتك الهادئة المؤدبة التي تفيض سحرًا ونبلاً، وأستمع الى رأيك الذي ما عرف الاغتياب ولا المحاباة. كان الصدقُ والسلام والسكينة تشعّ من أقوالك مسترشدًا بالذي أحببت ووهبته حياتك، وما خذلك يومًا. والمزمور التسعون ("الساكن في عون العليّ يقيم في كنف إله السماء") ما كان ليؤثّر في السامعين لو لم يكن يخرج من بين شفتيك، بصوتك السحريّ الهادئ، فتنساب الكلمات الى نفوس المصلّين وتكون لهم زادًا يوميًّا! واليوم، تسكن في عون العليّ، وفي حمى إله السماء تقيم، لا تخاف من هول الليل، ولا من سهم يطير في النهار. لقد آمنت بالله إيمانًا فيه قول وفعل.

طَوال أكثر من نصف قرن، كنتَ زاوية الكنيسة الشمالية. وحين تغيب لسبب من الأسباب، يكون غيابك حاضرًا ويتساءل الجميع: "وين أبو توما؟". ولا أدري إن كنت تعرف أنه في غيابك لم يجرؤ أحد على الوقوف مكانك ويجلس على كرسيك!

وفي يوم الأحد الماضي، قبل يوم من وفاتك، غبتَ وتساءل الناس عن غيابك، فخالجني شعور غريب هذه المرة، فهاتفتُ ابنك حنّا وسألته عن سبب غيابك، فأخبرني أنك متوعّك قليلاً. أجل، انتابني شعور غريب؛ فقد كنت أخطّط لإجراء لقاء ثالث معك أسجّل فيه بالصوت والصورة تجربتك الغنية وذكرياتك الجميلة وأحداثًا مهمة كانت في عبلين. هذا التسجيل هو جزء من تاريخ قريتنا، وأصبحت أنت كذلك!

سجّلتُ صوتك وأنت ترتل صلاة الغروب دون أن أبلغك بذلك، ولا أظنك غاضبًا منّي! فأنا أعرفك لا تغضب ولا تحقد؛ فكم بالحريّ حين تعرف أنني أقوم بما أقوم به لحفظ تراث هذه القرية الحبيبة!

حدّثني "أبونا نبيل عبلّيني" عنك وكيف تحفظ الصلوات والألحان البيزنطية الجميلة بدقة كاملة وعن ظهر قلب، وما كان يجدد لي شيئًا بهذه الأقوال! فالقاصي والداني يعرف هذا الأمر.

كان منظرًا غريبًا وحزينًا أن يسجّى جثمانك قريبًا من كرسيّك الذي سيفتقدك كثيرًا كما سيفتقدك الجميع، فأنت أحد أركان الكنيسة الذي لم يختلف عليه أحد، وكنتَ رمزًا لقضية اتفق حولها الجميع.

كنتَ تصغي الى المصلين في الكنيسة (كنيسة مار جريس للروم الأرثوذكس في عبلّين)، وما كنت تمسّ أحدًا لقلّة معرفته باللحن الكنسيّ أو تنتقده، بل كنت تشجّعه على التجربة ليتعلّم. لكنك حين يأتي دورك في قراءة النصوص، كنت تعيد اللحن إلى مساره برفق وهدوء، وكأنك تقول: صلّوا هكذا!

 

إضافة الى كرسيّك في الزاوية الشمالية، كانت هناك "مسلَّمات" أخرى تقوم بها في الآحاد والأعياد، فأنت من يحمل بيده قائمة أسماء الأموات والأحياء الذين تُقَدَّم عنهم القرابين المقدَّسة، ليقرأها الكاهن ويدعو لهم أمام الهيكل، وكنت تشارك أنت أيضًا في الدعاء لهم وأنت واقف بخشوع ورهبة، تضفي على الموقف قدسيّة وراحة نفسيّة عظيمة.

هائل هو الفراغ الذي تركته في الكنيسة، يا شيخَ المرتّلين. منذ اللحظات الأولى لرحيلك، يتساءل الناس عن شكل صلاة الأحد بدونك. والكرسيّ الذي رافقك سنين طويلة، وكان يحضنك في كلّ قداس، كان فارغًا، وأحسست به حزينًا جدًّا ينظر إلى جسدك المسجَّى أمامه بأسى!

ما كنت تخاف الموت؛ فإيمانك كان قويًّا جدًّا، وعلاقتك بالله كانت تقوّيك كما كنتَ تطلب دائمًا في "المزمور 142":

"يا رب استمع صلاتي وأنصت بحقك إلى تضرّعي.

استجبْ لي بعدلِك...

عرِّفني يا ربّ الطريقَ التي أسلك فيها، فإنّي إليك رفعتُ نفسي...

علّمني أن أعمل مشيئتك، لأنّك أنت إلهي،

روحك الصالح  يهديني في أرضٍ مستقيمة.....".

هكذا عشتَ دائمًا.

مغبوطٌ الطريق الذي سرتَ فيه...




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت