X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
اخبار محلية
اضف تعقيب
09/12/2011 - 07:08:05 pm
إحياءُ ذكرى الدّكتور سليم مخولي وعمله المسرحيّ!
موقع الغزالل

أما زلتَ هنا يا وجه النحس، ولك بين كتفيْك رأس؟ تتجرّأ وتتكلم بعدما عكّرت مزاجي وطيّرت فرحتي في عيدي وابتهاجي؟ لولا حِلمي وأناتي لقطعت رأسك في الحال، لكن ساطيّرُ غضبتي في رأس هذا المنحوس (مشيرًا إلى الرجل). حظّك كبير أيّها الوزير، فقد جاء مَن يَفديكَ مِن حُكم مقدور. خذوا هذا الرّجل اقطعوا رأسَه وارموه للكلاب!
الرّجل: العفو العفو يامولاي، أنا والله صادق فيما قلت. والله صادق.. والله صادق.
الملك: إذن هذا جزاء صِدقك. يسحبه الجنود خارجًا ويتابع... الصّدقُ صِدقي أنا، والكلّ كلّ النّاس كذابون ص 45-46.
ومن اللافت أنّ أصحاب الشخصيّة البارانوية التي يُمثلها الملك هنا يستخفّون بالضّعفاء، وليس لديهم أيّ تعاطفٍ مع آلامِهم، ومن الصّعب أن تظهرَ لديهم مشاعر الليونة أو اللطافة أو الحساسيّة تجاه الآخرين، وإنّ اجهزة الدّفاع الفعّالة لدى أصحاب هذه الشخصيّة هي الإنكار والتبرير، وكلّ هذه المعاني تظهر جليًّا في النصّ التالي في المسرحيّة:
الملك واقفًا: الويل لكم جميعًا.. الويل لهذا الشعب اللئيم.. الويل لهؤلاء الرّعاع.. الويل لهم.. يُنغّصون حياتي في عيدي الكبير؟ أكلوا الزينة! أزالوا معالمَها من الطرقات ويتجرّؤون ويطلبون عدلاً ورحمة؟ هذا جوابي لكم وهذا عدلي.. سأهدمُ فوق رؤوسكم المدينة.. آه منكم! حتى الآن لم يدخل عليّ أحدٌ ليُهنّئني بعيدي الملوكيّ؟ الويل لهم لا أحد منهم؟ أين أهل البلد وأين الناس؟ يا للعجب! أنا الملك الجبار.. أنا الملك العظيم يا للعار!
وعند الحديث عن إصابة الملك بالبارانويا أو جنون العظمة، فإنّه لا بدّ لنا أن نشيرَ عندَ هذه النقطة، إلى أنّ مَن يُعاني من هذا الاضطراب الجنونيّ يكون الجوع الجنسيُّ لديهِ مُفرِطًا، وهذا ما نلحظُهُ مِن حديثِ الوزير مع الملكة حول معاشرة الملك للجواري، ووصْفِهِ لها حادثة مطارحة الملك الغرام لإحدى الجواري الفاتنات في الحديقة، مع كلّ ما صاحبَ ذلكَ مِن أوصافِ الشّبق والمشاهد الجنسيّة المثيرة، كما يتّضحُ لنا من كلام الوزير في حوارِهِ التالي مع الملكة:
"الوزير: بل جذبَها بعنفٍ إليه وأجلسَها على ركبتيه، وراحَ يُقبّلها بنهم من شفتيها حتى ساقيها وهي تتأوّه وتحنو عليه، تتلوّى كأفعى أليفة بين يديه" ص 19.
ويمتزجُ جنونُ العظمة لدى الملك بظاهرة الغرور المستفحِل عنده، حيث تظلُّ الظنون الخاصّة تؤثر بالجهاز العصبيّ لمثل هذه الشّخصيّةِ البارانويّة، حتى تصبح نشاطاتُها منسجمةً مع أخطاء الفِكر، ومِن هذا الخطأ ينشأ الشعور بالغرور، ويتصوّرُ الفِكر أنّه قادرٌ أن يفعلَ كلّ شيء بما لديه مِن الظروف والإمكانيّات، وباستغراق هذه الحالةِ يتطوّرُ الغرورُ إلى حقد لا يتورّعُ عن أن يتمنّى الإضرارَ بالآخرين، أو مخالفتهم ليشعر بأنه يفوقهم درجةً مِن درجات الصّعود المهزوزة أصلا:
"الملك: وهل تجرؤ الرّياحُ دخولَ مدينتي دون إذن؟ كيف يمكنها أن تفعلَ هذا؟ يا للرّياح الوقاح! سأسجن الرّيحَ إذا هبّت. اِذهبوا وسدّوا مداخلَ الأسوار كي لا تتسلّل الرّياحُ منها. اِذهبوا وزيّنوا المدينة مِن جديد ص 39.
إنّ مرضَ جنون العظمة من أصعبِ الأمراضِ علاجًا، وتأتي صعوبة العلاج لأنّ الإحساسَ بالعظمةِ يتمركز حولَ الذات التي لها ثبات نسبيّ، ويتطلّبُ العلاجُ إحداثَ تغييرٍ في مفهوم المريض عن ذاته وقدراته وإمكاناته، وهو ما يجعله يضعُ قدميْه على أرض الواقع، ويُبعدُهُ عن شطحاتِ الخيال، فالعواملُ المتعلّقة بالشّعور والحسّ كالحزن مثلاً، يمكن أن يتسبّبَ في إيقاظِه مِن هذه الحالة، وهذا ما حدث مؤقّتًا مع الملك، حين بلغه خبرُ مرض ولدِهِ المُفتعَل وإشرافِهِ على الموت، دون وجودِ طبيبٍ يُداويهِ ويُبعدُ عنه خطرَ الموت، فالملك حينها عرفَ قيمة الحياة، وتحرّكَ فيه الإنسان ليصحوَ ويتراجع عن غيّهِ وغروره، ويتلاشى جنون العظمة لديه مؤقّتًا، إلى حين عِلمِهِ بحقيقة عدم مرض ابنه الذي كان مفتعَلاً ومُدبَّرًا، وبالتالي فإنّ أمكانيّة علاج الملك بتأثير صدمة مرض ابنه المفتعل يبدو مستحيلاً، لدى هذا الشخص الذي يُعاني من اضطرابات الشخصيّة البارانويّةparanoid personality disorder ، وبخاصّة إذا استفحلَ هذا المرضُ ووصلَ بصاحبهِ إلى حدّ الجنون الحقيقيّ كما يتضحُ في نهاية المسرحيّة.
ولا بدّ لنا مِن كلمةٍ حول عنوان هذه المسرحيّة الزّينة، حيث وردَ في حوار الوزير مع الملك، إنّ "الابتسامة في المدينة هي الزينة، وليست الأعلامُ وأقواسُ النصر والبالونات والشّعارات وغيرها"، ومع هذا فإنّنا نعتقد بأنّ كاتبَ المسرحيّة أرادَ أن يوحي لنا من خلال أحداث المسرحيّة وتداعياتها، أنّ الزّينة للإنسان وخاصّة للحاكم هي العقل، فإذا ما فقدَ الإنسانُ أو الحاكمُ عقله وأصيبَ بالجنون، فإنّه يكون بذلك قد فقد زينة حياتِه، فالعقلُ زينة الإنسان.
ومِن زاوية أخرى فقد وردَ في القرآن الكريم الآية القائلة بأنّ: "المالُ والبنونُ زينةُ الحياةِ الدّنيا"، فالملكُ حين علمَ بمرض ابنه المفتعَل، أصيبَ بالذعر في أن يموتَ ابنُهُ ويفقدَ أحدَ عمودَيْ زينةِ حياتِه الدّنيا وهو الابن، ومِن هنا فإنّ عودة الملك عن غيّه وغروره وجنون العظمة لديه مؤقّتًا، كانَ بفِعلِ الخوف من فقدان زينة حياتِهِ أي ولدِه بالموت، حيث كانت هذه الحادثة بكلّ حيثيّاتِها وما تأتّى بعدَها نقطةً مفصليّة ومحوريّةً في خلاصة وخاتمةِ المسرحيّة، لتكون "الزينة" غالبًا متجسّدة في ابن الملك المجنون المخلوع، باعتبارِهِ أملاً جديدًا للشّعب المقموع المقهور، كحاكمٍ عادل رحيم مدعوم برعاية والدته الملكة.
هكذا وبعد أن تناولنا بالدّراسة والتحليل الجانب النفسيّ في المسرحيّة المتمثل في دار البارانويا أو جنون العظمة عند الحاكم الملك، فإنّني أجدُ من المناسب أن أشيرَ إلى الحقيقة، بأنّ الحوارَ الدّراميّ من أهمّ العناصر الفعّالة والحيويّة التي يقوم عليها بناء المسرحيّة، فمِن خلاله يستطيعُ المضمون أن يُعبّرَ عن نفسه، وإذا كانت الحبكة بمواقفِها وأحداثِها تُمثّلُ الهيكل العظميّ للمسرحيّة، فالحوارُ هو اللّحم والخلايا والشرايين، ويبرز دورُ الحوار في إسعافِ وإطلاق المسرحيّة من عقالها، ممّا يُساعدُ في استمرارها، فالكاتبُ المسرحيّ لا يملك السّردَ الذي يستطيعُهُ المؤلف الرّوائيّ، والذي يساعدُهُ على التعليق على الأحداث وتحليل الشخصيّات وإلقاءِ الأضواء على ما يدورُ بداخلها، وربْطِ المواقفِ ببعضها البعض، وسدّ الفراغات التي قد تنشأ في التسلسل الدّراميّ.. إلخ.
أمّا الكاتب المسرحي فلا يملك هذه التّسهيلات الرّوائيّة، فهو يعتمد على الحوار كأفضل أداةٍ للكشف عن داخل شخصيّاتِهِ وتحليلها والتعليق عليها، وإحكام تسلسل المواقف وتتابعها، وسدّ الفراغاتِ التي تؤثّر في متانةِ البناءِ وعضويّتِه، ويتوقّفُ مدى نجاحِهِ أو فشلِهِ في إخراج عملِه المسرحيّ إلى الوجود، بمدى توفيقِهِ في استغلال الحوار، وإنّني أعتقدُ وأرى أنّ د. سليم مخولي قد نجحَ نجاحًا ملموسًا في معالجةِ وتناول الجوانب التقنيّة للبناء الدّراميّ للمسرحيّة، لا سيّما وأنّه أدخلَ شخصيّة الرّاوي ضمنَ شخصيّاتِ المسرحيّة، حيث تجنّبَ بمهنيّةٍ واضحةٍ إدخالَ عنصر السّرد الرّوائيّ المباشِر، واتخذ ببراعةٍ الكاتبُ المتمكّن من الرّاوي بديلاً للبرولوج prologue  والإيبلوجepilogue  كما في المسرحيّةِ القديمة، كما الكوروسchorus  في المسرحيّة اليونانيّة القديمة، حيث أنّ وظيفة هذه العناصر المسرحيّة ليس السّرد الإيضاحيّ، وإنّما التعليق الكاشف عن مواقف غامضة أو خافيةٍ أو استشرافيّة، بهدف الغضافة إلى الحوار الدّراميّ عندَ الشخصيّات.
وممّا يستحقّ الذكر والإشادة، أن د. سليم مخولي قد التزم بالمواصفات العامّة التي لا بدّ مِن توافرِها في الحوار الدّراميّ، فقد كان الحوارُ لديه مُركّزًا ومُكثّفًا ومشحونًا بالمعاني والدّلالات والمشاعر، وتفادى الإطنابَ في الحوار، لأنّ الإطنابَ في مثل هذه الحالات كفيلٌ بإصابة الحوار بالأورام والنتوءات، التي تميّعُ مفعولَهُ الدّراميّ الحاسم، كذلك فقد راعى بمهارةٍ المستوياتِ الاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة والثقافيّة المختلفة للشخصيّات، بحيث تناسبت مع مستويات الحوار والتراكيب اللّغويّةِ المستخدَمةِ فيه، فالشّخصيّة في المسرحيّة لا تجدُ سوى الحوار لكي تُعبّرَ به عن نفسِها، وقد وضع د. سليم مخولي ككاتبٍ مسرحيٍّ الإيقاعَ في اعتباره عندَ كلّ كلمةٍ كتبَها هنا، فالإيقاعُ هو الذي يمنحُ المسرحيّة نغمتها النفسيّة والانفعاليّة الخفيّة، وبدونه قد تفقد شخصيّتها المتميّزة، أمّا الحوار فهو الذي يخلق المواقفَ ويُطّورُ الشّخصيّاتِ ويُحدّدُ مسار الأحداث، ويرتفع بها إلى ذروة التعقيد ويهبط معَها حتى النهاية.
وتقول العريفة نهى قعوار:
هو ابن قرية سيرين المُهجّرة، عاش وترعرع كلاجئ ومُهجّرٍ في وطنه، في مدينة الناصرة التي احتضنت آلافَ اللاّجئين والمُهجّرين الفلسطينيّين العرب، الذين طُردوا من بلادهم وبيوتهم بعد نكبة 1948. يُمارس عملَه ككاتب وصحفيّ ذكيّ سريع البديهة، حسن السّيرة والسّلوك، صادق في عمله وحبه لأصدقائه، ينقل لنا في صالون نهى الأدبيّ كمًّا كبيرًا من المعلومات من خلال مطالعاته للأدب العربيّ والغربيّ، عمله يعتمد على الموهبة وتثقيفه الذاتيّ، فليس كلّ مَن يكتب يستطيع الكتابة ككاتب، لكنّه كاتب وأديبٌ مُتعدّدُ المواهب.

ناجي ظاهر في مداخلته بعنوان سليم مخولي كاتبا مسرحيا، ما له وما عليه:
قدّم استعراضا سريعا لفن المسرح، فقال أنه وُلد في المعابد اليونانية القديمة كطقس تعبّديّ، وتطوّر على يدي الكاتبيْن البارزين يوربيدس وأرسطوفانس، ثمّ تطوّر في أوروبا، وانتقل إلى عالمنا العربيّ في القرن الثامن عشر، أمّا أجدانا العرب القدماء فلم يعرفوا إلاّ أشكالاً بسيطة من المسرح، وتساءل هل أراد الراحل الكريم أن يُدلي بدلوه في هذا الفن الهامّ؟
تضمّنت محاضرة الظاهر العديد من الملاحظات منها: طغيان المباشرة على مسرحيتي المرحوم، وعدم تطوّر الشخصيّات، والالتزام السّياسيّ الذاتيّ الذي مارسه المرحوم على ذاته، بسبب التزام سياسيّ قطعه على نفسه على ما يبدو.
وقدّم الشاعر جورج فرح مرثاة للمرحوم الشاعر والفنان سليم مخولي:
عرفتك منذ بدأنا المسيرة/ منذ صباك ومنذ صبايا/ فكنت الصديق الصدوق الوفي الخلوق/ الأمينَ الحليمَ الكريمَ السَّجايا/ نبذتَ النَّميمةَ والكِبْرياءَ/ وأحسَنتَ ظَنًّا بِكُلِّ البَرايا/ رَكِبتَ البُحورَ وخُضْتَ القَوافي/ جَعَلتَ بُيوتَ القَصيدِ مَطايا/ وجمَّعْتَ بينَ يدَيْكَ الفنونَ/ وخَيْرَ العُلومِ وخَيْرَ المزايا/ فَكُنتَ الطَّبيبَ، وكُنتَ الأديبَ، وذا ريشةٍ لَوَّنَتْ في سَمانا مَرايا/ فانعِم بتلكَ المرايا/
 سليمٌ... لَعمريَ أنتَ السليمُ الحكيمُ الجديرُ بكلِّ العَطايا/ عَرَفْتَ بأنّا نحبُّكَ حبًّا تنزَّهَ عن غايةٍ أو قضايا/ وأنَّ الرحيلَ يعزُّ عَلينا/ ويجعلُ مِنّا القلوبَ شَظايا/ فغافلتَ منّا العُيونَ لتمضي/ فكَيفَ السَّبيلُ لقهرِ المنايا؟!
كما تحدث الأديب محمد علي سعيد بنبذة قصيرة عن علاقته بالمرحوم وصدقه الأدبي والفكريّ دون مواربة. وفي نهاية اللقاء جرى نقاش شارك فيه الجمهور، وطالبوا بالتطرّق إلى جوانب إبداعيّة أخرى من إنتاج الراحل د. سليم مخولي، مثل الشعر والفن التشكيلي وله فيهما إنتاج وفير في أمسيات أخرى وأنهى اللقاء نجل المرحوم حبيب سليم مخولي بقصيدة لوالده كتبها عن الموت عام 2002، وشكر الحضور والقيّمين على هذه الأمسية الخاصة بذكرى الوالد.












































































Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت