X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
17/04/2020 - 10:08:46 pm
بقلم د.سمير حاج:من يتذكّر تاي لياسين رفاعية 2011

من «يتذكّر تاي» لياسين رفاعية 2011: سردية تراجيدية 

بين الواقعيّ والتخييليّ

بقلم - د.سمير حاج 

مهما تنوّعت التسمية التي تنضوي تحتها سردية الكاتب الراحل ياسين رفاعية «من يتذكّر تاي» دار الخيال -2011، التي تدور أحداثها، كما أشار المؤلف بين عامي 1967 و1973، من رواية أو سيرواية، أو كتابة عن الذات أو رسم شخصية Autoportriat مثل جيمس جويس في «صورة الفنان في شبابه»، فإنها تحمل في تراجيديتها الشبيهة بالمآسي اليونانية، تعالقا بين الواقعي والتخييليّ، وتجنح إلى الكتابة من المنفى عن قمع المرأة من شهريار المهزوم في حروبه، والقامع أبناء وطنه، فتكشف استبداد السلطة في أواخر ستينيات القرن العشرين، تجاه المثقّف العربي غير المدجّن الهارب إلى «هناك» خارج المكان بيروت حصرا. رغم جمالية وصدق تعبير أدونيس «لا الخارج بيتي، والداخل ضيّق عليّ» (الكتابة والمنفى) إلا أن بيروت الستينيات شكّلت استثناء في حرية البوح، كما أنّ مقهى تاي كان مميّزا بـ»تاي» في حمل أحزان المثقفين العرب وصدمتهم من هزيمة يونيو/حزيران 1967.
تنحو الرواية نحو التوثيقي في إدانة وفضح المسكوت عنه، وتعرية السلطة الشهريارية الحاكمة في وطن المؤلف دمشق، التي غادرها عام 1969، ممثلة بوزير الداخلية آنذاك، مغتصب الصحافية الناشئة ريتا، بتنسيق من رئيسة الاتحاد النسائي آنذاك «على أنّ الأمر المهم الذي حرصت رئيسة الاتحاد على إنجازه، وبحضور ريتا، أن اتصلت بوزير الداخلية آنذاك عارضة عليه ان تجري ريتا معه مقابلة للجريدة. ويبدو أنّ الوزير سألها عن ريتا فأجابته: قمر… قمر… بياخد العقل». وكان الوزير قد هددها بالحفاظ على السرّ وإلا سيموت كل أهلها بدءا بعمها والشاعر الذي يحميها في الجريدة، قاصدا معين بسيسو، لكن هذا الوزير حسب الرواية أصيب بمرض عضال لم يمهله سوى أسابيع، إذ أقدم على الانتحار بإلقاء نفسه في نهر الفرات، كما ترصد صداقات تاي، مع عدة كتاب وشعراء بأسمائهم الحقيقية، من بينهم غسان كنفاني المعجبة به كثيرا، معين بسيسو وكمال ناصر وحسين حيدر، والمؤلف الذي كتب الرواية تلبية لطلبها، وتكشف معرفتها بتفاصيل عن حيوات هؤلاء في الحب وعشق بعضهم لفتيات صغيرات، على غرار الشاعر أمين نخلة الحاضر في الرواية، الذي وقع حبا وعشقا بفريال ابنة السابعة عشرة، فمعين أحبّ ريتا التي كانت بعمر ابنته، حين عملت معه في الجريدة في دمشق، ثمّ انتحرت بعد أن قام الوزير باغتصابها، والمؤلف أحبّ شيرين ابنة الشوف، التي زوّجت لشخص من طائفتها، وكمال ناصر أحب قريبته وزوّجت لغيره. وفي الرواية ذكر لكتاب وشعراء منهم عصام محفوظ وانشغاله بكتابة مسرحيته «الديكتاتور»، إسكندر لوقا، أمين نخلة، ميشيل جحا، كمال طعمة، والأديبة غادة السمان التي يذكر ياسين رفاعية أنّه كان برفقتها ورفقة إسكندر لوقا في استقبال الشاعر أمين نخلة، حين زار القصر الجمهوري، كما تسرد الرواية بفجائعية تفاصيل اغتيال غسان كنفاني وكمال ناصر في بيروت. إنّ غرائبية الواقع المأساويّ المرسوم في الرواية الخاص بتاي والصحافية ريتا تفوق كل غرائبية كافكاوية من حيث بشاعة قمع المرأة، وتقويض روحها وجسدها، واغتصابها الشهرياريّ الوحشيّ، فريتا اغتصبت من قبل الوزير، وتاي اغتصبت من قبل عصابة مخدرات إيطالية، بمساعدة ممثّل السلطة الضابط الإسكندرانيّ ناجيّ.

العنوان أو العتبة

يشكّل العنوان «من يتذكر تاي» الممهور باللون الأحمر أحد فروع النصّ الموازي Paratext وفق نظريات السّرد، خاصّة السيميائية، وهو شيفرة مهمّة في فهم السرد الإبداعي، أو ما يسمّى المتن. ومن العنوان يتبيّن أنّ شخصية الرواية، تاي عاشت في الماضي وأصبحت ذكرى، كما أنّ اللون الأحمر يشكّل دالة للخطر والموت والفجائعية، التي اتشحت بها معظم شخصيات الرواية، وصورة الغلاف «امرأة جالسة تقرأ كتابا» تتماهى وشخصية تاي القارئة النهمة.

تاي ناي حزين

الشخصية في العمل التخييلي هي كائن من ورق وفق تعريف رولان بارت، رغم إشارة المؤلف إلى أنّ تاي حقيقية، أي لها وجود خارج الكلمات «تاي تلك المرأة المصرية الساحرة، التي ترث من مصر الجمال الفرعوني بشعرها الأسود الغامق، وعينيها السوداوين الناعستين وفمها المزموم على شفتين دقيقتين»، وهي عاشقة للشعر والموسيقى، جذّابة ذات كاريزما مثيرة تشدّ سامعها. وهي صوت نسويّ واع وجريء، استحوذ إعجاب روّاد مقهى «بار تاي» الواقع بين الحمرا والروشة، مكان لقاء الصحافيين والسياسيين والشعراء والمثقفين. تاي تشعّ تفاؤلا وأملا، رغم عذاباتها السيزيفية فقد كانت المرهم المهدّئ لآلام هؤلاء المحبطين. وهي شخصية روائية حلزونية البناء ديناميكية ومثيرة في الإقناع، وبث الاندهاش، مسكونة بالفلسفة المنحوتة بمقولتها «الزمن لا يرحم، إنّه عازف بارع»، وفكرها يساريّ «ليس المرء فردا واحدا، لا إبهام ولا غموض فيه، إنّه أفراد عدة مجتمعون في كيان واحد». عاشت قلقا وجوديا، فالحياة والموت في نظرها متاهة، رغم معرفتها بالفلسفة الصوفية والأديان، فالعقل البشريّ لم يتوصّل إلى حلّ أسرار الحياة والموت، ودعمت موقفها باقتباس من التوراة ـ سفر الجامعة «كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن». ولا جديد تحت الشمس، لكنّ عملها ساقية في بار كان بمثابة لغز حيّر معارفها، وهي التي تحمل الماجستير في الفلسفة وعلم النفس في جامعة الإسكندرية، ولم ينجح أحد منهم في فك شيفرة قصّتها.

دفتر تاي السريّ… الأبناء يضرسون

رغم كون دفتر تاي السّريّ تقانة سردية، توقف حركة السّرد، إلا أنّه مثل العلبة الصغرى داخل العلب الصينية يشكّل صوتا ثانيا في الرواية فهو يكمل رسم صورة تاي، ويسفح معلومات عنها. يمتد الدفتر على مساحة 22 صفحة، ويكوّن فصلا واحدا من فصول الرواية الـ22، كما يكشف اسم تاي الحقيقيّ عائشة بنت عبد الودود باشا، ابنة أحد أثرياء الإسكندرية، حامل لقب باشا من الملك فاروق. ويحكي حادثة اغتصابها في بيتهم في الإسكندرية، انتقاما من والدها على مرآى منه، من قبل عصابة تجار مخدرات إيطاليين. ويتبيّن لها في ما بعد أنّ والدها كان تاجر مخدرات تمّ قتله، وفيه قصّة هروبها سرّا إلى بيروت تحت اسم «تاي»حين أضحت وحيدة بعد وفاة أمّها، وفي بيروت تتوالى المآسي في حياتها، وتتسارع مثل تسارع وتيرة السرد في الفصول الثلاثة الأخيرة، فبعد زواجها سرّا من «طارق» الطالب السعودي الذي أحبّها، رغم أنه قرأ دفترها السريّ، وحملها، وتجهض إثر سماعها خبر اغتيال غسّان كنفاني، وحين يتخرّج طارق من الجامعة يعود وحيدا إلى الرياض، لكنّه يتكفّل بمصاريفها ثمّ يداهمها المرض وتموت في بيروت.
سردت هذه الرواية التراجيدية بأسلوب شائق عابق بالتناص الشعريّ وشطحات الحبّ، ورسمت صورة بهية لبيروت الستينيات الصاخبة بجدل ونقاش المثقفين، كما أدانت وفضحت شهريار العربيّ، قامع المرأة ومفترسها، واستحضرت ذكريات واستدعت شخصيات فلسطينية غائبة، عانت وضحّت بأرواحها في مفازات المنفى، لتحقيق حلمها في العودة إلى وطنها. كما قدّمت للرواية العربية «تاي» الصوت الأنثوي المشعّ أملا المتجدّد، الذي لا يهزم في معركة الحياة، المضمّد جراحاته والململم رماده والناهض مثل الفينيق.







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت