X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
01/05/2020 - 03:05:05 am
الطبيب والممرضة في ضيافة الشعر العربي الحديث - بقلم د.سمير فوزي حاج

الطبيب والممرضة في ضيافة الشعر العربي الحديث 

بقلم د.سمير فوزي حاج 

عطفا على الأغنية الفيروزية «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان»، هكذا هم أطباء وممرضات العالم، أمام جحافل الفيروس غير المرئية، وأسداف وبائه الموسوم بكورونا. يواجهونه بشجاعة المحاربين الإسبارطيين، لكنهم قلقون وحائرون. في أعماقهم يصرخ هملت بطل مسرحية وليام شكسبير «أكون أو لا أكون… هذا هو السؤال». إنهم مثل لاعب الشطرنج الذي يفكر ويعمل على هزيمة الملك ليربح اللعبة.. إن نجحوا في الحصول على شعلة النار التي سرقها بروميثيوس من آلهة الأوليمب، يكونوا قد حققوا ترنيمة ناظم حكمت «الحياة حلوة يا صاحبي».

 

الشعر الفلسطيني يحتفي بملائكة الرحمة

 

ضيعة الشعر لا تملك بنوكا، أو شركات تجارية لتكريم تلميذات فلورنس نايتينجيل والأم تريزا، اللاتي نذرن حياتهن لرسالة إنسانية سامية ملؤها العطاء والتضحية. حال ضيعة الشعر كقول أبي الطيب المتنبي «لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ فَليُسْعِدِ النطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ»، إنها تملك كنزا روحيا سرمديا لا يندثر، يزهر كلمات وضيئة منقوشة في قلوب الناس وسفر التاريخ، كما كتب شاعر إيطاليا جيوزه كاردوشي بما معناه بالعربية «يموت رب الأرباب جوبيتر ويبقى نشيد الشاعر»، فها هي قصيدة الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان المذيلة بمديح الممرضات ملائكة الرحمة المستهلة بـ«بيض الحمائم حسبهن»، ما زالت تتقرفص على الألسن وتستعاد من قبل المرضى وعواد المستشفيات، خاصة في زمن كورونا. لقد وسمهن طوقان بالعطف واللطف والعطاء المستديم إذ يقول: يشفي العليلَ عناؤهن / وعطفهن ولطفهنه/ مر الدواء بفيك حل/ ومن عذوبة نطقهنهْ/ مهلاً فعندي فارقٌ/ بين الحمام وبينهنه/ فلربما انقطع الحما/ئم في الدجى عن شدوهنه/ أما جميلُ المحسنا/ ت ففي النهار وفي الدجنه. رغم انشغال معظم القصيدة بوصف الحمائم البيض، وتذييلها بالابتهاج بالممرضات، فإن التقاطع والتناغم بينهما هو اللون الأبيض، شارة السلامة ونقاء السريرة وعذوبة الصوت، إلا أن طوقان ينزاح للممرضات من حيث ديمومة العطاء والجميل.. والقصيدة كونية في رؤيتها، تتغنى بممرضات الكون قاطبة. وللشاعر الفلسطيني جورج نجيب خليل (1932-2001) ابن قرية عبلين الجليلية، صاحب أول ديوان شعر فلسطيني يصدر في إسرائيل بعد النكبة «ورد وقتاد» الصادر عام 1953، قصيدة بعنوان «الأنامل الرحيمة» من ديوانه «دموع لا تجف» 1978 تصف نعومة وسحر أنامل ممرضة سمراء، حين جست جسده أذابته، وهو يقدس فيها حنوها، متساميا عن ذكر اسمها أو هويتها، لإبراز إنسانيتها، كتبها أثناء استشفائه في مستشفى الكرمل في حيفا بتاريخ 1977/9/30 يقول فيها: هذي الأنامل كيف أنساها؟ / تحنو بمصبحها وممساها/ لما برفق لامست جسدي/ زادت بي التنهيد والآها/ تمريرها بنج يخدرني/ فأغيب في تيار مسراها / أملودها الريان يسحرني/ وتذيبني من طيب رياها/ وقفت بعين العطف ترمقني/ فوجمت مبهوتا بدنياها/ وافتر ثغر كله عسل /عذب تقطر من ثناياها / قالت : رعاك الله يا أملي/ فعسى يلبي الله دعواها.

بين أمير الأطباء وأمير الشعراء

حظي الجراح المصري الإسكندراني علي باشا إبراهيم عطا (1880-1947) الملقب بأمير الطب المصري بحضور كبير لدى الشعراء، فقد كان جراحا فذا ماهرا ذائع الصيت. امتدحه شوقي بقصيدة صبغه فيها بهالة من القداسة تماهيا مع المعجزات، وعجائب الشفاء التي صنعها السيد المسيح. في نظر شوقي العلم والأدب إخوان، وهو يقدم للجراح المصري شكر أرض الكنانة والعرب، كما يهنئ الرتب بهذا الجراح الذي شرف الرتب كما شرفته على غرار مديح المتنبي: قضت مصر حاجتها يا (علي)/ ونالت، ونال بنوها الأرب/ وهنأت بالرتب العبقري/ وهنأت بالعبقري الرتب/ علي، لقد لقبتك البلاد/ بآسي الجراح، ونعم اللقب. كما أن الشاعر حافظ إبراهيم، خصه بقصيدة، أغدقه فيها بالثناء والمديح وشبهه بلقمان الحكيم: هل رأيتُم موفقًا كعليٍ/ في الأطباءِ يستحقُ الثناءَ/ أودعَ اللهُ صدرَهُ حكمةَ العلـ/ ـمِ وأجرى على يديهِ الشفاءَ/ كم نُفُوسٍ قد سلَها من يدِ المو/ تِ بلُطفٍ منهُ وكم سلَ داءَ / فأرانا لقمانَ في مصرَ حيًا / وحَبانا لكُلِ داءٍ دواءَ / حفظَ اللهُ مبضعًا في يديهِ / قد أماتَ الأسى وأحيا الرجاءَ. يستدل أن الشعر انحاز للأطباء البارزين في قسم الجراحة لدورهم المهم في حياة الناس.

أطباء حيفا العربية قبل النكبة.. نايف حمزة
شيخ الأطباء وقيصر سليمان خوري شاعرهم

جذور الطب في حيفا عريقة ففي فترة الانتداب البريطاني برزت كوكبة من الأطباء المميزين في معظم المجالات من حيفا ومن بلاد الشام، خاصة لبنان. أبرزهم شيخ الأطباء رئيس المستشفى الحكومي آنذاك (المعروف اليوم رامبام) الجراح الشهير نايف أمين حمزة (1895-1977) ابن قرية عبيه اللبنانية، الذي عمل قبل مجيئه إلى حيفا في المستشفى الوطني في نابلس وطوره ببناء جناح خاص بالأشعة (جريدة الدفاع 14 يونيو/حزيران 1943 )، كما تولى رئاسة المستشفى الحكومي في القدس مدة سنة أجرى خلالها أكثر من خمسين عملية جراحية، تكللت جميعها بالنجاح، وما زالت ذكراه تتضوع مسكا وريحانا عند الفلسطينيين كبار السن، الذين عرفوه إذ رسم صورة مضيئة للطبيب (الحكيم) الإنسان. انضوى هؤلاء الأطباء تحت لواء «الجمعية الطبية العربية الفلسطينية» برئاسة الدكتور رشدي التميمي. وأشغل الطبيب اللبناني قيصر سليمان خوري مؤسس «حلقة الأدب» في حيفا عام 1922 شاعر الأطباء.. اللافت للانتباه رتبة «شاعر الأطباء» المسكونة بالفكاهة والعابقة بالتعالق بين الشعر والطب، في المجتمع الفلسطيني قبل مئة عام، والممتدة جذورها إلى ابن سينا وابن زهر الأندلسي تعريجا على الشعراء، إبراهيم ناجي وأحمد زكي أبي شادي والشاعر الإنكليزي جون كيتس، ما ينم عن احترام الشاعر ومنزلة الشعر آنذاك، وهي شهادة فخر واعتزاز وريادة للمجتمع الحيفاوي. كان شاعر الجمعية الدكتور قيصر خوري قد كتب قصيدة مديح أهداها لحكماء الجمعية في المؤتمر الطبي الفلسطيني في حيفا، المنعقد في لوكندة ركس، نشرت في كتابه السيرذاتي الشعري «الذكريات» 1945، جاء فيها: حيفاء تاهت رفعة بضيوفها/ وضيوفها من خيرة الأبناء/….. «كنعان» في القدس الشريف رئيسنا / من نخبة الحكماء والرؤساء/ «زاهي» زهت يافا به وتجملت / في طبه ونبوغه ووفاء / قد وحدت آراؤه جمعية / فتكاتفت في وحدة الآراء / وعزيزنا « رشدي التميمي» الذي / طربت به جمعية الحكماء/ حيفاء لم تثبت بها جمعية/ إلا بنهضة روحه الشماء/ «المشعلاني» روحه وفؤاده/ وقف على العلات والأدواء/ من حوله سرب الطبابة شاهر /حربا عوانا ضد كل وباء /ويقود هذا السرب «حمزة» عاليا / للمجد يقطفه من الجوزاء. الشعر والطب صديقان قديمان مسكونان بالإلهام والنبوغ، والشعر العربي الحديث إنساني بامتياز، يرسم الأطباء وملائكة الرحمة بأبهى الصور ابتهاجا بالحياة.

د.سمير حاج





Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت