X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
01/04/2021 - 08:51:51 am
المربيّة غزالة نور سلمان / بشارة تحرير الأستاذ جاسر داوود .

المربيّة غزالة نور سلمان / بشارة

تحرير الأستاذ جاسر داوود .

(الحلقة الثالثة والأخيرة لهذا الشهر )

بمناسة شهر المرأة والثقافة واليوم يصادف يوم الأرض نختمه بهذاالمقال عن واحدة من نساء عبلين ، تعرّفنا عليهنّ وعلى عملهنّ من أجل بلدتنا ومجتمعنا على مرّ التاريخ .

المربية غزالة نور مخائيل بشارة - سلمان أم نزيه العبلينية/الترشيحاوية

شخصية مثقفة تجلس بمجلسها، وانت تصغي لكل كلمة تتفوه بها، وذلك لأهمية الحديث الذي يتمحور حول موضوع معين طرحه احد الحاضرين، أو أكثر من موضوع، إذ عادة يبدأ الحديث حول موضوع ما، وخلال الحديث والنقاش يتشعب منه فروع او مواضيع أخرى .

تجلس أمامها أو في مجلسها إن كان ببيت أبيها الخال نور مخائيل سلمان(خال والدي رحمهما الرب آمين) الإنسان المثقف، والواسع المطالعة لأمور ثقافية عديدة المجالات، والمتحدث بلباقة وعن فهم وإدراك، او ببيت أقاربها او معارفها في مناسبات مختلفة في مسقط رأسها عبلين .

إنها المربية غزالة نور مخائيل بشارة - سلمان إبنة عبلين، وإبنة ترشيحا بعد ارتباطها أو قرانها بالنصف الآخر المربي المدير الخلوق حنا بشارة - أبو نزيه ، لقد عاشت في بيت فلاح، يعمل بالأرض والفلاحة، العمل الصعب والشاق، ولكن كان يعمل بفرح وبسط، وذلك من منطلق الإرتباط القوي بالأرض، فعمله نبع من حسه الوطني، الذي مرره وغرسه في نفوس اولاده البررة، وكانت العمة غزالة واحدة منهم، وشاركتهم ببعض تلك الاعمال رغم صغر سنها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمرها ، وهذا الحس اثر كثيرا على ابنائه او غالبيتهم، ممن حملوا الشهادات الجامعية، فعملوا بالأرض بفرح، لانهم رأوا بهذا العمل الكفاح من إجل لقمة العيش بكرامة ، وايضا من منطلق الثبات والبقاء في هذا الوطن الغالي، مهما اسودت الحياة وأحلكت ايامها ولياليها، لانه لا وطن لنا غيره .

لقد اهتم الخال/ الاب نور - ابو موسى بتعليم بناته وأبنائه، كي تكتمل الصورة الوطنية بألوانها المشجعة على الرزق الحلال للأعيال، فالعمل بالوظيفة، وبعدها بساعات تراهم ينتقلون إلى اراضي سهل عبلين بفرح، بالرغم من شقاء وتعب العمل الزراعي البدائي آنذاك، الذي غالبيته العظمى تعتمد على الايادي .

هذا العمل الصعب والشاق، زرع بنفسية العمة المربية أم نزيه الارتباط مستقبلا بشاب خلوق يحب وطنه، يقدرها ويحترمها، وذو طبع فلاحي، ولكن بدون ان يعمل بالارض لصعوبة هذا العمل المضني .

لا تنسى الوقت أو الزمن المر الذي مرت به هي وأبناء عائلتها في عبلين، وكل الشعب العربي الفلسطيني في هذه البلاد، حين وصل إلى مسامعها بان اليهود ينوون إحتلال البلاد أي فلسطين، ساعتها تذكرت حين كانت إبنة ١٢ سنة، وهي ذاهبة بالليل مع بعض نساء البلدة عبلين كي يملؤوا الجرار والاواني المختلفة بالماء من منطقة بير الجاحوش، حبث كانت الشجرة الكبيرة شجرة المل على جانب الطريق الترابي من جنوب سهل عبلين، ومما قالته بانها رات بأم عينيها جنود يهود يجرون تمارين بالليل بمنطقة بير الجحوش، فخافت النساء وهي، وعدن أدراجهن إلى البلدة بدون الماء .

نعم، عاشت هذه المربية حياتها الفلاحية بحلاوتها ومرها، عرفت وشعرت عن قرب ظلم الإنتداب البريطاني للفلاحين في بلاد فلسطين، وهذا الظلم تجلى بالضرائب الباهظة، التي كان يفرضها هذا الإحتلال البغيض على اهل بلادنا، الذين غالبيتهم كانوا من الفلاحين المرتبطين بأراضيهم كارتباط الرضيع بحليب أمه .

تجلس وانت تسمع من فيها كلمات مرتبة وهادفة دون محاباة أو مداراة لأحد.الجالسين، تنطق بدون خوف، وتعطيك الدلائل والبراهين لما تقول، لا تخاف من قول الحقيقة وكل الحقيقة، لأن هذا نمط حياتها: قل الحق والحقيقة ولا تخف ابدا .

نستطيع ان نقول، بان ثقافة التحدث والتكلم بمجالس مختلفة تضم الرجال والنساء، إكتسبتها من بيت والديها، إذ كان مجلس والدها مفتوحا للزائر والطارق، وكان والدها متكلما ومرحبا بالضيف، ووالدتها تستقبل الضيوف والمعارف والزوار بكلمات استقبال، تجعلهم يشعرون وكأنهم ببيوتهم، وابتسامتها فوق الشفاه تدل على ان الإستقبال والكلام الجميل والحسن ما هو إلا حقيقة نابعة من قلبها الطاهر، ومن خصالها وتربيتها ببيت مضياف للجميع .

نعود إلى الزمن المر، الذي دفع بوالدها إلى جمعها هي وبعض إخوتها الذين كانوا يتعلمون من الناصرة، وكان والدها قد قال لها ولإخوتها واخواتها بان اليهود يطلبونه لأنه كان فصيلا بسنوات ال١٩٣٦، وكان ايضا ضد الانجليز، وفضل النزوح القسري عن بلدته هو وعائلته، والتوجه إلى لبنان، لأنه خاف من الإعتقال على يد اليهود او الإعدام .

هذا الحدث، والتنقل من عبلين إلى الناصرة إلى كفربرعم إلى دير القاسي ومن ثم إلى الرميش في الجنوب اللبناني، غرس بقلب هذه الفتاة غزالة الارتباط بالوطن أكثر فأكثر، وكون عندها فكرة الارتباط مستقبلا بشاب يحب وطنه/وطنها، ويبغض الذل والاحتقار، ولا يحني هامته إلا لربه الخالق الجبار .

لم تكن المربية العمة غزالة لتخف كما قلنا من قول الحقيقة، فكما قال حفيدها الطبيب أسامة طنوس في كلمة عنها: " ستي كانت دايما تعرف صفات الشاب اللي بدها أياه، من القرية لكن بدون ارض، بدها عندو أخلاق الفلاحين لكن بدون تعب الشغل بالارض ."

وهكذا كان للعمة غزالة ان ارتبطت بسر الزواج المقدس بشاب خلوق وحسن السيرة، يحترمها وهي تبادله هذا الإحترام، يساري بمواقفه السياسية مثلها، ومؤمن برسالته التربوية- التعليمية في بناء الطالب - الإنسان العربي في هذه الديار، وذلك من منطلق المحافظة على هويته، كي يبقى مرتبطا بهذا الوطن، الذي لا وطن لنا سواه، إنه المربي- المدير الخلوق والمثقف حنا بشارة - ابو نزيه .

عاد والدها واهل بيته إلى عبلين كي يتسجلوا بسجل السكان الموجودين بالبلدة، لأن من لم يكن متواجدا بالبلدة زمن تسجيل السكان يعتبر غائب، وتصادر أملاكه من عقاقير واراض وبيوت ، تسجل الوالد وأهل بيته، وسجلت الفتاة غزالة للعمل معلمة بالمدسة "ب" وكانت مربية لصف البستان.

تزوجت المربية غزالة من شريك حياتها الذي تمنته أن يكون ابن فلاح خلوقا ناجحا بحياته المهنية، لكن لا يعمل بالأرض، إنه المربي المدير حنا بشارة إبن ترشيحا، الذي عمل مديرا للمدرسة الإبتدائية في الجش، وكان ذلك اي الزواج المبارك بتاريخ ٢٨/٨/١٩٥١م، لتنتقل المربية غزالة من ذلك التاريخ إلى بلدة الجش، ولتعمل لعشرات السنوات في تأسيس وتربية الأطفال من البراعمة(سكان كفربرعم الذين لجؤوا إليها بعد تهجيرهم من بلدتهم كفربرعم، التي إحتلها اليهود سنة ١٩٤٨م، وهدموها بعد صدور قرار محكمة العدل العليا سنة ١٩٥٢م والقاضي بعودة سكانها إليها، وجعلوها منطقة عسكرية مغلقة) وابناء الجش .

تلاقت الافكار السياسية بعد هذا الزواج مع بعضها البعض، وهذا ما كان يقلق راحة الحاكم العسكري، الذي كان يصرح ويقول: إن حنا ذا فكر يساري وهذا ما يقلقه، ولكن كان من الأسهل لو تسجل او إنضم إلى الحزب الشيوعي. وتقول المربية غزالة كان قسم كبير من أهل الجش يصوتون في انتخابات الكنيست لحزب المعراخ، ولما تظهر النتائج ويكون هناك صوتان للحزب الشيوعي، كان يقول الحاكم العسكري آنذاك: واحد من هذين الصوتين هو لحنا المدير .

كان يعمل بالمدرسة ايضا رجل وطني علنا، إنه الكاهن أبو عيد، الذي حاول الحاكم العسكري ثنيه عن هذا، وفشل، فحاول ضربه بلقمة عيش أولاده، فخفضت وزارة المعارف له الوظيفة من الكاملة إلى النصف، ولم يتغير موقفه أبدا .

فتقول عنه المربية غزالة ولا تخفي تعاضدها وتكاثفها مع مواقفه الوطنية الصلبة: لو هناك ناس يقدرونه لبنوا له تمثالا تقديرا لمواقفه الوطنية الثابتة تجاه بلدته كفربرعم وأهلها .

عندما كان عيد الاستقلال يقترب موعده، كان المدير حنا بشارة يتألم وهو ينظر إلى أو في عيون تلاميذه ابناء كفربرعم، فيشاهد الصور المؤلمة التي في عيونهم من آثار الهدم الذي لحق ببيوتهم، وتهجيرهم قسرا عنها .

أينما حلت او سكنت، كانت المربية غزالة تشعر بارتباطها بالوطن الصغير، إن كان مسقط رأسها عبلين، او مكان عملها كمربية لأطفال البستان لعشرات السنين في بلدة الجش، او مكان سكناها بعد خروجها للتقاعد بلدة ترشيحا وهي مسقط رأس شريك حياتها

المدير حنا بشارة - أبو نزيه. لم تخف أثناء حديثها في أي مجلس كان هذا الارتباط، واللهفة والمحبة للوطن الصغير، الذي تحمله بقلبها طول أيام حياتها. فحتى إن تحدثت عن وطن زوجها، كانت كأنها تتحدث عن وطنها أيضا، فتحدثت عن أحداث ترشيحا في سنة النكبة ١٩٤٨م وكأنها عاشتها بالرغم من عدم ارتباطها بعد بشريك حياتها، فذكرت الحقيقة التي لا تخاف من القول عنها، والتحدث بها، ومما كانت تقول عن جزء او حادثة من هذه الذكريات المؤلمة، قصة إقتراح الحاكم العسكري لأهل ووجهاء ترشيحا، والقاضي بترك بيوتهم في ترشيحا، والخروج منها بحجة خوفه عليهم من قصف الطيران اليهودي للبلدة آنذاك. ولكن فطنة وذكاء أحد أبناء ترشيحا وهو السيد أنطون بطرس بشارة- والد الدكتور عزمي بشارة - أبو عمر، وعضو الكنيست السابق ومؤسس حزب التجمع بالبلاد، منع تنفيذ هذه الخطة، التي كانت من الممكن أن تؤدي بمصير سكان بلدته ترشيحا كمصير أهل كفربرعم وإقر ث، وهو عدم عودتهم إلى بلدتهم، وجعلهم لاجئين في المخيمات أو البلدات المجاورة .

مر أبو عزمي بشارة ليلة طلب الحاكم العسكري من السكان ان يخلوا منازلهم غدا، والخروج من البلدة، مر برجل كان يعمل بمكتب الحاكم العسكري، وكانت الليلة غير مضيئة بالبدر، ولما وصل إلى جانبه، لم يلتفت أبو عزمي إليه، بل قال له: بقولك الحاكم العسكري قول لأهل البلدة لا يتركوا بيوتهن .

فعل هذا العامل في مكتب الحاكم العسكري حسب ما سمعه من الرجل(اي ابو عزمي بشارة) في الوقت الذي لم يميز من الذي تحدث معه، اي لم يعرفه. وهذا ما تم، لم يترك أهل ترشيحا بيوتهم.

عاشت المربية غزالة نور مخائيل بشارة- سلمان - ام نزيه بعد خروجها للتقاعد عشرات السنين في وطنها الصغير ترشيحا مع شريك حياتها وبناتها وابنها معززة مكرمة، ومررت حبها للوطن لأبنائها وأحفادها، طالبة منهم التعلم والتثقف من أجل المحافظة على أبناء شعبنا الفلسطيني في هذه البلاد.

ولقد أعادت الأمانة إلى باريها، وانتقلت إلى الأخدار السماوية في٢/٨/ ٢٠٢١م عن عمر يناهز ٩٣ عاما، ودفنت بوطنها الصغير الثالث ترشيحا .










Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت