X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
20/09/2022 - 09:44:47 am
قمم في الادب الامريكي بقلم:ناجي ظاهر

قمم في الادب الامريكي

بقلم:ناجي ظاهر

يلتزم الكاتب الامريكي الفريد كازان، في تأليفه كتابه عن" تطور الفكر الادبي الامريكي في القرن العشرين"، منهجًا خاصًا يسير على هديه طوال صفحات كتابه، هو تفسير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت بها بلاده أمريكا، ويركز على مدى أثر هذه الظروف على الادب والمجتمع الامريكيين، خلال مراحله المختلفة المتباينة، بيد أن هذا لا يعني- كما يتضح من قراءتنا للكتاب، وكما يقول مترجمه إلى العربية وملخّصه الكاتب العربي المصري ماهر نسيم أيضًا- أن المؤلف أخذ نفسه بهذا المنهج أخذًا مشددًا متزمتًا جعله لا يفطن إلى الخيط الرفيع الذي يفصل الشعب ككل والكاتب كفرد مستقل أو بين المعتقدات والقيم والتقاليد العامة وبين المعتقدات والقيم والتقاليد التي يضعها الفرد لنفسه أحيانًا.

يقول مؤلف الكتاب في تقديمه له، إن جذور الادب الامريكي ترسّخت بين عامي 1880 و1890، منوهًا إلى أن الادب الامريكي ابتدأ في السنوات العصيبة العظيمة التي سبقت انتهاء القرن العشرين، ذلك القرن الذي شهد بزوغ أمريكا الحديثة وعاصر كفاحها. ويقسّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة اجزاء، الاول من 1890 حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى، الثاني وعنوانه "التحرير الأعظم"، من عام 1918 حتى 1929، فيما يخصّص الجزء الثالث لعام 1930.

في الجزء الاول من كتابه يسلط الاضواء على الكاتب الرائد في الادب الامريكي وليم دين هازلي، ويستعرض في هذا الجزء نتاجات وأفكار العديد من الاسماء التي برزت إبانها، ويوحي في هذا الجزء أن الادب الامريكي تأثر أيما تأثر بالأدب الاوروبي، ومعروف ان جُلّ الادباء الامريكيين الاوائل ومن تلاهم أيضًا كانوا يقيمون فترة قصيرة أو طويلة من حيواتهم في إحدى الدول الاوروبية، لا سيما في فرنسا التي أقام فيها الكاتب الامريكي البارز ارنست همنجواي، ردحًا من عمره، وكتب عن فترة وجوده فيها في كتابه السيري " عيد متنقل"، وقد برز تأثير الادباء الامريكيين واضحًا جليًا فيما أنتجه ونشره هؤلاء الكتاب في مختلف فترات تاريخهم ابتداء من هازلي انتهاء بوليم فوكنر وارنست همنجواي صاحب رواية "الشيخ والبحر"، ترجمها إلى العربية منير بعلبكي، مرورًا بهرمان ملفل صاحب الرواية الرائدة في الادب الامريكي والادب في العالم عامة ونقصد بها " موبي دك"، ترجمها إلى العربية إحسان عباس. في هذا الجزء يتعرّف القارئ على العديد من الاسماء ذات التأثير الكبير في حياة الادب الامريكي منها الكاتبة البارزة اديث هوارتن التي كانت ترى أن" الحياة أكثر الاشياء مدعاة للحزن بعد الموت". المؤلف يؤكد في هذا الجزء من كتابه الدور النقدي الخطير الذي لعبه الرئيس الامريكي ثيودور روزفلت، في تطور الادب الامريكي نحو الكمال، ويقول إنه مما يؤثر عن روزفلت قوله:" لسنا نعمل من أجل الرجل الغني بوصفه غنيًا.. ولسنا نعمل من أجل الفقير بوصفه فقيرًا، وإنما نريد الرجل المستقيم سواء كان غنيًا أو فقيرًا". وقد كان الرئيس روزفلت يتوق بإخلاص إلى أن يدواي جروح المجتمع الامريكي، لهذا شنّ حملة على الظلم وطالب الناس باحترام الحق والسعي وراءه وبهذا شجع الحركة الاصلاحية. هكذا وجد الادباء الذين هاجموا الفساد نصيرًا لهم، وقد شجّع الرئيس روزفلت هؤلاء على كتابة قصص تهاجم الفساد وتفضح مساوئه. ويتوقّف المؤلف هنا عند عدد من الاسماء مثل فرانك نورس الذي قال قبل موته عام 1902، بقليل:" أستطيع أن أقول إنني لم أخضع مطلقًا لأحد، ولم أطلب الاحسان من رجال الطبقة الارستقراطية، لقد قلت لهم الحقيقة، وسواء أحبوها أو لم يحبوها .. حسبي أنني قلتها لهم". وقد ظهر في هذه الفترة الكاتب الاشتراكي جاك لندن، وتُعتبر قصة "نداء البرية" لهذا الكاتب، كما يقول المؤلف، أروع قصصه، كونه أودعها جُلّ تجاربه المريرة التعسة وكل انتقامه من المجتمع الذي أذلّ كبرياءه، وكل تحامله على الصراع من أجل البقاء، حتى أن الكلب "ديك" يقتفي أثر الطغمة المنافسة ويزيحها من طريقه واحدًا تلو الآخر كي يتغذّى وحده في البرية. ويتطرّق المؤلف في هذا الفصل إلى عدد من الكتّاب النازعين إلى نقد الفساد وتوجيه سهامهم إليه في مقدمتهم الكاتب إبتن سنكلر صاحب رواية" الصرّاف"، التي وصف فيها الازمة الاقتصادية الطاحنة التي انتشرت عام 1907. في فصل آخر من هذا الجزء- الاول من كتابه يتطرّق الفريد كازان، إلى العديد من الاسماء الهامّة ، في فترة يضع لها عنوان" عصر الابتهاج"، لعلّ أبرزها برتن رسكو وفان ويك، والكاتب روكس الذي كان يؤمن أن الكاتب المثالي هو ذلك الذي لا يهرب من التمدّن المعاصر ولا يسلّم به على علاته أيضًا، وقد كان هذا الكاتب ينشد أول ما ينشد التحرر من النزعة المادية التي خُيّل إليه أنها سيطرت على حياة بلاده- أمريكا، وقد آمن بروكس أن مستقبل الادب الامريكي يتوقّف على مستقبل الحياة الاجتماعية، لا سيما عندما قال:" إن مستقبل أدبنا وفنّنا يتوقّف على مدى نجاحنا في بناء حياة اجتماعية جديدة"، مضيفًا" إن الحياة ستصبح بغير شك مؤامرة ضد الروح وحريتها، إذ لم نجدّدها لنجعل منها مغامرة خالية من الغرض". لقد علّم بروكس الادباء الذين جاؤوا بعده كيف يؤمنون بالثقافة إيمانًا لا يتزعّزع، وكيف يصنعون دنياهم ولا يكون لطموحهم سمة وغاية.

في الفصل الاول من الجزء الثاني تحت عنوان" عهد ما بعد الحرب" يسلّط المؤلف الضوء على عدد من الكتّاب منهم هنري جيمس، صاحب الرواية الشهيرة "صورة سيدة"، الذي كان عام 1919 واحدًا من الكتّاب المحدثين، كما يتوقّف عند هرمان ملفل الذي بلغ آنذاك المائة من عمره، إضافة إلى هنري آدمز وإميلي ديكنسون، ويتوقّف مطوّلًا عند الكاتب منكن، الذي اتصفت كتاباته بنزعة ساخرة لاذعة، ويقول إن صناعة منكن الادبية كانت بسيطة كل البساطة.. فهو يبحث دائمًا عن غرض جديد لثقافة الطبقة الوسطى يشبعه تأنيبًا أو عادة جديدة من عادات المواطن الامريكي يحمل عليها حملة شعواء او شذوذًا واضحًا يسخر منه ويهزأ به. وقد قال عنه لويس كرونجر إن سر قوته تكمن في هجومه ككاتب اجتماعي. في فصل تال تحت عنوان" الواقعية الجديدة"، يتحدّث المؤلف عن علمين بارزين في الادب الامريكي إبان تلك الفترة هما شيرود اندرسن وسنكلر لويس، وقد كانت الحرّية الشخصية والحنين إلى الحرّية والاستمتاع بالحرية هي الموضوعات المفضّلة لدى شيرود اندرسون، في حين كان سنكلر لويس مولعًا كلَّ الولع بالسخرية والتهكم. وقد أعمل سنكلر لويس مبضعه في كل قطاعات المجتمع الامريكي حتى أتى على كل ركن من أركانه.. كما اتضح في روايته الرائدة" الشارع الرئيسي"، ترجمتها إلى العربية أمينة السعيد. في فصل تحت عنوان " الاجيال الضائعة"، يتطرّق المؤلف إلى ثلاثة من كبار الادباء الامريكيين هم: جون دوس باسوس، ارنست همنجواي وسكوت فيتزجرالد، يقول المؤلف عن هذا الجيل إن أبناءه وجدوا أنفسهم بعد الحرب في عصر لا عنف فيه ولا رعب ولا موت. ويتطرّق إلى رواية سكوت عن " جاتسبي العظيم" فيرى أنها رفعت بطلها جاتسبي إلى درجة الالوهية وأماتته مع موت دنياه. أما سكوت فقد كانت الحرب بالنسبة إليه، لعبة يعبث بها الساسة كما يعبث الاطفال بمكعّباتهم الخشبية، أما همنجواي فقد تحكّمت به جبرية قوية، جعلت الحياة في نظره كفاحًا مستمرًا، وقد كان المنهج المفضل لديه هو المقابلة بين الحرب والحياة والحط من شأن واحدة بالنسبة للأخرى. ويؤكّد المؤلف أن كتابات جون دوس باسوس لا سيّما قصة " شقة في مانهاتن"، هي أوّل ما كُتب من قصص عظيمة عن واقع الحياة الامريكية في ذلك العصر.. ففيها كل مميّزات القصة الناجحة.. وفي الجملة كانت هذه القصة خاتمة طيبة ناجحة لعصر الجيل الضائع وهي لا تخلد ذكرى عصر اجتماعي انتهى فحسب وإنّما تخلّد عصرًا جاء بعده.

في الجزء الثالث والاخير من هذا الكتاب، يتحدّث المؤلف عن " أدب الازمة"، ويقول في التفصيل إن أزمة 1930 كانت أخطر الازمات التي شهدتها الحياة الأمريكية حتى ذلك الوقت، لأنها كانت أكثر من مجرّد توقف اقتصادي أثّر تأثيرًا كبيرًا في اخلاق وتقاليد وعادات الشعب الامريكي الذي هزّته الصدمة هزًا شديدًا. ويتوقّف عند واحد من أهم الكتاب الامريكيين إبان تلك الفترة جون شتاينبك، يقول إنّه حتى بعد أن كتب أكثر من عشرة كتب كان لا يزال يظهر بمظهر التلميذ الذي لم تحنكه التجربة بعد، وعلى الرغم من هذا كله، فقد تمكّن من أن يجعل من نفسه كاتبًا مرموقًا بفضل البساطة غير العادية التي اتصف بها أسلوبه، وبفضل الرقة والسهولة والليونة التي عرض بها مشاكل عصره وبفضل اهتمامه بحياة الانسان والحيوان أيضًا. ويسلّط المؤلف الضوء على رواية شتاينبك " أفول القمر"، تلك الرواية العظيمة التي لم يتوسّل فيها صاحبها بعاطفة الكراهية وهو يكتب عن النازيين.. لسبب بسيط هو إنه لم يلجأ إلى عاطفة الكراهية في كتاباته قط. في فصل حول " النقد بين اليسار المتطرّف واليمين المتطرّف"، يقول المؤلف إن اليسار المتطرف تعصّب لآرائه الايديولوجية، واعتبر كل كتابة لا تندرج تحت الفكر الشيوعي كتابة لا قيمة لها، في حين وقف المتطرّفون اليمينيّون متشدّدين في فهمهم للأدب تشددًا لا يقلّ كيفيّة عن تشدّد المتطرّفين اليساريين، ما حوّل النزاع بين طرفيه إلى نزاع عقائدي، ويشير المؤلف إلى بروز اسماء عدد من النقاد في تك الفترة منها: جون كراو رانسوم، وهكسلي وكلفرتون وإدموند ولسون ونرد سميث وإليوت وتيت وبلاكمور ونترز وولسن. في فصل تحت عنوان" عصر البلاغة والالم"، يتحدّث المؤلّف عن الفترة التي تلت أزمة 1930، منوّهًا إلى أن ما سيطر على أدباء تلك الفترة، بصورة عامة، هو الفزع الفردي الناتج عن شدة الحساسية، ويَعتبر المؤلف وليم فوكنر، صاحب رواية "الصخب والعنف"، ترجمها إلى العربية جبرا ابراهيم جبرا، نموذجًا لكتّاب تلك الفترة لا سيّما في روايته الاولى" نصيب الجندي" التي نُشرت عام 1926، منوّهًا إلى أن هذه الرواية جاءت حافلة بالبلاغة والالم ممثلًا في العبارات الفخمة والكلمات الرنانة والمعاناة ممثلة في المرارة التي كانت تفضح نفسه في كل كلمة وكل سطر. لقد اشترك فوكنر في الحرب وذاق مرارتها لهذا عرف فظاعتها وعرف معناها الحقيقي، لهذا أودع روايته هذه كل ما اعتمل في نفسه من ألم مكظوم ورثاء لكل أولئك الذين فرضت عليهم الحياة ظروفًا مؤلمة، كان لا مفرّ أمامهم سوى الرضوخ إليها. يتحدّث المؤلف في هذا الفصل من كتابه عن كاتب امريكي هو توماس وولف، يقول عنه إنه كان ثائرًا ساخرًا حتى النهاية، كما كنت له حب استطلاعه وبساطة تفاخره.. إضافة إلى سلامة الطوّية. لم يعش هذا الكاتب - توماس وولف- سوى ثمانيةٍ وثلاثين عامًا، وممّا يؤثر عنه قوله:" إنني أشعر أننا ضائعون هنا في أمريكا، لكنّني أدرك أن ساعة الخلاص قريبة.. إنني أعتقد أن فهمنا الحقيقي لأنفسنا وأرضنا العظيمة الخالدة سيتحقّق فيما بعد".




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت