X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
23/09/2023 - 09:57:40 am
الأدب النسويّ: رهاب المصطلح بقلم: إبراهيم طه

الأدب النسويّ: رهاب المصطلح

بقلم: إبراهيم طه

أمّا قبل: عيب!

يقلقني ما أقرأه وأسمعه من حين إلى حين ويغضبني. بعض "المثقّفين" الجهّل والأدعياء لا يأخذ حقّه في شهرةٍ ظنّيّة هالكة إلا بالشطب. لا يحمل قلمًا أو يصعد منبرًا إلا ليشطب ما اجتهد فيه مثقّفون حقيقيّون وأبدعوا. يشطب، بشيءٍ من الوقاحة والصلف، دون أن يرتدّ إليه طرفه. يقلقني ويغضبني فأكتب. أكتب توصيفًا يتّكئ على قرائن نصّيّة، تراكمت في الوعي كالجبال، أدمغُ بها وبها أدفع مهاتراتهم العائمة المائعة.. ومتى لم تكن الكتابة في طبعها على قلقٍ أو غضبٍ في نبضها ونبرها؟!

طرد المصطلح: ثلاث حجج 

يقودني قدري أحيانًا إلى أن أقرأ مقالًا أو أحضر ندوة أصغي فيها إلى مرافعات عنتريّة، يُرغي صاحبها ويُزبد وهو "يتحفّظ" من مصطلح الأدب النسويّ أو ينكره جملةً ومفرّقًا. يطردونه من لغتهم ورحمتهم ومنه يفرّون كما لو كان المصطلح لعنة تتبعهم في الحِلّ والمرتَحل. والغريب أنّ بعضنا ما برح يلوك مثل هذه الهرطقات حتى يومنا هذا، وقد ظننّا أنّ ثقافتنا قد تجاوزتها منذ عقود. وحين تنصت إلى حجّتهم في هذا "التحفّظ" والنكران وتجتهد في إدراك ما يحتجّون به لا تجد ما يُعقل. حججهم برقيّات جاهزة معلّبة. هي نفسها الجمل المتآكلة المتهالكة، لا تتبدّل ولا تتعدّل إلا في بعض الصياغات: 

(1) يقول جاهلٌ غافل: "الأدب هو أدب بصرف النظر عن جنس كاتبه".. هذا فريق قد أجاءه جهلُه المدقع إلى خلط غريب بين ما تكتبه النسوان، ككيانات بيولوجيّة، وما تكتبه النسويّات ككيانات أيديولوجيّة. جهلُ الفرق بين الحالتين هو أصل هذا الخلط الغريب بين الأوراق والمفاهيم. ليس الحديث عن الأدب المرأويّ أو النسائيّ، المنسوب إلى جنس النساء، وإنما عن الممارسات الفحوليّة التي تقمع المرأة وتهيمن عليها وعن آليات المقاومة التي تتبعها، وينبغي أن تتبعها. وحين يركن الأدب المسكون بالمرأة وهمومها إلى مُفاعلي الهيمنة والمقاومة يكون أدبًا نسويًّا بالضرورة لا بالمشيئة. وهكذا قد تكتب المرأة أدبًا ذكوريًّا، إن هي تحلّلت من هذين المفاعلين، وقد يكتب الرجل أدبًا نسويًّا، إن هو التزم بهما في احتفاله بآلام المرأة واحتفائه بآمالها. وقد يتقدّم الرجلُ المرأةَ في هذه الجزئيّة ويسبقها. ولمّا كانت كذلك، فقد جاءت النسويّة كي تتصدّى للجندريّات أو الجنوسات القسريّة التي تفرضها المجتمعات البطريركيّة وترسّم فيها أنماط الفهم والسلوك وتُسقطها، مثل الفرمانات، من فوق إلى تحت. النسويّة إذًا أيديولوجيا أو منظومة عقديّة، كالشيوعيّة أو القوميّة مثلًا، يدين بها الرجل ويعتقدها مثل المرأة. ومتى كانت الأيديولوجيا حالة وقفيّة خاصّة بجنسٍ دون غيره؟ 

 (2) ويكتب غافلٌ جاهل: "الأدب نشاط إنسانيّ بغضّ النظر عن مادّته ومضمونه".. وكأنّ هناك أدبًا لا يُعنى بالإنسان أصلًا بل بمخلوقات عجيبة هوت بغتة من سبع سماواتٍ أو صعدت إلينا من أعماق المحيطات المدلهمّة. والطفل فينا يعلم أنّ الحيوانات، التي يجعلها الكتّاب في مراكز نصوصهم أحيانًا، هي في المحصّلة الأخيرة أمثولات للإنسان. كيف لا يعقلون أنّ ما تفعله المرأة في أدبها "النسويّ" هو تحصيلٌ لإنسانيّتها التي يصادرها الذكر الفحل؟! لا أعرف ولا أفهم ولا أعقل كيف رضينا بمصطلحات نحن وضعناها وقعّدنا قواعدها كقولنا "أدب اجتماعيّ"، لا لشيءٍ إلا لأنه يرصد شؤون المجتمع، أو "أدب سياسيّ" لأنه يُعنى بالسياسة ومصاحباتها أو "أدب دينيّ" لأنه موكّل بشؤون دينيّة، ثمّ لا نقبل بعد ذلك أن يكون لنا "أدب نسويّ" يُعنى بآلام المرأة، وحمولة أنوثتها الثقيلة، وآمالها وسعيها إلى التحرّر من كلّ أنساق الهيمنة. يبدو لي أنّ الذكورة والفحولة المعشّشة في خلايانا، التي تسري في دمائنا وعروقنا وأنساقنا الثقافيّة، ترفض أن يكون للمرأة شيءٌ تتسمّى به وبه تتّسم، شيءٌ خاصّ يحمل جنسها وحمولة جنسها الثقيلة.   

(3) ثمّ يطلع علينا منكِرٌ وقح ليسأل: "هل هناك أدب رجوليّ حتى نجعل الأدب نسويًّا؟!" قصدُهُ: إذا لم يكن للرجل أدب خاصّ به فلماذا يكون للمرأة؟! أولا: هذه حجّة خبيثة تسلّط الرجل وتجعله المثل الأعلى في كلّ أمر. عليه تُقاس الأمور كلّها في حضورها وغيابها وفي وجوبها وبطلانها. ثانيًا: نعم، هناك أدب ذكوريّ يهمّش دور الأنثى ويصغّرها واعيًا أو غير واعٍ. هناك أدب ذكوريّ يُمنح الذكر فيه الدور والموقف واللغة، وتُحرم المرأة فيه من شكلها وفعلها ويُحرّم عليها صوتها وقولها. هناك أدب ذكوريّ فحوليّ لكنه لا ينفضح إلا في الأدب النسويّ.. ما زلت أذكر بعض الاستعلاءات الذكوريّة والترّهات الفحوليّة التيسة حين وصموا الأدب النسويّ بنعوتهم وهم يستهزئون: "أدب الروج" أو "أدب الأظافر الطويلة". أو كما قال أحدهم، واسمه لا يحضرني ولا أريده أن يكون حاضرًا في ذاكرتي أصلًا، حين سُئل ذاك البعيد عن الحركة النسويّة قال: "لا أعرف الحركة النسويّة إلا في فراشي". ثالثًا: قد يستغني الظالم، المحميّ بسطوته وسلطانه، عن أيّ منظومة اصطلاحيّة تعينه على ظلمه. أمّا المقهور المقموع فتتعلّق روحه بكلّ لغة قد تختزل ظلمَه، بها يصرخ وبها ينزف وجعَه.   

أمّا بعد: "الأدب النسويّ" مسألة تجنيس

"الأدب النسويّ" اصطلاحٌ توافقيّ توليفيّ. وهو توافقيّ لأنه توليفيّ. ليس فيه غلطٌ ولا عيبٌ ولا حرام. ولا يُعقل أن يكون فيه لأنه مسألة تجنيس في مبعثه ووجهته. التجنيس، مثلما أقرأه، هو قضيّة تصنيف ينهض على توصيف ذي منحى سيميائيّ لتحصيل مزيد من الفهم الدقيق والعميق. التجنيس أنثويّ في سلوكيّاته، ليس فيه حصرٌ ولا قسر. وكلّنا يدرك سيلان الحدود التي تصول فيها الأنواع الأدبيّة، تصول وتجول وتتناسل. حتى كدنا ننتقل في توصيف الأجناس الأدبيّة وتعريفها من النقيض إلى النقيض، من طهارة النوع (Pure genre) إلى اللانوع (Anti-genre)، من "نقاء النوع" إلى حدّ الصراع لأجل "بقاء النوع". ما زلت أذكر جملة الشاعر الكبير محمّد مهدي الجواهري عن قصيدة التفعيلة "ليس بهذا ينهدّ عمود الشعر العربيّ"! صحيح لم ينهدّ عمود الشعر أمام انتفاضات القصيدة الحديثة وارتعاشاتها، لكنّ العمود تصدّع وتشقّق. حجّتنا التي تشفع للتسمية الاصطلاحيّة، "أدب نسويّ"، هي الحجّة نفسها التي تُساق في تعريف أيّ ظاهرة أدبيّة تصل الى حدّ التجنيس الأدبيّ النوعيّ. وهي تتأسّس على معيارين: (1) الشكل والبنية. أفرز معيار الشكل والبنية ثلاثة أنواع كبرى منذ أرسطو وهي الشعر والدراما والسرد. وهذه الأجناس الكبرى نفسها تشعّبت في شعابٍ كثيرة فصارت أنواعًا وأنماطًا وفروعًا وفسائل. والأنواع تداخلت وتناسلت فوُلدت أنواعٌ فرعيّة هجينة وما زالت تولد. (2) المضمون والجهة الفكريّة. وهو معيار جعلنا نصنّف الأنواع وفق مادّتها وفكرها وتوجّهاتها. وهكذا صارت عندنا مأساةٌ وملهاةٌ وقصيدة مدح ومسرحيّة فلسفيّة وقصّة سياسيّة ورواية اجتماعيّة وهكذا... 

وما كان للمصطلح "أدب نسويّ" أن يشيع بهذه القوّة، رغم "تحفّظات" هؤلاء ونكرانهم، لولا أنه اصطلاح توليفيّ في أصله يجمع المعيارين في واحد. أعني أنّ "الأدب النسويّ" مصطلح يُحيل إلى خصوصيّة المادّة الأدبيّة ووجهتها الفكريّة بقدر ما يُحيل إلى جماليّته المميّزة في الشكل والأسلوب والبنية. وهكذا كان "الأدب النسويّ" يحصّل شرعيّته أو أحقّيّته الاصطلاحيّة من المضامين بقدر ما يحصّلها من أدوات وتقنيّات تعبيريّة تتناغم وتتساوق مع مادّتها. هذه التوليفة، بين المادّة والأدوات، هي هي التي صيّرته توافقيًّا ينتشر في العالم، في العالم كلّه. وقلّما نجد مصطلحًا أدبيًّا واحدًا يؤلّف بين هذين المعيارين مثلما يفعل "الأدب النسويّ"!

 Ibrahim Taha. “Text-Genre Interrelations: A Topographical Chart of Generic Activity”, Semiotica: Journal of the International Association for Semiotic Studies 132-1/2, (2000), pp. 101-119. 

 Ibrahim Taha. "Swimming against the Current: Towards an Arab Feminist Poetic Strategy", Orientalia Suecana LVI, (2007), pp. 193-222.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت