X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
فنجان ثقافة
اضف تعقيب
25/09/2023 - 08:51:04 am
نحن المعاقون في زمن اللا رحمة صرخة مسرحية - رهين الجسد

نحن المعاقون في زمن اللا رحمة
صرخة مسرحية " رهين الجسد"

بقلم:د.جهينة عمر الخطيب


مسرحية " رهين الجسد" بمثابة صحوة الناس جميعًا ليعرفوا أن ليس ذوو الاحتياجات الخاصة هم من يجب أن نشفق عليهم ، فهم رهائن الجسد ولكن أصحاب فكر حر، بل علينا أن نشفق على أنفسنا نحن الذين نظن أننا أحرار لمجرد أننا نملك جسدًا مُعافى، ولكن نفتقر معايير إنسانية كثيرة في زمن اللا رحمة، فعلينا أن نشفق على من هو رهين الفكر، العاجز عن تقبل الآخر، المتنمر الجاحد العاق الذي لا يشكر الله على نعمٍ لا تُعد ولا تُحصى، فحتى الجسد المعافى كثيرون من يمتهنونه بلا رحمة، لنصبح مجرد آلة تتحرك بلا تفكير.
مسرحية رهين الجسد
* إنتاج جديد للمسرح القروي في طمرة  بالشراكة مع جمعية شهد في طمرة
*سيناريو مسرحي وإخراج: المخرج الفنان والكاتب الأستاذ القدير راضي شحادة
* تمثيل: الفنان المائز حسن طه في دور سليم ( فادي واسمه في الرواية مراد)
والفنانة المدهشة ريم تلحمي  في دور أم سليم وعدد من الأدوار الأخرى
تصميم الديكور والأقنعة والعربة والدمى والأغراض  المبدعة منيرة شحادة
الموسيقى المرافقة للعرض للموسيقار المبدع " بشارة الخل"
تصميم الرقصات الفنانة الرائعة " سوار عبليني"
*وقصته مأخوذة عن رواية  تحمل العنوان ذاته " رهين الجسد" للكاتب " فادي أبو شقارة" وهو عن سيرته الذاتية ومعاناته مع إعاقته الجسدية ، فهو يعاني من شلل عضلي في كامل الجسم تقريبًا ما عدا اللسان.
بداية عندما قرأت الرواية قبل أن تتحول إلى نص مسرحي، عرفت بولادة كاتب جديد مبدع صاحب فكر، وتأكدت صحة المقولة الإبداع يأتي من رحم المأساة ، ففادي رهين الجسد كما أطلق على نفسه في روايته السير ذاتية، ولم أقل السيرة الذاتية، فقد تمتعت الرواية بمعايير فنية للرواية ، فاستحقت أن تحمل هذا اللقب، ولكنها رواية سير ذاتية لأنها تحكي قصة " فادي ومعاناته من خلال البطل مراد، والذي تحول اسمه إلى سالم بن سليمة" في النص المسرحي، باختيار موفق للمخرج والكاتب المسرحي المائز " راضي شحادة" لإظهار المفارقة في الاسم فالجسد مريض ولكن اسمه سليم، وللتأكيد على  أن فادي رهين الجسد نعم ولكنه سليم العقل والفكر.
مسرحية متكاملة الأركان، وكنت مهيأة نفسيا قبل قدومي لمشاهدة المسرحية أنني سأشاهد عملا مسرحيًا مائزًا مختلفًا وقد كان

وكيف لا؟! فأنا ناقدة نهمة مهتمة في مجال الأدب والفنون المختلفة المسرح والسينما والفنون التشكيلية فلا أفصل الأدب عن الفنون الأخرى وأتابع  ما يجري في المشهد المسرحي، وعندما تجتمع هذه الأركان الرائعة فحتما النتيجة مختلفة
بدءًا بالكاتب المبدع فادي أبو شقارة التقيته في عدة أمسيات ، نعم لم نتحدث ولكنني كنت مبهرة بشخصيته، وفعلًا كل ذي عاهة جبار وقد أثبت التاريخ فعلا أن إعاقة الجسد لا تعني شيئًا حين يكون الفكر حرًا، أثبت فادي  أنه كاتب مبدع بتوظيفه للكوميديا السوداء أسلوبا ميخانيزميًا  دفاعيًا في التعبير، فمزج في كتاب رهين الجسد ، بين التراجيديا والكوميديا  ذكرني بأسلوب الجاحظ الذي كان في كثير من الأحيان يسخر من نفسه ووجعه ليولد مفارقة تجعله أكثر قوة وصمودًا، ففادي تجسيد حي لِقِمَة الإرادة والإبداع.

أما الركن الثاني :المخرج  والأديب " راضي شحادة" ومعرفتي له كانت متعمقة  في كتابه "هواجس مسرحية"، والذي رافقني في كتابتي لكتابي الراقصون وسط السلاسل مسرحيون فلسطينيون قابضون على جمر" فمن خلال قراءتي لكتابه ، لمست مسرحيًا حقيقيًا مناضلًا ومؤمنًا بقضيته، وقلائل من يكتبون النقد المسرحي، وكم بالحري لو كان فنانًا ومخرجًا ،وله باع في الكتابة المسرحية والروائية، وقد كان اختيار الكاتب " فادي أبو شقارة " للفنان المبدع والأديب راضي شحادة" اختيارًا موفقًا فهو كتب الرواية والمسرحية ودراسات نقدية وبحثية حول المسرح، وقد كانت روايته " الجراد يحب البطيخ
من الروايات التي اعتمدتها في رسالتي للدكتوراه والذي أصبح كتابي الأول حول تطور الرواية الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام 1948.
وله عدة إصدارات مسرحية وروائية وبحثية، أذكر منها على سبيل المثل:
الجسد والجسد المسرحي
مسرح وحرامية
سيرة حكواتي  من فلسطين
والجسد الآدمي والمخلوق المسرحي
وكتابه الأخير عن المسرح " قراصنة ومقروصون"
ورواية راس النبع
ومستر إيجو
وروايته الغشوة وهي من ثلاثة أجزاء

والركن الثالث " ريم تلحمي" وفيها عبق بلدي شفاعمرو، الفنانة الملتزمة المبدعة وبصماتها  الغنائية والمسرحية عديدة منها مسرحية جدارية محمود درويش للمسرح الوطني الفلسطيني، ومسرحية عرس الدم لمسرح القصبة، وعرض أوبرا كليلة ودمنة والكثير من الإبداع فهي مهنية خريجة أكاديمية روبين للموسيقى والرقص في القدس" فتهيأت نفسيتي لعروض ومشاهد حركية ساحرة وقد كان ،

والركن الرابع حسن طه: الفنان المبدع وقد شاهدت له عدة مسرحيات منها " الغراب" و" العاشق فتيقنت أنه مبدع مختلف وقد  حصل في عام 2008  بجدارة على جائزة أفضل ممثل في مهرجان مسرحيد للممثل الوحيد في مدينة عكا.
ولا عجب فقد درس التمثيل والإخراج في جامعة حيفا، والعديد من أساليب التمثيل: الواقعي،لا الواقعي،الإيمائي،الأقنعة..

والركن الخامس: إنتاج المسرح القروي، وقد أثبت هذا المسرح وجوده بقوة في المشهد المسرحي فأَعمدته ثابتة بالفنانين المبدعين علي صالح  ذياب وهيام ذياب.

علي ذياب مركز قسم الفنون وكاتب مسرحي
والفنانة هيام ذياب وهي مديرة فنية للمسرح القروي والتي كانت لي معرفة شخصية بها فقد جاءت إلى كليتي لدراسة شهادة التدريس فدرست معي مساق أساليب التدريس وكانت مائزة فهي مبدعة طموحة وتابعت مسيرتها في الحصول على اللقب الثاني في المسرح التربوي الجماهيري  في جامعة تل أبيب.
وقد قدمت عروضًا كثيرة تطوعًا وإبداعًا في مساقاتي والأيام الدراسية ومنها مؤتمر المسرح الذي كان من تنظيمي في كلية سخنين قبل سنوات.
ناشطة ومبدعة في مجال الفن ومؤثرة من خلال نشاطها في المسرح القروي ، فكانت لها بصمة مع الصغار والكبار  وقد شاهدت لها عدة مسرحيات.
منها " امرأتان ( لبؤات التاريخ) وقد شاركت بمهرجان تونس،عرض ضيف برفقة الفنانة عبير عثمان.

والركن  السادس مصممة الديكور والملابس الفنانة منيرة شحادة والتي لها بصمات  رائعة في عدة مسرحيات وعروض مسرحية
والركن السابع مصممة الرقصات الرائعة سوار عبليني وكنت قد شاهدتها في  عمل آخر رائع  وهو كاتاباز, أمسية  للشاعر مروان مخول. وهي أمسية شعرية تحاكي فيها الرقصات قصائد الشاعر تناوبًا مع الموسيقي
فتم تحقيق المزيج الرائع للشعر وتصميم الرقصات فكان عملًا مائزًا

والركن الثامن والأخير  الموسيقار بشارة الخل وكما ذكر المخرج ط راضي شحادة" في إحدى مقالاته  عائلة الخل هي شجرة عميقة الجذور في مجال الموسيقى، وليس صدفة أن يطرح يوسف الخل ثمرا أصيلا ليس بعيدا عن شجرته .. فقد ورث الإبداع عن والدة الموسيقار يوسف الخل"
ومن هنا تكاملت الأركان فمن البدهي أن تكون رواية ساحرة

راضي شحادة وإبداعان في مسرحية " رهين الجسد"   أولًا في كتابة السيناريو فقد لخص الرواية بأحداثها بطريقة ذكية بينت معاناة فادي ( مراد) سليم ونجح في توضيح السمات التي يتمتع بها بطل القصة الساخر الذي يدمج في شخصيته بين الكوميديا والتراجيديا، والذي يخفف ألمه من خلال سخريته وهو أسلوب نفسي  دفاعي ، كذلك وضح قضية التنمر التي يعاني منها ذوو الاحتياجات الخاصة
والإبداع الثاني الإخراج ولمساته الإخراجية الرائعة في لعبة الأقنعة فكان ينتقل بسلاسة من مشهد إلى آخر من خلال لعب الأدوار المختلفة من قبل الفنانين ريم تلحمي وحسن طه.
*ريم تلحمي ورائحة شفاعمرو في ملامحها، فهي ابنة بلدي الحبيب ومسقط رأسها شفاعمرو
ما هذا الجمال، فعيناكِ تتكلمان وتتلونان وأنت تنتقلين من شخصية إلى أخرى بتقمص مذهل ، لوهلة نسيت أنك ريم وظننت أنك أم سليم التي عاشت من أجل ابنها، أبكيتنا ببراعة التعبير ودقته وحركة جسدها اللولبية المحترفة

حسن طه ، ليست المرة الأولى التي أرى أعماله المسرحية، وفي كل مرة يدهشني أكثر في إبداع متناهٍ ،بحيث كنا ننظر إليه وإلى فادي صاحب الرواية ويختلط علينا الأمر من شدة الاتقان فنكاد لا نميز أيهما فادي الحقيقي.

رهين الجسد عمل متكامل الأركان ، جمع عباقرة المسرح  والذي يجمعهم عشق المسرح حتى النخاع!
  حققت مسرحية " رهين الجسد خاصية  التطهير Catharsis في سياق فلسفة أرسطو في تأثير المسرح على المشاهد من تنفيس عن العواطف  وتهذيبها، ويوضح مصطلح التطهير تأثير المسرح بنوعيه الكوميدي والتراجيدي في الجمهور، فقد ربط أرسطو بين التطهير والانفعال الناتج عن متابعة مصير البطل.
فتحقق التطهير الروحي من خلال تنقية روح وأفكار ومشاعر الجمهور فخرجوا في حالة خاصة أكثر صفاءً وعقلانية وتوازنًا نفسيا وتحفيزًا بالإبداع، محملين بالأمل والرضا والقناعة وخليط مشاعر من التسامي والترفع، وقد لمست هذه المسرحية  مشاعري ومشاعر الجمهور.وفوقع التأثير في نفوس المشاهدين من خلال قراءة نظرات عيونهم ومن خلال التصفيق الحاد بعد انتهاء المسرحية فعادوا إلى بيوتهم ببصيرة روحية. وأنا على ثقة أنها ستؤثر إيجابيا على نظرتهم لصعوباتهم الحياتية على المستوى الشخصي، وعلى المستوى العام في طريقة تعاملهم وتقبلهم للآخر خاصة ذوي الاحتياجات  الخاصة، فحققت المسرحية هدفها.
رهين الجسد عمل متكامل الأركان ، جمع عباقرة المسرح  والذي يجمعهم عشق المسرح حتى النخاع ، أنصح بشدة مشاهدتها  للكبار وللصغار، لطلاب المدارس بفئاتهم العمرية المختلفة، الابتدائية والإعدادية والثانوية، فهي تخاطب الجميع وأنا على ثقة أنها ستشفينا جميعا من تلوثات لحقت بنا جراء ظواهر غير إنسانية دخلت على حياتنا من تنمر وعنف وعدم تقبل الآخر.
رهين الجسد اختصرت في جعبتها الكثير من آفات اقتحمت مجتمعاتنا الإنسانية!!
هنيئًا لكل فرد شارك في هذا العمل الجاد الذي جعلني أطمئن أكثر على تطور مشهدنا المسرحي.


د.جهينة عمر الخطيب ناقدة في مجال الأدب والفنون المختلفة المسرح والسينما والفنون التشكيلية
















Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت